الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مَا فِيهِ الْحَظُّ) لِلْمَحْجُورِ عَلَيْهِ كَسَائِرِ حُقُوقِهِ (وَإِنْ فَعَلَ) الْوَلِيُّ (غَيْرَهُ) أَيْ: غَيْرَ مَا فِيهِ الْحَظُّ (لَمْ يَصِحَّ) فَإِذَا كَانَ الْحَظُّ فِي قَبُولِهَا؛ لَمْ يَصِحَّ الرَّدُّ، وَكَانَ لَهُ قَبُولُهَا بَعْدَ ذَلِكَ؛ وَإِنْ كَانَ الْحَظُّ فِي رَدِّهَا، لَمْ يَصِحَّ قَبُولُهُ لَهَا، لِأَنَّ الْوَلِيَّ لَا يَمْلِكُ التَّصَرُّفَ فِي مَالِ الْمُوَلَّى عَلَيْهِ بِغَيْرِ مَا لَهُ الْحَظُّ فِيهِ وَحِينَئِذٍ (فَلَا) يَجُوزُ لِوَلِيٍّ مَحْجُورٍ عَلَيْهِ أَنْ (يَقْبَلَ) لِمُوَلِّيهِ (مَنْ يَعْتِقُ عَلَيْهِ) بِرَحِمٍ وُصِّيَ لَهُ بِهِ (إنْ لَزِمَتْهُ نَفَقَتُهُ) كَأَبِيهِ وَابْنِهِ وَأَخِيهِ وَعَمِّهِ لِكَوْنِ الْمُوصَى بِهِ فَقِيرًا لَا كَسْبَ لَهُ، وَالْمُوَلَّى عَلَيْهِ مُوسِرٌ قَادِرٌ عَلَى الْإِنْفَاقِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَا حَظَّ لَهُ فِي قَبُولِ هَذِهِ الْوَصِيَّةِ (وَإِلَّا) يَكُنْ عَلَى الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ ضَرَرٌ؛ لِكَوْنِ الْمُوصَى بِهِ ذَا كَسْبٍ أَوْ لِكَوْنِ الْمُوَلَّى عَلَيْهِ فَقِيرًا لَا تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ (وَجَبَ) عَلَى الْوَلِيِّ الْقَبُولُ، لِأَنَّ فِيهِ مَنْفَعَةً بِلَا مَضَرَّةٍ، وَتَقَدَّمَ فِي الْحَجْرِ.
[فَصْلٌ أَحْكَامُ الرُّجُوعِ فِي الْوَصِيَّةِ وَمَا يَحْصُلُ بِهِ الرُّجُوعُ]
(فَصْلٌ) : فِي أَحْكَامِ الرُّجُوعِ فِي الْوَصِيَّةِ وَمَا يَحْصُلُ بِهِ الرُّجُوعُ وَغَيْرِ ذَلِكَ. (تَبْطُلُ وَصِيَّةٌ بِقَوْلِ مُوصٍ: رَجَعْت فِي وَصِيَّتِي أَوْ أَبْطَلْتهَا، أَوْ غَيَّرْتهَا أَوْ فَسَخْتهَا وَنَحْوِهِ) كرددتها؛ لِأَنَّهُ صَرِيحٌ فِي الرُّجُوعِ؛ لِقَوْلِ عُمَرَ: يُغَيِّرُ الرَّجُلُ مَا شَاءَ مِنْ وَصِيَّتِهِ، وَلِأَنَّهَا عَطِيَّةٌ تُنَجَّزُ بِالْمَوْتِ، فَجَازَ لَهُ الرُّجُوعُ عَنْهَا قَبْلَ تَنْجِيزِهَا كَهِبَةِ مَا يَفْتَقِرُ إلَى الْقَبْضِ قَبْلَ قَبْضِهِ، وَتُفَارِقُ التَّدْبِيرَ، فَإِنَّهُ تَعْلِيقٌ عَلَى شَرْطٍ فَلَمْ يَمْلِكْ تَغْيِيرَهُ كَتَعْلِيقِهِ عَلَى صِفَةٍ فِي الْحَيَاةِ (وَإِنْ قَالَ) مُوصٍ (عَنْ مُوصَى بِهِ هَذَا لِوَرَثَتِي) أَوْ هَذَا فِي مِيرَاثِي؛ فَهُوَ رُجُوعٌ عَنْ الْوَصِيَّةِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يُنَافِي كَوْنَهُ وَصِيَّةً (أَوْ) قَالَ (مَا وَصَّيْت بِهِ لِزَيْدٍ فَلِعَمْرٍو؛ فَهُوَ رُجُوعٌ) عَنْ الْوَصِيَّةِ الْأُولَى؛ لِمُنَافَاتِهِ لَهَا وَرُجُوعِهِ عَنْهُ، وَصَرْفِهِ إلَى عَمْرٍو؛ أَشْبَهَ مَا لَوْ صَرَّحَ بِالرُّجُوعِ (وَإِنْ وَصَّى) بِمُعَيَّنٍ لِإِنْسَانٍ كَعَبْدِهِ سَالِمٍ مَثَلًا، ثُمَّ وَصَّى (بِهِ لِآخَرَ، وَلَمْ يَقُلْ ذَلِكَ) أَيْ: مَا وَصَّيْت بِهِ لِزَيْدٍ فَلِعَمْرٍو (فَ) الْمُوصَى بِهِ (بَيْنَهُمَا) أَيْ: الْمُوصَى لَهُ بِهِ أَوَّلًا وَالْمُوصَى لَهُ بِهِ ثَانِيًا؛ لِتَعَلُّقِ حَقِّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى السَّوَاءِ، فَوَجَبَ أَنْ يَشْتَرِكَا فِيهِ كَمَا
لَوْ جَمَعَ بَيْنَهُمَا فِي الْوَصِيَّةِ، أَوْ وَصَّى لِزَيْدٍ مَثَلًا بِثُلُثِهِ ثُمَّ وَصَّى لِآخَرَ بِثُلُثِهِ فَهُوَ بَيْنَهُمَا عِنْدَ الرَّدِّ لِلتَّزَاحُمِ، وَإِنْ أُجِيزَ لَهُمَا أَخْذُ كُلِّ الثُّلُثِ لِتَغَايُرِهِمَا أَوْ وَصَّى لِزَيْدٍ بِجَمِيعِ مَالِهِ، ثُمَّ وَصَّى بِهِ لِآخَرَ؛ فَهُوَ بَيْنَهُمَا؛ لِلتَّزَاحُمِ.
(وَمَنْ مَاتَ مِنْهُمَا) أَيْ: الْمُوصَى لَهُ بِشَيْءٍ أَوَّلًا وَالْمُوصَى لَهُ بِهِ ثَانِيًا (قَبْلَ) مَوْتِ (مُوصٍ) كَانَ الْكُلُّ لِلْآخَرِ (أَوْ) تَأَخَّرَ مَوْتُهُمَا عَنْ مَوْتِ مُوصٍ وَ (رَدَّ) أَحَدُهُمَا الْوَصِيَّةَ (بَعْدَ مَوْتِهِ) أَيْ: الْمُوصِي وَقَبِلَ الْآخَرُ [ (كَانَ الْكُلُّ) أَيْ: كُلُّ الْمُوصَى بِهِ](لِلْآخَرِ) الَّذِي قَبِلَ الْوَصِيَّةَ (لِأَنَّهُ اشْتِرَاكُ تَزَاحُمٍ) وَقَدْ زَالَ الْمُزَاحِمُ، وَعُلِمَ مِنْ قَوْلِهِ قَبْلَ مَوْتِ الْمُوصِي أَنَّهُ لَوْ مَاتَ بَعْدَهُ قَامَ وَارِثُهُ مَقَامَهُ؛ وَتَقَدَّمَ.
وَعُلِمَ مِنْ قَوْلِهِ: رَدَّ بَعْدَ مَوْتِهِ، أَنَّ رَدَّهُ قَبْلَهُ لَا أَثَرَ لَهُ، وَتَقَدَّمَ.
(وَإِنْ قَتَلَ وَصِيٌّ) أَيْ: مُوصَى لَهُ (مُوصِيًا) قَتْلًا مَضْمُونًا بِقِصَاصٍ أَوْ دِيَةٍ أَوْ كَفَّارَةٍ كَمَا قَالَ ابْنُ نَصْرِ اللَّهِ (وَلَوْ) كَانَ الْقَتْلُ (خَطَأً، بَطَلَتْ) الْوَصِيَّةُ؛ لِأَنَّ الْقَتْلَ يَمْنَعُ الْمِيرَاثَ الَّذِي هُوَ آكَدُ مِنْهَا؛ فَالْوَصِيَّةُ أَوْلَى وَمُعَامَلَةٌ لَهُ بِنَقِيضِ قَصْدِهِ، وَيَأْتِي حُكْمُ الْمُدَبَّرِ إذَا قَتَلَ سَيِّدَهُ فِي بَابِ الْمُوصَى بِهِ (لَا إنْ جَرَحَهُ؛ ثُمَّ أَوْصَى لَهُ فَمَاتَ مِنْ الْجَرْحِ) فَلَا تَبْطُلُ وَصِيَّتُهُ؛ لِأَنَّهَا بَعْدَ الْجَرْحِ صَدَرَتْ مِنْ أَهْلِهَا فِي مَحِلِّهَا لَمْ يَطْرَأْ عَلَيْهَا، بِخِلَافِ مَا إذَا تَقَدَّمَتْ فَإِنَّ الْقَتْلَ طَرَأَ عَلَيْهَا فَأَبْطَلَهَا (وَكَذَا فِعْلُ مُدَبَّرِ بِسَيِّدِهِ) فَإِنْ جَنَى عَلَى سَيِّدِهِ، ثُمَّ دَبَّرَهُ، وَمَاتَ السَّيِّدُ، لَمْ يَبْطُلْ تَدْبِيرُهُ، لِمَا تَقَدَّمَ؛ بِخِلَافِ مَا لَوْ دَبَّرَهُ ثُمَّ جَنَى عَلَيْهِ فَإِنَّهُ يَبْطُلُ تَدْبِيرُهُ وَتَقَدَّمَ.
قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَكَذَلِكَ الْعَطِيَّةُ الْمُنَجَّزَةُ فِي الْمَرَضِ إذَا وُجِدَ الْقَتْلُ مِنْ الْمُعْطَى.
(وَيَتَّجِهُ صِحَّةُ وَصِيَّةٍ) مِنْ شَخْصٍ (لِوَارِثِهِ بَعْدَ أَنْ جَرَحَهُ) الْوَارِثُ وَمَاتَ مِنْ الْجَرْحِ (لِكَوْنِهِ) أَيْ: الْجَارِحِ (إذَنْ) أَيْ: حِينَ لَزِمَهُ الْوَصِيَّةُ وَهُوَ بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي (غَيْرَ وَارِثٍ) لِأَنَّهُ جَرَحَهُ جُرْحًا أَفْضَى إلَى هَلَاكِهِ فَامْتَنَعَ مِنْ الْإِرْثِ بِسَبَبِهِ؛ وَالْوَصِيَّةُ إنَّمَا حَدَثَتْ بَعْدَ الْجُرْحِ؛ لَمْ يَعْتَرِيهَا مُزِيلٌ
لِصِحَّتِهَا، فَلَزِمَتْ بِقَبُولِهِ الصَّادِرِ مِنْهُ بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي. وَهُوَ مُتَّجِهٌ.
(وَمَنْ أَوْصَى لِرَجُلٍ بِعَبْدٍ وَ) أَوْصَى (لِآخَرَ بِثُلُثِهِ فَ) الْعَبْدُ (بَيْنَهُمَا أَرْبَاعًا) بِقَدْرِ وَصِيَّتِهِمَا؛ لِأَنَّهُ أَوْصَى لِلْأَوَّلِ بِجَمِيعِهِ، وَلِلثَّانِي بِثُلُثِهِ فَكَامِلُ الْعَبْدِ ثَلَاثَةُ أَثْلَاثٍ مِنْ جِنْسِ مَا أَوْصَى بِهِ ثَانِيًا، وَقَدْ أَوْصَى لِلثَّانِي بِثُلُثٍ، فَاجْتَمَعَ مَعَنَا أَرْبَعَةٌ فَقُسِّمَ عَلَيْهَا، فَكَانَ لِلْأَوَّلِ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِهِ، وَلِلثَّانِي رُبْعُهُ كَمَا يَأْتِي فِي عَمَلِ الْوَصَايَا (وَإِنْ وَصَّى بِهِ) أَيْ: بِالْعَبْدِ وَنَحْوِهِ (لِاثْنَيْنِ فَرَدَّ أَحَدُهُمَا) وَصِيَّتَهُ (وَقَبِلَ الْآخَرُ فَلِلْآخَرِ نِصْفُهُ) أَيْ: الْعَبْدِ لِأَنَّهُ الْمُوصَى لَهُ بِهِ (وَ) إنْ وَصَّى (لِاثْنَيْنِ بِثُلُثَيْ مَالِهِ فَرَدَّ الْوَرَثَةُ ذَلِكَ) لِمُجَاوَزَةِ الثُّلُثِ (وَرَدَّ أَحَدُ الْوَصِيَّيْنِ وَصِيَّتَهُ فَلِلْآخَرِ الثُّلُثُ كَامِلًا) لِأَنَّهُ مُوصَى لَهُ بِهِ؛ وَلَا مُزَاحِمَ لَهُ فِيهِ (وَإِنْ أَقَرَّ وَارِثٌ بِوَصِيَّتِهِ) أَنَّ مُوَرِّثَهُ أَوْصَى بِهَا (لِوَاحِدٍ ثُمَّ) أَقَرَّ أَنَّهُ أَوْصَى بِهَا (لِآخَرَ بِكَلَامٍ مُتَّصِلٍ فَ) الْمُقِرُّ بِهِ مِنْ الْوَصِيَّةِ (بَيْنَهُمَا) حَيْثُ لَا بَيِّنَةَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا لِقِيَامِ الْمُقْتَضَى؛ وَإِنْ كَانَ مُنْفَصِلًا فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ فِي مَجْلِسَيْنِ، فَلَا يُقْبَلُ لِلْمُتَأَخِّرِ؛ لِتَضَمُّنِهِ رَفْعَ مَا ثَبَتَ لِلْمُتَقَدِّمِ بِإِقْرَارِهِ، وَإِنْ كَانَ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ، فَالْمُقَرُّ بِهِ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّ الْمَجْلِسَ الْوَاحِدَ كَالْحَالِ الْوَاحِدَةِ.
(وَمَنْ) ادَّعَى أَنْ الْمَيِّتَ أَوْصَى لَهُ بِثُلُثِ مَالِهِ وَ (شَهِدَ لَهُ بَيِّنَةٌ بِالثُّلُثِ) الَّذِي ادَّعَاهُ (فَأَقَرَّ وَارِثٌ) مُكَلَّفٌ (ذَكَرٌ) لَا أُنْثَى وَلَا خُنْثَى (عَدْلٌ) لَا فَاسِقٌ إذْ إقْرَارُ الْفَاسِقِ غَيْرُ مُعْتَدٍّ بِهِ أَنْ مُوَرِّثَهُ أَوْصَى (بِهِ) أَيْ الثُّلُثِ الْمُدَّعَى بِهِ (لِآخَرَ) وَرَدَّ الْوَارِثُ الْوَصِيَّتَيْنِ (فَ) الثُّلُثُ (بَيْنَهُمَا) سَوِيَّةٌ إنْ حَلَفَ الْمُقَرُّ لَهُ يَمِينًا مَعَ شَهَادَةِ الْوَارِثِ، لِأَنَّ الْمَالَ يَثْبُتُ بِشَاهِدٍ وَيَمِينٍ (وَإِلَّا) يَكُنْ الْوَارِثُ الْمُقِرُّ عَدْلًا، أَوْ كَانَ الْمُقِرُّ امْرَأَةً أَوْ خُنْثَى (فَ) الثُّلُثُ (لِذِي الْبَيِّنَةِ) لِثُبُوتِ وَصِيَّتِهِ دُونَ الْمُقِرِّ (وَإِنْ) فَعَلَ مُوصٍ مَا يَقْتَضِي عُدُولَهُ عَنْ الْوَصِيَّةِ؛ بِأَنْ (بَاعَ مَا أَوْصَى بِهِ أَوْ وَهَبَهُ) فَرُجُوعٌ؛ لِأَنَّهُ إزَالَةُ مِلْكٍ، وَهُوَ يُنَافِي الْوَصِيَّةَ.
(وَلَوْ لَمْ يَقْبَلْ) الْمُبْتَاعُ أَوْ الْمُتَّهِبُ (فِيهِمَا) أَيْ: فِي إيجَابِ الْبَيْعِ وَالْهِبَةِ (أَوْ عَرَضَهُ لَهُمَا) أَيْ: الْبَيْعِ وَالْهِبَةِ؛ فَرُجُوعٌ (أَوْ رَهَنَهُ أَوْ وَصَّى بِبَيْعِهِ أَوْ) وَصَّى (بِعِتْقِهِ) أَيْ: مَا وَصَّى بِهِ لِإِنْسَانٍ مِنْ رَقِيقِهِ بِأَنْ قَالَ: أَعْطُوهُ لِزَيْدٍ، ثُمَّ قَالَ: أَعْتِقُوهُ (أَوْ) وَصَّى (بِهِبَتِهِ) فَرُجُوعٌ لِدَلَالَتِهِ عَلَيْهِ (أَوْ حَرَّمَهُ عَلَيْهِ) أَيْ: الْمُوصَى لَهُ بِهِ؛ كَمَا لَوْ أَوْصَى لِزَيْدٍ بِشَيْءٍ، ثُمَّ قَالَ: هُوَ حَرَامٌ عَلَيْهِ فَرُجُوعٌ (أَوْ كَاتَبَهُ) أَيْ: الْمُوصَى بِهِ (أَوْ دَبَّرَهُ) فَرُجُوعٌ لِدَلَالَتِهِ عَلَيْهِ (أَوْ حَرَّمَهُ عَلَيْهِ) أَيْ: الْمُوصَى لَهُ بِهِ.
كَمَا لَوْ وَصَّى لِزَيْدٍ بِشَيْءٍ، ثُمَّ قَالَ: هُوَ حَرَامٌ عَلَيْهِ فَرُجُوعٌ (أَوْ كَاتَبَهُ) أَيْ: الْمُوصَى بِهِ (أَوْ دَبَّرَهُ) فَرُجُوعٌ (أَوْ خَلَطَهُ بِمَا لَا يَتَمَيَّزُ) مِنْهُ كَزَيْتٍ بِزَيْتٍ، أَوْ دَقِيقٍ بِدَقِيقٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ (وَلَوْ) كَانَ الْمُوصَى بِهِ (صُبْرَةً) فَخَلَطَهَا (بِغَيْرِهَا، أَوْ أَزَالَ اسْمَهُ كَطَحْنِ حِنْطَةٍ، وَخَبْزِ دَقِيقٍ، وَفَتِّ خُبْزٍ، وَنَسْجِ غَزْلٍ، وَغَزْلِ قُطْنٍ، وَحَشْوُهُ بِفَرْشٍ، وَتَفْصِيلِ ثَوْبٍ، وَضَرْبِ نُقْرَةِ دَرَاهِمَ، وَذَبْحِ حَيَوَانٍ) مُوصَى بِهِ (أَوْ بَنَى الْحَجَرَ) أَوْ الْآجُرَّ الْمُوصَى بِهِ (أَوْ غَرَسَ النَّوَى) الْمُوصَى بِهِ، فَصَارَ شَجَرًا (أَوْ نَجَرَ الْخَشَبَةَ نَحْوَ بَابٍ) كَدُولَابٍ أَوْ كُرْسِيٍّ وَنَحْوِهِ (أَوْ سَمَّرَ) نَحْوَ بَابٍ (بِمَسَامِيرَ) مُوصَى بِهَا (أَوْ أَعَادَ دَارًا انْهَدَمَتْ، أَوْ جَعَلَهَا نَحْوَ حَمَّامٍ) كَخَانٍ (فَرُجُوعٌ) لِأَنَّهُ دَلِيلٌ عَلَى اخْتِيَارِ الرُّجُوعِ، وَكَذَا لَوْ كَسَرَ السَّفِينَةَ فَصَارَ اسْمُهَا خَشَبًا، أَوْ عَمِلَ الثَّوْبَ قَمِيصًا (لَا إنْ جَحَدَ الْوَصِيَّةَ) فَلَيْسَ رُجُوعًا؛ لِأَنَّهُ عَقْدٌ كَسَائِرِ الْعُقُودِ (أَوْ أَجَرَ) مُوصٍ عَيْنًا مُوصَى بِهَا (أَوْ زَوَّجَ) رَقِيقًا مُوصَى بِهِ (أَوْ زَرَعَ) أَرْضًا مُوصَى بِهَا، فَلَيْسَ رُجُوعًا، وَإِنْ غَرَسَهَا أَوْ بَنَاهَا؛ فَرُجُوعٌ؛ لِأَنَّهُ يُرَادُ لِلدَّوَامِ فَيُشْعِرُ بِالصَّرْفِ عَنْ الْأَوَّلِ. ذَكَرَهُ الْحَارِثِيُّ.
(أَوْ وَطِئَ) أَمَةً مُوصَى بِهَا (وَلَمْ تَحْمِلْ) مِنْ وَطْئِهِ فَإِنْ حَمَلَتْ، فَرُجُوعٌ (أَوْ لَبِسَ) ثَوْبًا مُوصَى بِهِ (أَوْ غَسَلَ) ثَوْبًا مُوصَى بِهِ فَلَيْسَ رُجُوعًا، (أَوْ سَكَنَ) مُوصٍ مَكَانًا (مُوصَى بِهِ) فَلَيْسَ رُجُوعًا، لِأَنَّهُ لَا يُزِيلُ الْمِلْكَ وَلَا الِاسْمَ وَلَا يَمْنَعُ التَّسْلِيمَ (أَوْ وَصَّى بِثُلُثِ مَالِهِ، فَتَلِفَ)
الَّذِي كَانَ يَمْلِكُهُ حِينَ الْوَصِيَّةِ بِإِتْلَافِهِ أَوْ غَيْرِهِ (أَوْ بَاعَهُ ثُمَّ مَلَكَ مَالًا غَيْرَهُ) فَلَيْسَ رُجُوعًا؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ بِجُزْءٍ مَشَاعٍ مِنْ الْمَالِ الَّذِي يَمْلِكُهُ حِينَ الْمَوْتِ، فَلَا يُؤَثِّرُ ذَلِكَ فِيهَا أَوْ انْهَدَمَتْ الدَّارُ الْمُوصَى بِهَا، وَلَمْ يَزُلْ اسْمُهَا، أَوْ عَلَّمَ الرَّقِيقَ الْمُوصَى بِهِ صَنْعَةً وَنَحْوَ ذَلِكَ مِمَّا لَا يُزِيلُ الْمِلْكَ وَلَا الِاسْمَ وَلَا يَمْنَعُ التَّسْلِيمَ (أَوْ) كَانَتْ الْوَصِيَّةُ (بِقَفِيزٍ مِنْ صُبْرَةٍ فَخَلَطَهَا) أَيْ: الصُّبْرَةَ بِصُبْرَةٍ أُخْرَى (وَلَوْ بِخَيْرٍ مِنْهَا) مِمَّا لَا يَتَمَيَّزُ مِنْهُ؛ فَلَيْسَ رُجُوعًا لِأَنَّ الْقَفِيزَ كَانَ مَشَاعًا وَبَقِيَ عَلَى إشَاعَتِهِ.
(وَزِيَادَةُ مُوصٍ فِي دَارٍ) بَعْدَ وَصِيَّتِهِ بِهَا (لِلْوَرَثَةِ) لِأَنَّهَا لَمْ تَدْخُلْ فِي الْوَصِيَّةِ لِعَدَمِ وُجُودِهَا حِينَهَا (لَا الْمُنْهَدِمَ) الْمُنْفَصِلَ مِنْ الدَّارِ الْمُوصَى بِهَا إذَا أَعَادَهُ مُوصٍ (بَعْدَهَا) أَيْ: الْوَصِيَّةِ (وَلَوْ قَبْلَ قَبُولِ) مُوصَى لَهُ، فَلَيْسَ لِلْوَرَثَةِ، بَلْ لِلْمُوصَى لَهُ بِهَا؛ لِأَنَّ الْأَنْقَاضَ مِنْهَا؛ فَتَدْخُلُ فِي الْوَصِيَّةِ، لِوُجُودِهَا حِينَهَا.
(وَإِنْ وَصَّى لِزَيْدٍ) بِنَحْوِ عَبْدٍ (ثُمَّ قَالَ: إنْ قَدِمَ عَمْرٌو فَلَهُ) مَا وَصَّيْت بِهِ لِزَيْدٍ (فَقَدِمَ) عَمْرٌو (بَعْدَ مَوْتِ مُوصٍ فَ) الْمُوصَى بِهِ (لِزَيْدٍ) دُونَ عَمْرٍو لِأَنَّ الْمُوصِي لَمَّا مَاتَ قَبْلَ قُدُومِ عَمْرٍو انْقَطَعَ حَقُّهُ مِنْ الْمُوصَى بِهِ، وَانْتَقَلَ إلَى زَيْدٍ، لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ إذْ ذَاكَ مَا يَمْنَعُهُ؛ فَلَمْ يُؤَثِّرْ وُجُودُ الشَّرْطِ بَعْدَ ذَلِكَ، كَمَا لَوْ عَلَّقَ إنْسَانٌ طَلَاقًا، أَوْ عِتْقًا عَلَى شَيْءٍ فَلَمْ يُوجَدْ إلَّا بَعْدَ مَوْتِهِ، وَإِنْ قَدِمَ عَمْرٌو فِي حَيَاةِ مُوصٍ كَانَ لَهُ بِلَا نِزَاعٍ (وَإِنْ وَصَّى لَهُ) أَيْ: لِعَمْرٍو مَثَلًا (بِثُلُثِهِ، وَقَالَ) الْمُوصِي لِعَمْرٍو (إنْ مِتُّ قَبْلِي أَوْ رَدَدْته فَ) هُوَ (لِزَيْدٍ، فَمَاتَ) عَمْرٌو (قَبْلَهُ) أَيْ: الْمُوصِي (أَوْ رَدَّ) الْوَصِيَّةَ (فَعَلَى مَا شَرَطَ) الْمُوصِي، فَتَكُونُ لِزَيْدٍ عَمَلًا بِالشَّرْطِ (كَ) قَوْلِ مُوصٍ (أَوْصَيْت لَهُ) أَيْ: عَمْرٍو مَثَلًا (بِكَذَا إذَا مَرَّ شَهْرٌ بَعْدَ مَوْتِي أَوْ) قَوْلُهُ أَوْصَيْت (لَفُلَانَةَ) الْحَامِلِ (بِكَذَا إذَا وَضَعَتْ بَعْدَ مَوْتِي) فَيَصِحُّ التَّعْلِيقُ لِحَدِيثِ: «الْمُسْلِمُونَ عَلَى شُرُوطِهِمْ» وَثَبَتَ عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ تَعْلِيقُهَا؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ لَا تَتَأَثَّرُ بِالتَّعْلِيقِ لِوُضُوحِ الْأَمْرِ وَقِلَّةِ الْغَرَرِ فَإِنْ كَانَتْ الصِّفَةُ لَا يُرْتَقَبُ وُقُوعُهَا بَعْد الْمَوْتِ؛ فَفِي التَّعْلِيقِ عَلَيْهَا نَظَرٌ وَالْأَوْلَى
عَدَمُ جَوَازِهِ؛ لِمَا فِيهِ مِنْ إضْرَارِ الْوَرَثَةِ بِطُولِ الِانْتِظَارِ لَا إلَى أَمَدٍ يُعْلَمُ (وَيُخْرِجُ وَصِيٌّ) أَيْ: مُوصَى إلَيْهِ بِإِخْرَاجِ الْوَاجِبِ؛ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ (فَوَارِثٌ) جَائِزُ التَّصَرُّفِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَوْ أَبَى (فَحَاكِمٌ الْوَاجِبَ) عَلَى مَيِّتٍ مِنْ دَيْنٍ لِآدَمِيٍّ أَوْ لِلَّهِ تَعَالَى كَنَذْرٍ وَكَفَّارَةٍ (مِنْ رَأْسِ الْمَالِ) مُتَعَلِّقٌ بِيُخْرِجُ، أَيْ يَجِبُ إخْرَاجُهُ (وَلَوْ لَمْ يُوصِ بِهِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ} [النساء: 12]
(وَيُجْزِئُ إخْرَاجُ) الْوَاجِبِ عَلَى الْمَيِّتِ مِنْ (أَجْنَبِيٍّ) لَا وِلَايَةَ لَهُ مِنْ مَالِهِ كَقَضَاءِ الدَّيْنِ عَنْ حَيٍّ بِلَا إذْنِهِ، وَكَمَا لَوْ كَانَ الْقَضَاءُ بِإِذْنِ حَاكِمٍ (وَلَا يَضْمَنُ) الْأَجْنَبِيُّ، بَلْ يَرْجِعُ بِمَا أَخْرَجَهُ عَلَى التَّرِكَةِ إنْ نَوَى الرُّجُوعَ، وَإِلَّا فَلَا.
(وَمِنْ الْوَاجِبِ وَصِيَّةٌ بِعِتْقٍ فِي كَفَّارَةِ تَخْيِيرٍ) وَهِيَ كَفَّارَةُ الْيَمِينِ (فَإِنْ أَوْصَى مَعَهُ) أَيْ: الْوَاجِبِ (بِتَبَرُّعٍ) مِنْ مُعَيَّنٍ أَوْ مَشَاعٍ (اُعْتُبِرَ الثُّلُثُ) الَّذِي تُعْتَبَرُ مِنْهُ التَّبَرُّعَاتُ (مِنْ) الْمَالِ (الْبَاقِي) بَعْدَ أَدَاءِ الْوَاجِبِ، كَأَنْ كَانَتْ التَّرِكَةُ أَرْبَعِينَ وَالدَّيْنُ عَشَرَةً، وَوَصَّى بِثُلُثِ مَالِهِ؛ دَفَعَ الدَّيْنَ أَوَّلًا ثُمَّ دَفَعَ لِلْمُوصَى لَهُ عَشَرَةً، لِأَنَّهَا ثُلُثُ الْبَاقِي، وَعُلِمَ مِنْهُ تَقْدِيمُ الدَّيْنِ عَلَى الْوَصِيَّةِ؛ لِحَدِيثِ عَلِيٍّ:«أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَضَى بِالدَّيْنِ قَبْلَ الْوَصِيَّةِ» .
أَخْرَجَهُ
الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي " الْمُسْنَدِ " وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ، وَلِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام:«اقْضُوا اللَّهَ، فَاَللَّهُ أَحَقُّ بِالْوَفَاءِ» . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ مُخْتَصَرًا.
وَالْحِكْمَةُ فِي تَقْدِيمِ ذِكْرِ الْوَصِيَّةِ فِي الْآيَةِ قَبْلَ الدَّيْنِ أَنَّهَا لَمَّا أَشْبَهَتْ الْمِيرَاثَ فِي كَوْنِهَا بِلَا عِوَضٍ، فَكَانَ فِي إخْرَاجِهَا مَشَقَّةٌ عَلَى الْوَارِثِ، فَقُدِّمَتْ حَثًّا عَلَى إخْرَاجِهَا. قَالَ الزَّمَخْشَرِيّ: وَلِذَلِكَ جِيءَ بِكَلِمَةِ: أَوْ، الَّتِي لِلتَّسْوِيَةِ؛ أَيْ: فَيَسْتَوِيَانِ فِي الِاهْتِمَامِ وَعَدَمِ التَّضْيِيعِ، وَإِنْ كَانَ مُقَدَّمًا عَلَيْهَا وَقَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: الْوَصِيَّةُ غَالِبًا تَكُونُ لِضِعَافٍ، فَقَوَّى جَانِبَهَا فِي التَّقْدِيمِ فِي الذِّكْرِ؛ لِئَلَّا يُطْمَعَ وَيُتَسَاهَلَ فِيهَا، بِخِلَافِ الدَّيْنِ، وَتَقَدَّمَ أَنَّ مُؤْنَةَ التَّجْهِيزِ تُقَدَّمُ مُطْلَقًا.
(فَإِنْ وَصَّى بِكَفَّارَةِ أَيْمَانٍ فَأَقَلُّهُ) أَيْ: الْوَاجِبِ إخْرَاجُهُ كَفَّارَةً (ثَلَاثَةُ) أَيْمَانٍ لِأَنَّهَا أَقَلُّ الْجَمْعِ.
(وَإِنْ قَالَ) مَنْ عَلَيْهِ وَاجِبٌ وَوَصَّى بِتَبَرُّعٍ (أَخْرَجُوا الْوَاجِبَ مِنْ ثُلُثَيْ، بُدِئَ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ (بِهِ) أَيْ: الْوَاجِبِ مِنْ الثُّلُثِ، لِمَا تَقَدَّمَ، فَإِنْ فَضَلَ شَيْءٌ بَعْدَ الثُّلُثِ (فَمَا فَضَلَ مِنْهُ) أَيْ: الثُّلُثِ (فَ) هُوَ (لِصَاحِبِ التَّبَرُّعِ) لِأَنَّ الدَّيْنَ تَجِبُ الْبَدَاءَةَ بِهِ قَبْلَ الْمِيرَاثِ وَالتَّبَرُّعِ، فَإِذَا عَيَّنَهُ فِي الثُّلُثِ؛ وَحَيْثُ الْبَدَاءَةَ بِهِ، وَمَا فَضَلَ لِلتَّبَرُّعِ (وَأَلَّا) يَفْضُلَ شَيْءٌ مِنْ الثُّلُثِ بَعْدَ إخْرَاجِ الْوَاجِبِ مِنْهُ (بَطَلَتْ) الْوَصِيَّةُ بِالتَّبَرُّعِ كَمَا لَوْ رَجَعَ عَنْهَا إلَّا أَنْ تُجِيزَ الْوَرَثَةُ، فَيُعْطَى مَا أُوصِيَ لَهُ بِهِ.