الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَفِي فَتَاوَى ابْنِ الزَّاغُونِيِّ: إنْ أَبَى الْيَمِينَ بِالطَّلَاقِ أَوْ غَيْرِهِ، فَصَارَ ذَرِيعَةً إلَى أَخْذِهَا؛ فَكَإِقْرَارِهِ طَائِعًا وَهُوَ تَفْرِيطٌ عِنْدَ سُلْطَانٍ جَائِرٍ، نَقَلَهُ فِي " الْفُرُوعِ " فِي بَابِ جَامِعِ الْأَيْمَانِ.
وَإِنْ نَادَى السُّلْطَانُ (بِتَهْدِيدِهِ مَنْ عِنْدَهُ وَدِيعَةٌ وَيُنْكِرُهَا) فَجَزَاؤُهُ كَذَا وَكَذَا مِنْ أَنْوَاعِ الْمُعَاقَبَةِ، أَوْ نَادَى بِتَهْدِيدِ (مَنْ لَمْ يَحْمِلْ وَدِيعَةَ فُلَانٍ) عُمِلَ بِهِ كَذَا وَكَذَا مِنْ أَنْوَاعِ التَّهْدِيدِ، (فَحَمَلَهَا بِلَا مُطَالَبَةٍ؛ أَثِمَ) إنْ لَمْ يُعَيِّنْهُ، وَبِهَذَا أَجَابَ أَبُو الْخَطَّابِ وَابْنُ عُقَيْلٍ فِي فَتَاوِيهِمَا. وَإِنْ عَيَّنَهُ بِالتَّهْدِيدِ، فَلَا ضَمَانَ.
تَتِمَّةٌ: إذَا اُسْتُوْدِعَ فِضَّةً وَأُمِرَ بِصَرْفِهَا بِذَهَبٍ، فَفَعَلَ وَتَلِفَ الذَّهَبُ، لَمْ يَضْمَنْهُ، وَإِنْ قَالَ: اصْرِفْ مَا لِي عَلَيْك مِنْ قَرْضٍ، فَفَعَلَ وَتَلِفَ؛ ضَمِنَهُ، وَلَمْ يَبْرَأْ مِنْ الْقَرْضِ. قَالَهُ فِي " الْمُبْدِعِ ".
[بَابُ إحْيَاءِ الْمَوَاتِ]
(بَابُ إحْيَاءِ الْمَوَاتِ) الْمَوَاتُ وَالْمَيْتَةُ وَالْمَيْتَانِ - بِفَتْحِ الْمِيمِ وَالْوَاوِ - الْأَرْضُ الدَّارِسَةُ الْخَرَابُ. قَالَهُ فِي " الْمُغْنِي " وَ " الشَّرْحِ " وَعَرَّفَهَا الْأَزْهَرِيُّ بِأَنَّهَا الْأَرْضُ الَّتِي لَيْسَ لَهَا مَالِكٌ وَلَا بِهَا مَاءٌ وَلَا عِمَارَةٌ، وَلَا يُنْتَفَعُ بِهَا. وَالْمَوَاتُ مُشْتَقٌّ مِنْ الْمَوْتِ، وَهُوَ عَدَمُ الْحَيَاةِ، وَالْمَوْتَانُ - بِضَمِّ الْمِيمِ وَسُكُونِ الْوَاوِ - الْمَوْتُ الذَّرِيعُ، وَرَجُلٌ مَوْتَانُ الْقَلْبِ - بِفَتْحِ الْمِيمِ وَسُكُونِ الْوَاوِ - يَعْنِي أَعْمَى الْقَلْبِ لَا يَفْهَمُ، وَفِي الْقَامُوسِ الْمَوَاتُ كَغُرَابِ الْمَوْتِ وَكَسَحَابِ مَا لَا رُوحَ فِيهِ وَأَرْضٌ لَا مَالِكَ لَهَا، وَالْمَوَتَانُ - بِالتَّحْرِيكِ - خِلَافُ الْحَيَوَانِ أَوْ أَرْضٌ لَمْ تَحْيَا بَعْدُ، (وَهِيَ الْأَرْضُ الْمُنْفَكَّةُ عَنْ الِاخْتِصَاصَاتِ وَمِلْكٍ مَعْصُومٍ) مُسْلِمٍ أَوْ كَافِرٍ.
قَالَ الْحَارِثِيُّ عَنْ هَذَا الْحَدِّ: فَيَدْخُلُ كُلُّ مَا يُمْلَكُ بِالْإِحْيَاءِ، وَخَرَجَ كُلُّ مَا لَا يُمْلَكُ بِهِ. انْتَهَى،
وَيَأْتِي بَيَانُهُ.
وَالْأَصْلُ فِي جَوَازِهِ حَدِيثُ جَابِرٍ مَرْفُوعًا: «مَنْ أَحْيَا أَرْضًا مَيِّتَةً فَهِيَ لَهُ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ. وَحَدِيثُ سَعْدِ بْنِ زَيْدٍ: «مَنْ أَحْيَا أَرْضًا مَيِّتَةً فَهِيَ لَهُ وَلَيْسَ لِعِرْقٍ ظَالِمٍ حَقٌّ» . قَالَ التِّرْمِذِيُّ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ. وَعَنْ عَائِشَةَ مِثْلُهُ رَوَاهُ مَالِكٌ وَأَبُو دَاوُد، وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ هُوَ مُسْنَدٌ صَحِيحٌ مُتَلَقَّى بِالْقَبُولِ عِنْدَ فُقَهَاءِ الْمَدِينَةِ وَغَيْرِهِمْ، وَعَنْ أَسْمَرَ بْنِ مُضَرِّسٍ قَالَ:«أَتَيْت النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَبَايَعْتُهُ، فَقَالَ: مَنْ سَبَقَ إلَى مَا لَمْ يَسْبِقْ إلَيْهِ مُسْلِمٌ فَهُوَ لَهُ. قَالَ: فَخَرَجَ النَّاسُ يَتَعَادَوْنَ يَتَخَاطُّونَ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد.
وَعَنْ عَائِشَةَ مَرْفُوعًا «الْعِبَادُ عِبَادُ اللَّهِ وَالْبِلَادُ بِلَادُ اللَّهِ فَمَنْ أَحْيَا مِنْ مَوَاتِ الْأَرْضِ شَيْئًا فَهُوَ لَهُ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد الطَّيَالِسِيّ.
قَالَ فِي " الْمُغْنِي " وَ " الشَّرْحِ ": وَعَامَّةُ فُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ عَلَى أَنَّ الْمَوَاتَ يُمْلَكُ بِالْإِحْيَاءِ وَإِنْ اخْتَلَفُوا فِي شَرْطِهِ. (فَيُمْلَكُ بِإِحْيَاءِ كُلِّ مَا) - أَيْ: مَوَاتٍ - (لَمْ يَجُرَّ عَلَيْهِ بَيْنَ مِلْكِ مَعْصُومٍ، وَلَمْ يُوجَدْ فِيهِ عِمَارَةٌ) .
قَالَ فِي " الْمُغْنِي " بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ الْقَائِلِينَ بِالْإِحْيَاءِ انْتَهَى.
وَنَقَلَ أَبُو الصَّقْرِ فِي أَرْضٍ بَيْنَ قَرْيَتَيْنِ لَيْسَ فِيهَا مَزَارِعُ وَلَا عُيُونٌ وَأَنْهَارٌ تَزْعُمُ كُلُّ قَرْيَةٍ أَنَّهَا لَهُمْ؛ فَإِنَّهَا لَيْسَتْ لِهَؤُلَاءِ وَلَا لِهَؤُلَاءِ حَتَّى يُعْلَمَ أَنَّهُمْ أَحْيَوْهَا، فَمَنْ أَحْيَاهَا فَلَهُ، وَمَعْنَاهُ نَقَلَ ابْنُ الْقَاسِمِ، وَإِنْ كَانَ الْخَرَابُ الَّذِي لَمْ يُوجَدْ فِيهِ أَثَرُ عِمَارَةٍ تَتَحَقَّقُ أَنَّهُ كَانَ قَدْ (مَلَكَهُ مَنْ لَهُ حُرْمَةٌ) مِنْ مُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ أَوْ مُسْتَأْمَنٍ بِشِرَاءٍ أَوْ هِبَةٍ، (أَوْ) مَلَكَهُ مَنْ (شُكَّ) - بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ - (فِيهِ) - أَيْ: فِي مَنْ كَانَ مَالِكًا لَهُ - هَلْ كَانَ مِمَّنْ لَهُ حُرْمَةٌ أَوْ لَا؟ وَلَمْ يُعْلَمْ حَالُهُ، (فَإِنْ وُجِدَ) مَالِكُهُ أَوْ وُجِدَ (أَحَدٌ مِنْ وَرَثَتِهِ لَمْ يُمْلَكْ بِإِحْيَاءٍ) .
قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ مَا عُرِفَ بِمِلْكِ مَالِكٍ غَيْرِ مُنْقَطِعٍ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ إحْيَاؤُهُ لِأَحَدٍ غَيْرِ أَرْبَابِهِ. انْتَهَى.
(وَكَذَا إنْ جَهِلَ) مَالِكَهُ بِأَنْ لَمْ تُعْلَمْ عَيْنُهُ مَعَ الْعِلْمِ بِجَرَيَانِ الْمِلْكِ عَلَيْهِ لِذِي حُرْمَةٍ، فَلَا يَمْلِكُ بِالْإِحْيَاءِ نَصًّا عَلَيْهِ؛ لِحَدِيثِ عَائِشَةَ الْمُتَقَدِّمِ:«مَنْ أَحْيَا أَرْضًا لَيْسَتْ لِأَحَدٍ» . وَهَذِهِ مَمْلُوكَةٌ، وَلِأَنَّ هَذَا مَكَانٌ مَمْلُوكٌ، فَلَمْ يُمْلَكْ بِإِحْيَاءٍ؛ كَمَا لَوْ كَانَ مَالِكُهُ مُعَيَّنًا، (وَإِنْ عَلِمَ) مَالِكَهُ وَأَنَّهُ
مَاتَ، (وَلَمْ يُعَقِّبْ) ذُرِّيَّةً وَلَا وَارِثًا؛ لَمْ يَمْلِكْ أَيْضًا بِالْإِحْيَاءِ (وَأَقْطَعَهُ الْإِمَامُ) لِمَنْ شَاءَ؛ لِأَنَّهُ فَيْءٌ.
(وَإِنْ مَلَكَ بِإِحْيَاءٍ ثُمَّ تَرَكَ حَتَّى دَثَّرَ، وَعَادَ مَوَاتًا؛ لَمْ يَمْلِكْ بِإِحْيَاءٍ إنْ كَانَ لِمَعْصُومٍ) بِغَيْرِ خِلَافٍ بَيْنَ الْأَصْحَابِ؛ لِمَفْهُومِ حَدِيثِ: «مَنْ أَحْيَا أَرْضًا مَيِّتَةً لَيْسَتْ لِأَحَدٍ» .
وَهُوَ مُقَيَّدٌ بِحَدِيثِ: «مَنْ أَحْيَا أَرْضًا مَيِّتَةً فَهِيَ لَهُ» وَلِأَنَّ مِلْكَ الْمُحْيِي أَوَّلًا وَلَمْ يَزُلْ عَنْهَا بِالتَّرْكِ بِدَلِيلِ سَائِرِ الْأَمْلَاكِ، (وَإِنْ عُلِمَ مِلْكُهُ) - أَيْ: الدَّارِسِ الْخَرَابِ - (لِمُعَيَّنٍ غَيْرِ مَعْصُومٍ) بِأَنْ كَانَ لِكَافِرٍ لَا ذِمَّةَ لَهُ وَلَا أَمَانَ، (فَإِنْ) كَانَ (أَحْيَاهُ بِدَارِ حَرْبٍ وَانْدَرَسَ كَانَ) ذَلِكَ (كَمَوَاتٍ أَصْلِيٍّ) ؛ أَيْ: فَيَمْلِكُهُ مَنْ يُحْيِيهِ، لِأَنَّ مِلْكَ مَنْ لَا عِصْمَةَ لَهُ كَعَدَمِهِ، (وَإِنْ) لَمْ يَكُنْ بِهِ أَثَرُ مِلْكٍ (تُرُدِّدَ فِي جَرَيَانِ الْمِلْكِ عَلَيْهِ) ؛ مَلَكَ الْإِحْيَاءَ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ جَرَيَانِ الْمِلْكِ فِيهِ، (أَوْ كَانَ بِهِ) - أَيْ: الْخَرَابِ - (أَثَرُ مِلْكٍ غَيْرِ جَاهِلِيٍّ كَالْخَرِبِ) - بِفَتْحِ الْخَاءِ وَكَسْرِ الرَّاءِ وَبِالْعَكْسِ - وَكِلَاهُمَا جَمْعُ خِرْبَةٍ - بِسُكُونِ الرَّاءِ - وَهِيَ مَا تَهَدَّمَ مِنْ الْبُنَيَّانِ (الَّتِي ذَهَبَتْ أَنْهَارُهَا وَانْدَرَسَتْ آثَارُهَا، وَلَمْ يُعْلَمْ لَهَا مَالِكٌ) الْآنَ؛ مَلَكَ بِالْإِحْيَاءِ؛ لِعُمُومِ مَا سَبَقَ مِنْ الْأَخْبَارِ، وَسَوَاءٌ كَانَ بِدَارِ الْإِسْلَامِ أَوْ الْحَرْبِ.
وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي فِي كُلٍّ مِنْهُمَا وَابْنُ عَقِيلٍ وَالْقَاضِي أَبُو الْحُسَيْنِ وَأَبُو الْفَرَجِ الشِّيرَازِيُّ وَالْمُوَفَّقُ وَالشَّارِحُ وَغَيْرُهُمْ، وَلِأَنَّ عَامِرَ دَارِ الْحَرْبِ إنَّمَا يُمْلَكُ بِالْقَهْرِ وَالْغَلَبَةِ كَسَائِرِ أَمْوَالِهِمْ، أَوْ كَانَ بِهِ أَثَرُ مِلْكٍ (جَاهِلِيٍّ قَدِيمٍ) كَدِيَارِ عَادٍ وَآثَارِ الرُّومِ؛ فَيَمْلِكُهُ مَنْ أَحْيَاهُ لِمَا سَبَقَ، أَوْ كَانَ بِهِ أَثَرُ مِلْكٍ جَاهِلِيٍّ (قَرِيبٍ؛ مُلِكَ بِإِحْيَاءٍ) ؛ لِأَنَّ أَثَرَ الْمِلْكِ الَّذِي بِهِ لَا حُرْمَةَ لَهُ.
(قَالَ الْحَارِثِيُّ: مَسَاكِنُ) دِيَارِ ( [ثَمُودَ] لَا تُمْلَكُ؛ لِعَدَمِ دَوَامِ الْبُكَاءِ مَعَ السُّكْنَى)[وَمَعَ الِانْتِفَاعِ] عَلَى رِوَايَةٍ، الْأَظْهَرُ خِلَافُهَا.
قَالَ الشَّارِحُ: النَّوْعُ الثَّانِي مَا يُوجَدُ فِيهِ آثَارُ مِلْكٍ قَدِيمٍ جَاهِلِيٍّ كَآثَارِ الرُّومِ وَمَسَاكِنِ ثَمُودٍ وَنَحْوِهِمْ؛ فَهَذَا يُمْلَكُ بِالْإِحْيَاءِ فِي أَظْهَرْ الرِّوَايَتَيْنِ؛ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ الْأَحَادِيثِ، وَلِأَنَّ ذَلِكَ
الْمِلْكَ لَا حُرْمَةَ لَهُ، وَلِمَا رَوَى طَاوُسٌ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم «أَنَّهُ قَالَ عَادِي الْأَرْضِ لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ ثُمَّ هِيَ لَكُمْ بَعْدُ» . رَوَاهُ سَعِيدٌ فِي سُنَنِهِ وَأَبُو عُبَيْدٍ فِي الْأَمْوَالِ.
، وَقَالَ عَادِي الْأَرْضِ الَّتِي كَانَ بِهَا سَاكِنٌ فِي آبَادِ الدَّهْرِ فَانْقَرَضُوا، فَلَمْ يَبْقَ مِنْهُمْ أَنِيسٌ، فَنُسِبَ كُلُّ أَثَرٍ قَدِيمٍ إلَيْهِمْ. انْتَهَى.
وَلَمْ يَذْكُرْ الْقَاضِي فِي " الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ " وَالْمُوَفَّقُ فِي " الْمُغْنِي " خِلَافًا فِي جَوَازِ إحْيَائِهِ. قَالَ فِي " الْإِنْصَافِ ": وَهُوَ طَرِيقَةُ صَاحِبِ " الْمُحَرَّرِ وَ " الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِمَا.
قَالَ الْحَارِثِيُّ وَهُوَ الْحَقُّ وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ فَإِنَّ أَحْمَدَ وَأَصْحَابَهُ لَا يَخْتَلِفُ قَوْلُهُمْ فِي الْبِئْرِ الْعَادِيَّةِ وَهُوَ نَصٌّ مِنْهُ فِي خُصُوصِ النَّوْعِ، وَصَحَّحَ الْمَلِكُ فِيهِ بِالْإِحْيَاءِ صَاحِبُ التَّلْخِيصِ " وَ " الْفَائِقِ " وَ " الْفُرُوعِ " وَ " التَّصْحِيحِ " وَغَيْرُهُمْ، انْتَهَى. .
(وَيُكْرَهُ دُخُولُ دِيَارِهِمْ) - أَيْ: ثَمُودَ - (إلَّا لِبَاكٍ مُعْتَبِرٍ، لِئَلَّا يُصِيبَهُ مَا أَصَابَهُمْ) مِنْ الْعَذَابِ؛ لِلْخَبَرِ (وَمَنْ أَحْيَا) مِمَّا يَجُوزُ إحْيَاؤُهُ، (وَلَوْ) كَانَ الْإِحْيَاءُ (بِلَا إذْنِ الْإِمَامِ) .
قَالَهُ الْأَصْحَابُ، وَنَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ مُسْتَدِلًّا بِعُمُومِ الْحَدِيثِ، وَلِأَنَّهَا عَيْنٌ مُبَاحَةٌ، فَلَا: يَفْتَقِرُ تَمَلُّكُهَا إلَى إذْنٍ كَأَخْذِ الْمُبَاحِ، وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ عُمُومَ الْأَشْخَاصِ يَسْتَلْزِمُ عُمُومَ الْأَحْوَالِ، سَوَاءٌ كَانَ الْمُحْيِي مُسْلِمًا (أَوْ ذِمِّيًّا) اتِّفَاقًا، وَسَوَاءٌ كَانَ مُكَلَّفًا أَوْ لَا، لَكِنَّ شَرْطَهُ أَنْ يَكُونَ مِمَّنْ يَمْلِكُ الْمَالَ؛ لِأَنَّهُ يَمْلِكُهُ بِفِعْلِهِ كَالِاصْطِيَادِ، وَقَوْلُهُ عليه الصلاة والسلام:«مَوَتَانُ الْأَرْضِ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ هِيَ لَكُمْ» . جَوَابُهُ بَعْدَ تَسْلِيمِ صِحَّتِهِ أَنَّهَا لَكُمْ - أَيْ: لِأَهْلِ دَارِكُمْ - وَالذِّمِّيُّ مِنْ دَارِنَا تَجْرِي عَلَيْهِ أَحْكَامُنَا، فَيَمْلِكُ الْأَرْضَ الْمُحْيَاةَ بِالْإِحْيَاءِ، كَمَا يَمْلِكُهَا بِالشِّرَاءِ، وَيَمْلِكُ مُبَاحَاتِهَا مِنْ الْحَشِيشِ وَالْحَطَبِ وَالصَّيُودِ وَالرِّكَازِ وَالْمَعْدِنِ وَاللُّقَطَةِ، وَهِيَ مِنْ مَرَافِقِ دَارِ الْإِسْلَامِ، فَكَذَلِكَ الْمَوَاتُ (مَوَاتًا) فِي دَارِ الْإِسْلَامِ وَغَيْرِهَا؛ إذْ جَمِيعُ الْبِلَادِ سَوَاءٌ، (سِوَى مَوَاتِ الْحَرَمِ وَعَرَفَاتٍ) ، فَلَا يُمْلَكُ بِالْإِحْيَاءِ مُطْلَقًا؛ لِمَا فِيهِ مِنْ التَّضْيِيقِ فِي أَدَاءِ الْمَنَاسِكِ وَاخْتِصَاصِهِ بِمَحَلٍّ النَّاسُ فِيهِ سَوَاءٌ، وَمِنًى وَمُزْدَلِفَةُ مِنْ الْحَرَمِ كَمَا سَبَقَ، فَلَا إحْيَاءَ بِهِمَا.