الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(وَيَزُولُ ضَمَانُهُ) ؛ أَيْ: ضَمَانُ مَا حَرُمَ الْتِقَاطُهُ عَمَّنْ أَخَذَهُ (بِدَفْعِهِ لِإِمَامٍ أَوْ نَائِبِهِ) ؛ لِأَنَّ لِلْإِمَامِ نَظَرًا فِي ضَوَالِّ النَّاسِ، فَيَقُومُ مَقَامَ الْمَالِكِ (أَوْ رَدَّهُ) ؛ أَيْ: الْمَأْخُوذَ مِنْ ذَلِكَ، (إلَى مَكَانِهِ) الَّذِي أَخَذَهُ مِنْهُ (بِأَمْرِهِ) ؛ أَيْ: الْإِمَامِ أَوْ نَائِبِهِ، لِمَا رَوَى الْأَثْرَمُ، عَنْ الْقَضْبَيْ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ عُمَرَ، أَنَّهُ قَالَ لِرَجُلِ وَجَدَ بَعِيرًا: أَرْسِلْهُ حَيْثُ وَجَدْتَهُ؛ لِأَنَّ أَمْرَهُ بِرَدِّهِ، كَأَخْذِهِ مِنْهُ.
وَعُلِمَ مِمَّا تَقَدَّمَ أَنَّهُ إنْ رَدَّهُ بِغَيْرِ إذْنِ الْإِمَامِ أَوْ نَائِبِهِ، فَتَلِفَ؛ كَانَ مِنْ ضَمَانِهِ؛ لِأَنَّهُ أَمَانَةٌ حَصَلَتْ فِي يَدِهِ، فَلَزِمَهُ حِفْظُهَا، فَإِذَا ضَيَّعَهَا؛ لَزِمَهُ ضَمَانُهَا؛ كَمَا لَوْ ضَيَّعَ الْوَدِيعَةَ.
[فَرْعٌ وَجَدَ مَا حَرُمَ الْتِقَاطُهُ مِنْ الضَّوَالِّ الْمُمْتَنِعَةِ بِنَفْسِهَا بِمَهْلَكَةٍ]
(فَرْعٌ) : قَالَ فِي " الْمُغْنِي ": (وَلَوْ وَجَدَ مَا حَرُمَ الْتِقَاطُهُ) مِنْ الضَّوَالِّ الْمُمْتَنِعَةِ بِنَفْسِهَا، (بِمَهْلَكَةٍ كَأَرْضٍ مَسْبَعَةٍ) ، يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ أَنَّ الْأَسَدَ يَفْتَرِسُهَا إنْ تُرِكَتْ بِهَا، (أَوْ) وُجِدَ ذَلِكَ (قَرِيبًا مِنْ دَارِ حَرْبٍ) ، يُخَافُ عَلَيْهِ مِنْ أَهْلِهَا (أَوْ) وَجَدَهُ (بِمَوْضِعٍ يَسْتَحِلُّ أَهْلُهُ أَمْوَالَنَا) ، كَوَادِي التَّيْمِ، أَوْ وَجَدَهُ (بِبَرِّيَّةٍ) لَا مَاءَ فِيهَا وَلَا مَرْعًى، (فَالْأَوْلَى جَوَازُ أَخْذِهِ) ؛ أَيْ: الْمُحَرَّمِ الْتِقَاطُهُ (لِلْحِفْظِ، اسْتِنْقَاذًا) لَهُ مِنْ الْهَلَاكِ.
لَا لُقَطَةً، لِمَا تَقَدَّمَ وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ، أَشْبَهَ تَخْلِيصَهُ مِنْ غَرَقٍ أَوْ حَرِيقٍ، فَإِذَا حَصَلَ فِي يَدِهِ، سَلَّمَهُ لِنَائِبِ الْإِمَامِ، وَبَرِئَ مِنْ ضَمَانِهِ، وَلَا يَمْلِكُهُ بِالتَّعْرِيفِ؛ لِأَنَّ الشَّرْعَ لَمْ يَرِدْ بِذَلِكَ. انْتَهَى.
قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَهُوَ كَمَا قَالَ، وَجَزَمَ بِهِ فِي " تَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ " (وَ) قَالَ فِي " الْإِنْصَافِ ": قُلْتُ: (لَوْ قِيلَ بِوُجُوبِهِ)، أَيْ: الْأَخْذِ مِنْ الْمَوَاضِعِ الْمَذْكُورَةِ "، (إذَنْ) ؛ أَيْ: وَالْحَالَةُ هَذِهِ، (لَكَانَ لَهُ وَجْهٌ) انْتَهَى.
الْقِسْمُ (الثَّالِثُ) مَا يَجُوزُ الْتِقَاطُهُ، وَيُمْلَكُ بِتَعْرِيفِهِ الْمُعْتَبَرُ شَرْعًا، (مَا عَدَاهُمَا) ؛ أَيْ: مَا عَدَا مَا ذُكِرَ فِي الْقِسْمَيْنِ الْمُتَقَدِّمَيْنِ، (مِنْ ثَمَنٍ) - أَيْ: نَقْدٍ - (وَمَتَاعٍ) كَثِيَابٍ وَفُرُشٍ وَأَوَانِي وَآلَاتِ الْحَرْثِ وَنَحْوِ ذَلِكَ.
وَمَا لَا يَمْتَنِعُ مِنْ صِغَارِ السِّبَاعِ؛ (كَغَنَمٍ وَفُصْلَانٍ) - بِضَمِّ الْفَاءِ وَكَسْرِهَا -، جَمْعُ فَصِيلٍ، وَهُوَ وَلَدٌ لِلنَّاقَةِ، إذَا فُصِلَ عَنْ أُمِّهِ (وَعَجَاجِيلُ) - جَمْعُ عِجْلٍ، وَهُوَ وَلَدُ الْبَقَرَةِ
وَجِحَاشٍ وَحَمِيرٍ (وَأَفْلَاءٍ) - بِالْمَدِّ: جَمْعُ فُلُوٍّ، - بِوَزْنِ سَحْرٍ، وَجِرْوٍ، وَعَدْوٍ، وَسَمْوٍ، وَهُوَ الْجَحْشُ وَالْمُهْرُ إذَا فُطِمَا، أَوْ بَلَغَ السَّنَةَ قَالَهُ فِي الْقَامُوسِ، وَالْإِوَزُّ وَالدَّجَاجُ وَنَحْوُهَا، كَالْخَشَبَةِ الصَّغِيرَةِ، وَقِطْعَةِ الْحَدِيدِ، وَالنُّحَاسِ وَالرَّصَاصِ، وَالْكُتُبِ، وَمَا جَرَى مَجْرَى ذَلِكَ.
وَالْمَرِيضُ مِنْ كِبَارِ الْإِبِلِ وَنَحْوِهَا كَالصَّغِيرِ، سَوَاءٌ وُجِدَ بِمِصْرٍ أَوْ مَهْلَكَةٍ، لَمْ يَنْبِذْهُ رَبُّهُ رَغْبَةً عَنْهُ، فَإِنْ نَبَذَهُ كَذَلِكَ مَلَكَهُ آخِذُهُ؛ وَتَقَدَّمَ فِي إحْيَاءِ الْمَوَاتِ.
(وَقِنٍّ صَغِيرٍ) ، قَالَ فِي الرِّعَايَةِ " وَالْعَبْدُ الصَّغِيرُ كَالشَّاةِ (وَنَحْوِ ذَلِكَ) ، كَالزِّقِّ مِنْ الدُّهْنِ أَوْ الْعَسَلِ، أَوْ الْغِرَارَةِ مِنْ الْحَبِّ؛ (فَيَحْرُمُ عَلَى مَنْ لَا يَأْمَنُ نَفْسَهُ عَلَيْهَا) - أَيْ: اللُّقَطَةِ (أَخْذُهَا) لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ تَضْيِيعِ مَالِ غَيْرِهِ، فَحَرُمَ كَإِتْلَافِهِ، وَكَمَا لَوْ نَوَى تَمَلُّكَهَا فِي الْحَالِ، أَوْ كِتْمَانَهَا.
(وَكَعَاجِزٍ عَنْ تَعْرِيفِهَا) ، فَلَيْسَ لَهُ أَخْذُهَا، وَلَوْ بِنِيَّةِ الْأَمَانَةِ، لِأَنَّهُ لَا يَحْصُلُ بِهِ الْمَقْصُودُ مِنْ وُصُولِهَا إلَى رَبِّهَا، (وَيَضْمَنُهَا بِهِ) أَيْ: بِأَخْذِهَا إنْ تَلِفَتْ (مُطْلَقًا) ، سَوَاءٌ كَانَ تَلَفُهَا بِتَفْرِيطٍ، أَوْ بِدُونِهِ؛ لِأَنَّهُ أَخَذَ مَالَ غَيْرِهِ عَلَى وَجْهٍ لَا يَجُوزُ لَهُ أَخْذُهُ، فَضَمِنَهُ كَالْغَاصِبِ.
(وَلَا يَمْلِكُهَا) - أَيْ: اللُّقَطَةَ - (وَلَوْ عَرَّفَهَا) ؛ لِأَنَّ السَّبَبَ الْمُحَرَّمَ لَا يُفِيدُ الْمِلْكَ، بِدَلِيلِ السَّرِقَةِ؛ فَإِنْ أَخَذَهَا بِنِيَّةِ الْأَمَانَةِ، ثُمَّ (طَرَأَ لَهُ قَصْدُ الْخِيَانَةِ؛ لَمْ يَضْمَنْ) اللُّقَطَةَ إنْ تَلِفَتْ بِلَا تَفْرِيطٍ فِي الْحَوْلِ، كَمَا لَوْ كَانَ أَوْدَعَهُ إيَّاهَا.
(وَإِنْ أَمِنَ نَفْسَهُ) عَلَى اللُّقَطَةِ، (وَقَوِيَ عَلَى تَعْرِيفِهَا؛ فَلَهُ أَخْذُهَا) - أَيْ: اللُّقَطَةِ - وَهِيَ مَنْصُوصٌ عَلَيْهَا فِي النَّقْدَيْنِ، وَقِيسَ عَلَيْهِمَا كُلُّ حَيَوَانٍ لَا يَمْتَنِعُ بِنَفْسِهِ مِنْ صِغَارِ السِّبَاعِ.
(وَالْأَفْضَلُ) لِمَنْ أَمِنَ نَفْسَهُ عَلَيْهَا، وَقَوِيَ عَلَى تَعْرِيفِهَا، (تَرْكُهَا) - أَيْ: عَدَمُ التَّعَرُّضِ لَهَا - قَالَ أَحْمَدُ: الْأَفْضَلُ تَرْكُ الِالْتِقَاطِ، وَرُوِيَ مَعْنَاهُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما.
وَلَوْ وَجَدَهَا (بِمُضِيعَةٍ) - بِكَسْرِ الضَّادِ
الْمُعْجَمَةِ - قَالَهُ فِي " الْمُطْلِعِ "؛ لِأَنَّ فِي الِالْتِقَاطِ تَعْرِيضًا بِنَفْسِهِ لِأَكْلِ الْحَرَامِ، وَتَضْيِيعَ الْوَاجِبِ مِنْ تَعْرِيفِهَا، وَأَدَاءِ الْأَمَانَةِ فِيهَا، فَتَرْكُ ذَلِكَ أَوْلَى وَأَسْلَمُ.
(وَيَتَّجِهُ) الْأَفْضَلُ (عَكْسُهُ) - أَيْ: تَرْكِهَا، وَهُوَ أَخْذُهَا (مَعَ وُجُودِ رَبِّهَا)، قَالَ فِي " الْمُبْدِعِ ": وَعِنْدَ أَبِي الْخَطَّابِ، إنْ وَجَدَهَا بِمُضِيعَةٍ وَأَمِنَ نَفْسَهُ عَلَيْهَا، فَالْأَفْضَلُ أَخْذُهَا؛ لِمَا فِيهِ مِنْ الْحِفْظِ الْمَطْلُوبِ شَرْعًا، كَتَخْلِيصِهِ مِنْ الْغَرَقِ.
وَلَا يَجِبُ أَخْذُهُ؛ لِأَنَّهُ أَمَانَةٌ كَالْوَدِيعَةِ.
وَخَرَجَ وُجُوبُهُ إذَنْ؛ لِأَنَّ حُرْمَةَ مَالِ الْمُسْلِمِ كَحُرْمَةِ دَمِهِ، انْتَهَى. وَهُوَ مُتَّجِهٌ وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ. .
(وَمَنْ أَخَذَهَا) - أَيْ: اللُّقَطَةَ - (ثُمَّ رَدَّهَا بِلَا إذْنِ إمَامٍ وَنَائِبِهِ إلَى مَوْضِعهَا) ؛ حَرُمَ، وَضَمِنَهَا.
(أَوْ فَرَّطَ) فِيهَا وَتَلِفَتْ، (حَرُمَ، وَضَمِنَهَا) ؛ لِأَنَّهَا أَمَانَةٌ حَصَلَتْ فِي يَدِهِ؛ فَلَزِمَهُ حِفْظُهَا كَسَائِرِ الْأَمَانَاتِ، وَتَرْكُهَا وَالتَّفْرِيطُ فِيهَا تَضْيِيعٌ لَهَا.
وَإِنْ رَدَّهَا بِأَمْرِ الْإِمَامِ أَوْ نَائِبِهِ بِذَلِكَ؛ فَإِنَّهُ لَا يَضْمَنُ بِلَا نِزَاعٍ؛ لِأَنَّ لِلْإِمَامِ نَظَرًا فِي الْمَالِ الَّذِي لَا يُعْلَمُ مَالِكُهُ، وَكَذَا لَوْ الْتَقَطَهَا وَدَفَعَهَا لِلْإِمَامِ أَوْ نَائِبِهِ، وَلَوْ كَانَ مِمَّا لَا يَجُوزُ الْتِقَاطُهُ.
(وَيُنْتَفَعُ بِمُبَاحٍ مِنْ كِلَابٍ، وَلَا تُعَرَّفُ) وَظَاهِرُهُ جَوَازُ الْتِقَاطِهَا، وَهُوَ قَوْلُ الْقَاضِي، وَغَيْرِهِ، فَقَالَ الْحَارِثِيُّ: وَهُوَ أَصَحُّ؛ لِأَنَّهُ لَا نَصَّ فِي الْمَنْعِ، وَلَيْسَ فِي الْمَعْنَى الْمَمْنُوعَ، وَفِي أَخْذِهِ حِفْظٌ عَلَى مُسْتَحِقِّهِ، أَشْبَهَ الْأَثْمَانَ، وَأَوْلَى مِنْ أَنَّهُ لَيْسَ مَالًا فَهُوَ أَخَفُّ.
(وَيُمْلَكُ قِنٌّ صَغِيرٌ بِتَعْرِيفٍ) ؛ كَسَائِرِ الْأَمْوَالِ وَالْأَثْمَانِ، صَحَّحَهُ فِي " الْإِنْصَافِ " وَجَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَةِ " وَ " الْوَجِيزِ "، قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَصِغَارُ الرَّقِيقِ مُطْلَقًا يَجُوزُ الْتِقَاطُهُ، ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَاقْتَصَرَ عَلَى ذَلِكَ. انْتَهَى.
(خِلَافًا