الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(فِي) الشِّقْصِ (الْمَبِيعِ مِنْ نَصِيبِ صَاحِبِهِ) عَلَى قَدْرِ حِصَّتِهِ؛ لِأَنَّ الْمَبِيعَ الْمَذْكُورَ بِمَنْزِلَةِ عَقْدَيْنِ لِتَعَدُّدِ مَنْ وَقَعَ مِنْهُ الْعَقْدُ.
[فَصْلٌ تَصَرُّفُ الْمُشْتَرِي فِي الشِّقْصِ الْمَشْفُوعِ بَعْدَ طَلَبِ الشَّفِيع الشُّفْعَة]
(فَصْلٌ: وَتَصَرُّفُ مُشْتَرٍ) فِي الشِّقْصِ الْمَشْفُوعِ (بَعْدَ طَلَبِ شَفِيعٍ) بِالشُّفْعَةِ (بَاطِلٌ) ؛ لِانْتِقَالِ الْمِلْكِ إلَى الشَّفِيعِ بِالطَّلَبِ فِي الْأَصَحِّ أَوْ الْحَجْرِ عَلَيْهِ بِهِ لِحَقِّ الشَّفِيعِ عَلَى مُقَابِلِهِ، وَإِنْ نَهَى الشَّفِيعُ الْمُشْتَرِيَ عَنْ التَّصَرُّفِ وَلَمْ يُطَالِبْهُ بِهَا؛ لَمْ يَصِرْ الْمُشْتَرِي مَمْنُوعًا، بَلْ تَسْقُطُ الشُّفْعَةُ عَلَى قَوْلِنَا هِيَ عَلَى الْفَوْرِ.
ذَكَرَهُ الْقَاضِي فِي خِلَافِهِ، وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ ابْنُ رَجَبٍ فِي الْقَاعِدَةِ الثَّالِثَةِ وَالْخَمْسِينَ. وَتَصَرُّفُ مُشْتَرٍ (قَبْلَهُ) - أَيْ: الطَّلَبِ - (بِوَقْفٍ) عَلَى مُعَيَّنٍ؛ كَأَنْ وَقَفَهُ عَلَى وَلَدِهِ أَوْ وَلَدِ زَيْدٍ، أَوْ عَلَى غَيْرِ مُعَيَّنٍ بِأَنْ وَقَفَهُ عَلَى الْمَسَاجِدِ أَوْ الْفُقَرَاءِ أَوْ الْغُزَاةِ، أَوْ تَصَرُّفُهُ فِي الشِّقْصِ (بِهِبَةٍ أَوْ صَدَقَةٍ؛ أَوْ بِمَا لَا تَجِبُ بِهِ شُفْعَةٌ ابْتِدَاءً كَجَعْلِهِ مَهْرًا أَوْ عِوَضَ خُلْعٍ أَوْ صُلْحًا عَنْ دَمِ عَمْدٍ؛ يُسْقِطُهَا) - أَيْ: الشُّفْعَةَ - قَالَ الْقَاضِي: الْمَنْصُوصُ عَنْ أَحْمَدَ فِي رِوَايَةِ عَلِيِّ بْنِ سَعِيدٍ وَأَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدٍ إسْقَاطُ الشُّفْعَةِ فِيمَا إذَا تَصَرَّفَ بِالْوَقْفِ وَالْهِبَةِ، وَالصَّدَقَةُ كَالْهِبَةِ؛ لِأَنَّ بِالشُّفْعَةِ إضْرَارًا بِالْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ وَالْمَوْهُوبِ لَهُ وَالْمُتَصَدَّقِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ مِلْكَهُ يَزُولُ عَنْهُ بِغَيْرِ عِوَضٍ؛ لِأَنَّ الثَّمَنَ إنَّمَا يَأْخُذُهُ الْمُشْتَرِي، وَالضَّرَرُ لَا يُزَالُ بِالضَّرَرِ.
(وَيَحْرُمُ) عَلَى الْمُشْتَرِي التَّصَرُّفُ بِوَقْفٍ وَمَا عُطِفَ عَلَيْهِ لِيُسْقِطَ الشُّفْعَةَ، (إنْ قَصَدَهُ) - أَيْ: الْإِسْقَاطَ، وَمَعَ ذَلِكَ تَسْقُطُ لِصُدُورِ التَّصَرُّفِ مِنْهُ قَبْلَ الطَّلَبِ.
وَ (لَا) تَسْقُطُ الشُّفْعَةُ بِتَصَرُّفِ الْمُشْتَرِي بِالشِّقْصِ الْمَشْفُوعِ (بِرَهْنٍ أَوْ إجَارَةٍ) ؛ لِبَقَاءِ الْمَرْهُونِ وَالْمُؤَجَّرِ فِي مِلْكِ الْمُشْتَرِي، وَسَبْقِ تَعَلُّقِ حَقِّ الشَّفِيعِ عَلَى حَقِّ الْمُرْتَهِنِ وَالْمُسْتَأْجِرِ.
(وَيَنْفَسِخَانِ) - أَيْ: الرَّهْنُ وَالْإِجَارَةُ - (بِأَخْذِهِ) - أَيْ: أَخْذِ الشَّفِيعِ الشِّقْصَ الْمَرْهُونَ أَوْ الْمُؤَجَّرَ بِالشُّفْعَةِ - مِنْ حِينِ الْأَخْذِ؛ لِأَنَّهُمَا يَسْتَنِدَانِ إلَى حَالِ الشِّرَاءِ، وَلِسَبْقِ حَقِّهِ حَقَّهُمَا، وَأَيْضًا الْفَرْقُ بَيْنَ الْأَخْذِ
بِالشُّفْعَةِ وَالْبَيْعِ أَنَّ الشِّقْصَ خَرَجَ مِنْ يَدِ الْمُشْتَرِي قَهْرًا عَلَيْهِ فِي الْأَخْذِ بِالشُّفْعَةِ، بِخِلَافِ الْبَيْعِ.
(وَلَا) تَسْقُطُ الشُّفْعَةُ (بِانْتِقَالٍ لِوَارِثٍ) بِمَوْتِ مُوَرِّثِهِ إنْ طَالَبَ بِهَا قَبْلَ مَوْتِهِ، (أَوْ) بِانْتِقَالِ الشِّقْصِ الْمَشْفُوعِ (لِبَيْتِ الْمَالِ) ؛ بِأَنْ ارْتَدَّ الْمُشْتَرِي، فَقُتِلَ أَوْ مَاتَ قَبْلَ عِلْمِ الشَّفِيعِ بِالْبَيْعِ؛ فَلِلشَّفِيعِ إذَا عَلِمَ الْأَخْذُ بِالشُّفْعَةِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ؛ لِانْتِقَالِ مَالِ الْمُرْتَدِّ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهَا وَجَبَتْ بِالشِّرَاءِ وَانْتِقَالُهُ إلَى الْمُسْلِمِينَ بِقَتْلِهِ أَوْ مَوْتِهِ لَا يَمْنَعُ الشُّفْعَةَ، كَمَا لَوْ مَاتَ عَلَى الْإِسْلَامِ، فَوَرِثَهُ وَرَثَتُهُ، أَوْ صَارَ مَالُهُ إلَى بَيْتِ الْمَالِ؛ لِعَدَمِ وَرَثَتِهِ، وَيُؤْخَذُ الشِّقْصُ بِالشُّفْعَةِ مِنْ وَكِيلِ بَيْتِ الْمَالِ؛ لِأَنَّهُ نَائِبٌ عَنْ الْمُسْلِمِينَ الْآيِلِ إلَيْهِمْ الشِّقْصُ
وَ (لَا) تَسْقُطُ الشُّفْعَةُ (بِوَصِيَّةٍ) مِنْ الْمُشْتَرِي بِأَنْ أَوْصَى بِالشِّقْصِ الْمَشْفُوعِ، وَمَاتَ. (إنْ أَخَذَ شَفِيعٌ) الشِّقْصَ (قَبْلَ قَبُولِ مُوصًى لَهُ) ؛ لِأَنَّ حَقَّهُ أَسْبَقُ مِنْ حَقِّ الْمُوصَى لَهُ، فَإِذَا أَخَذَهُ دَفَعَ الثَّمَنَ إلَى الْوَرَثَةِ، وَبَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ؛ لِأَنَّ الْمُوصَى بِهِ ذَهَبَ، فَبَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ بِهِ، كَمَا لَوْ تَلِفَ، وَلَا يَسْتَحِقُّ الْمُوصَى لَهُ بَدَلَهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوصِ لَهُ إلَّا بِالشِّقْصِ، وَقَدْ فَاتَ بِأَخْذِهِ، وَإِنْ كَانَ الْمُوصَى لَهُ قَبِلَ الْوَصِيَّةِ بِالشِّقْصِ قَبْلَ أَخْذِ الشَّفِيعِ بِالشُّفْعَةِ أَوْ قَبْلَ طَلَبِهِ بِهَا؛ لَزِمَتْ الْوَصِيَّةُ، وَاسْتَقَرَّ لِلْمُوصَى لَهُ، وَسَقَطَتْ الشُّفْعَةُ؛ لِأَنَّ بِالشُّفْعَةِ إضْرَارًا بِالْمُوصَى لَهُ؛ لِأَنَّ مِلْكَهُ يَزُولُ عَنْهُ بِغَيْرِ عِوَضٍ، وَكَمَا لَوْ وَهَبَهُ الْمُشْتَرِي قَبْلَ الطَّلَبِ.
وَإِنْ طَلَبَ الشَّفِيعُ الْأَخْذَ بِالشُّفْعَةِ قَبْلَ قَبُولِ الْوَصِيَّةِ، وَلَمْ يَأْخُذْ بَعْدَ الطَّلَبِ حَتَّى مَاتَ الْمُوصِي؛ بَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ، وَاسْتَقَرَّ الْأَخْذُ لِلشَّفِيعِ، سَوَاءٌ قَبِلَ الْمُوصَى لَهُ الْوَصِيَّةَ أَوْ لَا؛ لِأَنَّهُ مَلَكَ قَبْلَ لُزُومِ الْوَصِيَّةِ، فَفَاتَ عَلَى الْمُوصِي.
وَلَا تَسْقُطُ الشُّفْعَةُ (بِبَيْعِ) الْمُشْتَرِي الشِّقْصَ قَبْلَ الطَّلَبِ، (فَيَأْخُذُهُ) - أَيْ: الشِّقْصَ الْمَشْفُوعَ - (شَفِيعٌ بِثَمَنِ أَيِّ الْبَيْعَيْنِ شَاءَ) ؛ لِأَنَّ سَبَبَ الشُّفْعَةِ الشِّرَاءُ - وَقَدْ وُجِدَ كُلٌّ مِنْهُمَا - وَلِأَنَّهُ شَفِيعٌ فِي الْعَقْدَيْنِ، وَعُلِمَ مِنْ ذَلِكَ صِحَّةُ تَصَرُّفِ الْمُشْتَرِي مِنْ الشِّقْصِ قَبْلَ الطَّلَبِ؛ وَكَوْنُ الشَّفِيعِ لَهُ أَنْ يَتَمَلَّكَهُ لَا يَمْنَعُ مِنْ تَصَرُّفِهِ، كَمَا لَوْ كَانَ أَحَدُ الْعِوَضَيْنِ مَعِيبًا؛ فَإِنَّهُ لَا يُمْنَعُ مِنْ التَّصَرُّفِ فِي الْآخَرِ، وَكَالِابْنِ يَتَصَرَّفُ فِي الْعَيْنِ الْمَوْهُوبَةِ لَهُ وَإِنْ جَازَ لِأَبِيهِ الرُّجُوعُ فِيهَا.
(وَيَرْجِعُ مَنْ) - أَيْ: الَّذِي (أَخَذَ مِنْهُ الشِّقْصَ بِبَيْعٍ قَبْلَ بَيْعِهِ)، وَهُوَ مَنْ كَانَ الشِّقْصُ بِيَدِهِ حَالَ الْأَخْذِ (عَلَى بَائِعِهِ بِمَا أَعْطَاهُ) مِنْ الثَّمَنِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَسْلَمْ لَهُ الْعِوَضُ؛ (كَأَنْ يَشْتَرِيَهُ) أَيْ: الشِّقْصَ - الْمُشْتَرِي الْأَوَّلُ (بِخَمْسَةِ) دَنَانِيرَ، مَثَلًا، (وَيَبِيعَهُ) مِنْ آخَرَ (بِعَشَرَةِ) دَنَانِيرَ، (وَيَأْخُذُهُ) - أَيْ: الشِّقْصَ - (شَفِيعٌ) مِنْ الْمُشْتَرِي الْأَوَّلِ (بِخَمْسَةِ) دَنَانِيرَ، وَيَرْجِعُ الْمُشْتَرِي الثَّانِي عَلَى الْأَوَّلِ بِمَا دَفَعَهُ لَهُ مِنْ الثَّمَنِ، وَهُوَ الْعَشَرَةُ دَنَانِيرَ، وَيَنْفَسِخُ الْبَيْعُ الثَّانِي. وَإِنْ كَانَ مُشْتَرٍ ثَالِثٌ بِخَمْسَةَ عَشَرَ دَنَانِيرَ مَثَلًا، وَلَمْ يَعْلَمْ الشَّفِيعُ حَتَّى تَبَايَعَ ثَلَاثَةٌ فَأَكْثَرُ، وَأَخَذَ الشَّفِيعُ بِالْبَيْعِ الْأَوَّلِ؛ رَجَعَ الْمُشْتَرِي الثَّانِي عَلَى الْأَوَّلِ، وَالْمُشْتَرِي الثَّالِثُ عَلَى الثَّانِي، وَهَلُمَّ جَرَّا، وَيَنْفَسِخُ مَا بَعْدَ الْبَيْعِ الْأَوَّلِ. وَإِنْ أَخَذَ الشَّفِيعُ بِالْبَيْعِ الْأَخِيرِ؛ فَلَا رُجُوعَ، وَاسْتَقَرَّتْ الْعُقُودُ وَإِنْ أَخَذَ بِالْمُتَوَسِّطِ اسْتَقَرَّ مَا قَبْلَهُ، وَانْفَسَخَ مَا بَعْدَهُ.
(وَلَا تَسْقُطُ) الشُّفْعَةُ بِرُجُوعِ الشِّقْصِ إلَى الشَّرِيكِ بِسَبَبِ (فَسْخِ) الْبَيْعِ (لِتَحَالُفٍ) عَلَى قَدْرِ الثَّمَنِ بِسَبَبِ اخْتِلَافِهِمَا فِيهِ؛ لِسَبْقِ اسْتِحْقَاقِ الشُّفْعَةِ الْفَسْخَ، (وَيُؤْخَذُ) الشِّقْصُ (بِهِ) - أَيْ: بِثَمَنٍ - (حَلَفَ عَلَيْهِ بَائِعٌ) ؛ لِأَنَّ الْبَائِعَ مُقِرٌّ بِالْبَيْعِ بِالثَّمَنِ الَّذِي حَلَفَ عَلَيْهِ وَمُقِرٌّ لِلشَّفِيعِ بِاسْتِحْقَاقِ الشُّفْعَةِ بِذَلِكَ، فَإِذَا بَطَلَ حَقُّ الْمُشْتَرِي بِإِنْكَارِهِ لَمْ يَبْطُلْ حَقُّ الشَّفِيعِ بِذَلِكَ، فَلَهُ أَنْ يَطْلُبَ فَسْخَهُمَا وَيَأْخُذَ؛ لِأَنَّ حَقَّهُ أَسْبَقُ.
(وَلَا) تَسْقُطُ الشُّفْعَةُ أَيْضًا بِرُجُوعِ الشِّقْصِ إلَى الشَّرِيكِ بِسَبَبِ (فَسْخِ إقَالَةٍ أَوْ) بِسَبَبِ فَسْخِ الْبَيْعِ؛ لِوُجُودِ (عَيْبٍ فِي شِقْصٍ) ؛ فَلِلشَّفِيعِ إبْطَالُ الْإِقَالَةِ وَالرَّدُّ وَالْأَخْذُ بِالشُّفْعَةِ؛ لِأَنَّ حَقَّهُ سَابِقٌ عَلَيْهِمَا.
(وَ) فَسْخُ الْبَائِعِ الْبَيْعَ (لِعَيْبٍ فِي نَفْسِهِ) - أَيْ: ثَمَنِ الشِّقْصِ الْمَشْفُوعِ - (الْمُعَيَّنِ) كَمَا لَوْ اشْتَرَى الشِّقْصَ بِعَبْدٍ مُعَيَّنٍ، ثُمَّ عَلِمَ الْبَائِعُ عَيْبَهُ، وَفَسَخَ الْبَيْعَ (قَبْلَ أَخْذِهِ) - أَيْ: الشَّفِيعِ - الشِّقْصَ (بِهَا) - أَيْ: بِالشُّفْعَةِ - (يُسْقِطُهَا؛ لِأَنَّهُ مِنْ جِهَةِ الْبَائِعِ) ، وَلِمَا فِيهِ مِنْ الْإِضْرَارِ بِالْبَائِعِ بِإِسْقَاطِهِ حَقَّهُ مِنْ الْفَسْخِ الَّذِي اسْتَحَقَّهُ بِوُجُودِ الْعَيْبِ، وَالشُّفْعَةُ تَثْبُتُ لِإِزَالَةِ الضَّرَرِ وَالضَّرَرُ لَا يُزَالُ بِالضَّرَرِ، وَلِأَنَّ حَقَّ الْبَائِعِ فِي الْفَسْخِ أَسْبَقُ؛ لِأَنَّهُ اسْتَنَدَ إلَى وُجُودِ الْعَيْبِ، وَهُوَ مَوْجُودٌ حَالَ الْبَيْعِ، وَالشُّفْعَةُ تَثْبُتُ بِالْبَيْعِ، وَيُفَارِقُ مَا إذَا كَانَ الشِّقْصُ مَعِيبًا فَإِنَّ حَقَّ الْمُشْتَرِي إنَّمَا هُوَ فِي اسْتِرْجَاعِ الثَّمَنِ، وَقَدْ حَصَلَ لَهُ مِنْ الشَّفِيعِ، فَلَا فَائِدَةَ فِي الرَّدِّ.
وَ (لَا) تَسْقُطُ الشُّفْعَةُ بِالْفَسْخِ لِعَيْبِ الثَّمَنِ (بَعْدَهُ) - أَيْ: بَعْدَ الْأَخْذِ بِهَا؛ لِأَنَّ الشَّفِيعَ مَلَكَ الشِّقْصَ بِالْأَخْذِ فَلَا يَمْلِكُ الْبَائِعُ إبْطَالَ مِلْكِهِ كَمَا لَوْ بَاعَهُ الْمُشْتَرِي لِأَجْنَبِيٍّ، فَإِنَّ الشُّفْعَةَ بَيْعٌ فِي الْحَقِيقَةِ.
(وَلِبَائِعٍ) إذَا فَسَخَ بَعْدَ أَخْذِ الشَّفِيعِ (إلْزَامُ مُشْتَرٍ بِقِيمَةِ شِقْصٍ) ؛ لِأَنَّ الْأَخْذَ بِالشُّفْعَةِ بِمَنْزِلَةِ تَلَفِ الشِّقْصِ [لَا] ؛ أَيْ: لَيْسَ لِبَائِعٍ إلْزَامُ مُشْتَرٍ بَعْدَ أَخْذِ الشَّفِيعِ (بِالثَّمَنِ) الَّذِي قَبَضَهُ الْمُشْتَرِي مِنْ الشَّفِيعِ بَدَلًا عَنْ عَبْدِهِ (الْمَعِيبِ) ؛ لِعَدَمِ وُقُوعِ الْعَقْدِ عَلَى مَا أَقَبَضَهُ الشَّفِيعُ؛ لِأَنَّ الشَّفِيعَ إنَّمَا دَفَعَ لِلْمُشْتَرِي قِيمَةَ الْعَبْدِ غَيْرَ مَعِيبٍ.
(وَيَتَرَاجَعُ مُشْتَرٍ وَشَفِيعٌ بِمَا بَيْنَ قِيمَةِ) شِقْصٍ (وَثَمَنِهِ) الَّذِي وَقَعَ عَلَيْهِ الْعَقْدُ، وَهُوَ قِيمَةُ الْعَبْدِ؛ لِأَنَّ الشَّفِيعَ أَخَذَهُ قَبْلَ الِاطِّلَاعِ عَلَى عَيْبِ الْعَبْدِ بِقِيمَتِهِ؛ لِأَنَّهُ الثَّمَنُ الَّذِي وَقَعَ عَلَيْهِ الْعَقْدُ، وَبَعْدَ الِاطِّلَاعِ عَلَى عَيْبِ الْعَبْدِ وَفَسْخِ الْبَيْعِ وَتَعَذُّرِ رَدِّ الشِّقْصِ؛ اسْتَقَرَّ الْعَقْدُ عَلَى قِيمَةِ الشِّقْصِ، وَالشَّفِيعُ لَا يَلْزَمُهُ
إلَّا مَا اسْتَقَرَّ عَلَيْهِ الْعَقْدُ، وَلِلْمُشْتَرِي الْمُطَالَبَةُ بِمَا أَدَّاهُ زِيَادَةً عَلَيْهِ، (فَيَرْجِعُ دَافِعُ الْأَكْثَرِ) مِنْهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ (بِالْفَضْلِ) ، فَإِذَا كَانَتْ قِيمَةُ الشِّقْصِ مِائَةً، وَقِيمَةُ الْعَبْدِ الَّذِي هُوَ الثَّمَنُ مِائَةٌ وَعِشْرُونَ، وَكَانَ الْمُشْتَرِي أَخَذَ الْمِائَةَ وَالْعِشْرِينَ مِنْ الشَّفِيعِ؛ رَجَعَ الشَّفِيعُ عَلَيْهِ بِالْعِشْرِينَ؛ لِأَنَّ الشِّقْصَ إنَّمَا اسْتَقَرَّ عَلَيْهِ بِالْمِائَةِ.
(وَلَا يَرْجِعُ شَفِيعٌ عَلَى مُشْتَرٍ بِأَرْشِ عَيْبٍ فِي ثَمَنٍ عَفَى عَنْهُ بَائِعٌ) ؛ أَيْ: لَوْ أَبْرَأَ الْبَائِعُ مُشْتَرِيَ الشِّقْصِ مِنْ الْعَيْبِ الَّذِي وَجَدَهُ بِالْعَبْدِ؛ فَلَا رُجُوعَ لِلشَّفِيعِ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ لَازِمٌ مِنْ جِهَةِ الْمُشْتَرِي لَا يَمْلِكُ فَسْخَهُ؛ أَشْبَهَ مَا لَوْ حَطَّ الْبَائِعُ عَنْهُ بَعْضَ الثَّمَنِ بَعْدَ لُزُومِ الْعَقْدِ. وَإِنْ اخْتَارَ الْبَائِعُ أَخْذَ أَرْشِ الْعَيْبِ؛ فَلَهُ ذَلِكَ، وَلَا يَرْجِعُ مُشْتَرٍ عَلَى شَفِيعٍ بِشَيْءٍ إنْ دَفَعَ إلَيْهِ قِيمَةَ الْعَبْدِ سَلِيمًا، وَإِلَّا رَجَعَ عَلَيْهِ بِبَدَلِ مَا أَدَّى مِنْ أَرْشِهِ، وَإِنْ عَادَ الشِّقْصُ بَعْدَ فَسْخِ الْعَقْدِ لِعَيْبِ الثَّمَنِ، وَأَخَذَ الشَّفِيعُ بِالشُّفْعَةِ إلَى مِلْكِ الْمُشْتَرِي أَوْ غَيْرِهِ بِبَيْعٍ أَوْ هِبَةٍ أَوْ إرْثٍ وَنَحْوِهِ؛ لَمْ يَمْلِكْ الْبَائِعُ اسْتِرْجَاعَهُ بِمُقْتَضَى الْفَسْخِ السَّابِقِ؛ لِأَنَّ مِلْكَ الْمُشْتَرِي زَالَ عَنْهُ، وَانْقَطَعَ حَقُّهُ مِنْهُ إلَى الْقِيمَةِ، فَإِذَا أَخَذَهَا لَمْ يَبْقَ لَهُ حَقٌّ، بِخِلَافِ غَاصِبٍ تَعَذَّرَ عَلَيْهِ رَدُّ مَغْصُوبٍ فَأَدَّى قِيمَتَهُ، ثُمَّ قَدَرَ عَلَيْهِ؛ فَإِنَّهُ يَرُدُّهُ، وَيَسْتَرْجِعُ الْقِيمَةَ؛ لِأَنَّ مِلْكَ الْمَغْصُوبِ مِنْهُ لَمْ يَزُلْ عَنْهُ.
(وَلِشَفِيعٍ) أَخْذُ الشِّقْصِ بِالشُّفْعَةِ، ثُمَّ (ظَهَرَ) ؛ أَيْ: اطَّلَعَ (عَلَى عَيْبٍ) بِهِ لَمْ يَعْلَمْهُ الْمُشْتَرِي، وَلَا الشَّفِيعُ (رَدَّهُ) - أَيْ: الشِّقْصَ - (عَلَى مُشْتَرٍ، أَوْ أَخَذَ أَرْشَهُ) مِنْهُ؛ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ الْأَخْذَ بِالشُّفْعَةِ فِي مَعْنَى الْبَيْعِ، (وَ) يَرْجِعُ (الْمُشْتَرِي عَلَى الْبَائِعِ) بِالثَّمَنِ، وَيَرُدُّ الشِّقْصَ إنْ رَدَّهُ الشَّفِيعُ عَلَيْهِ، أَوْ يَأْخُذُ الْأَرْشَ. وَمَنْ عَلِمَ بِالْعَيْبِ عِنْدَ الْعَقْدِ أَوْ قَبْلَهُ مِنْ شَفِيعٍ وَمُشْتَرٍ؛ لَمْ يَرُدَّ الشِّقْصَ الْمَعِيبَ، وَلَمْ يُطَالِبْ بِأَرْشِهِ؛ لِأَنَّهُ دَخَلَ عَلَى بَصِيرَةٍ، وَلَكِنْ إذَا عَلِمَ الشَّفِيعُ وَحْدَهُ؛ فَلَا رَدَّ لِلْمُشْتَرِي لِخُرُوجِ الشِّقْصِ عَنْ مِلْكِهِ. وَلِلْمُشْتَرِي الْأَرْشُ لِلْعَيْبِ الَّذِي لَمْ يَعْلَمْهُ.
(وَإِنْ بَانَ ثَمَنٌ مُعَيَّنٌ مُسْتَحَقًّا؛ بَطَلَ بَيْعٌ) ؛ لِمَا تَقَدَّمَ فِي الْبَيْعِ،
(وَلَا شُفْعَةَ) فِيهِ؛ لِأَنَّهَا إنَّمَا تَثْبُتُ فِي عَقْدٍ يَنْقُلُ الْمِلْكَ إلَى الْمُشْتَرِي، فَإِنْ كَانَ الشَّفِيعُ قَدْ أَخَذَ بِالشُّفْعَةِ لَزِمَهُ رَدُّ مَا أَخَذَهُ عَلَى الْبَائِعِ، وَلَا يَثْبُتُ ذَلِكَ إلَّا بِبَيِّنَةٍ أَوْ إقْرَارِ الْمُتَبَايِعَيْنِ وَالشَّفِيعِ، فَإِنْ أَقَرَّا وَأَنْكَرَ الشَّفِيعُ لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُمَا عَلَيْهِ، وَلَهُ الْأَخْذُ بِالشُّفْعَةِ؛ وَيَرُدُّ الْبَائِعُ الْعَبْدَ لِصَاحِبِهِ، وَيَرْجِعُ عَلَى الْمُشْتَرِي بِقِيمَةِ الشِّقْصِ، وَإِنْ كَانَ اشْتَرَى الشِّقْصَ بِثَمَنٍ فِي ذِمَّتِهِ، ثُمَّ نَقَدَ الثَّمَنَ، فَبَانَ مُسْتَحَقًّا كَانَتْ الشُّفْعَةُ وَاجِبَةً؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ صَحِيحٌ، فَإِنْ تَعَذَّرَ قَبْضُ الثَّمَنِ مِنْ الْمُشْتَرِي لِإِعْسَارِهِ أَوْ غَيْرِهِ فَلِلْبَائِعِ فَسْخُ الْبَيْعِ، (وَيُقَدَّمُ) حَقُّ الشَّفِيعِ إذَا بِالْأَخْذِ بِهَا يَحْصُلُ لِلْمُشْتَرِي مَا يُؤَدِّيهِ ثَمَنًا، فَتَزُولُ عُسْرَتُهُ، وَيَحْصُلُ الْجَمْعُ بَيْنَ الْحَقَّيْنِ.
ذَكَرَهُ فِي " الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ. وَإِنْ ظَهَرَ بَعْضُ الثَّمَنِ مُسْتَحَقًّا بَطَلَ الْبَيْعُ فِي ذَلِكَ الْبَعْضِ وَمَا يُقَابِلُهُ مِنْ الشِّقْصِ؛ فَلَا شُفْعَةَ فِيهِ، وَصَحَّ فِي الْبَاقِي، وَثَبَتَتْ فِيهِ الشُّفْعَةُ، (وَكَذَا) إذَا كَانَ الثَّمَنُ (نَحْوَ مَكِيلٍ) كَمَوْزُونٍ وَمَعْدُودٍ (تَلَفَ قَبْلَ قَبْضِهِ) ؛ بَطَلَ الْبَيْعُ؛ لِمَا تَقَدَّمَ، وَانْتَفَتْ الشُّفْعَةُ إنْ كَانَ التَّلَفُ قَبْلَ الْأَخْذِ بِهَا؛ لِأَنَّهُ تَعَذَّرَ التَّسْلِيمُ، فَتَعَذَّرَ إمْضَاءُ الْعَقْدِ، فَلَمْ تَثْبُتْ الشُّفْعَةُ كَالْفَسْخِ بِخِيَارٍ، وَإِنْ كَانَ الشَّفِيعُ (أَخَذَ بِالشُّفْعَةِ) قَبْلَ التَّلَفِ؛ لَمْ يَكُنْ لِأَحَدٍ اسْتِرْدَادَ الشِّقْصِ؛ لِاسْتِقْرَارِ مِلْكِ الشَّفِيعِ عَلَيْهِ، وَيَغْرَمُ مُشْتَرِيهِ لِبَائِعِهِ قِيمَةَ الْمَبِيعِ، وَيَأْخُذُ مِنْ الشَّفِيعِ بَدَلَ مَا وَقَعَ عَلَيْهِ الْعَقْدُ.
تَتِمَّةٌ: وَلَا تَصِحُّ الْإِقَالَةُ بَيْنَ الْبَائِعِ وَالشَّفِيعِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ بَيْعٌ، وَإِنَّمَا هُوَ مُشْتَرٍ مِنْ الْمُشْتَرِي، وَالْإِقَالَةُ إنَّمَا تَكُونُ بَيْنَ الْمُتَبَايِعَيْنِ، فَإِنْ بَاعَهُ إيَّاهُ صَحَّ؛ لِأَنَّ الْعَقَارَ يَجُوزُ التَّصَرُّفُ فِيهِ قَبْلَ قَبْضِهِ، وَإِنْ اسْتَغَلَّ الشِّقْصَ الْمَشْفُوعَ مُشْتَرٍ قَبْلَ أَخْذِ الشَّفِيعِ بِالشُّفْعَةِ بِأَنْ أَخَذَ ثَمَرَتَهُ أَوْ أُجْرَتَهُ؛ فَهِيَ لَهُ، وَلَيْسَ لِلشَّفِيعِ مُطَالَبَةُ الْمُشْتَرِي بِرَدِّهَا؛ لِحَدِيثِ:«الْخَرَاجُ بِالضَّمَانِ» .
(وَإِنْ أَدْرَكَهُ) ؛ أَيْ: أَدْرَكَ الشِّقْصَ الْمَبِيعَ (شَفِيعٌ، وَقَدْ اسْتَغَلَّ) الشِّقْصَ (بِزَرْعٍ مُشْتَرٍ) ، وَكَانَ الشِّقْصُ مِنْ أَرْضٍ وَنَخْلٍ، فَلَمْ يُدْرِكْهُ الشَّفِيعُ حَتَّى
(ظَهَرَ ثَمَرٌ) فِي شَجَرِهِ بَعْدَ شِرَائِهِ، أَوْ أَدْرَكَهُ شَفِيعٌ وَقَدْ (أُبِّرَ طَلْعٌ) لِلنَّخْلِ الْمَبِيعِ، وَلَوْ كَانَ مَوْجُودًا حِينَهُ بِلَا تَأْبِيرٍ (وَنَحْوِهِ) ؛ كَمَا لَوْ كَانَ الشِّقْصُ مِنْ أَرْضٍ بِهَا أُصُولُ بَاذِنْجَانٍ أَوْ قِثَّاءٍ أَوْ نَحْوِهِمَا، وَلَمْ يُدْرِكْهُ الشَّفِيعُ حَتَّى ظَهَرَ فِي ذَلِكَ، وَهُوَ عَلَى مِلْكِ الْمُشْتَرِي لُقَطَةً؛ فَالزَّرْعُ وَالثَّمَرُ وَالطَّلْعُ الْمُؤَبَّرُ وَالْبَاذِنْجَانُ وَنَحْوُهُ (لَهُ) - أَيْ: لِلْمُشْتَرِي - دُونَ الشَّفِيعِ؛ لِأَنَّ الزَّرْعَ نَمَاءُ بَذْرِهِ، وَالثَّمَرُ وَنَحْوُهُ حَدَثَ فِي مِلْكِهِ (بِسَقْيٍ بِلَا أُجْرَةٍ) عَلَى مُشْتَرٍ لِشَفِيعٍ (لِحَصَادِ) زَرْعٍ (وَجِذَاذِ) ثَمَرٍ وَإِلَى أَخْذِ (لُقَطَةٍ أَوْلَى مِنْ نَحْوِ قِثَّاءٍ) كَبَاذِنْجَانٍ وَبَامْيَاءَ؛ لِأَنَّ الْأَخْذَ بِالشُّفْعَةِ كَالشِّرَاءِ الثَّانِي مِنْ الْمُشْتَرِي؛ فَحُكْمُهُ كَالْبَيْعِ، فَإِنْ كَانَ الطَّلْعُ مَوْجُودًا حَالَةَ الشِّرَاءِ غَيْرَ مُؤَبَّرٍ، ثُمَّ أُبِّرَ عِنْدَ الْمُشْتَرِي؛ فَهُوَ لَهُ أَيْضًا مُبْقًى إلَى أَوَانِ جُذَاذِهِ، لَكِنَّ الشَّفِيعَ هُنَا لَا يَلْزَمُهُ أَخْذُ الْأَرْضِ وَالنَّخْلِ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ، وَإِنَّمَا يَأْخُذُهَا بِحِصَّتِهِمَا مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ فَاتَ عَلَيْهِ بَعْضُ مَا شَمِلَهُ عَقْدُ الشِّرَاءِ، وَهُوَ الطَّلْعُ الَّذِي لَمْ يُؤَبَّرْ حَالَةَ الْعَقْدِ، أَشْبَهَ مَا لَوْ شَمِلَ الْعَقْدُ الشِّقْصَ وَعَرْضًا مَعَهُ. وَأَمَّا إذَا كَانَ الْمَبِيعُ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي نَمَاءً مُتَّصِلًا كَالشَّجَرِ يَكْبَرُ وَالنَّخْلُ يَطْلُعُ، وَلَوْ لَمْ يُؤَبَّرْ، فَإِنَّ الشَّفِيعَ يَأْخُذُهُ بِزِيَادَتِهِ؛ لِأَنَّ هَذِهِ زِيَادَةٌ تَتْبَعُ الْأَصْلَ فِي الرَّدِّ بِالْعَيْبِ وَالْإِقَالَةِ وَالْخِيَارِ، فَتَبِعَتْهُ فِي الْأَخْذِ بِالشُّفْعَةِ، وَلَمَّا كَانَ الشِّقْصُ الْمَشْفُوعُ قَبْلَ أَخْذِهِ بِالشُّفْعَةِ مِلْكًا لِمُنْتَقِلٍ إلَيْهِ، وَقُلْنَا لِمَالِكِ زَرْعِهِ وَإِصْلَاحِهِ كَعَادَةِ الْمُلَّاكِ، وَعَلَيْهِ ضَمَانُهُ إنْ تَلِفَ؛ كَانَ مَا زُرِعَ فِيهِ مِنْ أُصُولِ قِثَّاءٍ وَنَحْوِهَا لِزَارِعٍ، وَإِلَيْهِ أَشَارَ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ:(وَيَتَّجِهُ أَوْ) ؛ أَيْ: وَإِنْ أَدْرَكَ الشَّفِيعُ الشِّقْصَ - وَقَدْ اُشْتُغِلَ بِزَرْعِ أُصُولِ قِثَّاءٍ أَوْ بَاذِنْجَانٍ أَوْ بَامْيَاءَ - فَعَلَى الشَّفِيعِ تَرْكُهُ (لِفَرَاغِ اللُّقُطَاتِ) بِلَا أُجْرَةٍ، هَذَا (إنْ كَانَتْ الْأُصُولُ لِمُشْتَرٍ) ، وَأُمًّا إذَا كَانَتْ لِمُسْتَأْجِرٍ أَوْ مُسْتَعِيرٍ
مِنْ الْمُشْتَرِي؛ فَلَيْسَ لَهُ سِوَى اللُّقَطَةِ الْأُولَى فَقَطْ، كَذَا قَالَ، وَلَمْ أَرَهُ لِغَيْرِهِ.
(وَإِنْ قَاسَمَ مُشْتَرٍ شَفِيعًا) أَوْ قَاسَمَ وَكِيلَ الشَّفِيعِ فِي غَيْبَتِهِ (لِإِظْهَارِ) الْمُشْتَرِي (زِيَادَةَ ثَمَنٍ) عَلَى الثَّمَنِ الْمُبْتَاعِ بِهِ الشِّقْصَ (وَنَحْوَهُ) ؛ كَإِظْهَارِهِ أَنَّ الشَّرِيكَ وَهَبَهُ لَهُ، أَوْ وَقَفَهُ عَلَيْهِ، أَوْ أَنَّ الشِّرَاءَ لِغَيْرِهِ، (ثُمَّ غَرَسَ) الْمُشْتَرِي، (أَوْ بَنَى) فِيمَا خَرَجَ لَهُ بِالْقِسْمَةِ؛ (لَمْ تَسْقُطْ) الشُّفْعَةُ؛ لِأَنَّ الشَّفِيعَ لَمْ يَتْرُكْ الْأَخْذَ بِهَا إعْرَاضًا عَنْهَا، بَلْ لِمَا أَظْهَرهُ الْمُشْتَرِي، وَكَذَا الْحُكْمُ لَوْ كَانَ الشَّفِيعُ غَائِبًا أَوْ صَغِيرًا، وَطَالَبَ الْمُشْتَرِي الْحَاكِمَ بِالْقِسْمَةِ، فَقَاسَمَ، ثُمَّ قَدِمَ الْغَائِبُ، وَبَلَغَ الصَّغِيرُ؛ فَلَهُمَا الْأَخْذُ بِالشُّفْعَةِ، (وَلِرَبِّهِمَا) - أَيْ: الْغِرَاسِ وَالْبِنَاءِ - إذَا أَخَذَ الشِّقْصَ بِالشُّفْعَةِ؛ (أَخَذَهُمَا) ؛ أَيْ: قَلَعَهُمَا؛ لِأَنَّهُمَا مِلْكَهُ عَلَى انْفِرَادِهِ، (وَلَوْ ضَرَّ) قَلْعُهُمَا (الْأَرْضَ) عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَلَمْ يَعْتَبِرْ الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ الضَّرَرَ وَعَدَمَهُ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْأَكْثَرِينَ، بَلْ الَّذِي جَزَمُوا بِهِ لَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ تَخْلِيصٌ لِعَيْنِ مَالِهِ مِمَّا كَانَ حِينَ الْوَضْعِ فِي مِلْكِهِ.
(وَلَا يَضْمَنُ) مُشْتَرٍ قَلْعَ غِرَاسِهِ أَوْ بِنَاءَهُ (نَقْصًا) حَصَلَ (بِقَلْعٍ) ؛ لِانْتِفَاءِ عُدْوَانِهِ، فَيُخَيَّرُ الشَّفِيعُ بَيْنَ أَخْذِ الشِّقْصِ نَاقِصًا بِكُلِّ الثَّمَنِ أَوْ تَرْكِهِ، (وَلَا يُسَوِّي) الْمُشْتَرِي (حَفْرًا) إذَا قَلَعَ غَرْسَهُ أَوْ بِنَاءَهُ؛ لِعَدَمِ عِدْوَانِهِ، (فَإِنْ أَبَى) مُشْتَرٍ قَلْعَ غِرَاسِهِ أَوْ بِنَائِهِ؛ (فَلِلشَّفِيعِ أَخْذُهُ) - أَيْ: الْغِرَاسِ وَالْبِنَاءِ - إذَا
عَلِمَ الْحَالَ (بِقِيمَتِهِ حِينَ تَقْوِيمِهِ) - أَيْ: الْغِرَاسِ أَوْ الْبِنَاءِ -، (وَصِفَتُهُ أَنْ تُقَوَّمَ الْأَرْضُ) مَشْغُولَةً (بِنَحْوِ غَرْسٍ) : كَبِنَاءٍ (ثُمَّ تُقَوَّمَ) الْأَرْضُ (خَالِيَةً) مِنْ الْغِرَاسِ أَوْ الْبِنَاءِ، (فَمَا بَيْنَهُمَا فَهُوَ قِيمَةُ نَحْوِ بِنَاءٍ) كَغِرَاسٍ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ هُوَ الَّذِي زَادَ بِالْغِرَاسِ أَوْ الْبِنَاءِ. جَزَمَ بِهِ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ وَفِي " الْإِقْنَاعِ "(وَلَا) يَلْزَمُ الشَّفِيعَ إذَا أَخَذَ الْغِرَاسَ أَوْ الْبِنَاءَ، سَوَاءٌ كَانَ مَا أَنْفَقَهُ الْمُشْتَرِي أَقَلَّ مِنْ قِيمَتِهِ أَوْ أَكْثَرَ مِنْهَا، بَلْ يَلْزَمُهُ قِيمَتُهُ فَقَطْ (أَوْ قَلْعُهُ) - أَيْ: الْغِرَاسِ أَوْ الْبِنَاءِ (وَيَضْمَنُ نَقْصَهُ) مِنْ الْقِيمَةِ الْمَذْكُورَةِ، وَهِيَ مَا بَيْنَ قِيمَةِ الْأَرْضِ مَغْرُوسَةً أَوْ مَبْنِيَّةً وَبَيْنَ قِيمَتِهَا خَالِيَةً، وَيَلْزَمُ الشَّفِيعَ (إبْقَاؤُهُ) - أَيْ: الْغِرَاسِ أَوْ الْبِنَاءِ (بِأُجْرَةٍ) ؛ لِأَنَّ مُدَّتَهُ تَطُولُ وَلَا يُعْلَمُ مَتَى تَنْقَضِي، (فَإِنْ أَبَى) الشَّفِيعُ أَحَدَ الشَّيْئَيْنِ؛ (فَلَا شُفْعَةَ) لَهُ؛ لِأَنَّهُ مُضَارٌّ.
(وَإِنْ حَفَرَ) الْمُشْتَرِي فِي الْبُقْعَةِ الْمَشْفُوعَةِ (بِئْرًا) لِنَفْسِهِ بِإِذْنِ الشَّفِيعِ لِإِظْهَارِ زِيَادَةِ ثَمَنٍ، ثُمَّ عَلِمَ، فَأَخَذَ بِالشُّفْعَةِ (أَخَذَهَا) ؛ أَيْ: أَخَذَ (شَفِيعٌ) الْبِئْرَ مَعَ الشِّقْصِ، (وَلَزِمَهُ) - أَيْ: الشَّفِيعَ - لِلْمُشْتَرِي (أُجْرَةُ مِثْلِ حَفْرِهَا) ؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ لَمْ يَتَعَدَّ بِحَفْرِهَا.
(وَإِنْ بَاعَ شَفِيعٌ شِقْصَهُ) مِنْ الْأَرْضِ الَّتِي أُبِيعَ مِنْهَا الشِّقْصُ الْمَشْفُوعُ، (أَوْ) بَاعَ (بَعْضَهُ) - أَيْ: بَعْضَ شِقْصِهِ مِنْهَا - (قَبْلَ عِلْمِهِ) بِبَيْعِ شَرِيكِهِ؛ (فَعَلَى شُفْعَتِهِ) ؛ لِأَنَّهَا ثَبَتَتْ لَهُ حِينَ بَاعَ شَرِيكُهُ، وَلَمْ يُوجَدْ مِنْهُ مَا يَدُلُّ عَلَى عَفْوِهِ عَنْهَا.
(وَثَبَتَتْ) الشُّفْعَةُ (لِمُشْتَرٍ أَوَّلٍ) وَهُوَ الَّذِي لَمْ يَعْلَمْ الشَّفِيعُ بِشِرَائِهِ حِينَ بَاعَ شِقْصَهُ (فِيمَا بَاعَهُ شَفِيعٌ) ، سَوَاءٌ أَخَذَ مِنْهُ مَا اشْتَرَاهُ بِالشُّفْعَةِ أَوْ لَا؛ لِأَنَّهُ شَرِيكٌ فِي الرَّقَبَةِ؛ أَشْبَهَ الْمَالِكَ الَّذِي لَمْ يُسْتَحَقَّ عَلَيْهِ شُفْعَةٌ، وَإِنْ بَاعَ شَفِيعٌ جَمِيعَ حِصَّتِهِ بَعْدَ عِلْمِهِ بِبَيْعِ شَرِيكِهِ؛ سَقَطَتْ شُفْعَتُهُ.
(وَتَبْطُلُ) ؛ أَيْ: تَسْقُطُ الشُّفْعَةُ (بِمَوْتِ شَفِيعٍ لَمْ يَطْلُبْ) الْأَخْذَ بِهَا (مَعَ قُدْرَةٍ) أَوْ إشْهَادٍ مَعَ عُذْرٍ؛ لِأَنَّهَا نَوْعُ خِيَارٍ شُرِطَ لِلتَّمْلِيكِ أَشْبَهَ الْقَبُولَ، فَإِنَّهُ
لَوْ مَاتَ مَنْ يُرِيدُ الْقَبُولَ بَعْدَ إيجَابِ صَاحِبِهِ لَمْ يَقُمْ وَارِثُهُ مَقَامَهُ فِي الْقَبُولِ، وَلِأَنَّا لَا نَعْلَمُ بَقَاءَهُ عَلَى الشُّفْعَةِ؛ لِاحْتِمَالِ رَغْبَتِهِ عَنْهَا، وَلَا يَنْتَقِلُ إلَى الْوَرَثَةِ مَا شُكَّ فِي ثُبُوتِهِ.
وَ (لَا) تَسْقُطُ الشُّفْعَةُ بِمَوْتِ شَفِيعٍ (بَعْدَ طَلَبِهِ) أَيْ: الْمُشْتَرِي بِهَا - (أَوْ بَعْدَ إشْهَادٍ بِهِ) - أَيْ: الطَّلَبِ - (حَيْثُ اُعْتُبِرَ) الْإِشْهَادُ، كَمَرَضِ شَفِيعٍ أَوْ غَيْبَتِهِ عَنْ الْبَلَدِ، (وَتَكُونُ) الشُّفْعَةُ إذَا مَاتَ بَعْدَ ذَلِكَ (لِوَرَثَتِهِ كُلِّهِمْ بِقَدْرِ إرْثِهِمْ) كَسَائِرِ حُقُوقِهِ؛ لِأَنَّ الطَّلَبَ يَنْتَقِلُ بِهِ الْمِلْكُ لِلشَّفِيعِ. ذَكَرَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْهُمْ الْمُوَفَّقُ وَالشَّارِحُ وَالسَّامِرِيُّ وَابْنُ رَجَبٍ وَغَيْرُهُمْ. وَلَا فَرْقَ فِي الْوَارِثِ بَيْنَ ذِي الرَّحِمِ وَالزَّوْجِ وَالْمَوْلَى الْمُعْتَقِ وَعَصَبَتِهِ الْمُتَعَصِّبِينَ بِأَنْفُسِهِمْ وَبَيْتِ الْمَالِ، فَيَأْخُذُهُ الْإِمَامُ بِهَا إذَا لَمْ يَكُنْ ثَمَّ وَارِثٌ خَاصٌّ يَسْتَغْرِقُ بِفَرْضٍ أَوْ تَعْصِيبٍ أَوْ رَدٍّ أَوْ رَحِمٍ. صَرَّحَ بِهِ الْأَصْحَابُ.
(فَإِنْ تَرَكَ بَعْضُهُمْ) - أَيْ: الْوَرَثَةِ - حَقَّهُ مِنْ الْأَخْذِ بِالشُّفْعَةِ؛ (فَكَمَا مَرَّ) مِنْ أَنَّهُ يَتَوَفَّرُ الْحَقُّ عَلَى بَاقِي الْوَرَثَةِ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ إلَّا أَنْ يَأْخُذُوا الْكُلَّ أَوْ يَتْرُكُوا الْكُلَّ؛ لِأَنَّ فِي أَخْذِ الْبَعْضِ وَتَرْكِ الْبَعْضِ إضْرَارًا بِالْمُشْتَرِي، لَكِنْ عَلَى الْمَذْهَبِ مِنْ أَنَّ الشَّفِيعَ يَمْلِكُ الشِّقْصَ بِالطَّلَبِ لَا يَتَأَتَّى الْعَفْوُ بَعْدَهُ، بَلْ يَنْتَقِلُ الشِّقْصُ إلَى الْوَرَثَةِ كُلِّهِمْ عَلَى حَسَبِ إرْثِهِمْ قَهْرًا عَلَيْهِمْ، وَيُؤْخَذُ ثَمَنُهُ مِنْ التَّرِكَةِ كَسَائِرِ الدُّيُونِ.
(وَلَوْ بِيعَ شِقْصٌ لَهُ شَفِيعَانِ، فَعَفَا أَحَدُهُمَا) عَنْ الشُّفْعَةِ، (وَطَلَبَ الْآخَرُ، ثُمَّ مَاتَ الطَّالِبُ؛ فَوَرِثَهُ) الشَّرِيكُ (الْعَافِي) عَنْ الشُّفْعَةِ؛ (فَلَهُ أَخْذُ الشِّقْصِ بِهَا) - أَيْ: بِالشُّفْعَةِ - لِأَنَّ عَفْوَهُ أَوَّلًا عَنْ حَقِّهِ الثَّابِتِ بِالْبَيْعِ لَا يُسْقِطُ حَقَّهُ الْمُتَجَدِّدَ بِالْإِرْثِ، وَإِذَا حَقَّقْتَ النَّظَرَ فَالْمِلْكُ قَدْ انْتَقَلَ إلَى الطَّالِبِ بِالطَّلَبِ، ثُمَّ انْتَقَلَ إلَى وَارِثِهِ وِرَاثَةً. فَقَوْلُهُ: فَلَهُ الْأَخْذُ إنَّمَا هُوَ مُجَارَاةٌ لِلْخَصْمِ، وَإِلَّا فَهُوَ يَنْتَقِلُ إلَيْهِ قَهْرًا.
تَنْبِيهٌ: ثَلَاثَةٌ يَسْقُطُ حَقُّهُمْ قَبْلَ أَنْ يُطَالِبُوا: الشَّفِيعُ، وَالْمُتَبَايِعَانِ بِالْخِيَارِ، وَالْمَقْذُوفُ.