الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[بَابُ أَحْكَامِ أُمِّ الْوَلَدِ]
(بَابُ أَحْكَامِ أُمِّ الْوَلَدِ) أَصْلُ أُمٍّ أَمْهَةٌ، وَلِذَلِكَ جُمِعَتْ عَلَى أُمَّهَاتٍ بِاعْتِبَارِ الْأَصْلِ وَقِيلَ الْأُمَّهَاتُ لِلنَّاسِ، وَالْأُمَّاتُ لِلْبَهَائِمِ، وَالْهَاءُ فِي أَمْهَةٍ زَائِدَةٌ عِنْدَ الْجُمْهُورِ، وَيَجُوزُ التَّسَرِّي إجْمَاعًا؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ} [المؤمنون: 5]{إِلا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ} [المؤمنون: 6] وَاشْتُهِرَ «أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم أَوْلَدَ مَارِيَةَ الْقِبْطِيَّةَ» ، وَعَمِلَتْ الصَّحَابَةُ عَلَى ذَلِكَ مِنْهُمْ عُمَرُ وَعَلِيٌّ. وَأُمُّ الْوَلَدِ شَرْعًا هِيَ (مَنْ وَلَدَتْ وَلَوْ) كَانَتْ وِلَادَتُهَا (بِتَحَمُّلٍ) بِأَنْ تَحَمَّلَتْ مَاءَ سَيِّدِهَا، فَعَلِقَتْ مِنْهُ، وَوَلَدَتْ (مَا فِيهِ صُورَةٌ، وَلَوْ) كَانَتْ الصُّورَةُ (خَفِيَّةً مِنْ مَالِكٍ) مُتَعَلِّقٌ بِوَلَدَتْ (وَلَوْ) كَانَ مَالِكًا (بَعْضَهَا) وَلَوْ جُزْءًا يَسِيرًا (أَوْ) كَانَ مَالِكُهَا أَوْ بَعْضِهَا (مُكَاتَبًا) لِصِحَّةِ مِلْكِهِ، لَكِنْ لَا يَثْبُتُ لَهَا أَحْكَامُ أُمِّ الْوَلَدِ حَتَّى يَعْتِقَ، وَمَتَى عَجَزَ، وَعَادَ إلَى الرِّقِّ؛ فَهِيَ أَمَةُ قِنٍّ، وَلَا يَمْلِكُ الْمُكَاتَبُ بَيْعَهَا (أَوْ) كَانَ أَوْلَدَهَا (سَيِّدُهُ) ؛ أَيْ: سَيِّدُ الْمُكَاتَبِ؛ لِأَنَّ مَالَ الْكِتَابَةِ مِلْكٌ لِسَيِّدِهِ، فَإِذَا وَطِئَ فَقَدْ وَطِئَهَا فِي مِلْكِهِ (أَوْ) كَانَتْ الْمُسْتَوْلَدَةُ (مُحَرَّمَةً عَلَيْهِ) ؛ أَيْ: عَلَى سَيِّدِهَا الَّذِي أَوْلَدَهَا كَأُخْتِهِ مِنْ رَضَاعٍ، وَكَمَجُوسِيَّةٍ وَوَثَنِيَّةٍ، وَكَوَطْئِهَا فِي نَحْوِ حَيْضٍ (أَوْ) وَلَدَتْ مِنْ (أَبِ مَالِكِهَا) لِأَنَّهَا حَمَلَتْ مِنْهُ بِحُرٍّ لِأَجَلِ شُبْهَةِ الْمِلْكِ، فَصَارَتْ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ كَالْجَارِيَةِ الْمُشْتَرَكَةِ (إنْ لَمْ يَكُنْ الِابْنُ وَطِئَهَا) نَصًّا. قَالَ الْقَاضِي: فَظَاهِرُهُ إنْ كَانَ الِابْنُ قَدْ وَطِئَهَا؛ لَمْ تَصِرْ أُمَّ وَلَدٍ لِلْأَبِ بِاسْتِيلَادِهَا؛ لِأَنَّهَا تُحَرَّمُ عَلَيْهِ تَحْرِيمًا مُؤَبَّدًا بِوَطْءِ ابْنِهِ لَهَا، وَلَا تَحِلُّ لَهُ بِحَالٍ، فَأَشْبَهَ وَطْءَ الْأَجْنَبِيِّ، فَلَا يَمْلِكُهَا، وَلَا تُعْتَقُ بِمَوْتِهِ، وَأَمَّا الْوَلَدُ فَيَعْتِقُ عَلَى
أَخِيهِ؛ لِأَنَّهُ ذُو رَحِمِهِ، وَنَسَبُهُ لَاحِقٌ بِالْأَبِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ وَطْءٍ يُدْرَأُ فِيهِ الْحَدُّ؛ لِشُبْهَةِ الْمِلْكِ.
(وَتُعْتَقُ) أُمُّ الْوَلَدِ (بِمَوْتِهِ) ؛ أَيْ: مَوْتِ سَيِّدِهَا مُسْلِمَةً كَانَتْ أَوْ كَافِرَةً، عَفِيفَةً كَانَتْ أَوْ فَاجِرَةً، وَكَذَا حُكْمُ السَّيِّدِ؛ لِأَنَّ عِتْقَهَا بِسَبَبِ اخْتِلَاطِ دَمِهَا بِدَمِهِ وَلَحْمِهَا بِلَحْمِهِ، فَإِذَا اسْتَوَيَا فِي النَّسَبِ اسْتَوَيَا فِي حُكْمِهِ (وَإِنْ لَمْ يَمْلِكْ غَيْرَهَا) لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا:«مَنْ وَطِئَ أَمَتَهُ، فَوَلَدَتْ؛ فَهِيَ مُعْتَقَةٌ عَنْ دُبُرٍ مِنْهُ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَهْ
وَعَنْهُ أَيْضًا قَالَ: «ذُكِرْت أُمُّ إبْرَاهِيمَ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: أَعْتَقَهَا وَلَدُهَا» رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَالدَّارَقُطْنِيّ.
وَلِأَنَّ الِاسْتِيلَادَ إتْلَافٌ حَصَلَ بِسَبَبِ حَاجَةٍ أَصْلِيَّةٍ، وَهِيَ الْوَطْءُ، فَكَانَ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ كَالْأَكْلِ وَنَحْوِهِ، وَإِنْ كَانَ مِنْ مَرِيضٍ (وَ) إذَا عَتَقَتْ أُمُّ الْوَلَدِ بِمَوْتِ سَيِّدِهَا فَ (مَا فِي يَدِهَا لِوَرَثَتِهِ) لِأَنَّهُ كَانَ لِلسَّيِّدِ قَبْلَ مَوْتِهِ، فَيَكُونُ لِوَرَثَتِهِ بَعْدَهُ، بِخِلَافِ الْمُكَاتَبَةِ (غَيْرَ ثِيَابِ لُبْسٍ مُعْتَادٍ) فَإِنَّهَا لَهَا؛ لِأَنَّهَا تَتْبَعُهَا فِي الْبَيْعِ، وَكَذَا لَوْ عَتَقَتْ الْأَمَةُ بِتَدْبِيرٍ أَوْ غَيْرِهِ كَوُجُودِ صِفَةٍ عُلِّقَ الْعِتْقُ عَلَيْهَا؛ فَمَا بِيَدِهَا لِسَيِّدِهَا، وَثِيَابُ اللُّبْسِ الْمُعْتَادِ لَهَا؛ لِأَنَّهَا تَتْبَعُهَا فِي الْبَيْعِ، فَكَذَا فِي الْعِتْقِ.
(وَلَوْ وَطِئَهَا) أَيْ: أُمَّ الْوَلَدِ (وَارِثٌ) بَعْدَ مَوْتِ سَيِّدِهَا، وَكَانَ وَطْؤُهُ لَهَا (عَمْدًا؛ فَلَا حَدَّ) عَلَيْهِ (لِأَنَّهُ لَمْ يُرْجِعْ عِتْقَهَا) بِمَوْتِ سَيِّدِهَا، بَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ التَّعْزِيرُ؛ لِأَنَّهُ وَطْءُ شُبْهَةٍ، وَهَذَا عَلَى الْقَوْلِ بِجَوَازِ بَيْعِهَا. قَالَ فِي " الْفُنُونِ ": يَجُوزُ بَيْعُهَا؛ لِأَنَّهُ قَوْلُ عَلِيٍّ وَغَيْرُهُ مِنْ الصَّحَابَةِ، وَإِجْمَاعُ التَّابِعِينَ لَا يَرْفَعُهُ، وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ.
قَالَ فِي " الْفَائِقِ ": وَهُوَ الْأَظْهَرُ قَالَ: فَتُعْتَقُ بِوَفَاةِ سَيِّدِهَا مِنْ نَصِيبِ وَلَدِهَا إنْ كَانَ لَهَا وَلَدٌ أَوْ بَعْضُهَا مَعَ عَدَمِ سَعَتِهِ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ، فَكَسَائِرِ رَقِيقِهِ؛ لِمَا رُوِيَ عَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ قَالَ: مَاتَ رَجُلٌ مِنَّا فَتَرَكَ أُمَّ وَلَدٍ، فَأَرَادَ الْوَلِيدُ بْنُ عُقْبَةَ أَنْ يَبِيعَهَا فِي دَيْنِهِ، فَأَتَيْنَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ، فَذَكَرْنَا ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ: إنْ كَانَ لَا بُدَّ، فَاجْعَلُوهَا مِنْ نَصِيبِ أَوْلَادِهَا،
وَفِي الْبَابِ غَيْرُهُ، وَالصَّحِيحُ لَهَا مِنْ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ بَيْعُهَا، وَإِذَا مَاتَ السَّيِّدُ عَنْهَا؛ فَإِنَّهَا تُعْتَقُ بِمُجَرَّدِ مَوْتِهِ، وَلَوْ لَمْ يَمْلِكْ غَيْرَهَا (وَيَأْتِي قَرِيبًا) مَزِيدُ بَيَانٍ لِذَلِكَ
(وَإِنْ وَضَعَتْ) أَمَةٌ مِنْ مَالِكِهَا أَوْ أَبِيهِ (جِسْمًا لَا تَخْطِيطَ فِيهِ كَمُضْغَةٍ) هِيَ لَحْمَةٌ صَغِيرَةٌ قَالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ: سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّهَا بِقَدْرِ مَا يُمْضَغُ (لَمْ تَصِرْ بِهِ أُمَّ وَلَدٍ) ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِوَلَدٍ، وَعِتْقُهَا مَشْرُوطٌ بِصَيْرُورَتِهَا أُمَّ وَلَدٍ، فَإِنْ شَهِدَ ثِقَاتٌ مِنْ النِّسَاءِ بِأَنَّ فِي هَذَا الْجِسْمَ صُورَةٌ خَفِيَّةٌ؛ تَعَلَّقَتْ بِهَا الْأَحْكَامُ، جَزَمَ بِهِ الزَّرْكَشِيُّ؛ لِأَنَّهُنَّ اطَّلَعْنَ عَلَى الصُّورَةِ الَّتِي خَفِيَتْ عَلَى غَيْرِهِنَّ
(وَإِنْ أَصَابَهَا) ؛ أَيْ: أَصَابَ أَمَةً (فِي مِلْكِ غَيْرِهِ بِزِنًا أَوْ لَا) كَمَا لَوْ أَصَابَهَا بِنِكَاحٍ أَوْ شُبْهَةٍ بِزَوْجَتِهِ الرَّقِيقَةِ الَّتِي لَمْ يُشْتَرَطْ حُرِّيَّةُ وَلَدِهَا (خِلَافًا لَهُمَا) ؛ أَيْ: " الْإِقْنَاعِ "" وَالْمُنْتَهَى " فَإِنَّهُمَا قَالَا: لَا بِزِنًا (ثُمَّ مَلَكَهَا) بِشِرَاءٍ أَوْ اتِّهَابٍ وَنَحْوِهِ حَالَ كَوْنِهَا حَامِلًا مِنْهُ (عَتَقَ الْحَمْلُ إنْ مَلَكَهُ) فِي صُورَتَيْ النِّكَاحِ وَالشُّبْهَةِ؛ لِأَنَّهُ فِيهِمَا وَلَدُهُ، وَنَسَبُهُ لَاحِقٌ بِهِ؛ فَعَتَقَ عَلَيْهِ لِذَلِكَ، وَقَوْلُهُ: بِزِنًا، فِيهِ نَظَرٌ؛ إذْ لَوْ مَلَكَهَا حَامِلًا مِنْ زِنَاهُ بِهَا، ثُمَّ وَلَدَتْ فِي مِلْكِهِ؛ فَإِنَّ وَلَدَهَا لَا يَعْتِقُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ نَسَبَهُ غَيْرُ لَاحِقٍ بِهِ، وَلَيْسَ رَحِمُهُ، بَلْ هُوَ كَالْأَجْنَبِيِّ مِنْهُ وَحُكْمُهُ حُكْمُ سَائِرِ أَرِقَّائِهِ، يَتَصَرَّفُ فِيهِ كَيْف شَاءَ إلَّا فِي الْوَطْءِ؛ فَيَمْتَنِعُ عَلَيْهِ لَوْ كَانَ أُنْثَى (وَلَمْ تَصِرْ أُمَّ وَلَدٍ) لَهُ عَلَى الْمَذْهَبِ فِي الْإِصَابَةِ بِالنِّكَاحِ وَالشُّبْهَةِ، وَفِي الزِّنَا لَمْ تَصِرْ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ قَوْلًا وَاحِدًا
(وَمَنْ مَلَكَ) أَمَةً (حَامِلًا) مِنْ غَيْرِهِ حَرُمَ عَلَيْهِ وَطْؤُهَا قَبْلَ الْوَضْعِ؛ لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «فِي سَبَايَا أَوْطَاسٍ: لَا تُوطَأُ حَامِلٌ حَتَّى تَضَعَ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد
(فَ) إنْ (وَطِئَهَا) قَبْلَ وَضْعِهَا (حَرُمَ) عَلَيْهِ (بَيْعُ الْوَلَدِ) وَلَمْ يَصِحَّ (وَ) لَا يُلْحَقُ بِهِ بَلْ (يُعْتِقُهُ) .
قَالَ أَحْمَدُ مَنْ اشْتَرَى جَارِيَةً حَامِلًا مِنْ غَيْرِهِ، فَوَطِئَهَا قَبْلَ وَضْعِهَا؛ فَإِنَّ الْوَلَدَ، لَا يَلْحَقُ الْمُشْتَرِي، وَلَا يَبِيعُهُ، وَلَكِنْ يُعْتِقُهُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ شَرِكَ فِيهِ؛ لِأَنَّ الْمَاءَ
يُزِيدُ فِي الْوَلَدِ، وَفِي حَدِيثِ أَبِي دَاوُد كَيْفَ يُورَثُهُ، وَهُوَ لَا يَحِلُّ لَهُ؟ ، أَمْ كَيْفَ يَسْتَخْدِمُهُ، وَهُوَ لَا يَحِلُّ لَهُ؟ ، يَعْنِي إنَّهُ اسْتَلْحَقَهُ، وَشَرِكَهُ فِي مِيرَاثِهِ؛ لَمْ يَحِلَّ لَهُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِوَلَدِهِ، وَإِنْ اتَّخَذَهُ مَمْلُوكًا يَسْتَخْدِمُهُ؛ لَمْ يَحِلَّ لَهُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ شَرِكَ فِيهِ؛ لِكَوْنِ الْمَاءِ يَزِيدُ فِي الْوَلَدِ
(وَيَصِحُّ قَوْلُهُ) أَيْ: السَّيِّدِ (لِأَمَتِهِ: يَدُك أُمُّ وَلَدِي) وَيَكُونُ ذَلِكَ فِي الْحُكْمِ مِثْلَ قَوْلِهِ لَهَا: أَنْتَ أُمُّ وَلَدِي؛ لِأَنَّهُ إذَا أَقَرَّ أَنَّ جُزْءًا مِنْهَا مُسْتَوْلِدٌ؛ سَرَى إقْرَارُهُ بِالِاسْتِيلَادِ إلَى جَمِيعِهَا، كَمَا لَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ: يَدُك حُرَّةٌ؛ فَإِنَّ الْعِتْقَ يَسْرِي إلَى جَمِيعِهِ.
وَ (لَا) يَصِحُّ قَوْلُ السَّيِّدِ (لِابْنِهَا) ؛ أَيْ: ابْنِ أَمَتِهِ (يَدُك ابْنِي أَوْ) يَقُولُ عَنْهُ (هُوَ ابْنِي أَنْ لَمْ يَقُلْ) السَّيِّدُ (وَلَدْته فِي مِلْكِي، خِلَافًا " لِلْمُنْتَهَى " هُنَا) أَيْ: فِي هَذَا الْبَابِ فِي قَوْلِهِ: وَيَصِحُّ قَوْلُهُ لِأَمَتِهِ: يَدُك أُمُّ وَلَدِي أَوْ لِابْنِهَا يَدُك ابْنِي، فَجَعَلَ قَوْلَهُ لِابْنِهَا يَدُك ابْنِي إقْرَارًا بِأَنَّهُ ابْنُهُ فِي أَنَّهُ يَسْرِي ذَلِكَ إلَى جَمِيعِهِ، كَمَا لَوْ قَالَ لَهُ: أَنْتَ ابْنِي مَعَ أَنَّهُ ذَكَرَ فِي بَابِ الْإِقْرَارِ وَمَا يُخَالِفُهُ، فَعَلَى الْأَصَحِّ لَوْ قَالَ لِوَلَدِهَا: أَنْتَ ابْنِي، أَوْ هُوَ ابْنِي، وَلَمْ يَقُلْ وَلَدْته فِي مِلْكِي؛ لَمْ تَصِرْ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ إلَّا أَنْ تَدُلَّ قَرِينَةٌ عَلَى وِلَادَتِهَا لَهُ فِي مِلْكِهِ.
(وَأَحْكَامُ أُمِّ الْوَلَدِ ك) أَحْكَامِ (أَمَةٍ) غَيْرِ مُسْتَوْلَدَةٍ (فِي إجَارَةٍ وَاسْتِخْدَامٍ وَوَطْءٍ وَسَائِرِ أُمُورِهَا) كَالْإِعَارَةِ وَالتَّزْوِيجِ وَالْعِتْقِ وَالْإِيدَاعِ وَمِلْكِ كَسْبِهَا وَحَدِّهَا وَعَوْرَتِهَا وَغَيْرِهِ مِنْ أَحْكَامِ الْإِمَاءِ؛ لِمَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا: «مَنْ وَطِئَ أَمَتَهُ فَوَلَدَتْ لَهُ؛ فَهِيَ مُعْتَقَةٌ عَنْ دُبُرٍ مِنْهُ؛ أَوْ قَالَ: مِنْ بَعْدِهِ» رَوَاهُ أَحْمَدُ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهَا بَاقِيَةٌ عَلَى الرِّقِّ مُدَّةَ حَيَاتِهِ؛ فَكَسْبُهَا لَهُ (إلَّا فِي تَدْبِيرٍ) فَلَا يَصِحُّ تَدْبِيرُهَا؛ لِأَنَّهُ لَا فَائِدَةَ فِيهِ؛ إذْ الِاسْتِيلَادُ أَقْوَى مِنْهُ، حَتَّى لَوْ طَرَأَ عَلَيْهِ أَبْطَلَهُ (أَوْ مَا يَنْقُلُ الْمِلْكَ كَبَيْعٍ) فَلَا يَصِحُّ بَيْعُ أُمِّ الْوَلَدِ (غَيْرَ كِتَابَةٍ) فَتَصِحُّ كِتَابَتُهَا، وَتَقَدَّمَ (وَكَهِبَةٍ وَوَصِيَّةٍ وَوَقْفٍ) لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا: «أَنَّهُ نَهَى عَنْ بَيْعِ أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ، وَقَالَ: لَا يُبَعْنَ وَلَا يُوهَبْنَ وَلَا يُورَثْنَ؛ يَسْتَمْتِعُ بِهِنَّ السَّيِّدُ
مَا دَامَ حَيًّا فَإِذَا مَاتَ فَهِيَ حُرَّةٌ» . رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ، وَرَوَاهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّإِ، وَالدَّارَقُطْنِيّ مِنْ طَرِيقٍ آخَرَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ مَوْقُوفًا. قَالَ الْمَجْدُ: وَهُوَ أَصَحُّ، وَلِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم:«أَعْتَقَهَا وَلَدُهَا» .
وَرَوَى سَعِيدٌ: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنْ الْمُغِيرَةِ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ عُبَيْدَةَ قَالَ: خَطَبَ عَلِيٌّ النَّاسَ، فَقَالَ شَاوَرَنِي عُمَرُ فِي أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ، فَرَأَيْت أَنَا وَعُمَرُ عِتْقَهُنَّ، فَقَضَى بِهِ عُمَرُ حَيَاتَهُ، وَعُثْمَانُ حَيَاتَهُ، فَلَمَّا وُلِّيت رَأَيْت فِيهِنَّ رَأْيًا قَالَ عُبَيْدَةُ: فَرَأْي عُمَرَ وَعَلِيٍّ فِي الْجَمَاعَةِ أَحَبُّ إلَيْنَا مِنْ رَأْيِ عَلِيٍّ وَحْدَهُ.
وَرَوَى عِكْرِمَةُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ قَالَ عُمَرُ: مَا مِنْ رَجُلٍ كَانَ يُقِرُّ أَنَّهُ يَطَأُ جَارِيَتَهُ، ثُمَّ يَمُوتُ إلَّا أَعْتَقْتهَا إذَا وَلَدَتْ، وَإِنْ كَانَ سَقْطًا.
فَإِنْ قِيلَ: فَكَيْفَ يَصِحُّ دَعْوَى الْإِجْمَاعِ مَعَ مُخَالَفَةِ عَلِيٍّ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ الزُّبَيْرِ؟ قُلْنَا: قَدْ رُوِيَ عَنْهُمْ الرُّجُوعُ عَنْ الْمُخَالَفَةِ.
فَرَوَى عَبِيدَةُ قَالَ: بُعِثَ إلَى عَلِيٍّ وَإِلَى شُرَيْحٍ أَنْ اقْضُوا كَمَا كُنْتُمْ تَقْضُونَ، فَإِنِّي أَبْغَضُ الِاخْتِلَافَ، وَابْنُ عَبَّاسٍ قَالَ: وَلَدُ أُمِّ الْوَلَدِ بِمَنْزِلَتِهَا، وَهُوَ الرَّاوِي لِحَدِيثِ عِتْقِهِنَّ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَعَنْ عُمَرَ، فَيَدُلُّ عَلَى مُوَافَقَتِهِ لَهُمْ، ثُمَّ قَدْ ثَبَتَ الْإِجْمَاعُ بِاتِّفَاقِهِمْ قَبْلَ الْمُخَالَفَةِ، وَاتِّفَاقُهُمْ مَعْصُومٌ عَنْ الْخَطَأِ، فَإِنَّ الْأُمَّةَ لَا تَجْتَمِعُ عَلَى ضَلَالَةٍ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَخْلُوَ زَمَنٌ عَنْ قَائِمٍ لِلَّهِ بِحُجَّتِهِ، وَلَوْ جَازَ ذَلِكَ فِي بَعْضِ الْعَصْرِ، لَجَازَ فِي جَمِيعِهِ، وَرَأْيُ الْمُوَافِقِ فِي زَمَنِ الِاتِّفَاقِ خَيْرٌ مِنْ رَأْيِهِ فِي الْخِلَافِ بَعْدَهُ، فَيَكُونُ الِاتِّفَاقُ حُجَّةً عَلَى غَيْرِهِ، فَإِنْ قِيلَ: فَلَوْ كَانَ الِاتِّفَاقُ فِي بَعْضِ الْعَصْرِ إجْمَاعًا حَرُمَتْ مُخَالِفَتُهُ، فَكَيْفَ خَالَفَهُ الْأَئِمَّةُ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ لَا يَجُوزُ نِسْبَتُهُمْ إلَى ارْتِكَابِ الْحَرَامِ؟ قُلْنَا: الْإِجْمَاعُ يَنْقَسِمُ إلَى مَقْطُوعٍ بِهِ وَمَظْنُونٍ، وَهَذَا مِنْ الْمَظْنُونِ، فَيُمْكِنُ وُقُوعُ الْمُخَالَفَةِ مِنْهُمْ لَهُ مَعَ كَوْنِهِ حَجَّةً، كَمَا وَقَعَ مِنْهُمْ مُخَالَفَةُ النُّصُوصِ الظَّنِّيَّةِ، وَلَمْ تَخْرُجْ بِمُخَالِفَتِهِمْ عَنْ كَوْنِهَا حُجَّةً كَذَا هَاهُنَا، قَالَهُ فِي " الْمُغْنِي " (أَوْ يُرَادُ لَهُ) ؛ أَيْ: لِنَقْلِ الْمِلْكِ (كَرَهْنٍ) فَلَا يَصِحُّ رَهْنُهَا؛ لِأَنَّ الْقَصْدَ مِنْهُ الْبَيْعُ فِي الدَّيْنِ، وَلَا سَبِيلَ إلَيْهِ
(وَوَلَدُهَا) أَيْ: أُمِّ الْوَلَدِ الْحَادِثُ (مِنْ غَيْرِ سَيِّدِهَا) إنْ أَتَتْ بِهِ
(بَعْدَ إيلَادِهَا) مِنْ سَيِّدِهَا (كَهِيَ) سَوَاءٌ أَتَتْ بِهِ مِنْ نِكَاحٍ أَوْ شُبْهَةٍ أَوْ زِنًا، وَسَوَاءٌ عَتَقَتْ بِمَوْتِ سَيِّدِهَا، أَوْ مَاتَتْ قَبْلَ سَيِّدِهَا، وَيَجُوزُ فِيهِ مِنْ التَّصَرُّفَاتِ كُلُّ مَا يَجُوزُ فِي أُمِّ الْوَلَدِ؛ وَيَمْتَنِعُ فِيهِ كُلُّ مَا يَمْتَنِعُ فِي أُمِّ الْوَلَدِ؛ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْوَلَدَ يَتْبَعُ أُمَّهُ فِي الْحُرِّيَّةِ وَالرِّقِّ، فَكَذَلِكَ فِي سَبَبِ الْحُرِّيَّةِ.
قَالَ أَحْمَدُ: قَالَ ابْنُ عُمَرَ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَغَيْرُهُمَا: وَلَدُهَا بِمَنْزِلَتِهَا. (إلَّا أَنَّهُ) ؛ أَيْ: وَلَدَهَا (لَا يَعْتِقُ بِإِعْتَاقِهَا) ؛ أَيْ: بِإِعْتَاقِ السَّيِّدِ لِأُمِّ الْوَلَدِ؛ لِأَنَّهَا عَتَقَتْ بِغَيْرِ السَّبَبِ الَّذِي تَبِعَهَا فِيهِ، وَيَبْقَى عِتْقُهُ مَوْقُوفًا عَلَى مَوْتِ سَيِّدِهِ، وَكَذَا لَوْ عَتَقَ وَلَدُهَا لَمْ تُعْتَقْ بِذَلِكَ (بَلْ) تُعْتَقُ (بِمَوْتِهِ) ؛ أَيْ: سَيِّدِهَا (أَوْ) ؛ أَيْ: وَلَا يَعْتِقُ وَلَدُهَا بِ (مَوْتِهَا قَبْلَ سَيِّدِهَا) وَيَبْقَى عِتْقُهُ مَوْقُوفًا عَلَى مَوْتِ سَيِّدِهَا، لِبَقَاءِ التَّبَعِيَّةِ
(وَإِنْ مَاتَ سَيِّدُهَا وَهِيَ حَامِلٌ) مِنْهُ (فَنَفَقَتُهَا لِمُدَّةِ حَمْلِهَا مِنْ مَالِ حَمْلِهَا) أَيْ: نَصِيبِهِ الَّذِي وُقِفَ لَهُ لِمِلْكِهِ لَهُ، وَمَحَلُّ ذَلِكَ إنْ كَانَ لِلْحَمْلِ مَالٌ (وَإِلَّا) بِأَنْ لَمْ يُخْلِفْ السَّيِّدُ شَيْئًا يَرِثُ مِنْهُ الْحَمْلُ (فَ) نَفَقَةُ الْحَمْلِ (عَلَى وَارِثِهِ) الْمُوسِرِ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ} [البقرة: 233]
: (وَكُلَّمَا جَنَتْ أُمُّ وَلَدٍ) عَلَى غَيْرِ سَيِّدِهَا تَعَلَّقَ أَرْشُ جِنَايَتِهَا بِرَقَبَتِهَا وَ (فَدَاهَا سَيِّدُهَا بِالْأَقَلِّ مِنْ أَرْشِ) الْجِنَايَةِ (أَوْ) مِنْ (قِيمَتِهَا يَوْمَ فِدَاءٍ) ، فَإِنْ كَانَتْ حِينَئِذٍ مَرِيضَةً أَوْ مُزَوَّجَةً وَنَحْوَهُ؛ أُخِذَتْ قِيمَتُهَا بِذَلِكَ الْعَيْبِ؛ لِأَنَّهَا لَوْ تَلِفَتْ جَمِيعُهَا لَسَقَطَ الْفِدَاءُ، فَيَجِبُ أَنْ يَسْقُطَ بَعْضُهُ بِتَلَفِ بَعْضِهَا، وَإِنْ زَادَتْ قِيمَتُهَا زَادَ فِدَاؤُهَا؛ لِأَنَّ الْمُتَعَلِّقَ زَادَ، فَزَادَ الْفِدَاءُ بِزِيَادَتِهِ كَالْقِنِّ. قَالَ فِي " الشَّرْحِ ": وَيَنْبَغِي أَنْ تَجِبَ قِيمَتُهَا (مَعِيبَةً بِعَيْبِ الِاسْتِيلَادِ) لِأَنَّهُ يُنْقِصُهَا، فَاعْتُبِرَ كَالْمَرَضِ وَغَيْرِهِ مِنْ الْعُيُوبِ، وَإِنْ كَسَبَتْ شَيْئًا فَهُوَ لِسَيِّدِهَا دُونَ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ، وَكَذَلِكَ وَلَدُهَا؛ لِأَنَّهُ مُنْفَصِلٌ عَنْهَا، وَإِنْ فَدَاهَا فِي حَالِ حَمْلِهَا؛ فَعَلَيْهِ قِيمَتُهَا حَامِلًا؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ مُتَّصِلٌ بِهَا أَشْبَهَ سِمَنَهَا (وَلَوْ اجْتَمَعَتْ أُرُوشٌ) بِجِنَايَتِهَا (قَبْلَ إعْطَاءِ شَيْءٍ مِنْهَا) أَيْ الْأُرُوشِ (تَعَلَّقَ الْجَمِيعُ) مِنْ الْأُرُوشِ (بِرَقَبَتِهَا، وَلَزِمَ سَيِّدًا الْأَقَلُّ مِنْ
أَرْشِ) جَمِيعِ الْجِنَايَاتِ (أَوْ) مِنْ (قِيمَةِ) هَا يَشْتَرِكُ فِيهَا أَرْبَابُ الْجِنَايَاتِ (فَإِنْ لَمْ تَفِ) الْقِيمَةُ بِأُرُوشِ أَرْبَابِ الْجِنَايَاتِ (تَحَاصَّوْا) فِيهَا (بِقَدْرِ حُقُوقِهِمْ) لِأَنَّ السَّيِّدَ لَا يَلْزَمُهُ أَكْثَرُ مِنْ الْقِيمَةِ كَالْجِنَايَاتِ عَلَى شَخْصٍ وَاحِدٍ (فَإِنْ مَاتَتْ) أُمُّ الْوَلَدِ الْجَانِيَةُ (قَبْلَ فِدَاءٍ لَا بِفِعْلِ سَيِّدِ) هَا (فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ) أَيْ: سَيِّدِهَا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِذِمَّتِهِ، وَإِنَّمَا الْأَرْشُ تَعَلَّقَ بِرَقَبَتِهَا وَقَدْ فَاتَتْ، وَأَمَّا إذَا مَاتَتْ بِفِعْلِ سَيِّدِهَا كَقَتْلِهِ إيَّاهَا؛ فَعَلَيْهِ قِيمَتُهَا إنْ كَانَتْ أَقَلَّ مِنْ أَرْشِ الْجِنَايَةِ يُسَلِّمُهَا لِلْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ أَوْ وَلِيِّهِ، وَكَذَا لَوْ أَعْتَقَهَا، وَإِنْ نَقَصَهَا فَعَلَيْهِ أَرْشُ نَقْصِهَا.
(وَإِنْ قَتَلَتْ) أُمُّ وَلَدٍ (سَيِّدَهَا - وَلَوْ عَمْدًا - عَتَقَتْ) لِأَنَّ الْمُقْتَضِيَ لَمِلْكِهَا زَوَالُ مِلْكِ سَيِّدِهَا عَنْهَا، وَقَدْ زَالَ، فَإِنْ قِيلَ يَنْبَغِي أَنْ لَا تُعْتَقْ كَمَا لَا يَرِثُ الْقَاتِلُ وَكَالْمُدَبَّرِ؛ أُجِيبَ بِأَنَّهَا لَوْ لَمْ تُعْتَقْ بِذَلِكَ؛ لَزِمَ جَوَازُ نَقْلِ الْمِلْكِ فِيهَا، وَلَا سَبِيلَ إلَيْهِ، وَلِأَنَّ الْحُرِّيَّةَ لِلَّهِ، وَالِاسْتِيلَادَ أَقْوَى مِنْ التَّدْبِيرِ.
(وَلِوَلِيِّهِ) أَيْ: وَلِيِّ السَّيِّدِ (إنْ لَمْ يَرِثْ وَلَدُهَا شَيْئًا مِنْ دَمِهِ) ؛ أَيْ: السَّيِّدِ بِأَنْ قَامَ بِالْوَلَدِ مَانِعٌ مِنْ مَوَانِعِ الْإِرْثِ (الْقِصَاصُ) كَغَيْرِ أُمِّ وَلَدِهِ، فَإِنْ وَرِثَ وَلَدُهَا شَيْئًا مِنْ دَمِ سَيِّدِهَا؛ فَلَا قِصَاصَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجِبُ لِلْوَلَدِ عَلَى أَحَدِ أَبَوَيْهِ (فَإِنْ عَفَا) عَنْهَا وَلِيُّ السَّيِّدِ (عَلَى مَالٍ لَزِمَهَا الْأَقَلُّ مِنْ قِيمَتِهَا أَوْ دِيَتِهِ) أَيْ: السَّيِّدِ (كَخَطَأٍ) أَيْ: كَمَا لَوْ قَتَلَتْ سَيِّدَهَا خَطَأً أَوْ شِبْهَ عَمْدٍ؛ لِأَنَّهَا جِنَايَةٌ مِنْ وَلَدٍ، فَلَمْ يَجِبْ بِهَا أَكْثَرُ مِمَّا ذُكِرَ اعْتِبَارًا بِحَالِ الْجِنَايَةِ وَكَمَا لَوْ جَنَى عَبْدٌ، فَأَعْتَقَهُ سَيِّدُهُ، وَهِيَ حَالَ الْجِنَايَةِ أَمَةٌ، وَإِنَّمَا تَعَلَّقَ مُوجِبُ الْجِنَايَةِ بِهَا؛ لِأَنَّهَا فَوَّتَتْ رِقَّهَا بِقَتْلِهَا لِسَيِّدِهَا، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ فَوَّتَ الْمُكَاتَبُ الْجَانِي رِقَّهُ بِأَدَائِهِ
(وَلَا حَدَّ بِقَذْفِ أُمِّ وَلَدٍ) كَالْمُدَبَّرَةِ؛ لِأَنَّهَا أَمَةٌ حُكْمُهَا حُكْمُ غَيْرِهَا مِنْ الْإِمَاءِ فِي أَكْثَرِ الْأَحْكَامِ، فَفِي الْحَدِّ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ يُدْرَأُ بِالشُّبُهَاتِ، وَيُحْتَاطُ لِإِسْقَاطِهِ وَيُعَزَّرُ قَاذِفُهَا؛ لِارْتِكَابِهِ مَعْصِيَةً لَا حَدَّ فِيهَا وَلَا كَفَّارَةَ.
(وَإِنْ أَسْلَمَتْ أُمُّ وَلَدٍ لِكَافِرٍ مُنِعَ مِنْ غَشَيَانِهَا) ؛ أَيْ: وَطْئِهَا وَالتَّلَذُّذِ
وَمِنْ الْخَلْوَةِ؛ لِإِفْضَائِهَا إلَى الْوَطْءِ الْمُحَرَّمِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ} [الممتحنة: 10] . الْآيَةَ (وَحِيلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا) لِئَلَّا يَغْشَاهَا، وَتُجْعَلُ عِنْدَ امْرَأَةٍ ثِقَةٍ لِتَحْفَظَهَا وَلَا تُعْتَقُ بِإِسْلَامِهَا بَلْ يَبْقَى مِلْكُهُ عَلَيْهَا عَلَى مَا كَانَ قَبْلَ إسْلَامِهَا (وَأُجْبِرَ) سَيِّدُهَا (عَلَى نَفَقَتِهَا إنْ عُدِمَ كَسْبُهَا) لِوُجُوبِهَا عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ مَالِكُهَا، وَنَفَقَةُ الْمَمْلُوكِ عَلَى سَيِّدِهِ، فَإِنْ كَانَ لَهَا كَسْبٌ؛ فَنَفَقَتُهَا فِيهِ؛ لِئَلَّا يَبْقَى لَهُ وِلَايَةٌ عَلَيْهَا بِأَخْذِ كَسْبِهَا، وَالْإِنْفَاقُ عَلَيْهَا مِمَّا شَاءَ، وَإِنْ فَضَلَ عَنْ كَسْبِهَا شَيْءٌ عَنْ نَفَقَتِهَا فَلِسَيِّدِهَا.
ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَتَبِعَهُ جَمَاعَةٌ، وَإِنْ كَانَ كَسْبُهَا لَا يَفِي بِنَفَقَتِهَا؛ لَزِمَهُ تَمَامُ النَّفَقَةِ إلَى أَنْ يَمُوتَ؛ لِأَنَّهَا مَمْلُوكَتُهُ (فَإِنْ أَسْلَمَ) سَيِّدُهَا (حَلَّتْ لَهُ) لِزَوَالِ الْمَانِعِ، وَهُوَ الْكُفْرُ (وَإِنْ مَاتَ) سَيِّدُهَا (كَافِرًا عَتَقَتْ) بِمَوْتِهِ كَسَائِرِ أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ، وَلِعُمُومِ الْأَخْبَارِ.
(وَإِنْ وَطِئَ أَحَدُ اثْنَيْنِ) مُشْتَرِكَيْنِ فِي أَمَةٍ (أَمَتِهِمَا، أُدِّبَ) لِفِعْلِهِ مُحَرَّمًا، وَلَا حَدَّ فِيهِ؛ لِمُصَادَفَتِهِ مِلْكًا كَوَطْءِ أَمَتِهِ الْحَائِضِ (وَلَزِمَهُ) أَيْ: وَاطِئَ الْمُشْتَرَكَةِ (لِشَرِيكِهِ مِنْ مَهْرِ) هَا (بِقَدْرِ حِصَّتِهِ) مِنْهَا سَوَاءٌ طَاوَعَتْهُ أَوْ أَكْرَههَا؛ لِأَنَّهُ سَيِّدُهَا، فَلَا يَسْقُطُ بِمُطَاوَعَتِهَا كَمَا لَوْ أَذِنَتْ فِي إتْلَافِ بَعْضِ أَعْضَائِهَا (فَلَوْ) أَحْبَلَهَا أَوْ (وَلَدَتْ) مِنْ وَطِئَهُ (صَارَتْ أُمَّ وَلَدِهِ) إذَا وَضَعَتْ مَا يَتَبَيَّنُ فِيهِ بَعْضُ خَلْقِ الْإِنْسَانِ، كَمَا لَوْ كَانَتْ خَالِصَةً لَهُ، وَتَخْرُجُ بِذَلِكَ عَنْ مِلْكِ الشَّرِيكِ، مُوسِرًا كَانَ الْوَاطِئُ أَوْ مُعْسِرًا؛ لِأَنَّ الْإِيلَادَ أَقْوَى مِنْ الْإِعْتَاقِ كَمَا تَقَدَّمَ (وَوَلَدُهُ) أَيْ: الشَّرِيكِ الْوَاطِئِ (حُرٌّ) لِأَنَّهُ مِنْ مَحَلٍّ لِلْوَاطِئِ فِيهِ مِلْكٌ، أَشْبَهَ مَا لَوْ وَطِئَ أَمَتَهُ فِي حَيْضٍ أَوْ إحْرَامٍ (وَيَسْتَقِرُّ فِي ذِمَّتِهِ) ؛ أَيْ: الْوَاطِئِ (وَلَوْ) كَانَ (مُعْسِرًا) نَصًّا (قِيمَةُ نَصِيبِ شَرِيكِهِ) مِنْ الْمَوْطُوءَةِ؛ لِأَنَّهُ أَخْرَجَهُ مِنْ مِلْكِهِ أَشْبَهَ مَا لَوْ أَخْرَجَهُ مِنْهُ بِالْإِعْتَاقِ أَوْ الْإِتْلَافِ، وَإِنَّمَا سَرَى الْإِيلَادُ إلَى نَصِيبِ شَرِيكِهِ مَعَ عُسْرَتِهِ، بِخِلَافِ الْإِعْتَاقِ؛ لِأَنَّهُ أَقْوَى؛ لِكَوْنِ الْإِيلَادِ
لَيْسَ مِنْ فِعْلِ الشَّرِيكِ، وَإِنْ كَانَ الْوَطْءُ مِنْ فِعْلِهِ؛ لِوُجُودِ الْوَطْءِ بِلَا إيلَادٍ؛ فَهُوَ مِنْ الْأَسْبَابِ الَّتِي لَا يُمْكِنُ دَفْعُ مُسَبَّبَاتِهَا كَالزَّوَالِ؛ لِوُجُودِ الظُّهْرِ، وَ (لَا) يَلْزَمُ الشَّرِيكَ الْوَاطِئَ لِشَرِيكِهِ شَيْءٌ (مِنْ مَهْرٍ وَ) قِيمَةِ (وَلَدٍ) لِأَنَّ حِصَّةَ الشَّرِيكِ انْتَقَلَتْ إلَى مِلْكِ شَرِيكِهِ الْوَاطِئِ بِمُجَرَّدِ الْعُلُوقِ، فَصَارَتْ كُلُّهَا لَهُ، وَانْعَقَدَ وَلَدُهُ حُرًّا (كَمَا لَوْ أَتْلَفَهَا) فَمَاتَتْ مِنْ الْوَطْءِ فَلَا يَلْزَمُهُ إلَّا قِيمَةُ نَصِيبِ شَرِيكِهِ، كَمَا لَوْ قَتَلَهَا (فَإِنْ أَوْلَدَهَا) الشَّرِيكُ (الثَّانِي بَعْدَ) إيلَادِ الْأَوَّلِ (فَعَلَيْهِ مَهْرُهَا) كَامِلًا؛ لِمُصَادِفَةِ وَطْئِهِ مِلْكَ الْغَيْرِ؛ فَأَشْبَهَ مَا لَوْ وَطِئَ أَمَةً أَجْنَبِيَّةً (وَوَلَدُهُ) مِنْهَا (رَقِيقٌ) تَبَعًا لِأُمِّهِ؛ لِأَنَّهُ لَا مِلْكَ لَهُ فِيهَا (إنْ عَلِمَ إيلَادَ شَرِيكِهِ) لِأَنَّ الْوَطْءَ حَرَامٌ (وَإِنْ جَهِلَهُ) ؛ أَيْ: جَهِلَ الْوَاطِئُ الثَّانِي إيلَادَ شَرِيكِهِ الْأَوَّلِ، أَوْ عَلِمَهُ، وَجَهِلَ حِصَّتَهُ؛ انْتَقَلَ مِلْكُهَا لِلْوَاطِئِ الْأَوَّلِ بِإِيلَادِهَا، وَأَنَّهَا صَارَتْ أُمَّ وَلَدٍ لِلْأَوَّلِ بِذَلِكَ (فَ) وَلَدُهُ (حُرٌّ) لِأَنَّهُ مِنْ وَطْءِ شُبْهَةٍ (وَ) عَلَى الْوَاطِئِ الثَّانِي أَنْ (يَفْدِيَهُ) أَيْ: يَفْدِيَ وَلَدَهُ الَّذِي أَتَتْ بِهِ مِنْ وَطْئِهِ؛ لِكَوْنِهِ فَوَّتَ رِقَّهُ عَلَى الْأَوَّلِ، فَيَفْدِيَهُ بِقِيمَتِهِ (يَوْمَ الْوِلَادَةِ) لِأَنَّهُ أَوَّلُ إمْكَانِ تَقْوِيمِهِ، وَلَا فَرْقَ فِيمَا تَقَدَّمَ بَيْنَ كَوْنِ الْأَمَةِ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ، أَوْ لِأَحَدِهِمَا جُزْءٌ مِنْ أَلْفِ جُزْءٍ، وَالْبَاقِي لِلْآخَرِ