الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[بَابُ اللَّقِيطِ]
ُ: هُوَ فَعِيلٌ بِمَعْنَى مَفْعُولٌ، كَقَتِيلٍ وَجَرِيحٍ وَشَرْعًا (طِفْلٌ) لَا مُمَيِّزٌ، (لَا يَعْرِفُ نَسَبَهُ، وَلَا) يَعْرِفُ (رِقَّهُ، نُبِذَ) - بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ - أَيْ: طُرِحَ فِي شَارِعٍ أَوْ بَابِ مَسْجِدٍ وَنَحْوِهِ، (أَوْ ضَلَّ) الطَّرِيقَ، مَا بَيْنَ وِلَادَتِهِ (إلَى سِنِّ التَّمْيِيزِ) فَقَطْ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَالَهُ فِي " الْإِنْصَافِ ":(وَعِنْدَ الْأَكْثَرِ إلَى الْبُلُوغِ) . قَالَ فِي " التَّلْخِيصِ ": وَالْمُخْتَارُ عِنْدَ أَصْحَابِنَا أَنَّ الْمُمَيِّزَ يَكُونُ لَقِيطًا؛ لِأَنَّهُمْ قَالُوا: إذَا الْتَقَطَ رَجُلٌ وَامْرَأَةٌ مَعًا مَنْ لَهُ أَكْثَرُ مِنْ سَبْعِ سِنِينَ؛ أُقْرِعَ، وَلَمْ يُخَيَّرْ، بِخِلَافِ الْأَبَوَيْنِ. وَعُلِمَ مِمَّا تَقَدَّمَ لَوْ نُبِذَ أَوْ ضَلَّ طِفْلٌ مَعْرُوفٌ النَّسَبِ، أَوْ مَعْلُومُ الرِّقِّ، فَعَرَفَهُ مَنْ يَعْرِفُهُ أَوْ غَيْرُهُ؛ فَهُوَ لَقِيطٌ لُغَةً لَا شَرْعًا.
(وَالْتِقَاطُهُ) - أَيْ: اللَّقِيطِ - شَرْعًا (فَرْضُ كِفَايَةٍ) ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [المائدة: 2] وَلِأَنَّ فِيهِ إحْيَاءَ نَفْسٍ، فَكَانَ وَاجِبًا، كَإِطْعَامِهِ إذَا اُضْطُرَّ، وَإِنْجَائِهِ مِنْ نَحْوِ غَرَقٍ. فَلَوْ تَرَكَهُ جَمِيعُ مَنْ رَآهُ؛ أَثِمُوا. وَيَحْرُمُ النَّبْذُ؛ لِأَنَّهُ تَعْرِيضٌ بِالْمَنْبُوذِ لِلتَّلَفِ.
(وَسُنَّ إشْهَادٌ عَلَيْهِ) كَاللُّقَطَةِ، وَدَفْعًا لِنَفْسِهِ لِئَلَّا تُرَاوِدَهُ بِاسْتِرْقَاقِهِ.
[وَيُسْتَحَبُّ لِمَنْ رَآهُ أَنْ يَأْخُذَهُ وَيُرَبِّيَهُ إنْ كَانَ أَمِينًا، وَإِنْ كَانَ سَفِيهًا] فَلِلْحَاكِمِ رَفْعُ يَدِهِ عَنْهُ، وَتَسْلِيمُهُ إلَى أَمِينٍ لِيُرَبِّيَهُ.
وَلَهُ ثَلَاثَةُ أَرْكَانٍ: اللَّقِيطُ، وَقَدْ عُرِّفَ، وَالِالْتِقَاطُ، وَالْمُلْتَقِطُ: وَهُوَ كُلُّ حُرٍّ مُكَلَّفٍ رَشِيدٍ عَدْلٍ وَلَوْ ظَاهِرًا.
(وَيُنْفِقُ عَلَيْهِ مِمَّا مَعَهُ) إنْ كَانَ مَعَهُ شَيْءٌ؛ لِأَنَّ نَفَقَتَهُ وَاجِبَةٌ فِي مَالِهِ، وَمَا وَجَدَ مَعَهُ فَهُوَ مَالُهُ؛ لِأَنَّ الطِّفْلَ يَمْلِكُ، وَلَهُ يَدٌ صَحِيحَةٌ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ يَرِثُ وَيُورَثُ، وَيَصِحُّ أَنْ يَشْتَرِيَ لَهُ وَلِيُّهُ وَيَبِيعَ مِنْ مَالِهِ.
(وَإِلَّا) يَكُنْ مَعَهُ شَيْءٌ؛ (فَ) يُنْفِقُ عَلَيْهِ (مِنْ بَيْتِ الْمَالِ) ؛ لِمَا رَوَى سَعِيدٌ عَنْ سِنِينَ أَبِي جَمِيلَةَ قَالَ: وَجَدْتُ مَلْقُوطًا، فَأَتَيْتُ بِهِ عُمَرَ، فَقَالَ عَرِيفُهُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، إنَّهُ رَجُلٌ صَالِحٌ، فَقَالَ عُمَرُ: أَكَذَلِكَ هُوَ؟ قَالَ: نَعَمْ فَقَالَ: فَاذْهَبْ هُوَ حُرٌّ، وَلَكَ وَلَاؤُهُ، وَعَلَيْنَا نَفَقَتُهُ أَوْ رَضَاعُهُ.
(فَإِنْ تَعَذَّرَ) الْإِنْفَاقُ عَلَيْهِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ؛ لِكَوْنِهِ لَا مَالَ فِيهِ، أَوْ لِكَوْنِ الْبَلَدِ لَيْسَ فِيهَا بَيْتُ مَالٍ وَنَحْوِهِ؛ (اقْتَرَضَ عَلَيْهِ) - أَيْ: عَلَى بَيْتِ الْمَالِ - (حَاكِمٌ) ، وَظَاهِرُهُ، وَلَوْ مَعَ وُجُودِ مُتَبَرِّعٍ بِهَا؛ لِأَنَّهُ أَمْكَنَ الْإِنْفَاقُ عَلَيْهِ بِدُونِ مِنَّةٍ تَلْحَقُهُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ، أَشْبَهَ الْأَخْذَ لَهَا مِنْ بَيْتِ الْمَالِ قَالَهُ فِي شَرْحِ الْمُنْتَهَى ".
(فَلَوْ) اقْتَرَضَ الْحَاكِمُ مَا أَنْفَقَ عَلَيْهِ، ثُمَّ (بَانَ) اللَّقِيطُ رَقِيقًا، أَوْ بَانَ (لَهُ مَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ) ؛ كَأَبٍ مُوسِرٍ أَوْ وَارِثٍ مُوسِرٍ؛ (رَجَعَ) الْحَاكِمُ (عَلَيْهِ) ؛ أَيْ: عَلَى سَيِّدِ الرَّقِيقِ، وَأَبِي الْحُرِّ الْمُوسِرِ؛ لِأَنَّ النَّفَقَةَ حِينَئِذٍ وَاجِبَةٌ عَلَيْهِمْ، وَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ لَهُ أَحَدٌ تَجِبُ عَلَيْهِ نَفَقَتُهُ؛ وَفِي الْحَاكِمِ مَا اقْتَرَضَهُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ؛ لِأَنَّ نَفَقَتَهُ حِينَئِذٍ وَاجِبَةٌ فِيهِ.
وَإِنْ كَانَ لِلَّقِيطِ مَالٌ تَعَذَّرَ الْإِنْفَاقُ مِنْهُ لِمَانِعٍ، أَوْ يُنْتَظَرُ حُصُولُهُ مِنْ وَقْفٍ أَوْ غَيْرِهِ؛ فَلِمَنْ أَنْفَقَ عَلَيْهِ بِنِيَّةِ الرُّجُوعِ أَنْ يَرْجِعَ؛ لِأَنَّهُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ غَنِيٌّ عَنْ مَالِ الْغَيْرِ.
هَذَا مَعْنَى كَلَامِ الْحَارِثِيِّ، وَقَالَ: وَإِذَا أَنْفَقَ الْمُلْتَقِطُ أَوْ غَيْرُهُ نَفَقَةَ الْمِثْلِ، بِإِذْنِ الْحَاكِمِ، لِيَرْجِعَ؛ فَلَهُ الرُّجُوعُ انْتَهَى.
وَإِذَا أَنْفَقَ بِغَيْرِ أَمْرِ الْحَاكِمِ فَقَالَ أَحْمَدُ: يُؤَدِّي النَّفَقَةَ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ، (فَإِنْ تَعَذَّرَ) عَلَى الْحَاكِمِ الِاقْتِرَاضُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ، أَوْ كَانَ لَا يُمْكِنُ الْأَخْذُ مِنْهُ لِنَحْوِ مَنْعٍ مَعَ وُجُودِ الْمَالِ فِيهِ؛ (فَعَلَى مَنْ عَلِمَ) الْإِنْفَاقُ عَلَيْهِ مَجَّانًا؛ لِلْأَمْرِ
بِالتَّعَاوُنِ عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى، وَبِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ، وَلِأَنَّهُ إحْيَاءُ مَعْصُومٍ، وَإِنْقَاذٌ لَهُ مِنْ التَّلَفِ.
(وَيَتَّجِهُ وَكَذَا) حُكْمُ (كُلِّ فَرْضِ كِفَايَةٍ) ، يَلْزَمُ مَنْ عَلِمَ بِهِ الْقِيَامُ بِهِ مَجَّانًا، وَهُوَ مُتَّجِهٌ
(وَلَا يَرْجِعُ) الْمُنْفِقُ بِمَا أَنْفَقَهُ عَلَيْهِ (إذَنْ) ؛ أَيْ: عِنْدَ تَعَذُّرِ أَخْذٍ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ، أَوْ الِاقْتِرَاضِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ فَرْضُ كِفَايَةٍ، إذَا قَامَ بِهَا الْبَعْضُ سَقَطَتْ عَنْ الْبَاقِينَ؛ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ، وَإِنْ تَرَكَ الْكُلُّ أَثِمُوا، أَوْ لِأَنَّهَا وَجَبَتْ لِلْمُوَاسَاةِ، فَهِيَ كَنَفَقَةِ الْغَرِيبِ وَقِرَى الضَّيْفِ.
جَزَمَ بِهِ الْقَاضِي وَجَمَاعَةٌ، مِنْهُمْ صَاحِبُ " الْمُسْتَوْعِبِ "" وَالتَّلْخِيصِ "، وَاخْتَارَهُ صَاحِبُ " الْمُوجَزِ "" وَالتَّبْصِرَةِ "، وَقَالَا: لَهُ أَنْ يُنْفِقَ عَلَيْهِ مِنْ الزَّكَاةِ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ ". قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَهُوَ أَصَحُّ؛ لِأَنَّ الْوُجُوبَ مَجَّانًا، وَاسْتِحْقَاقَ الْعِوَضِ لَا يَجْتَمِعَانِ انْتَهَى.
(وَيُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ) - أَيْ: اللَّقِيطِ - إنْ وُجِدَ بِدَارِ الْإِسْلَامِ فِيهِ مُسْلِمٌ أَوْ مُسْلِمَةٌ يُمْكِنُ كَوْنُهُ مِنْ أَحَدِهِمَا؛ لِظَاهِرِ الدَّارِ، وَتَغْلِيبًا لِلْإِسْلَامِ، فَإِنَّهُ يَعْلُو وَلَا يُعْلَى عَلَيْهِ.
(وَ) يُحْكَمُ (بِحُرِّيَّتِهِ) ؛ لِأَنَّهَا الْأَصْلُ فِي الْآدَمِيِّينَ، فَإِنَّ اللَّهَ خَلَقَ آدَمَ وَذُرِّيَّتَهُ أَحْرَارًا، وَالرِّقُّ لِعَارِضٍ، وَالْأَصْلُ عَدَمُهُ.
فَاللَّقِيطُ حُرٌّ فِي جَمِيعِ أَحْكَامِهِ، حَتَّى فِي قَذْفٍ وَقَوَدٍ، (إلَّا أَنْ يُوجَدَ) اللَّقِيطُ (بِبَلَدِ حَرْبٍ، وَلَا مُسْلِمَ فِيهِ) - أَيْ: فِي بَلَدِ الْحَرْبِ - (أَوْ فِيهِ مُسْلِمٌ كَتَاجِرٍ وَأَسِيرٍ؛ فَهُوَ كَافِرٌ رَقِيقٌ) ؛ لِأَنَّ الدَّارَ لَهُمْ وَإِذَا لَمْ يَكُنْ فِيهَا مُسْلِمٌ كَانَ أَهْلُهَا مِنْهُمْ.
وَإِنْ كَانَ فِيهَا قَلِيلٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ كَتَاجِرٍ وَأَسِيرٍ؛ غَلَبَ فِيهَا حُكْمُ الْأَكْثَرِ، مِنْ أَجْلِ كَوْنِ الدَّارِ لَهُمْ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ ": وَإِنْ كَانَ فِيهَا مُسْلِمٌ سَاكِنٌ؛ فَاللَّقِيطُ مُسْلِمٌ.
وَإِلَى ذَلِكَ أَشَارَ
الْحَارِثِيُّ فَقَالَ مَثَّلَ الْأَصْحَابُ فِي الْمُسْلِمِ هُنَا بِالتَّاجِرِ وَالْأَسِيرِ، وَاعْتَبَرَ إقَامَتَهُ زَمَنًا، حَتَّى صَرَّحَ فِي " التَّلْخِيصِ ": أَنَّهُ لَا يَكْفِي مُرُورُهُ مُسَافِرًا.
(وَإِنْ كَثُرَ الْمُسْلِمُونَ) فِي دَارِ الْحَرْبِ؛ فَلَقِيطُهَا (مُسْلِمٌ) حُرٌّ، تَغْلِيبًا لِلْإِسْلَامِ أَوْ وُجِدَ اللَّقِيطُ (فِي بَلَدِ إسْلَامٍ كُلُّ أَهْلِهِ ذِمَّةٌ)، (فَ) قِيلَ: إنَّهُ (مُسْلِمٌ) ؛ لِأَنَّ الدَّارَ لِلْمُسْلِمِينَ، وَلِاحْتِمَالِ كَوْنِهِ مِنْ مُسْلِمٍ يَكْتُمُ إيمَانَهُ.
قَالَهُ الْقَاضِي وَابْنُ عَقِيلٍ، (خِلَافًا لَهُمَا) - أَيْ:" لِلْمُنْتَهَى "" وَالْإِقْنَاعِ " - فَيُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ (تَغْلِيبًا لِلدَّارِ وَانْعِدَامِ أَبَوَيْهِ) قَالَ فِي الْمُنْتَهَى: وَفِي بَلَدٍ كُلُّ أَهْلِهِ ذِمَّةٌ فَكَافِرٌ.
وَقَالَ فِي الْإِقْنَاعِ ": وَإِنْ وُجِدَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ، فِي بَلَدٍ كُلُّ أَهْلِهَا ذِمَّةٌ، وَوُجِدَ فِيهَا لَقِيطٌ؛ حُكِمَ بِكُفْرِهِ. انْتَهَى.
وَكَذَلِكَ جَزَمَ الْمُوَفَّقُ وَالشَّارِحُ وَصَاحِبُ " الْمُبْدِعِ " وَغَيْرُهُمْ: بِأَنَّهُ يُحْكَمُ بِكُفْرِهِ؛ لِأَنَّ تَغْلِيبَ حُكْمِ الْإِسْلَامِ إنَّمَا يَكُونُ مَعَ الِاحْتِمَالِ، وَهَذِهِ لَا مُسْلِمَ فِيهَا يُحْتَمَلُ كَوْنُهُ مِنْهُ، وَإِنْ كَانَ بِهَا مُسْلِمٌ؛ فَلَا حَاجَةَ بِهِ إلَى كَتْمِ إيمَانِهِ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ، إذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ فَالْمُعْتَمَدُ مَا قَالَاهُ، وَالْمُعَوَّلُ عَلَى مَا نَقَلَاهُ.
(وَإِنْ كَانَ بِهَا) ؛ أَيْ: بِبَلَدِ إسْلَامٍ كُلُّ أَهْلِهِ ذِمَّةٌ، (مُسْلِمٌ) ، وَلَوْ وَاحِدًا، (يُمْكِنُ كَوْنُهُ) - أَيْ: اللَّقِيطِ - (مِنْهُ) - أَيْ: الْمُسْلِمِ - فَاللَّقِيطُ (مُسْلِمٌ) .
قَالَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ، مِنْهُمْ الْمُوَفَّقُ وَالشَّارِحُ:(قَوْلًا وَاحِدًا) ،
تَغْلِيبًا لِلْإِسْلَامِ، وَلِظَاهِرِ الدَّارِ.
(وَإِنْ لَمْ يَبْلُغْ مَنْ) - أَيْ: لَقِيطٌ - (قُلْنَا بِكُفْرِهِ تَبَعًا لِلدَّارِ) - أَيْ: دَارِ الْكُفْرِ - وَهُوَ مَنْ وُجِدَ فِي بَلَدِ أَهْلِ حَرْبٍ لَا مُسْلِمَ بِهِ، أَوْ بِهِ نَحْوُ تَاجِرٍ وَأَسِيرٍ، (حَتَّى صَارَتْ) دَارُ الْكُفْرِ (دَارَ إسْلَامٍ؛ فَهُوَ مُسْلِمٌ فِيهَا) ؛ أَيْ: حَكَمْنَا بِإِسْلَامِهِ تَبَعًا لِلدَّارِ؛ لِأَنَّهَا صَارَتْ دَارَ الْإِسْلَامِ.
(وَمَا وُجِدَ مَعَهُ) - أَيْ: اللَّقِيطِ - (مِنْ فِرَاشٍ تَحْتَهُ؛) كَوِطَاءٍ وَبِسَاطٍ وَوِسَادَةٍ وَسَرِيرٍ (وَثِيَابٍ) وَحُكِيَ أَوْ غِطَاءٍ عَلَيْهِ، (أَوْ مَالٍ بِجَيْبِهِ، أَوْ تَحْتَ فِرَاشِهِ) أَوْ وِسَادَتِهِ، أَوْ وُجِدَ (مَدْفُونًا تَحْتَهُ) دَفْنًا (طَرِيًّا) ؛ بِأَنْ تَجَدَّدَ حَفْرُهُ، (أَوْ) وُجِدَ (مَطْرُوحًا قَرِيبًا مِنْهُ) ، كَثَوْبٍ مَوْضُوعٍ إلَى جَانِبِهِ، (أَوْ) وَجَدْنَا (حَيَوَانًا مَشْدُودًا بِثِيَابِهِ) ؛ فَهُوَ لَهُ، وَكَذَا مَا طُرِحَ مِنْ فَوْقِهِ، أَوْ رَبَطَهُ بِهِ، أَوْ بِثِيَابِهِ أَوْ سَرِيرِهِ، وَمَا بِيَدِهِ مِنْ عِنَانِ دَابَّةٍ؛ أَوْ مَرْبُوطٌ عَلَيْهَا، أَوْ مَرْبُوطٌ بِهِ أَوْ بِثِيَابِهِ، قَالَهُ الْحَارِثِيُّ؛ لِأَنَّ يَدَهُ عَلَيْهِ، فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ كَالْمُكَلَّفِ.
وَيَمْتَنِعُ الْتِقَاطُهُ بِدُونِ الْتِقَاطِ الْمَالِ الْمَوْجُودِ، لِمَا فِيهِ مِنْ الْحَيْلُولَةِ بَيْنَ الْمَالِ وَمَالِكِهِ (وَكَذَا خَيْمَةٌ وَدَارٌ وُجِدَ فِيهَا) ، فَهِيَ لَهُ.
(وَيَتَّجِهُ وَجَهِلَ مَالِكُهَا) وَلَمْ يَكُنْ فِيهَا غَيْرُهُ، فَإِنْ كَانَ ثَمَّ بَالِغٌ فِي جَمِيعِ مَا تَقَدَّمَ؛ فَهُوَ بِهِ أَخَصُّ، إضَافَةً لِلْحُكْمِ إلَى أَقْوَى السَّبَبَيْنِ، فَإِنَّ يَدَ الْمُلْتَقِطِ ضَعِيفَةٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى يَدِ الْبَالِغِ، وَإِنْ كَانَ الثَّانِي لَقِيطًا فَهُوَ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ؛ لِاسْتِوَاءِ يَدِهِمَا.
إلَّا أَنْ تُوجَدَ قَرِينَةٌ تَقْتَضِي اخْتِصَاصَ أَحَدِهِمَا بِشَيْءٍ دُونَ شَيْءٍ؛ فَيُعْمَلُ بِهَا.
وَهُوَ مُتَّجِهٌ وَمَا وُجِدَ مَدْفُونًا بَعِيدًا عَنْهُ، أَوْ مَدْفُونًا تَحْتَهُ غَيْرَ طَرِيٍّ؛ لَمْ يَكُنْ لَهُ، اعْتِمَادًا عَلَى الْقَرِينَةِ وَمَا لَيْسَ مَحْكُومًا لَهُ بِهِ فَلُقَطَةٌ.
(وَالْأَوْلَى بِحَضَانَتِهِ) - أَيْ: اللَّقِيطِ - (وَاجِدُهُ) ؛ لِأَنَّهُ وَلِيُّهُ، (إنْ كَانَ أَمِينًا) ؛ لِمَا تَقَدَّمَ عَنْ عُمَرَ رضي الله عنه.
(عَدْلًا) ؛ لِأَنَّ عُمَرَ أَقَرَّ اللَّقِيطَ فِي يَدِ أَبِي جَمِيلَةَ، حِينَ قَالَ لَهُ عَرِيفُهُ: إنَّهُ رَجُلٌ صَالِحٌ.
(وَلَوْ) كَانَ (ظَاهِرًا) ؛ أَيْ: لَمْ تُعْلَمْ عَدَالَتُهُ بَاطِنًا؛ كَوِلَايَةِ النِّكَاحِ وَالشَّهَادَةِ فِيهِ وَأَكْثَرِ الْأَحْكَامِ.
(حُرًّا) تَامَّ الْحُرِّيَّةِ، لِأَنَّ كُلًّا مِنْ الْقِنِّ وَالْمُدَبَّرِ وَأُمِّ الْوَلَدِ وَالْمُعَلَّقِ عِتْقُهُ بِصِفَةٍ مَنَافِعُهُ مُسْتَحَقَّةٌ لِسَيِّدِهِ، فَلَا يَصْرِفُهَا فِي غَيْرِ نَفْعِهِ إلَّا بِإِذْنِهِ؛ وَكَذَا الْمُكَاتَبُ لَيْسَ لَهُ التَّبَرُّعُ بِمَالِهِ، وَلَا مَنَافِعُهُ إلَّا بِإِذْنِ سَيِّدِهِ وَكَذَا الْمُبَعَّضُ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ اسْتِكْمَالِ الْحَضَانَةِ.
فَإِنْ أَذِنَ السَّيِّدُ لِرَقِيقِهِ أُقِرَّ بِيَدِهِ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ كَأَنَّ السَّيِّدَ الْتَقَطَهُ، وَاسْتَعَانَ بِرَقِيقِهِ فِي حَضَانَتِهِ.
قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: إنْ أَذِنَ لَهُ السَّيِّدُ؛ لَمْ يَكُنْ لَهُ الرُّجُوعُ بَعْدَ ذَلِكَ، وَصَارَ كَمَا لَوْ الْتَقَطَهُ (مُكَلَّفًا) ؛ لِأَنَّ غَيْرَ الْمُكَلَّفِ لَا يَلِي أَمْرَ نَفْسِهِ، فَلَا يَلِي أَمْرَ غَيْرِهِ. (رَشِيدًا) ؛ لِأَنَّ السَّفِيهَ لَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَى نَفْسِهِ، فَغَيْرُهُ أَوْلَى.
وَيَجُوزُ لِمَنْ لَا يُقِرُّ بِيَدِهِ الْتِقَاطُهُ؛ لِأَنَّ أَخْذَهُ قُرْبَةٌ لَا يَخْتَصُّ بِوَاحِدٍ دُونَ آخَرَ، وَعَدَمُ إقْرَارِهِ بِيَدِهِ دَوَامًا لَا يَمْنَعُ أَخْذَهُ ابْتِدَاءً، إلَّا الرَّقِيقَ فَلَيْسَ لَهُ الْتِقَاطُهُ إلَّا بِإِذْنِ سَيِّدِهِ، إلَّا أَنْ لَا يَعْلَمَ بِهِ سِوَاهُ؛ فَعَلَيْهِ الْتِقَاطُهُ؛ لِتَخْلِيصِهِ مِنْ الْهَلَاكِ كَالْغَرَقِ، وَيَأْتِي.
(وَلَهُ) - أَيْ: لِوَاجِدِهِ - الْمُتَّصِفِ بِمَا تَقَدَّمَ (حِفْظُ مَالِهِ) - أَيْ: اللَّقِيطِ - بِلَا حُكْمِ حَاكِمٍ؛ (لِأَنَّهُ وَلِيُّهُ) ؛ لِقَوْلِ عُمَرَ: وَلَكَ وَلَاؤُهُ، وَلِأَنَّهُ وَلِيٌّ بِحَضَانَتِهِ لَا مِنْ أَجْلِ قَرَابَتِهِ مِنْهُ، أَشْبَهَ الْحَاكِمَ، وَلِوَاجِدِهِ الْمُتَّصِفِ بِمَا تَقَدَّمَ (الْإِنْفَاقُ عَلَيْهِ) - أَيْ: اللَّقِيطِ - مِمَّا وَجَدَ مَعَهُ، (بِلَا إذْنِ حَاكِمٍ) ؛ لِوِلَايَتِهِ عَلَيْهِ، كَمَا لَوْ وَصِيٌّ.
وَلِأَنَّهُ مِنْ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ؛ بِخِلَافِ مَنْ أَوْدَعَ مَالًا وَغَابَ، وَلَهُ وَلَدٌ؛ فَلَا يُنْفِقُ الْوَدِيعُ عَلَى وَلَدِهِ مِنْ الْوَدِيعَةِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَا وِلَايَةَ لَهُ، بَلْ تَقُومُ امْرَأَتُهُ إلَى الْحَاكِمِ، حَتَّى يَأْمُرَهُ بِالْإِنْفَاقِ؛ لِاحْتِيَاجِهِ إلَى نَظَرِ الْحَاكِمِ.
(وَنُدِبَ) لِوَاجِدِ اللَّقِيطِ الْإِنْفَاقُ (بِإِذْنِهِ) - أَيْ: الْحَاكِمِ - إنْ وَجَدَ،