الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كَانَ مَحْجُورًا عَلَيْهِ، وَيُعْتَبَرُ وُجُودُ الْقَبُولِ (قَبْلَ تَشَاغُلٍ بِقَاطِعٍ) عُرْفًا (مَعَ تَنْجِيزٍ) لِهِبَةٍ فِي الْحَالِ (أَوْ) مَعَ (عَدَمِ تَوْقِيتٍ) إلَّا فِي الْعُمْرَى وَالرُّقْبَى، وَتَقَدَّمَ.
[فَصْلٌ فِي حُكْمِ عَطِيَّةِ الْأَوْلَادِ وَحُكْمِ الرُّجُوعِ فِيهَا]
(فَصْلٌ) : فِي حُكْمِ عَطِيَّةِ الْأَوْلَادِ وَحُكْمِ الرُّجُوعِ فِيهَا وَغَيْرِ ذَلِكَ.
(وَيَجِبُ عَلَى وَاهِبٍ) ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى (تَعْدِيلٌ بَيْنَ مَنْ يَرِثُ) مِنْ الْوَاهِبِ (بِقَرَابَةٍ لَا زَوْجِيَّةٍ) وَوَلَاءٍ، فَلَا يَجِبُ التَّعْدِيلُ بَيْنَهُمْ، بِخِلَافِ الْقَرَابَةِ (مِنْ وَلَدٍ وَغَيْرِهِ) كَأَبٍ وَأُمٍّ وَأَخٍ وَابْنِهِ وَعَمٍّ وَابْنِهِ فِي عَطِيَّتِهِمْ؛ لِحَدِيثِ جَابِرٍ قَالَ:«قَالَتْ امْرَأَةُ بَشِيرٍ لِبَشِيرٍ: أَعْطِ ابْنِي غُلَامَكَ، وَأَشْهِدْ لِي رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَأَتَى رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: إنَّ ابْنَةَ فُلَانٍ سَأَلَتْنِي أَنْ أَنْحَلَ ابْنَهَا غُلَامِي، قَالَ: أَلَهُ إخْوَةٌ؟ قَالَ: نَعَمْ قَالَ: كُلُّهُمْ أَعْطَيْتَ مِثْلَ مَا أَعْطَيْتَهُ؟ قَالَ: لَا. قَالَ: فَلَيْسَ يَصْلُحُ هَذَا، وَإِنِّي لَا أَشْهَدُ إلَّا عَلَى حَقٍّ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد وَأَحْمَدُ مِنْ حَدِيثِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ، وَقَالَ فِيهِ:«لَا تُشْهِدْنِي عَلَى جَوْرٍ، إنَّ لِبَنِيكَ عَلَيْك مِنْ الْحَقِّ أَنْ تَعْدِلَ بَيْنَهُمْ» . وَفِي لَفْظِ لِمُسْلِمٍ: «اتَّقُوا اللَّهَ وَاعْدِلُوا فِي أَوْلَادِكُمْ» .
وَلِلْبُخَارِيِّ مِثْلُهُ، لَكِنْ ذَكَرَهُ بِلَفْظِ الْعَطِيَّةِ، فَأَمَرَ بِالْعَدْلِ بَيْنَهُمْ، وَسَمَّى تَخْصِيصَ أَحَدِهِمْ دُونَ الْبَاقِينَ جَوْرًا، وَالْجَوْرُ حَرَامٌ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ أَمْرَهُ بِالْعَدْلِ لِلْوُجُوبِ، وَقِيسَ عَلَى الْأَوْلَادِ بَاقِي الْأَقَارِبِ بِجَامِعِ الْقَرَابَةِ، وَخَرَجَ مِنْهُ الزَّوْجَاتُ وَالْمَوَالِي؛ فَلَا يَجِبُ التَّعْدِيلُ بَيْنَهُمْ فِي الْهِبَةِ، وَمَحَلُّ وُجُوبِ التَّعْدِيلِ (فِي هِبَةِ) شَيْءٍ (غَيْرِ تَافِهٍ) لِأَنَّهُ يَتَسَامَحُ بِهِ، فَلَا يَحْصُلُ التَّأَثُّرُ وَالتَّعْدِيلُ الْوَاجِبُ (بِكَوْنِهَا) أَيْ: الْعَطِيَّةِ لِلْأَوْلَادِ وَالْإِخْوَةِ لِغَيْرِ أُمٍّ وَنَحْوِهِمْ (بِقَدْرِ إرْثِهِمْ) مِنْهُ {لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ} [النساء: 11] اقْتِدَاءً بِقِسْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى، وَقِيَاسًا لِحَالَةِ الْحَيَاةِ عَلَى حَالَةِ الْمَوْتِ. قَالَ عَطَاءٌ: مَا كَانُوا يَقْسِمُونَ إلَّا عَلَى كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى.
فَائِدَةٌ: نَصَّ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ صَالِحٍ وَعَبْدِ اللَّهِ وَحَنْبَلٍ فِيمَنْ لَهُ أَوْلَادُ زَوْجِ بَعْضِ بَنَاتِهِ فَجَهَّزَهَا وَأَعْطَاهَا، قَالَ: يُعْطِي جَمِيعَ وَلَدِهِ مِثْلَ مَا أَعْطَاهَا. وَعَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ: سَمِعْت أَبَا عَبْدِ اللَّهِ يَسْأَلُ عَنْ رَجُلٍ لَهُ وَلَدٌ يُزَوِّجُ الْكَبِيرَ، وَيُنْفِقُ
عَلَيْهِ، وَيُعْطِيه، قَالَ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يُعْطِيَهُمْ كُلَّهُمْ مِثْلَ مَا أَعْطَاهُ، أَوْ يَمْنَحُهُمْ مِثْلَ ذَلِكَ.
وَرَوَى عَنْهُ الْمَرُّوذِيُّ وَغَيْرُهُ مَعْنَى ذَلِكَ، وَقَدْ اسْتَوْعَبَهَا الْحَارِثِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - (إلَّا فِي نَفَقَةٍ وَكِسْوَةٍ فَتَجِبُ الْكِفَايَةُ) دُونَ التَّعْدِيلِ، وَنَقَلَ أَبُو طَالِبٍ: لَا يَنْبَغِي أَنْ يُفَضِّلَ أَحَدًا مِنْ وَلَدِهِ فِي طَعَامٍ وَغَيْرِهِ.
قَالَ إبْرَاهِيمُ: كَانُوا يَسْتَحِبُّونَ التَّسْوِيَةَ بَيْنَهُمْ حَتَّى فِي الْقُبَلِ. قَالَ فِي " الْفُرُوعِ ": فَدَخَلَ فِيهِ نَظَرٌ وَوَقْفٌ (وَحَلَّ) لِمَنْ ذُكِرَ مِنْ أَبٍ وَأُمٍّ وَغَيْرِهِمَا (تَفْضِيلٌ) لِبَعْضِ أَقَارِبِهِ الَّذِينَ يَرِثُونَهُ (بِإِذْنٍ بَاقٍ) مِنْهُمْ؛ لِأَنَّ الْعِلَّةَ فِي تَحْرِيمِ التَّخْصِيصِ كَوْنُهُ يُوَرِّثُ الْعَدَاوَةَ، وَقَطِيعَةَ الرَّحِمِ، وَهِيَ مُنْتَفِيَةٌ مَعَ الْإِذْنِ (وَإِلَّا) بِأَنْ خَصَّ بَعْضَهُمْ بِالْعَطِيَّةِ، أَوْ فَضَّلَهُ بِالْإِعْطَاءِ بِلَا إذْنِ الْبَاقِي (أَثِمَ) لِمَا تَقَدَّمَ (وَرَجَعَ) الْأَبُ وُجُوبًا دُونَ الْأُمِّ وَغَيْرِهَا فِيمَا خُصَّ بِهِ أَوْ فَضَّلَ (إنْ جَازَ) أَيْ: إنْ أَمْكَنَ رُجُوعُهُ بِهِ بِأَنْ كَانَ بَاقِيًا، وَقَدَرَ عَلَى اسْتِرْجَاعِهِ، أَوْ (أَعْطَى حَتَّى يَسْتَوُوا) بِمَنْ خَصَّهُ نَصًّا (فَلَوْ زَوَّجَ أَحَدَ ابْنَيْهِ) فِي صِحَّتِهِ (بِصَدَاقٍ) أَدَّاهُ الْأَبُ (مِنْ عِنْدِهِ) ثُمَّ مَرِضَ الْأَبُ مَرَضَ الْمَوْتِ الْمَخُوفِ (وَجَبَ عَلَيْهِ) أَيْ: الْأَبِ (إعْطَاءُ) ابْنِهِ (الْآخَرِ مِثْلَهُ) أَيْ: مِثْلَ مَا أَعْطَى الْأَوَّلَ لِيَسْتَوِيَ بِمَنْ خَصَّهُ.
قَالَ فِي " الِاخْتِيَارَاتِ ": وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ عَلَى الْفَوْرِ (وَلَوْ بِمَرَضِ مَوْتِهِ) لِأَنَّ التَّسْوِيَةَ بَيْنَهُمَا وَاجِبَةٌ، وَلَا طَرِيقَ لَهَا فِي هَذَا الْمَوْضِعِ إلَّا بِعَطِيَّةِ الْآخَرِ، فَتَكُونُ وَاجِبَةً؛ إذْ لَا يُمْكِنُ الرُّجُوعُ هُنَاكَ عَلَى الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ الزَّوْجَةَ مَلَكَتْ الصَّدَاقَ بِالْعَقْدِ (وَلَا يُحْسَبُ) مَا يُعْطِيه الْأَبُ لِابْنِهِ الثَّانِي (مِنْ الثُّلُثِ) مَعَ أَنَّهُ عَطِيَّةٌ فِي مَرَضِ الْمَوْتِ (لِأَنَّهُ تَدَارُكٌ لِلْوَاجِبِ؛ أَشْبَهَ قَضَاءَ الدَّيْنِ) وَيَجُوزُ لِلْأَبِ تَمَلُّكُ مَا يُعْطِيه لِلتَّسْوِيَةِ بِلَا حِيلَةٍ، قَدَّمَهُ الْحَارِثِيُّ؛ وَتَبِعَهُ صَاحِبُ الْفُرُوعِ " (فَإِنْ مَاتَ) مُعْطٍ (قَبْلَهُ) أَيْ: التَّعْدِيلِ (وَلَيْسَتْ) الْعَطِيَّةُ (بِمَرَضِ مَوْتِهِ) الْمَخُوفِ (ثَبَتَتْ الْعَطِيَّةُ لِآخِذٍ) فَلَا يَمْلِكُ بَقِيَّةُ الْوَرَثَةِ الرُّجُوعَ، نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَكَمِ وَالْمَيْمُونِيِّ؛ لِخَبَرِ الصِّدِّيقِ، وَتَقَدَّمَ، وَكَمَا لَوْ كَانَ الْآخِذُ أَجْنَبِيًّا؛ لِأَنَّهَا عَطِيَّةٌ لِذِي رَحِمٍ؛ فَلَزِمَتْ بِالْمَوْتِ كَمَا لَوْ انْفَرَدَ.
(وَتُحَرَّمُ الشَّهَادَةُ عَلَى تَفْضِيلٍ أَوْ تَخْصِيصٍ تَحَمُّلًا وَأَدَاءً) وَلَوْ كَانَ الْأَدَاءُ بَعْدَ مَوْتِ الْمُخَصِّصِ وَالْمُفَضِّلِ (إنْ عَلِمَ) الشَّاهِدُ بِالتَّخْصِيصِ أَوْ التَّفْضِيلِ؛ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام: لِبَشِيرٍ «لَا تُشْهِدْنِي عَلَى جَوْرٍ» .
فَإِنْ قِيلَ: فَقَدْ وَرَدَ بِلَفْظِ «فَأَشْهِدْ عَلَى هَذَا غَيْرِي» ، وَهُوَ أَمْرٌ، وَأَقَلُّ أَحْوَالِهِ الِاسْتِحْبَابُ، فَكَيْفَ تُحَرَّمُ الشَّهَادَةُ، فَالْجَوَابُ أَنَّهُ تَهْدِيدٌ كَقَوْلِهِ تَعَالَى:{اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ} [فصلت: 40] وَلَوْ لَمْ يَفْهَمْ هَذَا الْمَعْنَى بَشِيرٌ لَبَادَرَ إلَى الِامْتِثَالِ، وَلَمْ يَرُدَّ الْعَطِيَّةَ (وَكَذَا) فِي حُكْمِ تَحْرِيمِ الشَّهَادَةِ عَلَيْهِ (كُلُّ عَقْدٍ فَاسِدٍ عِنْدَهُ) أَيْ: الشَّاهِدِ، فَتُحَرَّمُ الشَّهَادَةُ عَلَيْهِ تَحَمُّلًا وَأَدَاءً كَنِكَاحٍ بِلَا وَلِيٍّ وَبَيْعٍ غَيْرِ مَرْئِيٍّ وَلَا مَوْصُوفٍ؛ لِاعْتِقَادِهِ عَدَمَ جَوَازِهِ قِيَاسًا عَلَى التَّخْصِيصِ إنْ لَمْ يَحْكُمْ بِهِ مَنْ يَرَاهُ
(وَلَا يَجِبُ عَلَى مُسْلِمٍ التَّسْوِيَةُ بَيْنَ أَوْلَادِهِ [مِنْ أَهْلِ] الذِّمَّةِ) قَالَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، وَكَلَامُ غَيْرِهِ لَا يُخَالِفُهُ؛ لِأَنَّهُمْ لَا يَرِثُونَ مِنْهُ.
تَنْبِيهٌ: وَلَا فَرْقَ فِي امْتِنَاعِ التَّخْصِيصِ وَالتَّفْضِيلِ بَيْنَ كَوْنِ الْبَعْضِ ذَا حَاجَةٍ أَوْ زَمَانَةٍ أَوْ عَمًى أَوْ عِيَالٍ أَوْ صَلَاحٍ أَوْ عِلْمٍ أَوْ لَا، وَلَا كَوْنِ الْبَعْضِ الْآخَرِ فَاسِقًا أَوْ مُبْتَدِعًا أَوْ مُبَذِّرًا، أَوْ لَا، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ وَنَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ يُوسُفَ بْنِ مُوسَى فِي الرَّجُلِ لَهُ الْوَلَدُ الْبَارُّ الصَّالِحُ وَآخَرُ غَيْرُ بَارٍّ؛ لَا يُنِيلُ الْبَارَّ دُونَ الْآخَرِ (وَاخْتَارَ الْمُوَفَّقُ وَغَيْرُهُ) كَابْنِ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ وَالنَّاظِمِ (جَوَازَ تَفْضِيلٍ) لِبَعْضِ الْوَرَثَةِ (لِمَعْنَى حَاجَةٍ أَوْ زَمَانَةٍ أَوْ عَمًى أَوْ كَثْرَةِ عَائِلَةٍ أَوْ اشْتِغَالٍ بِعِلْمٍ) وَنَحْوِهِ كَصَلَاحٍ (وَكَذَا لَوْ مَنَعَهُ) أَيْ: مَنَعَ الْأَبُ بَعْضَ وَلَدِهِ (لِفِسْقِهِ أَوْ بِدْعَتِهِ أَوْ كَوْنِهِ يَعْصِي اللَّهَ بِمَا يَأْخُذُهُ) اسْتِدْلَالًا بِتَخْصِيصِ الصِّدِّيقِ عَائِشَةَ رضي الله عنهما وَلَيْسَ إلَّا لِامْتِيَازِهَا بِالْفَضْلِ، وَلَنَا عُمُومُ الْأَمْرِ بِالتَّسْوِيَةِ، وَفِعْلُ الصِّدِّيقِ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ نَحَلَ مَعَهَا غَيْرَهَا، أَوْ أَنَّهُ نَحَلَهَا وَهُوَ يُرِيدُ أَنْ يَنْحَلَ غَيْرَهَا،
فَأَدْرَكَ الْمَرَضَ وَنَحْوَهُ
(وَتُبَاحُ) لِمَنْ لَهُ وَرَثَةٌ (قِسْمَةُ مَالِهِ بَيْنَ وَرَثَتِهِ) نَقَلَهُ الْأَكْثَرُ عَلَى فَرَائِضِ اللَّهِ تَعَالَى، وَلَوْ أَمْكَنَ أَنْ يُولَدَ لَهُ؛ لِأَنَّهَا قِسْمَةٌ لَيْسَ فِيهَا جَوْرٌ، فَجَازَتْ فِي جَمِيعِ مَالِهِ كَبَعْضِهِ (وَيُعْطَى) وَارِثٌ (حَادِثٌ) بَعْدَ الْقِسْمَةِ (حِصَّتُهُ) مِمَّا قُسِمَ (وُجُوبًا) لِيَحْصُلَ التَّعْدِيلُ، وَإِنْ حَدَثَ الْوَارِثُ بَعْدَ مَوْتِهِ؛ اُسْتُحِبَّ لِلْمُعْطِي أَنْ يُسَاوِيَ الْمَوْلُودَ الْحَادِثَ بَعْدَ مُوَرَّثِهِ؛ لِمَا فِيهِ مِنْ الصِّلَةِ، وَإِزَالَةِ الشَّحْنَاءِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ مَا هُنَا وَمَا سَبَقَ فِي الْوَقْفِ مِنْ قَوْلِهِ: دَخَلَ الْمَوْجُودُونَ فَقَطْ أَنَّ التَّسْوِيَةَ فِي الْعَطِيَّةِ وَاجِبَةٌ، وَفِي الْوَقْفِ مُسْتَحَبَّةٌ، وَلِأَنَّ الْوَقْفَ لَا يَتَأَتَّى الرُّجُوعُ فِيهِ، بِخِلَافِ الْعَطِيَّةِ
(وَسُنَّ لِوَاقِفٍ) شَيْئًا (عَلَى وَرَثَتِهِ) أَنْ يُسَوِّيَ بَيْنَهُمْ (بِأَنْ لَا يُفَضِّلَ ذَكَرًا عَلَى أُنْثَى) مِنْ أَوْلَادٍ وَإِخْوَةٍ وَنَحْوِهِمْ (إلَّا لِحَاجَةِ عَائِلَةٍ وَنَحْوِهِ) كَزَمَانَةٍ وَعَمًى وَاشْتِغَالٍ بِعِلْمٍ (قِيلَ لِأَحْمَدَ: فَإِنْ فَضَّلَ. قَالَ: لَا يُعْجِبُنِي عَلَى وَجْهِ الْأَثَرَةِ إلَّا لِعِيَالٍ بِقَدْرِهِمْ)
وَتَقَدَّمَ فِي الْوَقْفِ بِأَوْضَحَ مِنْ هَذَا.
(وَيَصِحُّ) مِنْ مَرِيضٍ مَرَضِ الْمَوْتِ (وَقْفُ ثُلُثِهِ) فَأَقَلَّ (فِي مَرَضِهِ) الْمَخُوفِ (عَلَى بَعْضِهِمْ) أَيْ: الْوَرَثَةِ.
قَالَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ جَمَاعَةٍ مِنْهُمْ الْمَيْمُونِيُّ: يَجُوزُ لِلرَّجُلِ أَنْ يَقِفَ فِي مَرَضِهِ عَلَى وَرَثَتِهِ، فَقِيلَ لَهُ: أَلَيْسَ تَذْهَبُ أَنَّهُ لَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ؟ فَقَالَ: نَعَمْ، وَالْوَقْفُ غَيْرُ الْوَصِيَّةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُبَاعُ وَلَا يُوَرَّثُ وَلَا يَصِيرُ مِلْكًا لِلْوَرَثَةِ؛ أَيْ: مِلْكًا مُطْلَقًا، وَاحْتَجَّ فِي رِوَايَةِ أَحْمَدَ بْنِ الْحَسَنِ بِحَدِيثِ عُمَرَ حَيْثُ قَالَ هَذَا مَا أَوْصَى بِهِ عَبْدُ اللَّهِ عُمَرُ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ إنْ حَدَثَ بِهِ حَدَثٌ أَنَّ ثَمْغًا صَدَقَةٌ، وَالْعَبْدَ الَّذِي فِيهِ وَالسَّهْمَ الَّذِي بِخَيْبَرَ وَرَقِيقَهُ الَّذِي فِيهِ وَالْمِائَةَ وَسْقٍ الَّذِي أَطْعَمَنِي مُحَمَّدٌ صلى الله عليه وسلم تَلِيه حَفْصَةُ مَا عَاشَتْ، ثُمَّ يَلِيه ذُو الرَّأْيِ مِنْ أَهْلِهِ، لَا يُبَاعُ وَلَا يُشْتَرَى تُنْفِقُهُ حَيْثُ تَرَى مِنْ السَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ وَذِي الْقُرْبَى، وَلَا حَرَجَ عَلَى مَنْ يُوَلِّيه إنْ أَكَلَ وَاشْتَرَى رَقِيقًا. رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِنَحْوٍ مِنْ هَذَا
وَيَجْرِي الْوَقْفُ عَلَى بَعْضِ وَرَثَتِهِ مَجْرَى الْوَصِيَّةِ فِي أَنَّهُ يَنْفُذُ مِنْ الثُّلُثِ كَالْوَصِيَّةِ بِهِ لَا فِي تَوَقُّفِهِ عَلَى الْإِجَازَةِ كَمَا تَقَدَّمَ. .
فَلَوْ وَقَفَ دَارًا لَا يَمْلِكُ غَيْرَهَا عَلَى ابْنِهِ وَبِنْتِهِ بِالسَّوِيَّةِ