الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَوْرًا) مِنْ غَيْرِ تَرَاخٍ؛ لِأَنَّهُ يَأْثَمُ بِاسْتِدَامَتِهِ تَحْتَ يَدِهِ؛ لِحَيْلُولَتِهِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَبِّهِ، (فَلَا تَصِحُّ تَوْبَتُهُ) - أَيْ: الْغَاصِبِ - (بِدُونِهِ) - أَيْ: الرَّدِّ - إذْ تَوْبَتُهُ مَعَ بَقَائِهِ تَحْتَ يَدِهِ وُجُودُهَا كَعَدَمِهَا.
(وَلَوْ أَلْقَى نَحْوُ رِيحٍ) كَطَائِرٍ (ثَوْبَ غَيْرِهِ بِدَارِهِ) ؛ لَزِمَ حِفْظُهُ؛ لِأَنَّهُ أَمَانَةٌ بِيَدِهِ إلَى أَنْ يَرُدَّهُ إلَى رَبِّهِ، فَإِنْ عَرَفَ رَبُّ الدَّارِ صَاحِبَ الثَّوْبِ (أَعْلَمَهُ بِهِ فَوْرًا) مِنْ غَيْرِ تَرَاخٍ، (وَإِلَّا) يَعْلَمُهُ فَوْرًا وَتَلِفَ الثَّوْبُ؛ (ضَمِنَهُ) رَبُّ الدَّارِ إنْ مَضَى زَمَنٌ يَتَأَتَّى فِيهِ إعْلَامُهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَسْتَحْفِظْهُ، (فَإِنْ لَمْ يَعْرِفْهُ) - أَيْ: رَبُّ الدَّارِ صَاحِبَ الثَّوْبِ - فَهُوَ (لُقَطَةٌ) تَجْرِي فِيهِ أَحْكَامُهَا عَلَى مَا يَأْتِي.
(وَكَذَا) حُكْمُ (طَائِرٍ) أَلْقَتْهُ رِيحٌ أَوْ طِفْلٍ أَوْ مَجْنُونٍ بِدَارِهِ، وَهُوَ (غَيْرُ مُمْتَنِعٍ) ؛ كَمَقْصُوصِ الْجُنَاحِ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْفِرَارِ مِنْ قَاصِدِهِ؛ يَجِبُ إعْلَامُ رَبِّهِ بِهِ، فَإِنْ لَمْ يَعْلَمْهُ حَتَّى تَلِفَ ضَمِنَهُ إنْ عَرَفَ رَبَّهُ، وَإِنْ لَمْ يَعْرِفْهُ فَلُقَطَةٌ، وَإِنْ كَانَ مُمْتَنِعًا لَمْ يَلْزَمْهُ حِفْظُهُ وَلَا إعْلَامُ صَاحِبِهِ بِهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَزَلْ مُمْتَنِعًا.
تَتِمَّةٌ: وَإِنْ دَخَلَ طَيْرٌ مَمْلُوكٌ بُرْجَهُ فَأَغْلَقَ عَلَيْهِ الْبَابَ نَاوِيًا إمْسَاكَهُ لِنَفْسِهِ؛ ضَمِنَهُ؛ لِتَعَدِّيهِ، وَإِنْ لَمْ يُغْلِقْ عَلَيْهِ أَوْ أَغْلَقَهُ غَيْرَ نَاوٍ إمْسَاكَهُ لِنَفْسِهِ؛ بِأَنْ لَمْ يَعْلَمْ بِهِ، أَوْ نَوَى إمْسَاكَهُ لِرَبِّهِ؛ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ؛ لِعَدَمِ تَعَدِّيهِ، وَهُوَ فِي الْأَخِيرَةِ مُحْسِنٌ، لَكِنْ عَلَيْهِ إعْلَامُهُ فَوْرًا إنْ عَلِمَهُ كَمَا سَبَقَ.
[فَصْلٌ فِيمَا يُضْمَنُ بِهِ مِنْ الْمَالِ بِلَا غَصْبٍ]
(فَصْلٌ: فِيمَا يُضْمَنُ) مِنْ الْمَالِ (بِلَا غَصْبٍ: مَنْ أَتْلَفَ) مِنْ مُكَلَّفٍ أَوْ غَيْرِهِ إنْ لَمْ يَدْفَعْهُ رَبُّهُ إلَيْهِ - وَلَوْ كَانَ الْإِتْلَافُ (سَهْوًا) أَوْ خَطَأً - (مَالًا مُحْتَرَمًا لِغَيْرِهِ) - أَيْ: الْمُتْلِفِ - (بِلَا إذْنِ رَبِّهِ، وَمِثْلُهُ) - أَيْ: الْمُتْلِفِ - (يَضْمَنُهُ؛ ضَمِنَهُ) ؛ أَيْ: ضَمِنَ الْمُتْلِفُ مَا أَتْلَفَهُ.
قَالَ فِي الشَّرْحِ: لَا نَعْلَمُ فِي ذَلِكَ خِلَافًا؛ لِأَنَّهُ فَوَّتَ عَلَيْهِ، فَوَجَبَ عَلَيْهِ ضَمَانُهُ كَمَا لَوْ غَصَبَهُ فَتَلِفَ عِنْدَهُ، وَاحْتُرِزَ بِالْمَالِ عَنْ السِّرْجِينِ النَّجِسِ وَالْكَلْبِ وَنَحْوِهِمَا، وَبِالْمُحْتَرَمِ عَنْ الصَّلِيبِ وَآلَاتِ اللَّهْوِ كَالْمِزْمَارِ وَالطُّنْبُورِ وَنَحْوِهِمَا، وَبِقَوْلِهِ لِغَيْرِهِ عَمَّا هُوَ لِنَفْسِهِ، وَبِقَوْلِهِ بِلَا إذْنِ رَبِّهِ عَمَّا أَذِنَ
مَالِكُهُ الْمُطْلَقُ التَّصَرُّفِ فِي إتْلَافِهِ، فَإِنَّ الْمُتْلِفَ حِينَئِذٍ يَكُونُ وَكِيلًا عَنْ مَالِكِهِ فِي الْإِتْلَافِ، وَبِقَوْلِهِ وَمِثْلُهُ يَضْمَنُهُ، عَمَّا يُتْلِفُهُ أَهْلُ الْعَدْلِ مِنْ مَالِ أَهْلِ الْبَغْيِ وَعَكْسُهُ حَالَ الْحَرْبِ، وَعَمَّا يُتْلِفُ الْمُسْلِمُ مِنْ مَالِ الْحَرْبِيِّ وَالْحَرْبِيُّ مِنْ مَالِ الْمُسْلِمِ، وَعَمَّا يُتْلِفُهُ الصَّغِيرُ وَالْمَجْنُونُ مِنْ مَالٍ دَفَعَهُ إلَيْهِمَا مَالِكُهُ، وَعَمَّا يُتْلِفُهُ الْآدَمِيُّ مِنْ مَالِ وَلَدِهِ وَمَا يُتْلِفُهُ دَفْعًا عَنْ نَفْسِهِ كَمَا لَوْ صَالَ عَلَيْهِ رَقِيقٌ أَوْ بَهِيمَةٌ لِمَعْصُومٍ.
(وَإِنْ أُكْرِهَ) إنْسَانٌ عَلَى إتْلَافِ مَالِ غَيْرِهِ الْمَضْمُونِ؛ (فَمُكْرِهُهُ) يَضْمَنُهُ.
(وَلَوْ) أُكْرِهَ (عَلَى إتْلَافِ مَالِ نَفْسِهِ) - أَيْ: مَالِ الْمُتْلِفِ - ضَمِنَهُ الْمُكْرِهُ أَيْضًا؛ كَإِكْرَاهِهِ عَلَى دَفْعِ الْوَدِيعَةِ إلَى غَيْرِ رَبِّهَا؛ لِأَنَّ الْإِتْلَافَ مِنْ الْمُكْرِهِ، وَأَمَّا الْمُكْرَهُ فَهُوَ كَالْآلَةِ وَلِإِبَاحَةِ إتْلَافِهِ وَوُجُوبِهِ، بِخِلَافِ قَتْلٍ وَلَمْ يَخْتَرْهُ؛ فَيَضْمَنُهُ؛ لِمُبَاشَرَتِهِ مَا فِيهِ إبْقَاءُ نَفْسِهِ، وَبِخِلَافِ مُضْطَرٍّ فَإِنَّهُ يَأْكُلُ مَا اُضْطُرَّ إلَيْهِ بِاخْتِيَارِهِ، وَيَضْمَنُ؛ لِأَنَّ الْمُضْطَرَّ لَمْ يُلْجِئْهُ إلَى الْإِتْلَافِ مَنْ يُحَالُ الضَّمَانُ عَلَيْهِ، وَلَا يَضْمَنُ مَا أَتْلَفَهُ إنْ كَانَ (غَيْرَ مَالٍ؛ كَكَلْبٍ) ؛ وَلَوْ لِمَاشِيَةٍ أَوْ صَيْدٍ، أَوْ أَتْلَفَ مَالَ نَفْسِهِ بِاخْتِيَارِهِ، أَوْ أَتْلَفَ مَالًا (بِإِذْنِ رَبِّهِ الرَّشِيدِ) ، فَلَا يَضْمَنُهُ؛ لِأَنَّهُ وَكِيلُهُ فِي الْإِتْلَافِ، (أَوْ أَتْلَفَ غَيْرَ مُحْتَرَمٍ؛ كَصَائِلٍ) عَلَيْهِ دَفْعًا عَنْ نَفْسِهِ - وَلَوْ آدَمِيًّا، وَيَأْتِي، وَكَذَا لَا يَضْمَنُ مَا أَتْلَفَ (قِنٌّ مُرْتَدٌّ) قَبْلَ تَوْبَتِهِ حَيْثُ قُبِلَتْ، (أَوْ حَالَ قَطْعِهِ الطَّرِيقَ) ، سَوَاءٌ كَانَ بِالْعُمْرَانِ أَوْ بِالْبَرِّيَّةِ، وَمِثْلُهُ مُتْلِفُ (مَالٍ حَرْبِيٍّ وَآلَةِ لَهْوٍ) ؛ لِأَنَّهُمَا غَيْرُ مُحْتَرَمَيْنِ.
(وَلَا يَضْمَنُهُ مِثْلُهُ؛ كَمُتْلِفٍ حَالَ قِتَالِ بُغَاةٍ) ؛ لِأَنَّ قِتَالَهُمْ مَأْذُونٌ فِيهِ شَرْعًا، (أَوْ دَفَعَ) مَالِهِ (لِغَيْرِ رَشِيدٍ) ؛ فَلَا يَضْمَنُ الْمُتْلِفُ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ كُلِّهَا، وَهَذَا وَإِنْ كَانَ قَدْ عَلِمَ إجْمَالًا مِمَّا تَقَدَّمَ فَفِيهِ تَنْبِيهٌ عَلَى صُوَرٍ مِنْ غَيْرِ الْمُحْتَرَمِ، (أَوْ) ؛ أَيْ: وَلَا يَضْمَنُ مَا (أَتْلَفَهُ أَبٌ) مِنْ مَالِ ابْنِهِ بِمَعْنَى أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ مُطَالَبَةُ أَبِيهِ حَالَ حَيَاتِهِ، فَأَمَّا بَعْدَ الْمَوْتِ فَإِنَّهُ يَأْخُذُ مِنْ تَرِكَتِهِ؛ كَمَا يَأْتِي فِي الْهِبَةِ.
(وَمَنْ فَتَحَ قَفَصًا عَنْ طَائِرٍ) مَمْلُوكٍ مُحْتَرَمٍ، فَفَاتَ، أَوْ أَتْلَفَ شَيْئًا؛ ضَمِنَهُ،
أَوْ فَتَحَ إصْطَبْلَ حَيَوَانٍ، (أَوْ حَلَّ قَيْدَ قِنٍّ أَوْ أَسِيرٍ، أَوْ دَفَعَ) لِلْقِنِّ أَوْ الْأَسِيرِ (مِبْرَدًا، فَبَرَدَهُ) - أَيْ: الْقَيْدَ وَفَاتَ، أَوْ أَتْلَفَ شَيْئًا ضَمِنَهُ، (أَوْ حَلَّ فَرَسًا، أَوْ حَلَّ سَفِينَةً، أَوْ بَهِيمَةً غَيْرَ ضَارِيَةٍ لَيْلًا) لَا نَهَارًا إذْ عَلَى أَرْبَابِ الْأَمْوَالِ حِفْظَهَا مِنْ الدَّوَابِّ بِالنَّهَارِ، (فَفَاتَ) ذَلِكَ، بِأَنْ ذَهَبَ الطَّائِرُ مِنْ الْقَفَصِ، أَوْ دَخَلَ إلَيْهِ حَيَوَانٌ فَقَتَلَهُ، أَوْ هَرَبَ الْقِنُّ أَوْ الْأَسِيرُ، أَوْ شَرَدَتْ الْفَرَسُ وَنَحْوُهَا؛ وَغَرِقَتْ السَّفِينَةُ لِعُصُوفِ رِيحٍ أَوَّلًا، أَوْ عَقَرَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ بِسَبَبِ إطْلَاقِهِ؛ بِأَنْ كَانَ الطَّيْرُ جَارِحًا، فَقَلَعَ عَيْنَ حَيَوَانٍ.
وَكَذَا لَوْ حَلَّ سِلْسِلَةَ فَهْدٍ، فَقَتَلَ أَوْ عَقَرَ؛ ضَمِنَهُ. (أَوْ أَتْلَفَ) الطَّائِرُ أَوْ الْقِنَّ أَوْ الْغَرْسَ وَنَحْوَهُ (شَيْئًا) ؛ كَأَنْ كَسَرَ إنَاءً، أَوْ قَتَلَ إنْسَانًا وَنَحْوَهُ، أَوْ أَتْلَفَ مَالًا، أَوْ أَتْلَفَتْ الدَّابَّةُ الَّتِي حَلَّهَا زَرْعًا أَوْ غَيْرَهُ، أَوْ انْحَدَرَتْ السَّفِينَةُ الَّتِي حَلَّهَا عَلَى شَيْءٍ فَأَتْلَفَتْهُ وَنَحْوَهُ؛ ضَمِنَهُ؛ لِأَنَّ الْمُبَاشَرَةَ إنَّمَا حَصَلَتْ مِمَّنْ لَا يُمْكِنُ إحَالَةُ الْحُكْمِ عَلَيْهِ، كَمَا لَوْ نَفَّرَ الطَّائِرَ، وَأَهَاجَ الدَّابَّةَ وَأَشْلَى كَلْبًا عَلَى صَيْدٍ، فَقَتَلَهُ، أَوْ أَطْلَقَ نَارًا فِي مَتَاعِ إنْسَانٍ فَإِنَّ لِلنَّارِ فِعْلًا، لَكِنْ لَمَّا لَمْ يُمْكِنْ إحَالَةُ الْحُكْمِ عَلَيْهَا كَانَ وُجُودُهُ كَعَدَمِهِ، وَلِأَنَّ الطَّائِرَ وَسَائِرَ الصَّيْدِ مِنْ طَبْعِهِ النُّفُورُ، وَإِنَّمَا يَبْقَى بِالْمَانِعِ، فَإِذَا أُزِيلَ الْمَانِعُ ذَهَبَ لِطَبْعِهِ، فَكَانَ الضَّمَانُ عَلَى مَنْ أَزَالَ الْمَانِعَ؛ كَمَنْ قَطَعَ عَلَّاقَةَ قِنْدِيلٍ، فَوَقَعَ، فَانْكَسَرَ، وَهَكَذَا حَلَّ قَيْدَ الْعَبْدِ أَوْ الْأَسِيرِ.
قَالَ فِي " الْفُنُونِ ": إلَّا مَا كَانَ مِنْ الطُّيُورِ يَأْلَفُ الرَّوَاحَ وَيَعْتَادُ الْعَوْدَ؛ فَلَا ضَمَانَ فِي إطْلَاقِهِ، (أَوْ حَلَّ وِكَاءَ) - بِكَسْرِ الْوَاوِ - وَهُوَ حَبْلٌ يُرْبَطُ بِهِ نَحْوُ الْقِرْبَةِ (زِقٍّ) - بِكَسْرِ الزَّايِ - أَيْ: ظَرْفٍ (مَائِعٍ) فَانْدَفَقَ، أَوْ حَلَّ وِكَاءُ زِقٍّ (جَامِدٍ، فَأَذَابَتْهُ الشَّمْسُ) ، فَانْدَفَقَ؛ ضَمِنَهُ، بِخِلَافِ مَا لَوْ أَذَابَتْهُ نَارٌ قَرَّبَهَا إلَيْهِ غَيْرُهُ، فَإِنَّ قِيَاسَ الْمَذْهَبِ يَضْمَنُهُ مُقَرِّبُ النَّارِ. ذَكَرَهُ الْمَجْدُ. (أَوْ بَقِيَ) الزِّقُّ (بَعْدَ حَلِّهِ) مُنْتَصِبًا، (فَأَلْقَتْهُ رِيحٌ، أَوْ) أَلْقَاهُ (نَحْوُ طَيْرٍ) كَحَيَوَانٍ أَوْ زَلْزَلَةٍ، (فَانْدَفَقَ) ، فَخَرَجَ مَا فِيهِ كُلُّهُ فِي الْحَالِ، أَوْ خَرَجَ قَلِيلًا قَلِيلًا، أَوْ خَرَجَ مِنْهُ شَيْءٌ بَلَّ أَسْفَلَهُ، فَسَقَطَ، فَانْدَفَقَ، أَوْ ثَقُلَ أَحَدُ جَانِبَيْهِ
بَعْدَ حَلٍّ فِي وِكَائِهِ، فَلَمْ يَزَلْ يَمِيلُ قَلِيلًا قَلِيلًا حَتَّى سَقَطَ، (أَوْ هَتَكَ حِرْزًا) ، فَسَرَقَ اللِّصُّ مَا دَاخِلَهُ؛ (ضَمِنَهُ) لِتَسَبُّبِهِ فِي تَلَفِ ذَلِكَ، سَوَاءٌ تَعَقَّبَ ذَلِكَ فِعْلَهُ أَوْ تَرَاخَى عَنْهُ؛ فَالْقَرَارُ عَلَى السَّارِقِ.
وَلَا يَضْمَنُ (دَافِعُ مِفْتَاحٍ) نَحْوِ دَارٍ فِيهَا مَالٌ (لِلِّصِّ) مَا سَرَقَهُ اللِّصُّ مِنْ الْمَالِ؛ لِمُبَاشَرَةِ اللِّصِّ لِلسَّرِقَةِ؛ فَهُوَ أَوْلَى بِإِحَالَةِ الْحُكْمِ عَلَيْهِ مِنْ الْمُتَسَبِّبِ.
(أَوْ) ؛ أَيْ: وَلَا يَضْمَنُ (حَابِسُ مَالِكِ دَوَابِّ، فَتَلِفَ) الدَّوَابُّ بِسَبَبِ حَبْسِهِ. قَالَ فِي " الْمُبْدِعِ ": وَيَنْبَغِي أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَ الْحَبْسِ بِحَقٍّ أَوْ غَيْرِهِ.
(وَيَتَّجِهُ ضَمَانُهُ) - أَيْ: الْغَاصِبِ - (لَوْ حَبَسَهُ) ؛ أَيْ: حَبَسَ إنْسَانًا (عَنْ طَعَامِهِ) بَعْدَ جَعْلِهِ عَلَى النَّارِ أَوْ بَعْدَ وَضْعِ خُبْزِهِ فِي التَّنُّورِ، (فَاحْتَرَقَ) الطَّعَامُ أَوْ الْخُبْزُ بِسَبَبِ مَنْعِهِ عَنْهُ. وَهُوَ مُتَّجِهٌ. .
(وَلَوْ بَقِيَ الطَّائِرُ) الَّذِي فَتَحَ قَفَصَهُ (وَاقِفًا، أَوْ) بَقِيَتْ (الْفَرَسُ) الَّتِي حَلَّهَا وَاقِفَةً (حَتَّى نَفَّرَهُمَا) إنْسَانٌ (آخَرُ) ، فَذَهَبَا، (وَيَتَّجِهُ) أَنْ يَكُونَ الْإِنْسَانُ (قَاصِدًا) تَنْفِيرَهُمَا، وَلَا يَضْمَنُ الْمَارُّ إنْ نَفَرَا بِسَبَبِ (مُرُورِهِ) حَيْثُ لَا صُنْعَ لَهُ فِي التَّنْفِيرِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. فَإِنْ نَفَّرَهُمَا (ضَمِنَ الْمُنَفِّرُ) ؛ لِأَنَّ سَبَبَهُ أَخَصُّ، فَاخْتَصَّ الضَّمَانُ بِهِ كَدَافِعِ الْوَاقِعِ فِي الْبِئْرِ مَعَ حَافِرِهَا.
وَكَذَا لَوْ حَلَّ
إنْسَانٌ حَيَوَانًا، وَحَرَّضَهُ آخَرُ فَجَنَى؛ فَضَمَانُ جِنَايَتِهِ عَلَى الْمُحَرِّضِ، (لَا إنْ طَارَ) الطَّائِرُ الَّذِي فَتَحَ قَفَصَهُ، (وَوَقَفَ) عَلَى جِدَارٍ وَنَحْوِهِ، (فَنَفَّرَهُ) آخَرُ صَاحِبُ الْجِدَارِ أَوْ غَيْرِهِ، فَطَارَ؛ لَمْ يَضْمَنْهُ الْمُنَفِّرُ؛ لِأَنَّ تَنْفِيرَهُ لَمْ يَكُنْ سَبَبًا لِفَوَاتِهِ، فَإِنَّهُ كَانَ مُمْتَنِعًا قَبْلَ ذَلِكَ، وَإِنْ رَمَاهُ إنْسَانٌ، فَقَتَلَهُ؛ ضَمِنَهُ الرَّامِي، وَلَوْ كَانَ فِي دَارِهِ أَوْ فِي هَوَاءِ دَارِ غَيْرِهِ؛ ضَمِنَهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ مَنْعُ الطَّائِرِ مِنْ الْهَوَاءِ.
وَلَوْ أَزَالَ إنْسَانٌ يَدَ آخَرَ عَنْ عَبْدٍ أَوْ حَيَوَانٍ، فَهَرَبَ، إذَا كَانَ الْحَيَوَانُ مِمَّا يَذْهَبُ بِزَوَالِ الْيَدِ عَنْهُ كَالطَّيْرِ وَالْبَهَائِمِ الْوَحْشِيَّةِ وَالْبَعِيرِ الشَّارِدِ وَالْعَبْدِ الْآبِقِ، فَيَضْمَنُهُ مَنْ أَزَالَ يَدَ رَبِّهِ عَنْهُ لِتَسَبُّبِهِ فِي فَوَاتِهِ، وَكَذَا لَوْ أَزَالَ يَدَهُ الْحَافِظَةَ لِمَتَاعِهِ حَتَّى نَهَبَهُ النَّاسُ، أَوْ أَفْسَدَتْهُ الدَّوَابُّ أَوْ النَّارُ، أَوْ أَفْسَدَهُ الْمَاءُ فَيَضْمَنُهُ.
وَإِنْ فَتَحَ بَابًا تَعَدِّيًا فَيَجِيءُ غَيْرُهُ، فَيَنْهَبُ الْمَالَ، أَوْ يَسْرِقُهُ، أَوْ يُفْسِدُهُ بِحَرْقٍ أَوْ غَرَقٍ؛ فَلِرَبِّ الْمَالِ تَضْمِينُ فَاتِحِ الْبَابِ؛ لِتَسَبُّبِهِ فِي الْإِضَاعَةِ وَالْقَرَارُ عَلَى الْآخِذِ لِمُبَاشَرَتِهِ، فَإِنْ ضَمِنَهُ رَبُّ الْمَالِ؛ لَمْ يَرْجِعْ عَلَى أَحَدٍ، وَإِنْ ضَمِنَ الْفَاتِحُ رَجَعَ عَلَى الْآخِذِ.
(وَإِنْ ضَرَبَهُ) ؛ أَيْ: ضَرَبَ إنْسَانٌ يَدَ آخَرَ (فَوَقَعَ مِنْ يَدِهِ دِينَارٌ) ، فَضَاعَ؛ ضَمِنَهُ الضَّارِبُ؛ لِتَسَبُّبِهِ فِي الْإِضَاعَةِ، أَوْ ضَرَبَهُ، (فَأَوْقَعَ عِمَامَتَهُ) أَوْ هَزَّهُ حَتَّى سَقَطَتْ عَنْ رَأْسِهِ، فَتَلِفَتْ لِوُقُوعِهَا فِي نَارٍ وَنَحْوِهَا، أَوْ سَقَطَتْ فِي زِحَامٍ بِسَبَبِ هَزِّهِ وَنَحْوِهِ، فَضَاعَتْ؛ ضَمِنَهَا الَّذِي سَقَطَتْ بِفِعْلِهِ؛ لِتَعَدِّيهِ.
قَالَ فِي شَرْحِ الْإِقْنَاعِ " قُلْت: فَإِنْ وَقَعَتْ فِي نَحْوِ قِدْرٍ يُنْقِصُهَا؛ فَعَلَيْهِ أَرْشُ النَّقْصِ، (أَوْ أَسْنَدَ عَمُودًا) أَوْ نَحْوَهُ (بِجِدَارِهِ) الْمَائِلِ لِيَمْنَعَهُ مِنْ السُّقُوطِ، (فَأَزَالَهُ) - أَيْ: الْعَمُودَ وَنَحْوَهُ - (آخَرُ) تَعَدِّيًا، (فَسَقَطَ الْجِدَارُ فِي الْحَالِ؛ ضَمِنَ) الرَّافِعُ لِلْعَمُودِ وَنَحْوِهِ؛ لِتَعَدِّيهِ.
وَإِنْ حَلَّ إنْسَانٌ رِبَاطَ دَابَّةٍ عَقُورٍ وَجَنَتْ بَعْدَ حِلِّهَا، أَوْ فَتَحَ إصْطَبْلَهَا وَنَحْوَهُ؛ ضَمِنَ الْحَالُّ وَنَحْوُهُ جِنَايَتَهَا؛ لِأَنَّهُ السَّبَبُ فِيهَا؛ كَمَا لَوْ
حَلَّ سِلْسِلَةَ فَهْدٍ، أَوْ حَلَّ سَاجُورَ كَلْبِهِ، فَعَقَرَ؛ فَالضَّمَانُ عَلَى الْحَالِّ؛ لِتَسَبُّبِهِ. وَالسَّاجُورُ خَشَبَةٌ تُجْعَلُ فِي عُنُقِ الْكَلْبِ.
وَلَوْ فَتْحَ إنْسَانٌ بَثْقًا - بِتَقْدِيمِ الْمُوَحَّدَةِ - وَهُوَ الْجِسْرُ الَّذِي يَحْبِسُ الْمَاءَ، فَأَفْسَدَ بِمَائِهِ زَرْعًا أَوْ بُنْيَانًا أَوْ غِرَاسًا؛ ضَمِنَ فَاتِحُ الْبَثْقِ مَا تَلِفَ بِسَبَبِهِ. قَالَ فِي " شَرْحِ الْإِقْنَاعِ " قُلْت: وَعَلَى قِيَاسِهِ لَوْ فَاتَ رَبَّهُ رَيُّ شَيْءٍ مِنْ الْأَرَاضِي فَيَضْمَنُ.
(وَيَضْمَنُ مُغْرٍ مَا أَخَذَهُ ظَالِمٌ بِإِغْرَائِهِ وَدَلَالَتِهِ) ؛ لِتَسَبُّبِهِ فِيهِ، أَفْتَى بِهِ ابْنُ الزَّيْزَانِيِّ الْبَغْدَادِيُّ، وَلَعَلَّهُ جَوَابُ سُؤَالٍ؛ فَلَا يُحْتَجُّ بِمَفْهُومِهِ، وَأَنَّهُ يُكْتَفَى بِالْإِغْرَاءِ وَالدَّلَالَةِ؛ لِأَنَّهُ يَصْدُقُ عَلَيْهِ أَنَّهُ تَسَبَّبَ فِي ظُلْمِهِ؛ فَهُوَ كَاَلَّذِي بَعْدَهُ.
وَيَضْمَنُ (كَاذِبٌ) مَا غَرِمَ مَكْذُوبٌ عَلَيْهِ عِنْدَ وَلِيِّ الْأَمْرِ (بِسَبَبِ كَذِبِهِ) ؛ لِأَنَّهُ تَسَبَّبَ فِي ظُلْمِهِ، وَلَهُ الرُّجُوعُ عَلَى الْآخِذِ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ الْمُبَاشِرُ. وَمِثْلُهُ مَنْ شَكَا إنْسَانًا ظُلْمًا، فَأَغْرَمَهُ شَيْئًا لِحَاكِمٍ سِيَاسِيٍّ، كَمَا أَفْتَى بِهِ قَاضِي الْقُضَاةِ الشِّهَابُ ابْنُ النَّجَّارِ.
قَالَ فِي " شَرْحِ الْإِقْنَاعِ ": وَلَمْ يَزَلْ مَشَايِخُنَا يُفْتُونَ بِهِ، بَلْ أَغْرَمَهُ شَيْئًا لِقَاضٍ ظُلْمًا؛ كَانَ لَهُ الرُّجُوعُ بِهِ عَلَيْهِ؛ كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا تَقَدَّمَ فِي الْحَجْرِ فِيمَا غَرِمَهُ رَبُّ الدَّيْنِ بِمَطْلِ الْمَدِينِ وَنَحْوِهِ؛ لِأَنَّهُ بِسَبَبِهِ.
(وَمَنْ رَبَطَ) دَابَّةً فِي طَرِيقٍ - وَلَوْ وَاسِعًا - (أَوْ أَوْقَفَ دَابَّةً بِطَرِيقٍ - وَلَوْ وَاسِعًا) - وَيَدُهُ عَلَيْهَا؛ بِأَنْ كَانَ رَاكِبًا أَوْ نَحْوَهُ، فَأَتْلَفَتْ شَيْئًا؛ ضَمِنَهُ مَنْ رَبَطَهَا، أَوْ أَوْقَفَهَا، أَوْ جَنَتْ بِيَدٍ أَوْ رِجْلٍ أَوْ فَمٍ؛ ضَمِنَ رَابِطُهَا وَمُوقِفُهَا؛ لِحَدِيثِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ مَرْفُوعًا:«مَنْ أَوْقَفَ دَابَّةً فِي سَبِيلٍ مِنْ سُبُلِ الْمُسْلِمِينَ أَوْ فِي سُوقٍ مِنْ أَسْوَاقِهِمْ، فَأَوْطَأَتْ بِيَدٍ أَوْ رِجْلٍ فَهُوَ ضَامِنٌ» . رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ.
وَلِأَنَّ طَبْعَ الدَّابَّةِ الْجِنَايَةُ بِفَمِهَا أَوْ رِجْلِهَا، فَإِيقَافُهَا فِي الطَّرِيقِ كَوَضْعِ الْحَجَرِ وَنَصْبِ السِّكِّينِ فِيهِ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ لَا يَضْمَنُ جِنَايَةَ ذَنْبِهَا، (أَوْ) رَبَطَ دَابَّةً (بِ) طَرِيقٍ (ضَيِّقٍ، وَرَفَسَتْ ضَارِبَهَا) ، فَمَاتَ أَوْ تَلِفَ شَيْءٌ بِرَفْسِهَا؛ ضَمِنَهُ مُوقِفُهَا، ذَكَرَهُ ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْفُنُونِ "، وَظَاهِرُهُ لَوْ كَانَتْ وَاسِعَةً لَا ضَمَانَ؛ لِعَدَمِ حَاجَتِهِ إلَى ضَرْبِهَا
فَهُوَ الْجَانِي عَلَى نَفْسِهِ.
(أَوْ تَرَكَ بِهَا) - أَيْ: الطَّرِيقِ - (طِينًا أَوْ خَشَبَةً أَوْ عَمُودًا أَوْ حَجَرًا) ، لَا لِنَحْوِ مَطَرٍ لِيَمُرَّ عَلَيْهِ النَّاسُ، (أَوْ كِيسَ دَرَاهِمَ، أَوْ أَلْقَى) فِيهَا (نَحْوَ قِشْرِ بِطِّيخٍ) ؛ كَقُشُورِ الْخِيَارِ وَالْبَاقِلَّا، فَزَلَقَ بِهِ إنْسَانٌ؛ ضَمِنَهُ مُلْقِي الطِّينِ أَوْ الْقِشْرِ، (أَوْ أَسْنَدَ خَشَبَةً إلَى حَائِطٍ)، وَظَاهِرُهُ " وَلَوْ مَالَ إلَى السُّقُوطِ (بِهَا) - أَيْ: الطَّرِيقِ -، (أَوْ رَشَّهَا) ، فَتَلِفَ بِسَبَبِهِ شَيْءٌ مِنْ آدَمِيٍّ أَوْ دَابَّةٍ أَوْ غَيْرِهِمَا؛ (ضَمِنَ) الْمُلْقِي الشَّيْءَ مِمَّا تَقَدَّمَ (مَا تَلِفَ بِذَلِكَ) ؛ لِحُصُولِهِ بِتَعَدِّيهِ، لَكِنْ لَوْ كَانَ الرَّشُّ لِتَسْكِينِ الْغُبَارِ عَلَى الْمُعْتَادِ؛ فَلَا ضَمَانَ، عَلَى مَا يَأْتِي فِي الْجِنَايَاتِ.
(وَمَنْ اقْتَنَى كَلْبًا عَقُورًا) بِأَنْ يَكُونَ لَهُ عَادَةٌ بِالْعَقْرِ، أَوْ اقْتَنَى [كَلْبًا](لَا يُقْتَنَى) ؛ بِأَنْ لَا يَكُونَ كَلْبَ صَيْدٍ وَلَا زَرْعٍ وَلَا مَاشِيَةٍ، (أَوْ) اقْتَنَى كَلْبًا (أَسْوَدَ بَهِيمًا) ؛ بِأَنْ لَا يَكُونَ فِيهِ لَوْنٌ غَيْرُ السَّوَادِ - (وَلَوْ) كَانَ اقْتِنَاؤُهُ - (لِصَيْدٍ، أَوْ) اقْتَنَى (أَسَدًا أَوْ نَمِرًا أَوْ ذِئْبًا) أَوْ اقْتَنَى (هِرًّا تَأْكُلُ الطُّيُورَ، وَتَقْلِبُ الْقُدُورَ عَادَةً مَعَ عِلْمِهِ) بِحَالِهَا، فَعَقَرَتْ، أَوْ خَرَقَتْ ثَوْبًا بِمَنْزِلِهِ؛ ضَمِنَهَا مُقْتَنِيهَا؛ لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ بِاقْتِنَائِهِ إذَنْ؛ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْهِرِّ عَادَةٌ بِذَلِكَ؛ لَمْ يَضْمَنْ صَاحِبُهُ مَا أَتْلَفَهُ؛ لِعَدَمِ عُدْوَانِهِ بِاقْتِنَائِهِ مَا لَا عَادَةَ لَهُ بِذَلِكَ كَالْكَلْبِ الَّذِي لَيْسَ بِعَقُورٍ إذَا اقْتَنَاهُ لِنَحْوِ صَيْدٍ وَلَمْ يَكُنْ أَسْوَدَ بَهِيمًا، فَإِنَّ صَاحِبَهُ لَا يَضْمَنُ جِنَايَتَهُ، (أَوْ) اقْتَنَى (نَحْوَ دُبٍّ وَقِرْدٍ) وَأَسَدٍ (وَصَقْرٍ وَبَازٍ وَكَبْشٍ مُعَلَّمٍ لِنِطَاحٍ، فَعَقَرَ أَوْ خَرَقَ ثَوْبًا، أَوْ أَتْلَفَ شَيْئًا؛ [ضَمِنَهُ] ) لِتَعَدِّيهِ بِاقْتِنَائِهِ، وَلَا فَرْقَ فِي ضَمَانِ إتْلَافِ مَا لَا يَجُوزُ اقْتِنَاؤُهُ مِمَّا تَقَدَّمَ بَيْنَ الْإِتْلَافِ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ؛ لِأَنَّهُ لِلْعُدْوَانِ، بِخِلَافِ الْبَهَائِمِ مِنْ إبِلٍ وَبَقَرٍ وَغَنَمٍ وَنَحْوِهَا إلَّا أَنْ يَخْرِقَ ثَوْبَ (مَنْ دَخَلَ مَنْزِلَ رَبِّهِ بِلَا إذْنِهِ أَوْ) دَخَلَ بِهِ - أَيْ: بِإِذْنِهِ - (وَنَبَّهَهُ) رَبُّ الْمَنْزِلِ (بِذَلِكَ) ؛ أَيْ: بِأَنَّ الْكَلْبَ وَنَحْوَهُ عَقُورٌ أَوْ غَيْرُ مَوْثُوقٍ بِنَحْوِ حَبْلٍ؛ [فَلَا يَضْمَنُ رَبُّ الْمَنْزِلِ؛ لِأَنَّهُ إذَا دَخَلَ بِغَيْرِ إذْنِهِ هُوَ الْمُتَعَدِّي بِالدُّخُولِ] ، وَإِنْ كَانَ بِإِذْنِهِ وَنَبَّهَهُ عَلَى أَنَّهُ عَقُورٌ أَوْ غَيْرُ مَوْثُوقٍ، فَقَدْ أَدْخَلَ الضُّرَّ عَلَى نَفْسِهِ عَلَى بَصِيرَةٍ
(وَيَتَّجِهُ) أَنَّهُ يَلْزَمُهُ تَنْبِيهُهُ (قَبْلَ رُؤْيَتِهِ) - أَيْ: رُؤْيَةِ الْحَيَوَانِ لِلدَّاخِلِ [وَإِعْلَامُهُ بِأَنَّ الْحَيَوَانَ] مُفْتَرِسٌ [لِيَكُونَ] مُتَيَقِّظًا لِدَفْعِهِ عَنْ نَفْسِهِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ.
(وَلَوْ حَصَلَ عِنْدَهُ نَحْوُ كَلْبٍ عَقُورٍ) كَقِرْدٍ أَوْ ذِئْبٍ (أَوْ سِنَّوْرٍ ضَارٍّ مِنْ غَيْرِ اقْتِنَاءٍ وَاخْتِيَارٍ، فَأَفْسَدَ) بِغَيْرِ مَا ذُكِرَ مِنْ عَقْرٍ وَخَرْقِ ثَوْبٍ؛ بِأَنْ أَفْسَدَ بِبَوْلٍ أَوْ وُلُوغٍ فِي إنَاءٍ؛ لِأَنَّ هَذَا لَا يَخْتَصُّ بِالْكَلْبِ الْعَقُورِ؛ (لَمْ يَضْمَنْ) ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَحْصُلْ الْإِفْسَادُ بِسَبَبِهِ.
(وَيَجُوزُ قَتْلُ هِرٍّ بِأَكْلِ لَحْمٍ وَنَحْوِهِ) كَالْفَوَاسِقِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَقَدَّمَهُ فِي " الْفُرُوعِ ".
وَفِي " التَّرْغِيبِ " لَهُ قَتْلُهَا إذَا لَمْ تَنْدَفِعْ إلَّا بِهِ كَالصَّائِلِ.
(وَمَنْ أَجَّجَ نَارًا) ؛ أَيْ: أَوْقَدَهَا حَتَّى صَارَتْ تَلْتَهِبُ (عَادَةً) - أَيْ: بِلَا إفْرَاطٍ وَلَا تَفْرِيطٍ - بِحَيْثُ لَا تَسْرِي فِي الْعَادَةِ، أَجَّجَهَا (بِمِلْكِهِ) كَفِي دَارِهِ أَوْ عَلَى سَطْحِهِ، (وَيَتَّجِهُ وَلَوْ) كَانَ مِلْكُهُ (لِمَنْفَعَةِ) الدَّارِ كَمِلْكِهِ مَنْفَعَتَهَا (بِإِجَارَةٍ) أَوْ إعَارَةٍ، فَتَعَدَّى ذَلِكَ إلَى مِلْكِ غَيْرِهِ، فَأَتْلَفَهُ؛ لَمْ يَضْمَنْ الْفَاعِلُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ مِنْ فِعْلِهِ وَلَا تَعَدِّيهِ وَلَا تَفْرِيطِهِ. وَهُوَ مُتَّجِهٌ.
وَكَذَا لَوْ مَرَّ فِي الطَّرِيقِ الْعَامَّةِ وَمَعَهُ نَارٌ يَحْمِلُهَا إلَى أَرْضِهِ وَدَارِهِ، فَهَبَّتْ بِهَا الرِّيحُ غَيْرَ مُتَعَدٍّ، وَهُوَ مُحِقٌّ فِي مُرُورِهِ فِي الطَّرِيقِ؛ لِأَنَّ لَهُ حَقًّا فِي الْمُرُورِ، بِخِلَافِ الطَّرِيقِ الْخَاصِّ، (أَوْ سَقَاهُ) ؛ أَيْ: سَقَى مَوَاتًا، أَوْ مَلَكَهُ، (فَتَعَدَّى) ذَلِكَ السَّقْيُ (لِمِلْكِ غَيْرِهِ) - أَيْ: الْفَاعِلِ - لَمْ يَضْمَنْ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَعَدَّ وَلَمْ يُفَرِّطْ.
(وَلَوْ) سَرَى مَا أَجَّجَهُ مِنْ النَّارِ بِمِلْكِهِ (بِطَرَيَانِ رِيحٍ) إلَى مِلْكِ غَيْرِهِ.
(فَأَتْلَفَهُ؛ لَمْ يَضْمَنْ) ] إذَا كَانَ التَّأَجُّجُ جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ بِلَا إفْرَاطٍ وَلَا تَفْرِيطٍ، (فَإِنْ أَفْرَطَ بِكَثْرَةٍ) ؛ بِأَنْ أَجَّجَ نَارًا تَسْرِي عَادَةً؛ لِكَثْرَتِهَا، أَوْ فَتَحَ مَاءً كَثِيرًا يَتَعَدَّى مِثْلُهُ، (أَوْ فَرَّطَ بِنَحْوِ نَوْمٍ) كَإِهْمَالٍ؛ بِأَنْ تَرَكَ النَّارَ مُؤَجَّجَةً وَالْمَاءَ مَفْتُوحًا، وَنَامَ عَنْ ذَلِكَ، أَوْ أَهْمَلَهُ؛ ضَمِنَ؛ لِتَعَدِّيهِ أَوْ تَقْصِيرِهِ، كَمَا لَوْ بَاشَرَ إتْلَافَهُ، أَوْ فَرَّطَ؛ بِأَنْ أَجَّجَهَا فِي (وَقْتِ رِيحٍ) شَدِيدَةٍ تَحْمِلُهَا إلَى مِلْكِ غَيْرِهِ؛ ضَمِنَ؛ لِتَعَدِّيهِ، وَكَذَا لَوْ أَجَّجَهَا قُرْبَ زَرْبٍ أَوْ حَصِيدٍ.
ذَكَرَهُ الْحَارِثِيُّ (أَوْ) أَوْقَدَ نَارًا بِمَكَانِ (غَصْبٍ؛ ضَمِنَ) مُطْلَقًا، سَوَاءٌ فَرَّطَ أَوْ أَسْرَفَ أَوْ لَا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلسَّطْحِ سُتْرَةٌ وَبِقُرْبِهِ زَرْعٌ وَنَحْوُهُ وَالرِّيحُ هَابَّةٌ، أَوْ أَرْسَلَ فِي الْمَاءِ مَا يَغْلِبُ وَيَفِيضُ؛ ضَمِنَ، وَإِنْ مُنِعَ مِنْ ذَلِكَ لِأَذَى جَارِهِ؛ ضَمِنَ وَإِنْ لَمْ يُسْرِفْ قَالَ فِي " الْإِنْصَافِ "(كَمَا لَوْ يَبِسَ بِهَا) - أَيْ بِالنَّارِ الَّتِي أَوْقَدَهَا - (أَغْصَانُ شَجَرِ غَيْرِهِ) ؛ ضَمِنَهَا مُوقِدُ النَّارِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَكُونُ إلَّا مِنْ نَارٍ كَثِيرَةٍ (إلَّا أَنْ تَكُونَ) الْأَغْصَانُ (بِهَوَائِهِ) ؛ فَلَا يَضْمَنُ، لِأَنَّهُ لَا يُمْنَعُ مِنْ التَّصَرُّفِ فِي مِلْكِهِ.
(وَيَتَّجِهُ) لِمُوقِدِ النَّارِ فِي مِلْكِهِ أَنْ يَأْمُرَ رَبَّ الْأَغْصَانِ بِلَيِّهَا عَنْ هَوَائِهِ، فَإِنْ أَمَرَهُ بِذَلِكَ، (وَامْتَنَعَ مِنْ لَيِّهَا) ، وَيَبِسَتْ؛ لَمْ يَضْمَنْ؛ لِأَنَّ امْتِنَاعَهُ دَلِيلُ رِضَاهُ بِذَلِكَ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ.
(وَمَنْ)(بَنَى) دَكَّةً وَنَحْوَهَا، (أَوْ حَفَرَ) بِنَفْسِهِ، أَوْ حَفَرَ (أَجِيرُهُ، أَوْ) حَفَرَ (قِنُّهُ) - وَلَوْ أَعْتَقَهُ بَعْدُ - (بِأَمْرِهِ بِئْرًا لِنَفْسِهِ) ؛ أَيْ: لِيَخْتَصَّ بِنَفْعِهَا (فِي فِنَائِهِ) ، الْفِنَاءُ كَكِسَاءٍ قَالَهُ فِي الْقَامُوسِ، (وَهُوَ مَا كَانَ خَارِجَ الدَّارِ قَرِيبًا مِنْهَا)
سَوَاءٌ حَفَرَ أَوْ بَنَى بِإِذْنِ الْإِمَامِ أَوْ بِغَيْرِ إذْنِهِ، وَسَوَاءٌ حَفَرَ نَحْوَ الْبِئْرِ فِي حَدِّهِ وَنِصْفُهَا فِي فِنَائِهِ؛ (ضَمِنَ مَا تَلِفَ بِهَا) - أَيْ: الْبِئْرِ، وَكَذَا الدَّكَّةُ؛ لِأَنَّهُ تَلَفٌ حَصَلَ بِسَبَبِ تَعَدِّيهِ بِبِنَائِهِ أَوْ حَفْرِهِ فِي مَكَان مُشْتَرَكٍ بِغَيْرِ إذْنِ أَهْلِهِ لِغَيْرِ مَصْلَحَتِهِمْ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ نَصَبَ فِي فِنَائِهِ سِكِّينًا فَتَلِفَ بِهِ شَيْءٌ؛ كَحَفْرِ (أَجِيرِهِ الْحُرِّ) بِئْرًا فِي فِنَائِهِ، فَيَضْمَنُ الْأَجِيرُ الْحَافِرُ مَا تَلِفَ بِهَا، سَوَاءٌ حَفَرَهَا بِأُجْرَةٍ أَوْ لَا؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْمُتَعَدِّي، وَمَحَلُّ ذَلِكَ (إنْ عَلِمَ) الْأَجِيرُ (الْحَالَ) ؛ أَيْ: أَنَّهَا لَيْسَتْ مِلْكَ الْآذِنِ؛ (إذْ الْأَفْنِيَةُ لَيْسَتْ بِمِلْكٍ)، وَلِهَذَا قَالَ الْقَاضِي: لَوْ بَاعَ الْأَرْضَ بِفِنَائِهَا لَمْ يَصِحَّ الْبَيْعُ؛ لِأَنَّ الْفِنَاءَ لَيْسَ بِمِلْكٍ، (بَلْ مَرَافِقُ) ؛ وَإِنْ جَهِلَ الْحَافِرُ أَنَّهَا فِي مِلْكِ الْغَيْرِ؛ فَالضَّمَانُ عَلَى الْآمِرِ لِتَقْرِيرِهِ الْحَافِرَ، وَكَذَا لَوْ جَهِلَ الْبَاقِيَ، فَلَوْ ادَّعَى الْآمِرُ عِلْمَ الْحَافِرِ وَالْبَانِي، وَأَنْكَرَاهُ (فَقَوْلُهُمَا؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُهُ.
وَإِنْ حَفَرَ الْعَبْدُ أَوْ بَنَى بِالْفِنَاءِ أَوْ الطَّرِيقِ) الْوَاسِعِ أَوْ الضَّيِّقِ (بِلَا إذْنِ سَيِّدِهِ) ؛ فَيَتَعَلَّقُ الضَّمَانُ (فِي رَقَبَتِهِ) ؛ كَسَائِرِ الْجِنَايَاتِ الَّتِي لَمْ يَأْذَنْ فِيهَا سَيِّدُهُ، وَإِنْ عَتَقَهُ السَّيِّدُ بَعْدَ الْحَفْرِ أَوْ الْبِنَاءِ بِغَيْرِ إذْنِهِ، ثُمَّ تَلِفَ بِسَبَبِ ذَلِكَ شَيْءٌ (فَمَا تَلِفَ بَعْدَ عِتْقِهِ) ؛ فَعَلَى الْعَبْدِ ضَمَانُهُ (فِي ذِمَّتِهِ) دُونَ سَيِّدِهِ؛ لِاسْتِقْلَالِهِ بِالْجِنَايَةِ.
يَضْمَنُ مَنْ حَفَرَ بِئْرًا (فِي مَوَاتٍ لِتَمَلُّكٍ أَوْ ارْتِفَاقٍ) لِنَفْسِهِ، (وَيَتَّجِهُ أَوْ) حَفَرَ بِئْرًا (يَمْلِكُهُ) ؛ إذْ لِلْإِنْسَانِ التَّصَرُّفُ فِي مِلْكِهِ كَيْف شَاءَ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. أَوْ حَفَرَهَا (فِي سَابِلَةٍ وَاسِعَةٍ) - أَيْ: طَرِيقٍ مَسْلُوكٍ (لِنَفْعٍ عَامٍّ) .
نَصَّ عَلَيْهِ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ؛ لِأَنَّهُ مَأْذُونٌ فِيهِ شَرْعًا، كَمَا لَوْ حَفَرَهَا لِيَجْتَمِعَ فِيهَا مَاءُ الْمَطَرِ، أَوْ لِيَنْبُعَ مِنْهَا الْمَاءُ لِيَشْرَبَ الْمَارَّةُ؛ فَلَا يَضْمَنُ؛ لِأَنَّهُ مُحْسِنٌ - (وَلَوْ لَمْ يَجْعَلْ عَلَيْهَا حَاجِزًا) - لَكِنْ يَنْبَغِي لِمَنْ حَفَرَ بِئْرًا كَذَلِكَ أَنْ يَجْعَلَ عَلَيْهَا حَاجِزًا لِتُعْلَمَ بِهِ، فَتُتَوَقَّى.
(وَيَتَّجِهُ) أَنَّهُ (لَا يَضْمَنُ مَنْ) حَفَرَ بِئْرًا فِي مَوَاتٍ وَنَحْوِهَا، وَلَمْ يَجْعَلْ عَلَيْهَا حَاجِزًا، أَوْ (لَمْ يَسُدَّ بِئْرَهُ سَدًّا يَمْنَعُ الضَّرَرَ) ، خِلَافًا لِلشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ حَيْثُ أَوْجَبَ عَلَيْهِ ضَمَانَ مَا تَلِفَ بِهَا.
وَيَتَّجِهُ (أَنَّ مَا فَتَحَهُ) الْإِنْسَانُ (لِنَفْسِهِ مِنْ آبَارٍ) مَتْرُوكَةٍ (قَدِيمَةٍ) يَكُونُ فَتْحُهُ لَهَا (بِمَنْزِلَةِ إحْدَاثِهَا) ضَرَرًا وَنَفْعًا، فَلَوْ فَعَلَهُ (بِمِلْكِهِ) وَنَحْوِهِ (لَا يَضْمَنُ) مَا تَلِفَ بِسَبَبِهِ؛ لِأَنَّهُ مَأْذُونٌ فِيهِ شَرْعًا، وَلَوْ كَانَ فَتْحُهُ لَهَا (بِغَيْرِهِ) - أَيْ: بِغَيْرِ مِلْكِهِ وَنَحْوِهِ - (يَضْمَنُ) ؛ لِتَعَدِّيهِ، (وَيَلْزَمُهُ) - أَيْ: فَاتِحَهَا - (سَدُّهَا) - أَيْ: سَدُّ الَّتِي فَتَحَهَا فِي مِلْكِ الْغَيْرِ - (سَدًّا) بِحَيْثُ (يَمْنَعُ الضَّرَرَ) بِالْمَارَّةِ، (وَلَعَلَّهُ) - أَيْ: مَا ذُكِرَ - (مُرَادُ الشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) ، وَهُوَ اتِّجَاهٌ حَسَنٌ.
(أَوْ بَنَى فِيهَا) - أَيْ: السَّابِلَةِ الْوَاسِعَةِ (نَحْوَ مَسْجِدٍ) كَمَدْرَسَةٍ وَزَاوِيَةٍ (وَخَانٍ بِلَا ضَرَرٍ) بِالْمَارَّةِ بِإِحْدَاثِ ذَلِكَ، وَلَوْ فَعَلَهُ (بِلَا إذْنِ إمَامٍ) ؛ لَمْ يَضْمَنْ مَا تَلِفَ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ مُحْسِنٌ.
قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: حُكْمُ مَا بُنِيَ وَقْفًا عَلَى الْمَسْجِدِ فِي هَذِهِ الْأَمْكِنَةِ حُكْمُ بِنَاءِ الْمَسْجِدِ؛ (كَبِنَاءِ جِسْرٍ) - بِفَتْحِ الْجِيمِ وَكَسْرِهَا - وَهُوَ الْقَنْطَرَةُ لِيَمُرَّ عَلَيْهِ النَّاسُ، وَكَذَا فَعَلَ مَا تَدْعُو الْحَاجَةُ إلَيْهِ لِنَفْعِ الطَّرِيقِ وَإِصْلَاحِهَا كَإِزَالَةِ الْمَاءِ وَالطِّينِ عَنْهَا وَتَنْقِيَتِهَا مِمَّا يَضُرُّ فِيهَا
كَقِشْرِ بِطِّيخٍ (وَوَضْعِ حَجَرٍ بِطِينٍ لِيَطَأَ عَلَيْهِ النَّاسُ وَحَفْرِ هَدَفٍ) - وَهُوَ مَا عَلَا فِي الطَّرِيقِ بِحَيْثُ تُسَاوِي غَيْرَهَا -.
(وَقَلْعِ حَجَرٍ) فِي الْأَرْضِ يَضُرُّ بِالْمَارَّةِ وَوَضْعِ الْحَصَى فِي حُفْرَةٍ فِي الْأَرْضِ لِيَمْلَأَهَا وَتَسْقِيفِ سَاقِيَةٍ فِيهَا؛ فَهَذَا كُلُّهُ مُبَاحٌ لَا يَضْمَنُ مَا تَلِفَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ إحْسَانٌ وَمَعْرُوفٌ.
وَإِنْ فَعَلَ (مَا فِيهِ نَفْعٌ) عَامٌّ كَأَنْ حَفَرَ بِئْرًا أَوْ بَنَى مَسْجِدًا أَوْ خَانًا وَنَحْوَهُ فِي الطَّرِيقِ، فَتَلِفَ فِيهِ شَيْءٌ؛ لَمْ يَضْمَنْ.
وَإِنْ فَعَلَ شَيْئًا (لِنَفْعٍ خَاصٍّ) بِنَفْسِهِ، أَوْ كَانَ يَضُرُّ بِالْمَارَّةِ؛ كَأَنْ حَفَرَ الْبِئْرَ فِي الْقَارِعَةِ أَوْ بِطَرِيقٍ (ضَيِّقَةٍ) ؛ فَإِنَّهُ (يَضْمَنُ) مَا تَلِفَ بِهَا سَوَاءٌ فَعَلَهُ لِمَصْلَحَةٍ عَامَّةٍ أَوْ لَا، بِإِذْنِ الْإِمَامِ أَوْ لَا؛ لِمَا فِيهِ مِنْ الضَّرَرِ، (وَنَقَلَ الْمَرُّوذِيُّ) - بِتَشْدِيدِ الرَّاءِ - حُكْمَ (هَذِهِ الْمَسَاجِدِ الَّتِي بُنِيَتْ فِي الطَّرِيقِ تُهَدُّ)، وَمَسْأَلَةُ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى الْكَحَّالِ يَزِيدُ فِي الْمَسْجِدِ مِنْ الطَّرِيقِ قَالَ: لَا يُصَلَّى فِيهِ، (وَيَتَّجِهُ حَمْلُهُ) - أَيْ: حَمْلُ جَوَابِ سُؤَالِ الْمَرُّوذِيِّ عَلَى مَا إذَا كَانَتْ الْمَسَاجِدُ وَنَحْوُهَا بِطَرِيقٍ (ضَيِّقَةٍ) ؛ لِمَا فِيهِ مِنْ الضَّرَرِ بِالْمَارَّةِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ.
وَنَقَلَ حَنْبَلٌ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ الْمَسَاجِدِ عَلَى الْأَنْهَارِ قَالَ: أَخْشَى أَنْ يَكُونَ مِنْ الطَّرِيقِ، وَسَأَلَهُ ابْنُ إبْرَاهِيمَ عَنْ سَابَاطٍ فَوْقَهُ مَسْجِدٌ أَيُصَلَّى فِيهِ قَالَ: لَا يُصَلَّى فِيهِ إذَا كَانَ مِنْ الطَّرِيقِ.
(وَمَنْ أَمَرَ حُرًّا بِحَفْرِ بِئْرٍ أَوْ بِنَاءٍ بِمِلْكِ غَيْرِهِ) - أَيْ: غَيْرِ الْآمِرِ (بِأُجْرَةٍ أَوْ لَا) بِأُجْرَةٍ فَحَفَرَ الْمَأْمُورُ، وَتَلِفَ بِهَا شَيْءٌ؛ (ضَمِنَ مَا تَلِفَ بِهِ حَافِرٌ) عَلِمَ ذَلِكَ، وَضَمِنَ (بِأَنْ عَلِمَ) أَنَّ الْأَرْضَ مِلْكٌ لِغَيْرِ الْآمِرِ، نَصَّ عَلَيْهِ.
(وَيُحَلَّفُ) أَيْ: الْحَافِرُ وَالْبَانِي إنْ أَنْكَرَ الْعِلْمَ بِأَنَّهُ مِلْكُ غَيْرِ الْآمِرِ، وَادَّعَى الْآمِرُ عِلْمَهُ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُهُ، (وَإِلَّا) يَعْلَمَ حَافِرٌ بِذَلِكَ، أَوْ كَانَ الْمَأْمُورُ قِنَّ الْآمِرِ؛ فَآمِرٌ يَضْمَنُ مَا تَلِفَ لِتَغْرِيرِهِ
(وَيَضْمَنُ سُلْطَانٌ آمِرٌ) بِحَفْرِ بِئْرٍ أَوْ بِنَاءٍ فِي مِلْكِ غَيْرِهِ (وَحْدَهُ) - أَيْ: دُونَ حَافِرٍ وَبَانٍ - وَظَاهِرُهُ سَوَاءٌ عَلِمَ أَنَّ الْأَرْضَ مِلْكُ غَيْرِ السُّلْطَانِ أَوْ لَا؛ لِأَنَّهُ لَا تَسَعُهُ مُخَالَفَتُهُ أَشْبَهَ مَا لَوْ أُكْرِهَ عَلَيْهِ.
(وَمَنْ بَسَطَ بِمَسْجِدٍ وَنَحْوِهِ) كَمَدْرَسَةٍ وَزَاوِيَةٍ (حَصِيرًا أَوْ بَارِيَةً) ، وَهِيَ الْحَصِيرُ الْمَنْسُوجُ، قَالَ فِي " الْقَامُوسِ ": وَيُطْلَقُ بِالشَّامِ عَلَى مَا يُنْسَجُ مِنْ قَصَبٍ، وَلَعَلَّهُ مُرَادُهُمْ بِقَرِينَةِ الْعَطْفِ (أَوْ) بَسَطَ فِي مَسْجِدٍ وَنَحْوِهِ، (بِسَاطًا أَوْ عَلَّقَ) فِيهِ، (أَوْ أَوْقَدَ فِيهِ قِنْدِيلًا، أَوْ نَصَبَ فِيهِ بَابًا أَوْ) نَصَبَ فِيهِ (عُمُدًا) لِمَصْلَحَةٍ، كَنَشْرِ نَحْوِ ثَوْبٍ عَلَيْهَا أَوْ نَصَبَ فِيهِ (رَفًّا لِنَفْعِ النَّاسِ) ؛ لَمْ يَضْمَنْ مَا تَلِفَ بِهِ.
هَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَاخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ
(وَيَتَّجِهُ مِنْهُ) - أَيْ مَا ذُكِرَ - (جَوَازُ وَضْعِ خَزَائِنَ) فِي الْمَسْجِدِ (كَذَلِكَ) ؛ لِأَنَّهَا فِي مَعْنَى الرُّفُوفِ، غَيْرَ أَنَّ لَهَا أَغْلَاقًا لِحِفْظِ أَمْتِعَةِ مُلَازِمِي الْمَسْجِدَ، وَلَا يَجُوزُ وَضْعُ الْخَزَائِنِ (بِبُقَعِ الْمُصَلِّينَ) ؛ لِأَنَّهَا تَشْغَلُهَا فِيمَا لَمْ تُبْنَ لَهُ، وَلَوْ وَضَعَ فِي الْمَسْجِدِ خِزَانَةً، وَجَعَلَهَا (لِنَفْسِهِ) فَقَطْ (يَحْرُمُ) عَلَيْهِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ تَحْجِيرٌ بِغَيْرِ حَقٍّ وَهُوَ مُمْتَنِعٌ.
(وَلَا يَصِحُّ إيجَارُهَا) - أَيْ: الْخَزَائِنِ مُطْلَقًا - سَوَاءٌ وَضَعَهَا لِنَفْعِ مُلَازِمِي الْمَسْجِدَ أَوْ لِنَفْسِهِ، (وَيَجِبُ زَوَالُهَا) - أَيْ: إزَالَتُهَا - لِأَنَّهَا مِنْ الْمُنْكَرِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ.
(أَوْ سَقْفُهُ) - أَيْ: الْمَسْجِدِ (أَوْ بَنَى جِدَارَهُ أَوْ) بَنَى (مِنْبَرَهُ) ، وَتَلِفَ بِذَلِكَ شَيْءٌ؛ لَمْ يَضْمَنْهُ؛ لِأَنَّهُ مُحْسِنٌ كَوَضْعِهِ فِي مَسْجِدٍ غَيْرِ مُبَلَّطٍ حَصًى، وَسَوَاءٌ أَذِنَ فِيهِ الْإِمَامُ أَوْ لَا.
(وَيَتَّجِهُ) أَنَّهُ لَهُ بِنَاءُ مِنْبَرٍ عَلَى الْعَادَةِ، فَإِنْ بَنَاهُ، (وَلَمْ يُفْحِشْ فِي كِبَرِهِ) جَازَ، (وَإِلَّا) بِأَنْ بَنَاهُ زَائِدًا عَلَى الْقَدْرِ الْمُعْتَادِ (حَرُمَ عَلَيْهِ) هَذَا الْبِنَاءُ، (وَضَمِنَ) مَا تَلِفَ بِهِ؛ (لِأَنَّهُ تَحْجِيرٌ لِبُقْعَةِ الْمَسْجِدِ) كَحَفْرِهِ بِئْرًا فِيهِ؛ إذْ
الْبُقْعَةُ مُسْتَحَقَّةٌ لِلصَّلَاةِ فَتَعْطِيلُهَا عُدْوَانٌ يَضْمَنُ مَا تَلِفَ بِهَا، وَهُوَ مُتَّجِهٌ
(أَوْ جَلَسَ) فِي الْمَسْجِدِ، (أَوْ اضْطَجَعَ) فِيهِ (أَوْ قَامَ فِيهِ) - أَيْ: الْمَسْجِدِ - مُسْلِمٌ، فَعَثَرَ بِهِ حَيَوَانٌ، فَتَلِفَ، أَوْ نَقَصَ لَمْ يَضْمَنْ نَقْصُهُ وَلَا تَلَفَهُ (غَيْرَ كَافِرٍ) ، أَمَّا الْكَافِرُ فَيَضْمَنُ، وَغَيْرُ نَحْوِ جُنُبٍ كَحَائِضٍ وَنُفَسَاءَ (فَيَحْرُمُ) عَلَيْهِمْ ذَلِكَ، وَيَضْمَنُونَ، أَوْ جَلَسَ، أَوْ اضْطَجَعَ، أَوْ قَامَ (فِي طَرِيقٍ وَاسِعٍ لَا ضَيِّقٍ) يَضُرُّ بِالْمَارَّةِ؛ فَيَضْمَنُ فَإِنْ فَعَلَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ وَقَدْ أُبِيحَ لَهُ فِعْلُهُ، (فَعَثَرَ بِهِ حَيَوَانٌ، لَمْ يَضْمَنْ مَا تَلِفَ) أَوْ نَقَصَ (بِهِ) لِأَنَّهُ فَعَلَ مُبَاحًا لَمْ يَتَعَدَّ بِهِ عَلَى أَحَدٍ فِي مَكَان لَهُ فِيهِ حَقٌّ، أَشْبَهَ مَا لَوْ فَعَلَهُ بِمِلْكِهِ، وَيَضْمَنُ إنْ كَانَ مُحَرَّمًا كَالْجُلُوسِ فِي الْمَسْجِدِ مَعَ الْجَنَابَةِ بِلَا وُضُوءٍ، أَوْ مَعَ الْحَيْضِ أَوْ النِّفَاسِ، أَوْ مَعَ إضْرَارِ الْمَارَّةِ بِإِقَامَتِهِ فِي الطَّرِيقِ الضَّيِّقِ، لَا قِيَامِهِ فِيهِ.
قَالَ فِي " الْإِنْصَافِ ": وَأَمَّا الْقِيَامُ فَلَا ضَمَانَ بِهِ بِحَالٍ، لِأَنَّهُ مِنْ مَرَافِقِ الطُّرُقِ، فَهُوَ كَالْمُرُورِ.
(وَإِنْ أَخْرَجَ) إنْسَانٌ (جَنَاحًا) وَهُوَ الرَّوْشَنُ، أَوْ أَخْرَجَ (نَحْوَ مِيزَابٍ) كَسَابَاطٍ، أَوْ أَبْرَزَ حَجَرًا فِي الْبُنْيَانِ (إلَى طَرِيقٍ نَافِذٍ) بِلَا إذْنِ الْإِمَامِ أَوْ نَائِبِهِ فِي ذَلِكَ بِلَا ضَرَرٍ؛ إذْ لَيْسَ لِلْإِمَامِ أَنْ يَأْذَنَ بِمَا فِيهِ ضَرَرٌ، (أَوْ) أَخْرَجَ ذَلِكَ إلَى طَرِيقٍ (غَيْرِهِ) - أَيْ: غَيْرِ نَافِذٍ - (بِلَا إذْنِ أَهْلِهِ) .
فَسَقَطَ ذَلِكَ الْمُخْرَجُ، (فَأَتْلَفَ شَيْئًا - وَلَوْ) كَانَ سُقُوطُهُ (بَعْدَ بَيْعٍ - وَقَدْ طُولِبَ) الْبَائِعُ (بِنَقْضِهِ قَبْلَهُ) - أَيْ: الْبَيْعِ - (ضَمِنَهُ) ؛ لِحُصُولِ التَّلَفِ بِمَا أَخْرَجَهُ إلَى هَوَاءِ الطَّرِيقِ.
وَمَفْهُومُهُ أَنَّهُ إذَا سَقَطَ بَعْدَ الْبَيْعِ، وَلَمْ يَكُنْ طُولِبَ بِنَقْضِهِ قَبْلَ الْبَيْعِ؛ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ وَلَا عَلَى الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُطَالَبْ بِنَقْضِهِ، وَكَذَلِكَ إنْ وَهَبَهُ وَأَقْبَضَهُ قَبْلَ الطَّلَبِ، ثُمَّ سَقَطَ، فَأَتْلَفَ شَيْئًا؛ لَمْ يَضْمَنْهُ الْوَاهِبُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِلْكَهُ وَلَا الْمَوْهُوبُ لَهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُطَالَبْ، وَكَذَلِكَ لَوْ صَالَحَ بِهِ أَوْ جَعَلَهُ صَدَاقًا أَوْ عِوَضًا
فِي خُلْعٍ أَوْ طَلَاقٍ أَوْ عِتْقٍ.
وَمَحَلُّ الضَّمَانِ (مَا لَمْ يَأْذَنْ فِيهِ) - أَيْ: الْجَنَاحِ وَالْمِيزَابِ وَالسَّابَاطِ الْمُخْرَجِ إلَى الطَّرِيقِ النَّافِذِ (إمَامٌ أَوْ نَائِبُهُ - وَلَا ضَرَرَ) عَلَى الْمَارَّةِ بِإِخْرَاجِهِ - فَإِنْ أَذِنَ فِيهِ فَأَخْرَجَ فَلَا ضَمَانَ؛ لِأَنَّ النَّافِذَ حَقٌّ لِلْمُسْلِمِينَ، وَالْإِمَامُ وَكِيلُهُمْ، فَإِذْنُهُ كَإِذْنِهِمْ، (وَمَعَ) وُجُوبِ (ضَمَانٍ) بِأَنْ أَخْرَجَ ذَلِكَ بِدُونِ إذْنِ الْإِمَامِ، وَطُولِبَ، أَوْ بِإِذْنِهِ، وَفِيهِ ضَرَرٌ، أَوْ بِطَرِيقٍ غَيْرِ نَافِذٍ بِدُونِ إذْنِ أَهْلِهِ، وَالتَّالِفُ آدَمِيٌّ؛ (فَدِيَتُهُ عَلَى الْعَاقِلَةِ) - أَيْ: عَاقِلَةِ رَبِّ الْمُخْرَجِ - لِأَنَّهَا تَحْمِلُ دِيَةَ الْخَطَأِ وَشِبْهَ الْعَمْدِ، فَإِنْ أَنْكَرَتْ الْعَاقِلَةُ كَوْنَ الْمُخْرَجِ لِصَاحِبِهِمْ، أَوْ أَنْكَرُوا مُطَالَبَتَهُ بِنَقْضِهِ حَيْثُ اُعْتُبِرَتْ، أَوْ أَنْكَرُوا تَلَفَ الْآدَمِيِّ؛ لَمْ يَلْزَمْهُمْ شَيْءٌ إلَّا أَنْ يَثْبُتَ بِبَيِّنَةٍ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْوُجُودِ.
(وَإِنْ مَالَ حَائِطُهُ) بَعْدَ أَنْ بَنَاهُ مُسْتَقِيمًا (لِغَيْرِ مِلْكِهِ) ، سَوَاءٌ كَانَ مُخْتَصًّا كَهَوَاءِ جَارِهِ، أَوْ مُشْتَرَكًا كَالطَّرِيقِ، (أَوْ شَقَّ) حَائِطَهُ (وَلَوْ) كَانَ شَقُّهُ (عَرْضًا) - إذَا تَشَقَّقَ الْحَائِطُ طُولًا مَعَ اسْتِقَامَتِهِ لَا أَثَرَ لَهُ.
وَأَمَّا تَشَقُّقُهُ عَرْضًا فَإِنَّهُ يُخْشَى عَلَيْهِ الْوُقُوعُ كَالْمَائِلِ، (وَأَبَى) رَبُّهُ (هَدْمَهُ حَتَّى أَتْلَفَ شَيْئًا) بِسُقُوطِهِ عَلَيْهِ؛ (لَمْ يَضْمَنْهُ) نَصَّ عَلَيْهِ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَعَدَّ بِبِنَائِهِ، وَلَا فَرَّطَ فِي تَرْكِ نَقْضِهِ؛ أَشْبَهَ مَا لَوْ سَقَطَ مِنْ غَيْرِ مَيْلٍ - (وَلَوْ طُولِبَ بِنَقْضِهِ قَبْلَ) سُقُوطِهِ - لِعَدَمِ تَعَدِّيهِ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ بَنَاهُ فِي مِلْكِهِ، وَلَمْ يَسْقُطْ بِفِعْلِهِ، (خِلَافًا لَهُ) - أَيْ:" لِلْإِقْنَاعِ " - فَإِنَّهُ قَالَ: وَعَنْهُ إنْ طُولِبَ بِنَقْضِهِ، وَأُشْهِدَ عَلَيْهِ، فَلَمْ يَفْعَلْ؛ ضَمِنَ، وَاعْتَمَدَ هَذَا مَعَ أَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى ضَعِيفٍ، وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ الْمَعْمُولَ عَلَيْهِ مَا جَنَحَ الْمُصَنِّفُ إلَيْهِ.
فَائِدَةٌ: وَإِنْ بَنَاهُ مَائِلًا إلَى مِلْكِ غَيْرِهِ بِإِذْنِهِ أَوْ مَائِلًا إلَى مِلْكِ نَفْسِهِ، أَوْ مَالَ الْحَائِطُ إلَى مِلْكِ رَبِّهِ؛ لَمْ يَضْمَنْ رَبُّهُ مَا تَلِفَ بِهِ؛ لِعَدَمِ تَعَدِّيهِ.
(وَإِنْ بَنَاهُ) - أَيْ: الْحَائِطَ (مَائِلًا لِلطَّرِيقِ) ؛ ضَمِنَ مَا تَلِفَ بِهِ، (أَوْ) بَنَاهُ مَائِلًا إلَى (مِلْكِ غَيْرِهِ بِلَا إذْنِهِ؛ ضَمِنَ) مَا تَلِفَ بِهِ - وَلَوْ لَمْ يُطَالَبْ بِنَقْضِهِ - لِتَسَبُّبِهِ بِذَلِكَ.