الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْإِنْسَانُ إلَّا مَا يُطِيقُهُ؛ كَمَنْ عِنْدَهُ مَا لَا يَكْفِيهِ لِوُضُوئِهِ، فَإِنَّهُ يَسْتَعْمِلُهُ، ثُمَّ يَتَيَمَّمُ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ.
(فَإِنْ تَغَيَّرَ) الْمَغْصُوبُ (كَرُطَبٍ أَتَمْرَ) ؛ أَيْ: صَارَ وَقْتَ التَّلَفِ تَمْرًا، (أَوْ عَصِيرٍ تَخَلَّلَ) ؛ أَيْ: صَارَ خَلًّا، أَوْ سِمْسِمٍ صَارَ بَعْدَ الْغَصْبِ شيرجا؛ (ضَمَّنَهُ) - بِتَشْدِيدِ الْمِيمِ - (الْمَالِكُ) لِلْغَاصِبِ وَنَحْوِهِ (بِمِثْلِ أَيِّهِمَا شَاءَ) ؛ لِثُبُوتِ مِلْكِهِ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْمِثْلَيْنِ، فَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَهُ رُطَبًا وَعَصِيرًا وَسِمْسِمًا، اعْتِبَارًا بِحَالِ الْغَصْبِ، أَوْ تَمْرًا أَوْ خَلًّا أَوْ شيرجا اعْتِبَارًا بِحَالِ التَّلَفِ. وَالدَّرَاهِمُ الْمَغْشُوشَةُ الرَّائِجَةُ مِثْلِيَّةٌ لِتَمَاثُلِهَا عُرْفًا، وَلِأَنَّ أَخْلَاطَهَا غَيْرُ مَقْصُودَةٍ، وَكَذَا الْفُلُوسُ، وَتَقَدَّمَ.
[تَنْبِيهٌ يُسْتَثْنَى مِنْ ضَمَانِ الْمِثْلِيِّ بِمِثْلِهِ فِي الْمَغْصُوبِ الْمَاءُ فِي الْمَفَازَةِ]
تَنْبِيهٌ: يَنْبَغِي أَنْ يُسْتَثْنَى مِنْ ضَمَانِ الْمِثْلِيِّ بِمِثْلِهِ الْمَاءُ فِي الْمَفَازَةِ، فَإِنَّهُ يُضْمَنُ بِقِيمَتِهِ فِي الْبَرِّيَّةِ. ذَكَرَهُ فِي " الْمُبْدِعِ " وَجَزَمَ بِهِ الْحَارِثِيُّ قَالَ فِي شَرْحِ الْإِقْنَاعِ " قُلْت: وَيُؤَيِّدُهُ مَا قَالُوهُ فِي التَّيَمُّمِ: وَيُيَمَّمُ رَبُّ مَاءٍ [مَاتَ] لِعَطَشِ رَفِيقِهِ، وَيَغْرَمُ قِيمَتَهُ مَكَانَهُ لِوَرَثَتِهِ.
وَضُمِنَ (غَيْرُ مِثْلِيٍّ كَجَوْهَرٍ وَصُبْرَةِ بَقَّالٍ وَمَعْمُولٍ) مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ وَنَحْوِهِمَا (وَحَيَوَانٌ) إذَا أَتْلَفَ ذَلِكَ أَوْ أُتْلِفَ (بِقِيمَتِهِ يَوْمَ تَلَفِهِ) ؛ لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا: «مَنْ أَعْتَقَ شِرْكًا لَهُ فِي عَبْدٍ قُوِّمَ عَلَيْهِ قِيمَةُ الْعَدْلِ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. فَأَمَرَ بِالتَّقْوِيمِ فِي حِصَّةِ الشَّرِيكِ؛ لِأَنَّهَا مُتْلَفَةٌ بِالْعِتْقِ، وَلَمْ يَأْمُرْهُ بِالْمِثْلِ، وَلِأَنَّ غَيْرَ الْمِثْلِيِّ لَا تَتَسَاوَى أَجْزَاؤُهُ، وَتَخْتَلِفُ صِفَاتُهُ، فَالْقِيمَةُ فِيهِ أَعْدَلُ وَأَقْرَبُ إلَيْهِ، وَتُعْتَبَرُ قِيمَتُهُ (فِي بَلَدِ غَصْبِهِ مِنْ نَقْدِهِ) - أَيْ: نَقْدِ بَلَدِ الْغَصْبِ - لِأَنَّهُ مَوْضِعُ الضَّمَانِ بِمُقْتَضَى التَّعَدِّي، وَهَذَا الْمَذْهَبُ نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ عَنْ أَحْمَدَ.
قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَهُوَ الصَّحِيحُ وَالْمَشْهُورُ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا الْمَشْهُورُ وَالِاخْتِيَارُ (مَعَ أَرْشِ
نَقْصِهِ وَأُجْرَتِهِ) مِنْ يَوْمِ غَصْبِهِ إلَى يَوْمِ تَلَفِهِ، سَوَاءٌ كَانَتْ الزِّيَادَةُ مَوْجُودَةً حَالَ الْغَصْبِ أَوْ حَدَثَتْ فِي الْمَغْصُوبِ، (فَإِنْ تَعَذَّرَ نَقْدُ) بَلَدِ غَصْبِهِ، بِأَنْ كَانَ فِيهِ نُقُودٌ؛ فَالْقِيمَةُ (مِنْ غَالِبِهِ) رَوَاجًا؛ لِانْصِرَافِ اللَّفْظِ إلَيْهِ فِيمَا لَوْ بَاعَ بِنَقْدٍ مُطْلَقٍ (وَكَذَا) - أَيْ: كَالْمَغْصُوبِ فِيمَا سَبَقَ تَفْصِيلُهُ - (مُتْلَفٌ بِلَا غَصْبٍ وَمَقْبُوضٌ يُضْمَنُ) ؛ كَمَقْبُوضٍ بِعَقْدٍ فَاسِدٍ يَجِبُ الضَّمَانُ فِي صَحِيحِهِ كَمَبِيعٍ، لَا نَحْوِ هِبَةٍ وَمَا أُجْرِيَ مَجْرَى الْمَقْبُوضِ بِعَقْدٍ فَاسِدٍ؛ كَالْمَقْبُوضِ عَلَى وَجْهِ سَوْمٍ مِمَّا لَمْ يَدْخُلْ فِي مِلْكِ الْمُتْلِفِ لَهُ؛ فَيُضْمَنُ مِثْلِيٌّ بِمِثْلِهِ، وَمُتَقَوِّمٌ بِقِيمَتِهِ.
(وَمَنْ أَخَذَ) مِنْ آخَرَ شَيْئًا (مَعْلُومًا بِكَيْلٍ أَوْ وَزْنٍ) كَجَزَّارٍ وَزَيَّاتٍ، أَوْ أَخَذَ (حَوَائِجَ) مُتَقَوِّمَةً كَفَوَاكِهَ وَبُقُولٍ وَنَحْوِهِمَا (مِنْ بَقَّالٍ وَنَحْوِهِ) ، وَلَمْ يَقْطَعْ سِعْرَهُ (فِي أَيَّامٍ، ثُمَّ حَاسَبَهُ) عَلَى مَا أَخَذَ بَعْدَ ذَلِكَ، (فَإِنَّهُ) لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْمِثْلُ فِي الْمِثْلِيِّ، وَلَا الْقِيمَةُ فِي الْمُتَقَوِّمِ، بَلْ (يُعْطِيهِ بِسِعْرِ يَوْمِ أَخْذِهِ) ؛ لِتَرَاضِيهِمَا عَلَى ذَلِكَ، وَمُقْتَضَاهُ صِحَّةُ الْبَيْعِ بِثَمَنِ الْمِثْلِ.
قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: وَعَلَى هَذَا يَدْخُلُ فِي مِلْكِهِ، وَهَذَا الْعَقْدُ جَارٍ مَجْرَى الْفَاسِدِ؛ لِكَوْنِهِ لَمْ يُعَيِّنْ فِيهِ الثَّمَنَ، لَكِنَّهُ صَحِيحٌ إقَامَةً لِلْعُرْفِ مَقَامَ النُّطْقِ، وَهَذَا - وَإِنْ كَانَ مُخَالِفًا لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ الْبَيْعَ لَا يَصِحُّ إلَّا مَعَ مَعْرِفَةِ الثَّمَنِ - أَوْلَى مِنْ الْقَوْلِ بِأَنَّهُ فَاسِدٌ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ أَثَرُهُ، بَلْ يَدَّعِي بِأَنَّ الثَّمَنَ فِي هَذِهِ مَعْلُومٌ بِحُكْمِ الْعُرْفِ، فَيَقُومُ مَقَامَ التَّصْرِيحِ بِهِ، (وَيُقَوَّمُ) الْمَوْزُونُ وَهُوَ (مَصَاغٌ مُبَاحٌ) - أَيْ: فِيهِ صِنَاعَةٌ مُبَاحَةٌ؛ وَكَمَعْمُولِ نُحَاسٍ وَرَصَاصٍ وَمَغْزُولِ صُوفٍ وَشَعْرٍ وَنَحْوِهِ كَمَغْزُولِ قُطْنٍ وَكَتَّانٍ، (أَوْ مُحَلًّى بِأَحَدِهِمَا) تَزِيدُ عَلَى وَزْنِهِ لِصِنَاعَتِهِ.
وَيُقَوَّمُ (تِبْرٌ تُخَالِفُ قِيمَتُهُ وَزْنَهُ) بِزِيَادَةٍ أَوْ نَقْصٍ، بِنَقْدٍ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ، فَإِنْ كَانَ الْمَصُوغُ مِنْ أَحَدِ النَّقْدَيْنِ؛ قُوِّمَ بِالْآخَرِ؛ لِئَلَّا يُؤَدِّيَ إلَى الرِّبَا، فَيُقَوَّمُ حُلِيُّ الذَّهَبِ بِالْفِضَّةِ، وَحُلِيُّ الْفِضَّةِ بِالذَّهَبِ أَوْ كَانَ مُحَلًّى بِأَحَدِ النَّقْدَيْنِ؛ قُوِّمَ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ أَيْضًا فِرَارًا مِنْ الرِّبَا. وَإِنْ كَانَ الْحُلِيُّ (مِنْهَا) - أَيْ: مِنْ ذَهَبٍ وَفِضَّةٍ مَعًا؛ قَوَّمَهُ (بِأَيِّهِمَا شَاءَ) مِنْهُمَا؛
لِلْحَاجَةِ إلَى التَّقْوِيمِ بِأَحَدِهِمَا؛ لِأَنَّهُمَا قِيَمُ الْمُتْلَفَاتِ، وَلَيْسَ أَحَدُهُمَا أَوْلَى مِنْ الْآخَرِ؛ فَكَانَتْ الْخِيرَةُ فِي ذَلِكَ إلَى مَنْ يُخْبِرُ التَّقْوِيمَ.
(وَيُعْطِي) رَبُّ الْحُلِيِّ الْمَصُوغِ مِنْ النَّقْدَيْنِ أَوْ الْمُحَلَّى بِهِمَا (بِقِيمَتِهِ عَرَضًا) لِأَنَّ أَخْذَهَا مِنْ أَحَدِ النَّقْدَيْنِ يُفْضِي إلَى الرِّبَا. .
(وَيُضْمَنُ مُحَرَّمُ صِنَاعَةٍ؛ كَإِنَاءٍ) مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ (وَحُلِيٍّ مُحَرَّمٍ) ؛ كَسَرْجٍ وَلِجَامٍ وَرِكَابٍ وَنَحْوِهِ (بِوَزْنِهِ) فَقَطْ (مِنْ جِنْسِهِ) ؛ لِأَنَّ الصِّنَاعَةَ الْمُحَرَّمَةَ لَا قِيمَةَ لَهَا شَرْعًا، وَقَالَ فِي " الِانْتِصَارِ " " وَالْمُفْرَدَاتِ ": لَوْ حَكَمَ حَاكِمٌ بِغَيْرِ الْمِثْلِ فِي الْمِثْلِيِّ وَبِغَيْرِ الْقِيمَةِ فِي الْمُتَقَوِّمِ؛ لَمْ يُنَفَّذْ حُكْمُهُ، وَلَمْ يَلْزَمْ قَبُولُهُ، وَاقْتُصِرَ عَلَيْهِ فِي " الْمُبْدِعِ " وَغَيْرِهِ.
(وَ) يَجِبُ (فِي تَلَفِ بَعْضِ مَغْصُوبٍ) عِنْدَ غَاصِبٍ (فَتَنْقُصُ قِيمَةُ بَاقِيهِ كَزَوْجَيْ خُفٍّ) وَمِصْرَاعَيْ بَابٍ (تَلِفَ أَحَدُهُمَا؛ رَدُّ بَاقٍ) مِنْهُمَا إلَى مَالِكِهِ وُجُوبًا (وَقِيمَةِ تَالِفٍ وَأَرْشِ نَقْصٍ) لِلْبَاقِي مِنْهُمَا، فَإِذَا كَانَتْ قِيمَتُهُمَا مُجْتَمِعَيْنِ سِتَّةَ دَرَاهِمَ، فَصَارَتْ قِيمَةُ الْبَاقِي مِنْهُمَا دِرْهَمَيْنِ؛ رَدَّهُ وَأَرْبَعَةٌ دِرْهَمَانِ قِيمَةُ التَّالِفِ وَدِرْهَمَانِ أَرْشُ النَّقْصِ؛ لِأَنَّهُ نَقْصٌ حَصَلَ بِجِنَايَتِهِ، فَلَزِمَهُ ضَمَانُهُ؛ كَمَا لَوْ شَقَّ ثَوْبًا يُنْقِصُهُ الشَّقُّ، بِخِلَافِ نَقْصِ السِّعْرِ؛ فَإِنَّهُ لَمْ يَذْهَبْ بِهِ مِنْ الْمَغْصُوبِ عَيْنٌ وَلَا مَعِينٌ وَهَا هُنَا فَوَاتُ مَعِينٍ وَهُوَ إمْكَانُ الِانْتِفَاعِ بِهِ، وَهُوَ الْمُوجِبُ لِنَقْصِ قِيمَتِهِ؛ كَمَا لَوْ فَوَّتَ بَصَرَهُ أَوْ سَمْعَهُ وَنَحْوَهُ.
(وَمَنْ غَصَبَ ثَوْبًا بِعَشْرَةٍ) فَلَبِسَهُ الْغَاصِبُ أَوْ غَيْرُهُ، فَأَبْلَاهُ، (فَنَقَصَ) الثَّوْبُ (بِاسْتِعْمَالِهِ نِصْفَ قِيمَتِهِ) ، وَكَذَا لَوْ نَقَصَ ذَلِكَ بِغَيْرِ اسْتِعْمَالٍ، (ثُمَّ غَلَتْ) الثِّيَابُ، (فَعَادَتْ) قِيمَةُ الثَّوْبِ الْمَغْصُوبِ إلَى عَشْرَةٍ؛ كَمَا لَوْ كَانَتْ قَبْلَ الْبِلَى؛ (رَدَّهُ) الْغَاصِبُ (وَرَدَّ أَرْشَ نَقْصِهِ؛ لِثُبُوتِهِ بِذِمَّتِهِ قَبْلَ غُلُوِّهِ) ، فَلَا يَتَغَيَّرُ ذَلِكَ بِغَلَاءِ الثَّوْبِ وَلَا رُخْصِهِ، وَكَذَلِكَ (لَوْ رَخُصَ) الثَّوْبُ، فَصَارَتْ قِيمَتُهُ ثَلَاثَةً؛ (لَمْ يَلْزَمْهُ) - أَيْ: الْغَاصِبَ - (مَعَ رَدِّهِ) - أَيْ: الثَّوْبِ - لِمَالِكِهِ (سِوَى الْخَمْسَةِ) أَرْشِ النَّقْصِ، وَلَوْ تَلِفَ الثَّوْبُ كُلُّهُ وَقِيمَتُهُ عَشْرَةٌ، ثُمَّ غَلَتْ
الثِّيَابُ؛ فَصَارَتْ قِيمَتُهُ عِشْرِينَ؛ لَمْ يَضْمَنْ الْغَاصِبُ إلَّا عَشْرَةً، فَلَا تُزَادُ بِغَلَاءِ الثِّيَابِ، وَلَا تَنْقُصُ بِرُخْصِهَا. .
(وَ) يَجِبُ (فِي نَحْوِ قِنٍّ أَبَقَ) مِنْ غَاصِبِهِ، (وَجَمَلٍ) أَوْ فَرَسٍ (شَرَدَ) مِنْهُ، وَعَجَزَ عَنْ رَدِّهِ مَعَ بَقَائِهِ (قِيمَتَهُ) - أَيْ: الْمَغْصُوبِ الْآبِقِ أَوْ الشَّارِدِ لِمَالِكِهِ؛ لِلْحَيْلُولَةِ، (وَيَمْلِكُهَا) - أَيْ: الْقِيمَةَ - (مَالِكُهُ) - أَيْ: الْمَغْصُوبِ - بِقَبْضِهَا، وَيَصِحُّ تَصَرُّفُهُ فِيهَا كَسَائِرِ أَمْلَاكِهِ مِنْ أَجْلِ الْحَيْلُولَةِ، لَا عَلَى سَبِيلِ الْعِوَضِ، وَلِهَذَا لَا يَمْلِكُ (غَاصِبٌ مَغْصُوبًا بِدَفْعِهَا) - أَيْ: الْقِيمَةِ - لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ أَنْ يَتَمَلَّكَهُ بِالْبَيْعِ؛ لِعَدَمِ الْقُدْرَةِ عَلَى تَسْلِيمِهِ، وَكَمَا لَوْ كَانَ أُمَّ وَلَدٍ فَلَا يَمْلِكُ كَسْبَهُ، وَلَا يَعْتِقُ عَلَيْهِ لَوْ كَانَ قَرِيبَهُ؛ إذْ لَا يَصِحُّ أَنْ يَتَمَلَّكَهُ بِالتَّضْمِينِ كَالتَّالِفِ.
قَالَ فِي " التَّلْخِيصِ ": وَلَا يُجْبَرُ الْمَالِكُ عَلَى أَخْذِهَا، وَلَا يَصِحُّ الْإِبْرَاءُ مِنْهَا، وَلَا يَتَعَلَّقُ الْحَقُّ بِالْبَدَلِ، فَلَا يَنْتَقِلُ إلَى الذِّمَّةِ، وَإِنَّمَا يَثْبُتُ جَوَازُ الْأَخْذِ دَفْعًا لِلضَّرَرِ، فَتُوقَفُ عَلَى خِيَرَتِهِ، (فَمَتَى قَدَرَ) غَاصِبٌ عَلَى آبِقٍ وَنَحْوِهِ؛ (رَدَّهُ) وُجُوبًا بِنَمَائِهِ الْمُتَّصِلِ وَالْمُنْفَصِلِ؛ لِأَنَّهُ تَابِعٌ لِلْأَصْلِ، (وَأَخَذَهَا) ؛ أَيْ: أَخَذَ الْغَاصِبُ الْقِيمَةَ بِعَيْنِهَا إنْ بَقِيَتْ؛ لِزَوَالِ الْحَيْلُولَةِ الَّتِي وَجَبَتْ لِأَجْلِهَا (بِزِيَادَتِهَا الْمُتَّصِلَةِ) فَقَطْ مِنْ سَمْنٍ وَنَحْوِهِ؛ لِأَنَّهَا تَتْبَعُ فِي الْفُسُوخِ، وَلَا يَرُدُّ مَعَ الْقِيمَةِ زِيَادَتَهَا (الْمُنْفَصِلَةَ) كَالْوَلَدِ وَالثَّمَرَةِ بِلَا نِزَاعٍ.
قَالَ فِي " الْإِنْصَافِ "[؛ لِأَنَّهَا] وُجِدَتْ فِي مِلْكِهِ، وَلَا تَتْبَعُ فِي الْفُسُوخِ، فَأَشْبَهَتْ زِيَادَةَ الْمَبِيعِ الْمَرْدُودِ بِعَيْبٍ. قَالَ الْمَجْدُ: وَعِنْدِي أَنَّ هَذَا لَا يُتَصَوَّرُ؛ لِأَنَّ الشَّجَرَ وَالْحَيَوَانَ لَا يَكُونُ أَبَدًا نَفْسَ الْقِيمَةِ الْوَاجِبَةِ، بَلْ بَدَلٌ عَنْهَا، وَإِذَا رَجَعَ الْمَغْصُوبُ؛ رَدَّ الْقِيمَةَ لَا بَدَلَهَا وَلَا ثَمَرَاتِهِ؛ كَمَنْ بَاعَ سِلْعَتَهُ بِدَرَاهِمَ ثُمَّ أَخَذَ عَنْهَا ذَهَبًا أَوْ سِلْعَةً، ثُمَّ رَدَّ الْمَعِيبَ بِالْبَيْعِ؛ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ بِدَرَاهِمَ لَا بَدَلَهَا انْتَهَى.
قَالَ فِي " شَرْحِ الْمُنْتَهَى ": وَهُوَ كَمَا قَالَ الْبُهُوتِيُّ فِي شَرْحَيْهِ، وَيُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ الثَّمَنَ ثَبَتَ فِي الذِّمَّةِ دَرَاهِمَ، فَإِذَا عَوَّضَهُ عَنْهَا شَيْئًا؛ فَهُوَ عَقْدٌ آخَرُ، وَأَمَّا هُنَا فَالْقِيمَةُ لَمْ تَثْبُتْ فِي الذِّمَّةِ كَمَا تَقَدَّمَ عَنْ صَاحِبِ
التَّلْخِيصِ، فَمَا دَفَعَهُ ابْتِدَاءً هُوَ الْقِيمَةُ سَوَاءً كَانَ مِنْ النَّقْدَيْنِ أَوْ غَيْرِهِمَا، (أَوْ) يَأْخُذُ (بَدَلهَا) - أَيْ: الْقِيمَةِ - (إنْ تَلِفَتْ أَوْ بِيعَتْ) وَهُوَ مِثْلُهَا إنْ كَانَتْ مِثْلِيَّةً، أَوْ قِيمَتُهَا إنْ كَانَتْ مُتَقَوِّمَةً، (وَلَيْسَ لَهُ) - أَيْ: الْغَاصِبِ - (حَبْسُ مَغْصُوبٍ) عَادَ إلَيْهِ بَعْدَ أَدَاءِ قِيمَتِهِ (لِدَفْعِهَا) - أَيْ: الْقِيمَةِ - (وَلَا حَبَسَ مَبِيعٍ فَاسِدٍ عَلَى رَدِّ ثَمَنِهِ، بَلْ يُدْفَعَانِ) - أَيْ: الْمَغْصُوبُ وَقِيمَتُهُ أَوْ الْمَبِيعُ بَيْعًا فَاسِدًا وَثَمَنُهُ (لِعَدْلٍ) يُنَصِّبُهُ الْحَاكِمُ، (يُسَلِّمُ لِكُلٍّ) مِنْهَا (مَالَهُ) قَطْعًا لِلنِّزَاعِ؛ لِمَا تَقَدَّمَ فِي الْبَيْعِ.
(وَ) يَجِبُ (فِي عَصِيرٍ تَخَمَّرَ) عِنْدَ غَاصِبٍ (مِثْلُهُ) ؛ لِصَيْرُورَتِهِ فِي حُكْمِ التَّالِفِ؛ لِذَهَابِ مَالِيَّتِهِ بِتَخْمِيرِهِ، (وَمَتَى انْقَلَبَ) عَصِيرٌ تَخَمَّرَ (خَلًّا) بِيَدِ غَاصِبٍ؛ (رَدَّهُ) الْغَاصِبُ، (وَرَدَّ أَرْشَ نَقْصِهِ) إنْ نَقَصَتْ قِيمَتُهُ، خَلًّا عَنْ قِيمَتِهِ عَصِيرًا؛ لِحُصُولِ النَّقْصِ بِيَدِهِ، وَكَتَلَفِ جُزْءٍ مِنْهُ؛ (كَمَا لَوْ نَقَصَ بِلَا تَخَمُّرٍ) بِأَنْ صَارَ ابْتِدَاءً خَلًّا، وَكَغَصْبِ شَابَّةٍ فَتَهْرَمُ، (وَاسْتَرْجَعَ) الْغَاصِبُ إذَا رَدَّ الْخَلَّ وَأَرْشَ نَقْصِ الْعَصِيرِ (الْبَدَلَ) ، وَهُوَ مِثْلُ الْعَصِيرِ الَّذِي دَفَعَهُ لِمَالِكِهِ؛ لِلْحَيْلُولَةِ؛ كَمَا لَوْ أَدَّى قِيمَةَ الْآبِقِ، ثُمَّ قَدَرَ عَلَيْهِ، وَرَدَّهُ إلَى رَبِّهِ.
وَإِنْ نَقَصَتْ قِيمَةُ عَصِيرٍ أَوْ زَيْتٍ غَلَاهُ غَاصِبٌ بِغَلَيَانِهِ؛ فَعَلَيْهِ أَرْشُ نَقْصِهِ. وَإِنْ غَصَبَ رِطْلَيْنِ عَصِيرًا مَثَلًا، فَغَلَاهُمَا، فَذَهَبَ رِطْلٌ، وَزَادَتْ قِيمَةُ الرِّطْلِ الْبَاقِي، فَصَارَتْ تُسَاوِي قِيمَةَ رِطْلَيْنِ قَبْلَ الْغَلْيِ؛ لَمْ يَلْزَمْهُ ضَمَانُ مَا نَقَصَ مِنْ الْعَصِيرِ؛ لِأَنَّ الذَّاهِبَ مِنْ الْعَصِيرِ بِغَلَيَانِهِ هُوَ الْمَاءُ؛ لِأَنَّ النَّارَ تُذْهِبُ مَائِيَّتَهُ، وَتُجَمِّعُ حَلَاوَتَهُ، وَالْمَاءُ لَا قِيمَةَ لَهُ، بِخِلَافِ مَا لَوْ غَصَبَ رِطْلَيْ زَيْتٍ قِيمَتُهَا عَشْرَةُ دَرَاهِمَ مَثَلًا، فَغَلَاهُمَا، فَذَهَبَ رِطْلٌ، وَبَقِيَ رِطْلٌ قِيمَتُهُ عَشْرَةُ دَرَاهِمَ، فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ رَدُّ مِثْلِ مَا ذَهَبَ؛ لِأَنَّ الزَّيْتَ لَا مَاءَ فِيهِ، فَالذَّاهِبُ جُزْءٌ مِنْهُ، وَالنَّارُ لَا تُعَقِّدُ أَجْزَاءَهُ، بَلْ تُتْلِفُهَا؛ فَيَلْزَمُهُ ضَمَانُ ذَلِكَ؛ كَمَا لَوْ أَوْقَدَهُ فِي الْمِصْبَاحِ، وَالزِّيَادَةُ زِيَادَةُ سِعْرٍ.
(وَمَا صَحَّتْ إجَارَتُهُ) ؛ بِأَنْ [كَانَ لَهُ مَنْفَعَةٌ تَصِحُّ إجَارَتُهَا، (وَأُوجِرَ
غَالِبًا) بِأَنْ] جَرَتْ الْعَادَةُ بِإِيجَارِهِ (مِنْ مَغْصُوبٍ وَمَقْبُوضٍ بِعَقْدٍ فَاسِدٍ) كَرَقِيقٍ وَدَوَابَّ وَسُفُنٍ وَعَقَارٍ؛ (فَعَلَى غَاصِبٍ وَقَابِضٍ) بِعَقْدٍ فَاسِدٍ (أُجْرَةُ مِثْلِهِ مُدَّةَ مُقَامِهِ بِيَدِهِ) . هَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَنَصَّ عَلَيْهِ فِي قَضَايَا كَثِيرَةٍ. وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ " وَغَيْرِهِ، فَتُضْمَنُ مَنَافِعُهُ بِالْفَوَاتِ وَالتَّفْوِيتِ؛ أَيْ: سَوَاءٌ اسْتَوْفَى الْمَنَافِعَ أَوْ تَرَكَهَا تَذْهَبُ؛ لِأَنَّ كُلَّ مَا ضَمِنَهُ بِالْإِتْلَافِ فِي الْعَقْدِ الْفَاسِدِ؛ جَازَ أَنْ يَضْمَنَهُ بِمُجَرَّدِ التَّلَفِ؛ كَالْأَعْيَانِ، وَلِأَنَّ الْمَنْفَعَةَ مَالٌ مُتَقَوِّمٌ، فَوَجَبَ ضَمَانُهُ كَالْعَيْنِ، وَمَنْ لَمْ يُوجِبْ الْأَجْرَ عَلَى الْغَاصِبِ؛ احْتَجَّ بِحَدِيثِ:«الْخَرَاجُ بِالضَّمَانِ» .
وَلَا ضَمَانَ عَلَى الْغَاصِبِ؛ لِأَنَّهُ اسْتَوْفَى مَنْفَعَةً بِغَيْرِ عَقْدٍ، وَلَا شُبْهَةِ مِلْكٍ، أَشْبَهَ مَا لَوْ زَنَى بِامْرَأَةٍ مُطَاوِعَةٍ، وَالْجَوَابُ بِأَنَّ كُلَّ مَا ضَمِنَهُ بِالْإِتْلَافِ فِي الْعَقْدِ الْفَاسِدِ جَازَ أَنْ يَضْمَنَهُ بِمُجَرَّدِ الْإِتْلَافِ؛ كَالْأَعْيَانِ، وَلِأَنَّهُ أَتْلَفَ مُتَقَوِّمًا؛ فَوَجَبَ ضَمَانُهُ كَالْأَعْيَانِ، أَوْ يُقَالُ: مَالٌ مُتَقَوِّمٌ مَغْصُوبٌ؛ فَوَجَبَ كَالْعَيْنِ، وَأَمَّا الْخَبَرُ فَوَارِدٌ فِي الْبَيْعِ، وَلَا يَدْخُلُ فِيهِ الْغَاصِبُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ الِانْتِفَاعُ بِالْمَغْصُوبِ إجْمَاعًا، وَلَا يُشْبِهُ الزِّنَا؛ فَإِنَّهَا رَضِيَتْ بِإِتْلَافِ مَنَافِعِهَا بِغَيْرِ عِوَضٍ - وَلَا عَقْدٍ يَقْتَضِي الْعِوَضَ - فَكَانَ بِمَنْزِلَةِ مَنْ أَعَارَهُ دَارِهِ، وَلَوْ أَكْرَهَهَا عَلَيْهِ؛ لَزِمَهُ مَهْرُهَا. .
وَلَوْ غَصَبَ جَارِيَةً وَلَمْ يَطَأْهَا وَمَضَى عَلَيْهَا زَمَنٌ يُمْكِنُ الْوَطْءُ فِيهِ لَمْ يَضْمَنْ مَهْرَهَا؛ لِأَنَّ مَنَافِعَ الْبُضْعِ لَا تُتْلَفُ بِلَا اسْتِيفَاءٍ، بِخِلَافِ غَيْرِهَا، وَلِأَنَّهَا لَا تُقَدَّرُ بِزَمَنٍ، فَيُتْلِفُهَا مُضِيُّ الزَّمَانِ، بِخِلَافِ الْمَنْفَعَةِ.
(وَمَعَ عَجْزِ) غَاصِبٍ (عَنْ رَدِّ) مَغْصُوبٍ تَصِحُّ إجَارَتُهُ؛ كَعَبْدٍ أَبَقَ، وَجَمَلٍ شَرَدَ؛ فَعَلَيْهِ أُجْرَتُهُ (إلَى) وَقْتِ (أَدَاءِ قِيمَتِهِ) فَقَطْ، فَإِنْ قَدَرَ الْغَاصِبُ عَلَى الْمَغْصُوبِ بَعْدَ عَجْزِهِ عَنْهُ؛ لَزِمَهُ رَدُّهُ لِلْمَالِكِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَكَذَا مَقْبُوضٌ بِعَقْدٍ فَاسِدٍ، وَلَا أُجْرَةَ لَهُ عَلَى غَاصِبٍ وَقَابِضٍ مِنْ حِينِ دَفْعِ بَدَلِهِ إلَى رَبِّهِ؛ لِأَنَّ مَالِكَهُ بِأَخْذِ قِيمَتِهِ اسْتَحَقَّ الِانْتِفَاعَ بِبَدَلِهِ الَّذِي هُوَ قِيمَتُهُ، فَلَا يَسْتَحِقُّ الِانْتِفَاعَ بِهِ وَبِبَدَلِهِ.
وَمَنَافِعُ الْمَقْبُوضِ بِعَقْدٍ فَاسِدٍ يَجِبُ الضَّمَانُ فِي صَحِيحِهِ كَبَيْعٍ وَإِجَارَةٍ؛ كَمَنَافِعِ الْمَغْصُوبِ؛