الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
غَيْرُهُ (نَصْبُ) جَابٍ (مُسْتَوْفٍ لِلْعُمَّالِ) عَلَى الْوَقْفِ (الْمُتَفَرِّقِينَ) وَظَائِفَهُ الْقَائِمِينَ بِهَا، وَلَهُ أَنْ يَفْرِضَ لِكُلٍّ عَلَى عَمَلِهِ مَا يَسْتَحِقُّهُ مِثْلُهُ، فِي كُلِّ مَالٍ يَعْمَلُ فِيهِ بِمِقْدَارِ ذَلِكَ الْمَالِ الَّذِي يَعْمَلُ فِيهِ (إنْ اُحْتِيجَ إلَيْهِ) - أَيْ: الْمُسْتَوْفِي - أَوْ لَمْ تَتِمَّ مَصْلَحَةٌ إلَّا بِهِ، فَإِنْ لَمْ يُحْتَجْ إلَيْهِ وَتَمَّتْ الْمَصْلَحَةُ بِدُونِهِ لِقِلَّةِ الْأَعْمَالِ، وَمُبَاشَرَتِهِ الْحِسَابَ بِنَفْسِهِ؛ لَمْ يَلْزَمْهُ نَصْبُهُ، وَلِهَذَا كَانَ صلى الله عليه وسلم فِي الْمَدِينَةِ يُبَاشِرُ الْحُكْمَ وَاسْتِيفَاءَ الْحِسَابِ بِنَفْسِهِ، وَيُوَلِّي مَعَ الْبُعْدِ، ذَكَرَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ.
(وَإِذَا قَامَ الْمُسْتَوْفِي بِمَا عَلَيْهِ) مِنْ الْعَمَلِ (اسْتَحَقَّ مَا فُرِضَ لَهُ) وَإِنْ لَمْ يَقُمْ بِهِ؛ لَمْ يَسْتَحِقَّهُ، وَلَمْ يَجُزْ أَخْذُهُ.
(وَلِوَلِيِّ الْأَمْرِ نَصْبُ دِيوَانٍ) يَكُونُ مُسْتَوْفِيًا (لِحِسَابِ أَمْوَالِ الْأَوْقَافِ)
عِنْدَ الْمَصْلَحَةِ
؛ كَمَا لَهُ نَصْبُ دَوَاوِينَ لِحِسَابِ (الْأُمُورِ السُّلْطَانِيَّةِ) كَالْفَيْءِ وَغَيْرِهِ، مِمَّا يَئُولُ إلَى بَيْتِ الْمَالِ مِنْ تَرِكَاتٍ وَنَحْوِهَا.
[فَصْلٌ وَظِيفَةُ نَاظِرِ الْوَقْفِ]
(فَصْلٌ: وَوَظِيفَةُ نَاظِرٍ حِفْظُ وَقْفٍ، وَعِمَارَتُهُ، وَإِيجَارُهُ، وَزَرْعُهُ، وَمُخَاصَمَةٌ فِيهِ، وَتَحْصِيلُ رِيعِهِ مِنْ أُجْرَةٍ أَوْ زَرْعٍ أَوْ ثَمَرٍ وَالِاجْتِهَادُ فِي تَنْمِيَتِهِ، وَصَرْفُهُ فِي جِهَاتِهِ) بِمَا تَحْصُلُ بِهِ تَنْمِيَتُهُ (مِنْ عِمَارَةٍ، وَإِصْلَاحٍ، وَإِعْطَاءِ مُسْتَحِقٍّ) وَتَقَدَّمَ فِي الْوَكَالَةِ؛ يُقْبَلُ قَوْلُ النَّاظِرِ الْمُتَبَرِّعِ فِي دَفْعِ الْمُسْتَحَقِّ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُتَبَرِّعًا؛ لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ. قَالَ فِي شَرْحِ الْإِقْنَاعِ " وَلَا يُعْمَلُ بِالدَّفْتَرِ الْمَمْضِيِّ الْمَعْرُوفِ فِي زَمَنِنَا بِالْمُحَاسَبَاتِ، فِي مَنْعِ مُسْتَحَقٍّ وَنَحْوِهِ، إذَا كَانَ بِمُجَرَّدِ إمْلَاءِ النَّاظِرِ وَالْكَاتِبِ عَلَى مَا اُعْتِيدَ فِي هَذِهِ الْأَزْمِنَةِ. وَقَدْ أَفْتَى بِهِ غَيْرُ وَاحِدٍ فِي عَصْرِنَا. (وَنَحْوُهُ) كَشِرَاءِ طَعَامٍ وَشَرَابٍ شَرَطَهُ الْوَاقِفُ؛ لِأَنَّ النَّاظِرَ هُوَ الَّذِي يَلِي الْوَقْفَ، وَحِفْظُهُ وَحِفْظُ رِيعِهِ، وَتَنْفِيذُ شَرْطِ وَاقِفِهِ، وَطَلَبُ الْحَظِّ مَطْلُوبٌ فِيهِ شَرْعًا، فَكَانَ ذَلِكَ إلَى النَّاظِرِ.
(وَلَهُ) - أَيْ: النَّاظِرِ - (وَضْعُ يَدِهِ عَلَيْهِ) - أَيْ: الْوَقْفِ -، وَعَلَى رِيعِهِ (وَ) لَهُ (التَّقْرِيرُ فِي وَظَائِفِهِ) ذَكَرُوهُ فِي نَاظِرِ الْمَسْجِدِ، فَيُنَصِّبُ مَنْ يَقُومُ بِوَظَائِفِهِ، مِنْ إمَامٍ وَمُؤَذِّنٍ وَقَيِّمٍ وَغَيْرِهِمْ؛ كَمَا أَنَّ لِلنَّاظِرِ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ نَصْبَ مَنْ يَقُومُ بِمَصْلَحَةِ الْوَقْفِ، مِنْ جَابٍ وَحَافِظٍ.
قَالَهُ الْحَارِثِيُّ. وَمَتَى امْتَنَعَ مِنْ نَصْبِ
مَنْ يَجِبُ نَصْبُهُ؛ نَصَّبَهُ الْحَاكِمُ؛ كَوَلِيِّ النِّكَاحِ إذَا عَضَلَ، وَإِنْ طَلَبَ عَلَى النَّصْبِ جُعْلًا سَقَطَ حَقُّهُ، وَقَرَّرَ الْحَاكِمُ مَنْ فِيهِ أَهْلِيَّةٌ. وَلَيْسَ لِمُتَكَلِّمٍ عَلَى وَقْفٍ، مِنْ نَاظِرٍ وَغَيْرِهِ، تَقْرِيرُ نَفْسِهِ، أَوْ مَنْ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ لَهُ؛ كَوَلَدِهِ وَنَحْوِهِ، فِي شَيْءٍ مِنْ وَظَائِفِ الْوَقْفِ؛ لِأَنَّهُمْ كَهُوَ؛ وَلِذَلِكَ لَا تَصِحُّ إجَارَتُهُ لَهُ وَلَا لَهُمْ؛ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْوَكَالَةِ، وَكَذَا لَا يَجُوزُ مَعَ كَوْنِهِ نَاظِرًا أَنْ يَكُونَ شَاهِدًا لِوَقْفٍ، وَلَا مُبَاشِرًا فِيهِ، وَلَا أَنْ يَتَصَرَّفَ بِغَيْرِ مُسَوِّغٍ شَرْعِيٍّ، أَفْتَى بِذَلِكَ ابْنُ النَّجَّارِ.
(وَلَا يَتَوَقَّفُ الِاسْتِحْقَاقُ)[عَلَى نَصْبِهِ]- أَيْ: النَّاظِرِ، وَلَا الْإِمَامِ (إلَّا بِشَرْطٍ) مِنْ الْوَاقِفِ، فَإِنْ شَرَطَ الْوَاقِفُ فِي الصَّرْفِ نَصْبَ النَّاظِرِ لِلْمُسْتَحِقِّ؛ كَالْمُدَرِّسِ وَالْمُعِيدِ وَالْمُتَفَقِّهَةِ بِالْمَدْرَسَةِ مَثَلًا؛ فَلَا إشْكَالَ فِي تَوَقُّفِ الِاسْتِحْقَاقِ عَلَى نَصْبِ النَّاظِرِ لَهُ، عَمَلًا بِالشَّرْطِ، وَإِلَّا يَشْرِطُ الْوَاقِفُ نَصْبَ النَّاظِرِ لِلْمُسْتَحِقِّ، بَلْ قَالَ: وَيَصْرِفُ النَّاظِرُ إلَى مُدَرِّسٍ أَوْ مُعِيدٍ أَوْ مُتَفَقِّهَةٍ بِالْمَدْرَسَةِ؛ فَلَا يَتَوَقَّفُ الِاسْتِحْقَاقُ عَلَى نَصْبِ نَاظِرٍ وَلَا إمَامٍ.
(فَلَوْ انْتَصَبَ بِمَدْرَسَةٍ مُدَرِّسٌ أَوْ مُعِيدٌ وَأَذْعَنَ لَهُ) الطَّلَبَةُ (بِالِاسْتِفَادَةِ، وَتَأَهَّلَ لِذَلِكَ؛ اسْتَحَقَّ، وَلَمْ يُنَازَعْ) لِوُجُودِ الْوَصْفِ الْمَشْرُوطِ؛ لِأَنَّ الْإِجَازَةَ مِنْ الشَّيْخِ غَيْرُ شَرْطٍ فِي جَوَازِ التَّصَدِّي لِلْإِقْرَاءِ وَالْإِفَادَةِ، فَمَنْ عَلِمَ مِنْ نَفْسِهِ الْأَهْلِيَّةَ؛ جَازَ لَهُ ذَلِكَ، وَإِنْ لَمْ يُجِزْهُ أَحَدٌ، وَعَلَى ذَلِكَ السَّلَفُ، وَكَذَلِكَ فِي كُلِّ عِلْمٍ، وَفِي الْإِقْرَاءِ وَالْإِفْتَاءِ، خِلَافًا لِمَا يَتَوَهَّمُهُ الْأَغْبِيَاءُ مِنْ اعْتِقَادِ كَوْنِهِمَا شَرْطًا. قَالَ السُّيُوطِيّ فِي الْإِتْقَانِ ": وَلَا يَجُوزُ أَخْذُ الْمَالِ فِي مُقَابَلَتِهَا إجْمَاعًا، بَلْ إنْ عَلِمَ أَهْلِيَّتَهُ؛ وَجَبَ عَلَيْهِ الْإِجَازَةُ، أَوْ عَدِمَهَا؛ حَرُمَ عَلَيْهِ، قَالَ: وَادَّعَى ابْنُ خَيْرٍ الْإِجْمَاعَ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَنْقُلَ حَدِيثًا عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مَا لَمْ يَكُنْ لَهُ بِهِ رِوَايَةٌ - وَلَوْ بِالْإِجَازَةِ - انْتَهَى.
(وَكَذَا لَوْ أَقَامَ بِهَا) أَيْ: الْمَدْرَسَةِ (طَالِبٌ مُتَفَقِّهًا) وَلَوْ لَمْ يُنَصِّبْهُ نَاصِبٌ اسْتَحَقَّ؛ لِوُجُودِ التَّفَقُّهِ (وَكَذَا) لَوْ شُرِطَ الصَّرْفُ الْمُطْلَقُ إلَى (إمَامِ) مَسْجِدٍ (وَنَحْوِ مُؤَذِّنِهِ) كَقَيِّمِهِ فَأَمَّ إمَامٌ، وَرَضِيَهُ الْجِيرَانُ أَوْ أَذَّنَ فِيهِ مُؤَذِّنٌ، أَوْ قَامَ
بِخِدْمَةِ الْمَسْجِدِ قَائِمٌ؛ كَانَ مُسْتَحِقًّا؛ لِوُجُودِ الشَّرْطِ (وَمَعَ شَرْطِ وَاقِفٍ نَحْوِ نَاظِرٍ) كَأَمِينٍ (وَمُدَرِّسٍ وَمُعِيدٍ وَإِمَامٍ لَمْ يَجُزْ قِيَامُ شَخْصٍ) وَاحِدٍ بِالْوَظَائِفِ كُلِّهَا (وَلَوْ أَمْكَنَهُ جَمْعٌ بَيْنَهَا) صَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي فِي خِلَافِهِ الْكَبِيرِ خِلَافًا لِلشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ؛ فَإِنَّهُ قَالَ: إنْ أَمْكَنَ النَّاظِرُ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ الْوَظَائِفِ لِوَاحِدٍ فَعَلَ.
(وَ) قَالَ (فِي " الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ ") وَ (لَا) يَجُوزُ أَنْ (يَؤُمَّ) فِي الْمَسَاجِدِ السُّلْطَانِيَّةِ وَهِيَ (الْجَوَامِعُ الْكِبَارُ إلَّا مَنْ وَلَّاهُ السُّلْطَانُ أَوْ نَائِبُهُ) لِئَلَّا يُفْتَأَتَ عَلَيْهِ فِيمَا وُكِّلَ إلَيْهِ، وَإِنْ نَدَبَ لَهُ إمَامَيْنِ، وَخَصَّ كُلًّا مِنْهُمَا بِبَعْضِ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ؛ جَازَ؛ كَمَا فِي تَخْصِيصِ أَحَدِهِمَا بِصَلَاةِ النَّهَارِ وَالْآخَرِ بِصَلَاةِ اللَّيْلِ، فَإِنْ لَمْ يُخَصِّصْ فَهُمَا سَوَاءٌ وَأَيُّهُمَا سَبَقَ كَانَ أَحَقَّ، وَلَمْ يَكُنْ لِلْآخَرِ أَنْ يَؤُمَّ فِي تِلْكَ الصَّلَاةِ بِقَوْمٍ آخَرِينَ وَإِنْ حَضَرَا مَعًا وَتَنَازَعَا؛ أُقْرِعَ بَيْنَهُمَا؛ إذْ لَا مَزِيَّةَ لِأَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ.
(وَيَسْتَنِيبُ) مَنْ وَلَّاهُ السُّلْطَانُ أَوْ نَائِبُهُ (إنْ غَابَ) وَيَصِيرُ نَائِبُهُ أَحَقَّ لِقِيَامِهِ مَقَامَهُ، وَإِنْ غَابَ وَلَمْ يُقِمْ نَائِبًا؛ فَيُقَدَّمُ مَنْ رَضِيَهُ أَهْلُ الْمَسْجِدِ؛ لِتَعَذُّرِ إذْنِهِ (وَمَا بَنَاهُ أَهْلُ الشَّوَارِعِ وَالْقَبَائِلِ مِنْ الْمَسَاجِدِ فَالْإِمَامَةُ لِمَنْ رَضُوهُ) لَا اعْتِرَاضَ عَلَيْهِمْ فِي أَئِمَّةِ مَسَاجِدِهِمْ (فَإِنْ تَعَذَّرَ) اتِّفَاقُهُمْ عَلَى وَاحِدٍ (فَلِرَئِيسِ الْقَرْيَةِ) نَصْبُ إمَامٍ عَدْلٍ؛ لِأَنَّهُ مَحَلُّ حَاجَةٍ، وَقَدْ نَصَّ أَحْمَدُ عَلَى مِثْلِهِ (وَلَيْسَ لَهُمْ بَعْدَ الرِّضَا) بِهِ وَالِاتِّفَاقِ عَلَيْهِ (عَزْلُهُ) عَنْ إمَامَتِهِ؛ لِأَنَّ رِضَاهُمْ بِهِ كَالْوِلَايَةِ، فَلَمْ يَجُزْ صَرْفُهُ (مَا لَمْ يَتَغَيَّرْ حَالُهُ) بِنَحْوِ فِسْقٍ أَوْ مَا يَمْنَعُ الْإِمَامَةَ (لَكِنْ يَسْتَنِيبُ إنْ غَابَ) قَالَهُ فِي الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ؛ لِأَنَّ تَقْدِيمَ الْجِيرَانِ لَهُ لَيْسَ وِلَايَةً، وَإِنَّمَا قُدِّمَ لِرِضَاهُمْ بِهِ.
وَلَا يَلْزَمُ مِنْ رِضَاهُمْ بِهِ الرِّضَى بِنَائِبِهِ كَمَا فِي الْوَصِيِّ بِالصَّلَاةِ عَلَى مَيِّتٍ، بِخِلَافِ مَنْ وَلَّاهُ النَّاظِرُ أَوْ الْحَاكِمُ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ صَارَ لَهُ بِالْوِلَايَةِ، فَجَازَ أَنْ يَسْتَنِيبَ (وَأَقَلُّ مَا يُعْتَبَرُ فِي هَذَا الْإِمَامِ) الَّذِي نَصَّبَهُ جِيرَانُ الْمَسْجِدِ أَوْ رَئِيسُ الْقَرْيَةِ (الْعَدَالَةُ) ظَاهِرًا وَبَاطِنًا (وَالْقِرَاءَةُ الْوَاجِبَةُ) فِي الصَّلَاةِ (وَالْعِلْمُ بِأَحْكَامِ الصَّلَاةِ) وَمَا يُعْتَبَرُ بِهَا مِنْ صِحَّةٍ وَفَسَادٍ.
(قَالَ الْحَارِثِيُّ) : فَجُعِلَ نَصْبُ الْإِمَامِ فِي هَذَا النَّوْعِ
لِأَهْلِ الْمَسْجِدِ أَيْ: جِيرَانِهِ (وَالْأَصَحُّ أَنَّ لِلْإِمَامِ النَّصْبَ أَيْضًا) لِأَنَّهُ مِنْ الْأُمُورِ الْعَامَّةِ (لَكِنْ لَا يُنَصِّبُ إلَّا بِرِضَى الْجِيرَانِ) عِبَارَتُهُ لَا يُنَصِّبُ إلَّا مَنْ يَرْضَاهُ الْجِيرَانُ (وَكَذَا نَاظِرٌ خَاصٌّ، فَلَا يُنَصِّبُ مَنْ لَا يَرْضَوْنَهُ) أَيْ: الْجِيرَانُ؛ لِمَا فِي كِتَابِ أَبِي دَاوُد وَابْنِ مَاجَهْ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَقُولُ: ثَلَاثَةٌ لَا يَقْبَلُ اللَّهُ مِنْهُمْ صَلَاةً، مَنْ تَقَدَّمَ قَوْمًا وَهُمْ لَهُ كَارِهُونَ» .
وَذُكِرَ بَقِيَّةُ الْخَبَرِ، وَقَالَ الْحَارِثِيُّ أَيْضًا مَا مَعْنَاهُ: ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ لَيْسَ لِأَهْلِ الْمَسْجِدِ مَعَ وُجُودِ إمَامٍ أَوْ نَائِبِهِ نَصْبُ نَاظِرٍ فِي مَصَالِحِهِ وَوَقْفِهِ كَمَا فِي غَيْرِ الْمَسْجِدِ، فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ الْقَاضِي كَالْقُرَى الصِّغَارِ وَالْأَمَاكِنِ النَّائِيَةِ، أَوْ وُجِدَ وَكَانَ غَيْرَ مَأْمُونٍ أَوْ وُجِدَ وَهُوَ مَأْمُونٌ، لَكِنَّهُ يُنَصِّبُ غَيْرَ مَأْمُونٍ؛ فَلِأَهْلِهِ النَّصْبُ؛ تَحْصِيلًا لِلْغَرَضِ، وَدَفْعًا لِلْمَفْسَدَةِ، وَكَذَا مَا عَدَا الْمَسْجِدَ مِنْ الْأَوْقَافِ لِأَهْلِهِ نَصْبُ نَاظِرٍ فِيهِ كَذَلِكَ؛ أَيْ: لِعَدَمِ وُجُودِ الْقَاضِي الْمَأْمُونِ نَاصِبًا لِمَأْمُونٍ. قَالَ فِي " الْإِنْصَافِ ": (وَيَجِبُ أَنْ يُوَلَّى فِي الْوَظَائِفِ وَإِمَامَةِ الْمَسَاجِدِ الْأَحَقُّ شَرْعًا) وَأَنْ يَعْمَلَ بِمَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ مِنْ عَمَلٍ وَاجِبٍ.
وَقَالَ فِي " الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ ": الْإِمَامَةُ بِالنَّاسِ طَرِيقُهَا الْأَوْلَى لَا الْوُجُوبُ، بِخِلَافِ وِلَايَةِ الْقَضَاءِ وَالنِّقَابَةِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ تَرَاضَى النَّاسُ بِإِمَامٍ يُصَلِّي لَهُمْ صَحَّ (وَلَيْسَ لِلنَّاسِ أَنْ يُوَلُّوا عَلَيْهِمْ الْفُسَّاقُ) سَوَاءٌ كَانَتْ الْوِلَايَةُ خَاصَّةً أَوْ عَامَّةً قَالَ فِي " الْمُبْدِعِ ": وَالْحَاصِلُ إنْ كَانَ النَّظَرُ لِغَيْرِ مَوْقُوفٍ عَلَيْهِ، وَكَانَتْ وِلَايَتُهُ مِنْ حَاكِمٍ أَوْ نَاظِرٍ فَلَا بُدَّ فِيهِ مِنْ شَرْطِ الْعَدَالَةِ، وَإِنْ كَانَتْ وِلَايَتُهُ [مِنْ] وَاقِفٍ وَهُوَ فَاسِقٌ أَوْ عَدْلٌ فَفَسَقَ؛ صَحَّ، وَضُمَّ إلَيْهِ أَمِينٌ (وَمَنْ قُرِّرَ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ (بِوَظِيفَةٍ عَلَى وَفْقِ الشَّرْعِ حَرُمَ) عَلَى نَاظِرٍ وَغَيْرِهِ (صَرْفُهُ عَنْهَا بِلَا مُوجِبٍ شَرْعِيٍّ) يَقْتَضِي ذَلِكَ كَتَعْطِيلِهِ الْقِيَامَ بِهَا وَفِسْقٍ يُنَافِيهَا، وَلَهُ الِاسْتِنَابَةُ وَلَوْ عَيَّنَهُ وَاقِفٌ (وَمَنْ لَمْ يُقَمْ بِوَظِيفَةِ بَدَلٍ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ؛ أَيْ: غَيَّرَهُ مَنْ لَهُ الْوِلَايَةُ (بِمَنْ يَقُومُ بِهَا) تَحْصِيلًا لِغَرَضِ الْوَاقِفِ (إنْ لَمْ يَتُبْ وَيَلْتَزِمْ
الْوَاجِبَ) قُبِلَ صَرْفُهُ.
قَالَ فِي " النُّكَتِ ": وَلَوْ عُزِلَ مِنْ وَظِيفَةٍ لِلْفِسْقِ، ثُمَّ تَابَ لَمْ يَعُدْ إلَيْهَا. انْتَهَى.
وَإِنْ قَصَّرَ فَتَرَكَ بَعْضَ الْعَمَلِ لَمْ يَسْتَحِقَّ مَا قَابَلَهُ، وَإِنْ زَادَ عَلَى الْعَمَلِ الْمَشْرُوطِ لَمْ يَسْتَحِقَّ شَيْئًا عَلَى الزِّيَادَةِ
وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: (مَنْ وَقَفَ) وَقْفًا (عَلَى مُدَرِّسٍ وَفُقَهَاءَ فَلِنَاظِرٍ ثُمَّ حَاكِمٍ تَقْدِيرُ أَعْطِيَتِهِمْ)[فَلَوْ زَادَ النَّمَاءُ فَهُوَ لَهُمْ] وَلَيْسَ تَقْدِيرُ النَّاظِرِ أَمْرًا حَتْمًا كَتَقْدِيرِ الْحَاكِمِ بِحَيْثُ لَا يَجُوزُ لَهُ أَوْ لِغَيْرِهِ زِيَادَتُهُ وَنَقْصُهُ لِمَصْلَحَةٍ، وَقَرِيبٌ مِنْهُ تَغْيِيرُ أُجْرَةِ الْمِثْلِ وَنَفَقَتِهِ وَكِسْوَتِهِ؛ لِأَنَّهُ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَزْمَانِ وَالْأَحْوَالِ، وَلَيْسَ مِنْ نَقْضِ الِاجْتِهَادِ، بَلْ عَمَلٍ بِالِاجْتِهَادِ الثَّانِي لِتَغَيُّرِ السَّبَبِ، وَإِنْ قِيلَ إنَّ الْمُدَرِّسَ لَا يُزَادُ وَلَا يَنْقُصُ بِزِيَادَةِ النَّمَاءِ وَنَقْصِهِ لِلْمَصْلَحَةِ كَانَ بَاطِلًا؛ لِأَنَّهُ لَهُمْ (وَالْحُكْمُ بِتَقْدِيرِ مُدَرِّسٍ أَوْ غَيْرِهِ بَاطِلٌ لَمْ نَعْلَمْ أَحَدًا يُعْتَدُّ بِهِ قَالَ بِهِ) وَلَا بِمَا يُشْبِهُهُ.
(وَلَوْ نَفَّذَهُ حَاكِمٌ) . وَبُطْلَانُهُ لِمُخَالَفَتِهِ الشَّرْطَ وَالْعُرْفَ أَيْضًا (لِأَنَّهُ إنَّمَا يَجُوزُ أَنْ يُنَفِّذَ) الْحَاكِمُ (حُكْمَ مَنْ هُوَ أَهْلٌ) لِلْحُكْمِ كَالْمُجْتَهِدِ؛ لِأَنَّهُ (لِحُكْمِهِ مَسَاغٌ، وَالضَّرُورَةُ وَإِنْ أَلْجَأَتْ إلَى تَنْفِيذِ حُكْمِ الْمُقَلِّدِ، فَإِنَّمَا هُوَ) أَيْ: التَّنْفِيذُ يَسُوغُ (إذَا وَقَفَ) الْمُقَلِّدُ (عَلَى حَدِّ التَّقْلِيدِ) وَلَمْ يَتَجَاسَرْ عَلَى قَضِيَّةٍ لَوْ نَزَلَتْ عَلَى عُمَرَ لَجَمَعَ لَهَا أَهْلَ الشُّورَى (وَ) إنَّمَا كَانَ الْحُكْمُ بِالتَّقْدِيمِ بَاطِلًا (لِأَنَّهُ حُكْمٌ) عَلَى مَا سَيُوجَدُ؛ فَهُوَ كَحُكْمِ الْحَاكِمِ (فِي غَيْرِ مَحَلِّ وِلَايَةٍ) فُوِّضَ إلَيْهِ (الْحُكْمُ) بِهَا فَلَا يَنْفُذُ حُكْمُهُ (وَلِأَنَّ النَّمَاءَ لَمْ يُخْلَقْ بَعْدُ، وَإِنَّمَا قُدِّمَ الْقَيِّمُ وَنَحْوُ إمَامٍ وَمُؤَذِّنٍ؛ لِأَنَّ مَا يَأْخُذُهُ أُجْرَةُ عَمَلِهِ، وَلِهَذَا يَحْرُمُ أَخْذُهُ فَوْقَ أُجْرَةِ مِثْلِهِ بِلَا شَرْطٍ، بِخِلَافِ مُدَرِّسٍ وَمُعِيدٍ وَفُقَهَاءَ) أَيْ: مُتَفَقِّهَةٍ (فَإِنَّهُمْ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ، وَلِهَذَا كَانَ الْقِيَاسُ أَنْ يُسَوَّى بَيْنَهُمْ) .
قَالَ فِي " الْفَائِقِ ": وَلَوْ شُرِطَ عَلَى مُدَرِّسٍ أَوْ فُقَهَاءَ وَإِمَامٍ؛ فَلِكُلِّ جِهَةٍ الثُّلُثُ أَيْ: (وَإِنْ تَفَاوَتُوا فِي الْمَنْفَعَةِ كَالْجَيْشِ) فَإِنَّ فِيهِ الْمُقَاتِلَةَ وَغَيْرَهُمْ مَعَ أَنَّهُمْ (فِي الْمَغْنَمِ) سَوَاءٌ (لَكِنْ دَلَّ الْعُرْفُ عَلَى التَّفْضِيلِ) .
وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ أَيْضًا (لَوْ عَطَّلَ مُغِلٌّ) وَقْفَ (مَسْجِدٍ سَنَةً، قُسِّطَتْ أُجْرَةٌ مُسْتَقْبَلَةٌ عَلَيْهَا) أَيْ: عَلَى السَّنَةِ الَّتِي تَعَطَّلَ مُغِلُّهَا (وَعَلَى)
السَّنَةِ (الْمَاضِيَةِ) الَّتِي لَمْ يَتَعَطَّلْ مُغِلُّهَا لِتَقْوِيمِ الْوَظِيفَةِ فِيهَا؛ لِأَنَّهُ خَيْرٌ مِنْ التَّعْطِيلِ، وَلَا يُنْقِصُ الْإِمَامُ بِسَبَبِ تَعَطُّلِ الزَّرْعِ بَعْضَ الْعَامِ (وَ) قَالَ (فِي " الْفُرُوعِ ") فَقَدْ أَدْخَلَ يَعْنِي الشَّيْخَ تَقِيَّ الدِّينِ مُغِلَّ سَنَةٍ فِي سَنَةٍ، وَقَدْ (أَفْتَى غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَّا) ؛ أَيْ: الْحَنَابِلَةِ (فِي زَمَانِنَا فِيمَا نَقَصَ عَمَّا قَدَّرَهُ الْوَاقِفُ كُلَّ شَهْرٍ أَنَّهُ يُتَمِّمُ مَا بَعْدَهُ) وَحَكَمَ بِهِ بَعْضُهُمْ بَعْدَ سِنِينَ انْتَهَى.
وَفِي فَتَاوَى الشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ: إذَا وَقَفَ عَلَى مَصَالِحِ الْحَرَمِ وَعِمَارَتِهِ؛ فَالْقَائِمُونَ بِالْوَظَائِفِ الَّتِي يَحْتَاجُ إلَيْهَا الْمَسْجِدُ مِنْ التَّنْظِيفِ وَالْحِفْظِ وَالْفَرْشِ وَفَتْحِ الْأَبْوَابِ وَإِغْلَاقِهَا وَنَحْوِ ذَلِكَ يَجُوزُ الصَّرْفُ إلَيْهِمْ (وَمَا يَأْخُذُهُ الْفُقَهَاءُ مِنْ الْوَقْفِ فَكَرِزْقٍ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ) وَمَا يُؤْخَذُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ رِزْقٌ (لِلْإِعَانَةِ عَلَى الطَّاعَةِ وَالْعِلْمِ، لَا كَجُعْلٍ، أَوْ) ؛ أَيْ: (لَا) كَ (أُجْرَةٍ) عَلَى أَصَحِّ الْأَقْوَالِ الثَّلَاثَةِ. اخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي " التَّنْقِيحِ " وَلِذَلِكَ لَا يُشْتَرَطُ الْعِلْمُ بِالْقَدْرِ، وَيَنْبَنِي عَلَى هَذَا أَنَّ الْقَائِلَ بِالْمَنْعِ مِنْ الْأُجْرَةِ عَلَى نَوْعِ الْقُرْبِ لَا يَمْنَعُ مِنْ أَخْذِ الْمَشْرُوطِ فِي الْوَقْفِ. قَالَهُ الْحَارِثِيُّ فِي النَّاظِرِ (وَكَذَا مَا وُقِفَ عَلَى أَعْمَالِ بِرٍّ وَمُوصًى بِهِ وَمَنْذُورٌ لَهُ) لَيْسَ كَالْأُجْرَةِ وَالْجُعْلِ انْتَهَى.
وَقَالَ الْقَاضِي فِي خِلَافِهِ: وَلَا يُقَالُ إنَّ مِنْهُ مَا يُؤْخَذُ أُجْرَةٌ عَنْ عَمَلٍ كَالتَّدْرِيسِ وَنَحْوِهِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ أَوَّلًا: لَا نُسَلِّمُ أَنَّ ذَلِكَ أُجْرَةٌ مَحْضَةٌ، بَلْ هُوَ رِزْقٌ وَإِعَانَةٌ عَلَى الْعِلْمِ بِهَذِهِ الْأَمْوَالِ، وَهَذَا مُوَافِقٌ لِمَا قَالَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي " شَرْحِ الْمُنْتَهَى " قُلْت: وَعَلَى الْأَقْوَالِ الثَّلَاثَةِ حَيْثُ كَانَ الِاسْتِحْقَاقُ بِشَرْطٍ، فَلَا بُدَّ مِنْ وُجُودِهِ انْتَهَى. وَهَذَا فِي الْأَوْقَافِ الْحَقِيقِيَّةِ، وَأَمَّا الْأَوْقَافُ الَّتِي مِنْ بَيْتِ الْمَالِ كَأَوْقَافِ الْأُمَرَاءِ أَوْ الْمُلُوكِ فَلَيْسَتْ بِأَوْقَافٍ حَقِيقَةً، وَإِنَّمَا هِيَ أَوْقَافٌ بِالصُّورَةِ، فَكُلُّ مَنْ لَهُ الْأَكْلُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ لَهُ التَّنَاوُلُ مِنْهَا - وَإِنْ لَمْ يُبَاشِرْ الْمَشْرُوطَ - كَمَا أَفْتَى بِهِ صَاحِبُ " الْمُنْتَهَى " مُوَافَقَةً لِلشَّيْخِ الرَّمْلِيِّ وَغَيْرِهِ فِي وَقْفِ جَامِعِ طُولُونَ وَنَحْوِهِ.
وَفِي " الْيَنْبُوعِ لِلسُّيُوطِيِّ " فَرْعٌ ": نَذْكُرُ مَا ذَكَرَهُ أَصْحَابُنَا الْفُقَهَاءُ فِي الْوَظَائِفِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِأَوْقَافِ الْأُمَرَاءِ وَالسَّلَاطِينِ كُلِّهَا، إنْ كَانَ لَهَا أَصْلٌ مِنْ