الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَمَا يَأْتِي فِي الْبَابِ بَعْدَهُ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ فِي الْوَلَدِ؛ لِأَنَّهَا وَضَعَتْهُ فِي مِلْكِهِ وَالْوَلَدُ حُرٌّ، قَدَّمَهُ جَمَاعَةٌ، وَاسْتَظْهَرَهُ صَاحِبُ " الْمُبْدِعِ "، وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ الْمُعْتَمَدَ الْأَوَّلُ، وَيَغْرَمُ الْمُسْتَوْلِدُ لِمُكَاتَبَةٍ الْمَهْرُ كَامِلًا؛ لِأَنَّ مَنْفَعَةَ الْبُضْعِ لَهَا، فَيَضْمَنُهَا لَهَا كَالْأَجْنَبِيِّ (وَإِنْ أَلْحَقَ) وَلَدَ مُكَاتَبَةٍ وَطِئَهَا سَيِّدُهَا (بِهِمَا صَارَتْ أُمَّ وَلَدِهِمَا) لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ سِرَايَتُهُ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِاسْتِوَائِهِمَا فِي الْمَعْنَى وَكِتَابَتُهُمَا بِحَالِهَا، فَإِنْ أَدَّتْ إلَيْهِمَا عَتَقَتْ فِي حَيَاتِهِمَا، وَمَا بِيَدِهَا لَهَا، وَإِلَّا فَإِنَّهُ (يَعْتِقُ نِصْفُهَا بِمَوْتِ أَحَدِهِمَا) لِأَنَّ نِصْفَهَا أُمُّ وَلَدٍ لَهُ (وَ) يَعْتِقُ (بَاقِيهَا بِمَوْتِ الْآخَرِ) ؛ لِأَنَّهُ الَّذِي يَمْلِكُهُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا. (وَيَتَّجِهُ) أَنَّ عِتْقَ نِصْفَهَا بِمَوْتِ أَحَدِهِمَا، وَبَاقِيهَا بِمَوْتِ الْآخَرِ مُعْتَبَرٌ (حَيْثُ لَا سِرَايَةَ) عَلَى الْمَيِّتِ الْأَوَّلِ فِي نَصِيبِ شَرِيكِهِ كَكَوْنِ الْمَيِّتِ الْأَوَّلِ مُعْسِرًا؛ فَإِنَّهُ لَا يَسْرِي إحْبَالُهُ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْإِعْتَاق بِالْقَوْلِ، أَمَّا إذَا كَانَ مُوسِرًا ثُلُثُهُ بِقِيمَةِ الْبَاقِي، فَإِنَّهُ يَعْتِقُ نَصِيبُهُ بِمَوْتِهِ، وَيَسْرِي الْعِتْقُ إلَى الْبَاقِي كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْمُدَبَّرِ عَلَى الْأَصَحِّ؛ لِحُصُولِ الْوَلَدِ مِنْهُ فِي الْجُمْلَةِ، وَهُوَ مُوسِرٌ فَأَوْجَبَ السِّرَايَةَ فِي جَمِيعِهَا، وَيُفَارِقُ الْإِعْتَاقَ بِالْقَوْلِ؛ لِأَنَّهُ أَضْعَفُ عَلَى مَا مَرَّ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ.
(وَلَيْسَ لِسَيِّدٍ إجْبَارُ مُكَاتَبَتِهِ) وَلَا بِنْتِهَا وَلَا أَمَتَهَا (عَلَى تَزْوِيجٍ) لِأَنَّهُ زَالَ مِلْكُهُ بِعَقْدِ الْكِتَابَةِ عَنْ نَفْعِهَا وَنَفْعِ بُضْعِهَا وَعَنْ عِوَضِهِ، وَلَيْسَ لِوَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ تَزْوِيجٌ بِغَيْرِ إذْنِهِ؛ لِأَنَّ عَلَيْهِ ضَرَرًا فِي ذَلِكَ، فَإِنَّهَا يَثْبُتُ حَقًّا لِلزَّوْجِ فِيهَا، فَرُبَّمَا عَجَزَتْ، وَعَادَتْ إلَيْهِ عَلَى وَجْهٍ لَا يَمْلِكُ وَطْأَهَا، فَإِنْ تَرَاضَيَا بِذَلِكَ جَازَ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَا يَخْرُجُ عَنْهُمَا، وَهُوَ وَلِيُّهَا وَوَلِيُّ بِنْتِهَا وَجَارِيَتِهَا جَمِيعًا؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ لَهُ، فَأَشْبَهَ الْجَارِيَةَ الْقِنَّ.
[فَصْلٌ يَصِحُّ نَقْلُ الْمِلْكِ فِي الْمُكَاتَبِ]
(فَصْلٌ: وَيَصِحُّ نَقْلُ الْمِلْكِ فِي الْمُكَاتَبِ) بِبَيْعٍ وَهِبَةٍ وَوَصِيَّةٍ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى؛ لِمَا رَوَتْ عَائِشَةُ: «أَنَّ بَرِيرَةَ جَاءَتْ تَسْتَعِينُهَا فِي كِتَابَتِهَا، وَلَمْ تَكُنْ
قَضَتْ مِنْ كِتَابَتِهَا شَيْئًا، فَقَالَتْ لَهَا عَائِشَةُ: ارْجِعِي إلَى أَهْلِك، فَإِنْ أَحَبُّوا أَنْ أَقْضِيَ عَنْك كِتَابَتَكِ، وَيَكُونُ وَلَاؤُك لِي فَعَلْتُ ذَلِكَ، فَذَكَرَتْ ذَلِكَ بَرِيرَةُ لِأَهْلِهَا، فَأَبَوْا، وَقَالُوا إنْ شَاءَتْ أَنْ تَحْتَسِبَ عَلَيْك، فَلْتَفْعَلْ، وَيَكُونُ لَنَا وَلَاؤُك، فَذَكَرَتْ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ابْتَاعِي وَاعْتِقِي؛ فَإِنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: بِيعَتْ بَرِيرَةُ بِعِلْمِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَهِيَ مُكَاتَبَةٌ، وَلَمْ يُنْكِرْ ذَلِكَ، وَلَا وَجْهَ لِمَنْ أَنْكَرَهُ، وَلَا أَعْلَمُ خَبَرًا يُعَارِضُهُ، وَلَا أَعْلَمُ فِي شَيْءٍ مِنْ الْأَخْبَارِ مَا دَلَّ عَلَى عَجْزِهَا، وَتَأَوَّلَهُ الشَّافِعِيُّ عَلَى أَنَّهَا كَانَتْ قَدْ عَجَزَتْ، وَلَيْسَ فِي الْخَبَرِ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ، بَلْ قَوْلُهَا أَعِينِينِي دَلَّ عَلَى بَقَائِهَا عَلَى الْكِتَابَةِ مَعَ صِحَّةِ نَقْلِ الْمِلْكِ فِيهَا (حَتَّى بِوَقْفٍ) عَلَى الْمَذْهَبِ، خِلَافًا لِصَاحِبِ " الْمُبْدِعِ "(فَإِذَا أَدَّى) الْمُكَاتَبُ مَا عَلَيْهِ (بَطَلَ) الْوَقْفُ، وَوَلَدُهُ التَّابِعُ لَهُ فِي كِتَابَتِهِ كَهُوَ، فَيَصِحُّ بَيْعُهُ وَهِبَتُهُ وَوَقْفُهُ، وَالْوَصِيَّةُ بِهِ مَعَ الْمُكَاتَبِ، لَا مُنْفَرِدًا؛ لِأَنَّهُ عَبْدٌ لَهُ كَأَصْلِهِ، وَلِذَا صَحَّ عِتْقُهُ لَهُ، بِخِلَافِ ذَوِي رَحِمِ الْمُكَاتَبِ الْمُحَرَّمِ؛ لِأَنَّهُمْ لَيْسُوا عَبِيدًا لِسَيِّدِهِ.
(وَلِمُشْتَرٍ) مُكَاتَبًا (جَهِلَ الْكِتَابَةَ رَدٌّ أَوْ أَرْشٌ) لِأَنَّ الْكِتَابَةَ نَقْصٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى التَّصَرُّفِ فِي مَنَافِعِهِ وَكَسْبِهِ، وَقَدْ انْعَقَدَ سَبَبُ الْحُرِّيَّةِ فِيهِ؛ أَشْبَهَ الْأُمَّةَ الْمُزَوَّجَةَ (وَهُوَ) : أَيْ: الْمُشْتَرِي إنْ أَمْسَكَ وَالْمُتَّهَبُ وَالْمُوصَى لَهُ (كَبَائِعٍ فِي عِتْقِ) مُكَاتَبٍ (بِأَدَاءِ) هـ مَا عَلَيْهِ مِنْ مَالِ الْكِتَابَةِ لِمَنْ انْتَقَلَ إلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ عَقْدٌ لَازِمٌ، فَلَا تَنْفَسِخُ بِنَقْلِ الْمِلْكِ فِي الْمُكَاتَبِ، بَلْ مَتَى أَدَّى مَا عَلَيْهِ عَتَقَ (وَلَهُ) ؛ أَيْ: مَنْ انْتَقَلَ إلَيْهِ الْمُكَاتَبُ (الْوَلَاءُ) عَلَيْهِ؛ لِعِتْقِهِ عَلَيْهِ فِي مِلْكِهِ إلَّا الْمَوْقُوفَ إذَا أَدَّى مَالَ كِتَابَتِهِ لِمَنْ هُوَ مَوْقُوفٌ عَلَيْهِ، فَيَبْطُلُ وَقْفُهُ وَوَلَاؤُهُ لِسَيِّدِهِ الَّذِي كَاتَبَهُ (وَ) مُشْتَرٍ كَبَائِعٍ فِي (عَوْدِهِ) ؛ أَيْ: الْمُكَاتَبِ؛ أَيْ: إعَادَتِهِ مِنْ إطْلَاقِ الْعَوْدِ وَإِرَادَةِ الْإِعَادَةِ؛ إذْ الْعَوْدُ صِفَةُ الْمُكَاتَبِ الَّتِي هِيَ أَثَرُ الْإِعَادَةِ الَّتِي هِيَ صِفَةُ السَّيِّدِ (قِنًّا بِعَجْزِهِ) عَنْ أَدَاءِ الْكِتَابَةِ لِمَنْ انْتَقَلَ إلَيْهِ؛ لِقِيَامِهِ مَقَامَ الْبَائِعِ.
(وَإِنْ أَدَّى) مُكَاتَبٌ مَا عَلَيْهِ (لِوَارِثٍ) بَعْدَ مَوْتِ سَيِّدِهِ (فَالْوَلَاءُ لِلسَّيِّدِ) الَّذِي كَاتَبَهُ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي أَفَادَهُ السَّبَبُ، هَذَا الْمَذْهَبُ، قَالَهُ ابْنُ رَجَبٍ.
(وَلَوْ اشْتَرَى كُلُّ) وَاحِدٍ (مِنْ مُكَاتَبَيْ شَخْصٍ) الْمُكَاتَبَ الْآخَرَ؛ صَحَّ شِرَاءُ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ التَّصَرُّفَ صَدَرَ مِنْ أَهْلِهِ فِي مَحَلِّهِ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ لَا يَمْلِكُ سَيِّدَهُ لِإِفْضَائِهِ إلَى تَنَاقُضِ الْأَحْكَامِ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ: أَنَا مَوْلَاك، وَلِي وَلَاؤُك، وَإِنْ عَجَزْت صِرْت لِي رَقِيقًا (أَوْ) اشْتَرَى كُلٌّ مِنْ مُكَاتَبَيْ شَخْصَيْنِ (اثْنَيْنِ الْآخَرَ؛ صَحَّ شِرَاءُ الْأَوَّلِ وَحْدَهُ) لِأَنَّ لِلْمُكَاتَبِ شِرَاءُ الْعَبِيدِ، فَصَحَّ شِرَاؤُهُ لِلْمُكَاتَبِ كَشِرَائِهِ لِلْقِنِّ، وَبَطَلَ شِرَاءُ الثَّانِي؛ لِأَنَّ الْعِلَّةَ كَوْنُ الْعَبْدِ لَا يَمْلِكُ سَيِّدَهُ، وَهِيَ مَوْجُودَةٌ هُنَا، فَإِنْ أَدَّى الْمَبِيعَ مِنْهُمَا؛ عَتَقَ، وَوَلَاؤُهُ لِلسَّيِّدِ؛ لِأَنَّ الْمُكَاتَبَ عَبْدٌ لَا يَثْبُتُ لَهُ الْوَلَاءُ، فَيَثْبُتُ لِسَيِّدِهِ، هَذَا مُقْتَضَى قَوْلِ أَبِي بَكْرٍ (فَإِنْ جُهِلَ أَسْبَقُهُمَا) ؛ أَيْ: الْبَيْعَيْنِ (بَطَلَا) وَيُرَدُّ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إلَى كِتَابَتِهِ، كَمَا لَوْ تَزَوَّجَ أُخْتَيْنِ، وَجَهِلَ السَّابِقَةَ، وَلَا يَحْتَاجُ إلَى فَسْخٍ وَلَا قُرْعَةٍ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ يَقِينُ الْبَيْعِ فِي وَاحِدٍ بِعَيْنِهِ، فَلَمْ يَفْتَقِرْ إلَى فَسْخٍ.
(وَإِنْ أُسِرَ) الْمُكَاتَبُ؛ أَيْ: أَسَرَهُ الْكُفَّارُ (فَاشْتُرِيَ) مِنْهُمْ، أَوْ وَقَعَ فِي قِسْمِ أَحَدِ الْغَانِمِينَ (فَأَحَبَّ سَيِّدُهُ؛ أَخْذَهُ) مِمَّنْ اشْتَرَاهُ مِنْ الْكُفَّارِ (بِمَا اُشْتُرِيَ بِهِ) فَلَهُ ذَلِكَ، وَكِتَابَتُهُ بِحَالِهَا؛ وَكَذَا لَوْ لَمْ يَعْلَمْ بِهِ سَيِّدُهُ إلَّا بَعْدَ الْقِسْمَةِ وَأَحَبَّ أَخْذَهُ، فَيَأْخُذُهُ بِثَمَنِهِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْمُدَبَّرِ (وَإِلَّا) يُحِبَّ السَّيِّدُ أَخْذَهُ بِذَلِكَ مِنْهُ؛ بَقِيَ بِيَدِ مُشْتَرِيهِ أَوْ بِيَدِ مَنْ وَقَعَ فِي قِسْمِهِ (فَ) إذَا (أَدَّى) الْمُكَاتَبُ (لِمُشْتَرِيهِ) أَوْ لِمَنْ وَقَعَ فِي قِسْمَتِهِ (مَا بَقِيَ) عَلَيْهِ مِنْ كِتَابَتِهِ؛ عَتَقَ لِلُزُومِ الْكِتَابَةِ، فَلَا تَنْفَسِخُ بِالْأَسْرِ كَالْبَيْعِ وَأَوْلَى، وَوَلَاؤُهُ (لَهُ) ؛ أَيْ: لِمُشْتَرِيهِ، لِعِتْقِهِ فِي مِلْكِهِ (وَلَا يُحْتَسَبُ عَلَيْهِ) ؛ أَيْ: الْمُكَاتَبِ (بِمُدَّةِ أَسْرٍ) الَّتِي هُوَ فِيهَا عِنْدَ الْكُفَّارِ (فَلَا يَعْجِزُ) الْمُكَاتَبُ (حَتَّى يَمْضِيَ) عَلَيْهِ (بَعْدَ الْأَجَلِ مِثْلُهَا) ؛ أَيْ: مُدَّةِ الْأَسْرِ، فَتُلْغَى مُدَّةُ الْأَسْرِ؛ وَيَبْقَى عَلَى مَا مَضَى؛ لِأَنَّهُ لَمْ
يَتَمَكَّنْ مِنْ التَّصَرُّفِ وَالْكَسْبِ، وَأَمَّا الْمَرَضُ، فَاسْتَظْهَرَ شَيْخُ مَشَايِخِنَا التَّغْلِبِيُّ أَنَّ مُدَّتَهُ تُحْتَسَبُ عَلَيْهِ كَالْمَوْلَى؛ لِأَنَّهَا نَادِرَةٌ
(وَعَلَى مُكَاتَبٍ جَنَى عَلَى سَيِّدِهِ) فِدَاءُ نَفْسِهِ؛ لِأَنَّهُ مَعَ سَيِّدِهِ كَالْحُرِّ فِي الْمُعَامَلَاتِ، فَكَذَا فِي الْجِنَايَاتِ (أَوْ) ؛ أَيْ: أَوْ عَلَى مُكَاتَبٍ جَنَى عَلَى أَجْنَبِيٍّ (فِدَاءُ نَفْسِهِ) مِمَّا فِي يَدِهِ؛ لِأَنَّهُ الْجَانِي، وَقَدْ مَلَكَ نَفْعَهُ وَكَسْبَهُ، أَشْبَهَ الْحُرَّ، ثُمَّ إنْ كَانَ أَرْشُ الْجِنَايَةِ أَكْثَرَ مِنْ قِيمَتِهِ؛ فَإِنَّهُ يَفْدِي نَفْسَهُ (بِقِيمَتِهِ فَقَطْ) لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ بِرَقَبَةِ الْمُكَاتَبِ؛ لِأَنَّهُ عَبْدٌ، وَالْقِيمَةُ بَدَلٌ عَنْ رَقَبَتِهِ (مُقَدِّمًا) فِدَاءَ نَفْسِهِ (عَلَى) دَيْنِ (كِتَابَةٍ) وَلَوْ حَلَّ نَجْمٌ؛ لِأَنَّ أَرْشَ الْجِنَايَةِ يَتَعَلَّقُ بِرَقَبَةِ الْمُكَاتَبِ، وَدَيْنَ الْكِتَابَةِ يَتَعَلَّقُ بِذِمَّتِهِ؛ وَلِأَنَّهُ إذَا قَدَّمَ حَقَّ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ عَلَى السَّيِّدِ فِي الْعَبْدِ الْقِنِّ، وَعَلَى حَقِّ الْمُرْتَهِنِ وَغَيْرِهِمَا؛ فَلَأَنْ يُقَدَّمَ عَلَيْهِ فِي الْمُكَاتَبِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى، إلَّا أَنْ يَشَاءَ وَلِيُّ الْجِنَايَةِ مِنْ سَيِّدٍ وَغَيْرِهِ التَّأْخِيرَ إلَى بَعْدِ وَفَاءِ مَالِ الْكِتَابَةِ؛ فَلَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُ، وَقَدْ رَضِيَ بِتَأْخِيرِهِ، فَإِنْ كَانَ فِي جِنَايَةِ الْمُكَاتَبِ مَا يُوجِبُ الْقِصَاصَ؛ فَلِمُسْتَحِقِّهِ اسْتِيفَاؤُهُ؛ لِعَدَمِ الْمَانِعِ، وَتَبْطُلُ حُقُوقُ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِمْ الْأَخِيرَيْنِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِرَقَبَتِهِ؛ لِفَوَاتِ الْمَحِلِّ إنْ كَانَ الْقِصَاصُ فِي النَّفْسِ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ فِي الطَّرَفِ، وَإِنْ عَفَا مَنْ وَجَبَ لَهُ الْقِصَاصُ عَلَى مَالٍ؛ جَازَ وَصَارَ حُكْمُهُ حُكْمَ الْجِنَايَةِ الْمُوجِبَةِ لِلْمَالِ، فَيَتَعَلَّقُ بِرَقَبَتِهِ، وَيَسْتَوِي وَلِيُّهَا مَعَ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ خَطَأً (فَإِذَا أَدَّاهَا) أَيْ: أَدَّى مُكَاتَبٌ جَانٍّ كِتَابَتَهُ (مُبَادِرًا) قَبْلَ أَرْشِ الْجِنَايَةِ (وَلَيْسَ مَحْجُورًا عَلَيْهِ) ؛ أَيْ: وَلَمْ يَكُنْ سَأَلَ وَلِيُّ الْجِنَايَةِ الْحَاكِمَ الْحَجْرَ عَلَيْهِ فِي مَالِهِ، وَأَجَابَهُ؛ صَحَّ وَ (عَتَقَ) لِصِحَّةِ أَدَائِهِ؛ لِأَنَّهُ قَضَى حَقًّا وَاجِبًا عَلَيْهِ، فَصَحَّ قَضَاؤُهُ، كَمَا لَوْ قَضَى الْمُفْلِسُ بَعْضَ غُرَمَائِهِ قَبْلَ الْحَجْرِ عَلَيْهِ (وَاسْتَقَرَّ الْفِدَاءُ) ؛ أَيْ: أَرْشُ الْجِنَايَةِ عَلَيْهِ فِي ذِمَّتِهِ؛ لِأَنَّهُ كَانَ وَاجِبًا عَلَيْهِ قَبْلَ الْعِتْقِ، فَكَذَلِكَ بَعْدَهُ، وَإِنْ كَانَ سَأَلَ وَلِيُّ الْجِنَايَةِ الْحَاكِمَ الْحَجْرَ عَلَيْهِ، وَأَجَابَهُ قَبْلَ أَدَاءِ كِتَابَتِهِ؛ لَمْ يَصِحَّ دَفْعُهُ إلَى سَيِّدِهِ،
فَلَا يَعْتِقُ، وَارْتَجَعَهُ حَاكِمٌ، فَدَفَعَهُ إلَى وَلِيِّ الْجِنَايَةِ؛ لِتَقَدُّمِهِ فِي الْكِتَابَةِ؛ لِأَنَّ أَرْشَ الْجِنَايَةِ مُسْتَقِرٌّ، وَدَيْنَ الْكِتَابَةِ غَيْرُ مُسْتَقِرٍّ.
(وَإِنْ قَتَلَهُ) ؛ أَيْ: الْمُكَاتَبَ الْجَانِيَ (سَيِّدُهُ لَزِمَهُ) مَا كَانَ عَلَى الْمُكَاتَبِ بِالْجِنَايَةِ (الْأَقَلُّ) ؛ أَيْ: أَقَلُّ الْأَمْرَيْنِ مِنْ أَرْشِهَا أَوْ قِيمَتُهُ؛ لِأَنَّهُ فَوَّتَ عَلَى وَلِيِّ الْجِنَايَةِ مَحَلَّ تَعْلِيقِهَا، وَهُوَ رَقَبَةٌ (وَكَذَا إنْ أَعْتَقَهُ) سَيِّدُهُ، فَيَلْزَمُهُ ذَلِكَ؛ لِإِتْلَافِهِ مَالِيَّتَهُ بِعِتْقِهِ.
(وَتَسْقُطُ) جِنَايَةُ الْمُكَاتَبِ؛ أَيْ: يَسْقُطُ أَرْشُهَا (فِيهِمَا) ؛ أَيْ: بِقَتْلِ سَيِّدِهِ أَوْ عِتْقِهِ إيَّاهُ (إنْ كَانَتْ) جِنَايَتُهُ (عَلَى سَيِّدِهِ) ؛ لِأَنَّهُ فَوَّتَ مَالِيَّتَهُ عَلَى نَفْسِهِ؛ وَلَا يَجِبُ عَلَى أَحَدٍ لِنَفْسِهِ
(وَإِنْ عَجَزَ) الْمُكَاتَبُ الْجَانِي عَنْ فِدَاءِ نَفْسِهِ (عَنْ أَرْشِ جِنَايَةٍ) جَنَاهَا (عَلَى سَيِّدِهِ فَلَهُ) ؛ أَيْ: سَيِّدِهِ (تَعْجِيزُهُ) بِعُودِهِ إلَى الرِّقِّ؛ لِأَنَّ أَرْشَ الْجِنَايَةِ حَقٌّ ثَبَتَ لِلسَّيِّدِ عَلَيْهِ، فَإِذَا عَجَزَ عَنْهُ رَجَعَ إلَى بَدَلِهِ، وَهُوَ رَقَبَتُهُ (وَإِنْ كَانَتْ) جِنَايَةُ الْمُكَاتَبِ (عَلَى غَيْرِهِ) ؛ أَيْ: غَيْرِ سَيِّدِهِ وَعَجَزَ عَنْ فِدَاءِ نَفْسِهِ (فَ) إنْ (فِدَاهُ سَيِّدٌ؛ لَمْ يُبَعْ) بَلْ يَبْقَى عَلَى كِتَابَتِهِ (وَإِلَّا) يَفْدِهِ (بِيعَ فِيهَا) ؛ أَيْ: الْجِنَايَةِ (قِنًّا لَا مُكَاتَبًا) لِبُطْلَانِ كِتَابَتِهِ بِتَعَلُّقِ حَقِّ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ بِرَقَبَتِهِ (وَيَجِبُ فِدَاءُ جِنَايَتِهِ مُطْلَقًا) ؛ أَيْ: سَوَاءٌ كَانَتْ عَلَى سَيِّدِهِ أَوْ أَجْنَبِيٍّ (بِالْأَقَلِّ مِنْ قِيمَتِهِ) ؛ أَيْ: الْمُكَاتَبِ (أَوْ أَرْشُهَا) ؛ أَيْ: الْجِنَايَةِ؛ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ إنْ كَانَ الْأَرْشُ أَكْثَرَ مِنْ قِيمَتِهِ لَا مَوْضِعَ لَهَا، وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ لَمْ يَكُنْ لِلْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ أَكْثَرُ مِنْ أَرْشِهَا.
(وَإِنْ اسْتَدَانَ) الْمُكَاتَبُ (تَعَلَّقَ) مَا اسْتَدَانَهُ (بِذِمَّتِهِ فَقَطْ) دُونَ رَقَبَتِهِ؛ لِأَنَّ حُكْمَهُ كَالْأَحْرَارِ، وَالْحُرُّ إذَا اسْتَدَانَ دُيُونًا تَعَلَّقَتْ بِذِمَّتِهِ، فَكَذَلِكَ الْمُكَاتَبُ، وَفَائِدَةُ تَعَلُّقِهَا بِذِمَّتِهِ أَنَّهُ يُتْبَعُ بِهَا بَعْدَ الْعِتْقِ؛ لِأَنَّهُ حَالُ يَسَارِهِ، وَخَرَجَ بِالِاسْتِدَانَةِ أَرْشُ الْجِنَايَةِ؛ وَتَقَدَّمَ حُكْمُهُ، وَيَكُونُ مَا اسْتَدَانَهُ (مُقَدَّمًا مَعَ حَجْرٍ) عَلَيْهِ بِسُؤَالِ غُرَمَائِهِ الْحَاكِمَ ذَلِكَ (عَلَى دَيْنِ كِتَابَةٍ) لِعَدَمِ تَعَلُّقِ ذَلِكَ بِرَقَبَتِهِ (فَ) لِهَذَا إنْ عَجَزَ عَنْ الْوَفَاءِ (فَلَيْسَ لِغَرِيمِهِ