الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[فَصْلٌ يَمْلِكُ الشِّقْصَ الْمَشْفُوعَ شَفِيعٌ مَلِيءٌ بِلَا حُكْمِ حَاكِمٍ]
(فَصْلٌ: وَيَمْلِكُ الشِّقْصَ) الْمَشْفُوعَ (شَفِيعٌ مَلِيءٌ بِلَا حُكْمِ) حَاكِمٍ؛ لِأَنَّهُ حَقٌّ ثَبَتَ بِالْإِجْمَاعِ، فَلَمْ يَفْتَقِرْ إلَى حُكْمِ حَاكِمٍ؛ كَالرَّدِّ بِالْعَيْبِ (بِقَدْرِ ثَمَنِهِ) الَّذِي اسْتَقَرَّ عَلَيْهِ شِرَاؤُهُ؛ لِحَدِيثِ جَابِرٍ مَرْفُوعًا:«هُوَ أَحَقُّ بِهِ بِالثَّمَنِ» . رَوَاهُ الْجُوزَجَانِيُّ فِي الْمُتَرْجَمِ. وَلِأَنَّ الشَّفِيعَ إنَّمَا اسْتَحَقَّ الشِّقْصَ بِالْبَيْعِ، فَكَانَ مُسْتَحِقًّا لَهُ بِالثَّمَنِ كَالْمُشْتَرِي. لَا يُقَالُ الشَّفِيعُ اسْتَحَقَّ أَخْذَ الشِّقْصِ بِغَيْرِ رِضَى مَالِكِهِ، فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَأْخُذَهُ بِقِيمَتِهِ؛ كَالْمُضْطَرِّ إلَى طَعَامِ غَيْرِهِ؛ لِأَنَّ الْمُضْطَرَّ اسْتَحَقَّهُ بِسَبَبِ حَاجَتِهِ، فَكَانَ الْمَرْجِعُ فِي بَدَلِهِ إلَى قِيمَتِهِ، وَالشَّفِيعُ اسْتَحَقَّهُ بِالْبَيْعِ، فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ بِالْعِوَضِ الثَّابِتِ بِهِ (الْمَعْلُومِ) لِلشَّفِيعِ؛ لِأَنَّ الْأَخْذَ بِالشُّفْعَةِ أَخْذٌ بِعِوَضِهَا، فَاشْتُرِطَ أَنْ يَعْلَمَهُ بَاذِلٌ قَبْلَ الْإِقْدَامِ عَلَى الْتِزَامِهِ؛ كَمُشْتَرِي الْمَبِيعِ، وَحَيْثُ تَقَرَّرَ هَذَا فَإِنْ كَانَ الثَّمَنُ مِنْ الْمِثْلِيَّاتِ كَالدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ أَوْ غَيْرِهِمَا مِنْ الْمِثْلِيَّاتِ كَالْحُبُوبِ وَالْأَدْهَانِ، فَإِنَّ الشَّفِيعَ (يَدْفَعُ) لِمُشْتَرٍ (مِثْلَ) ثَمَنِ (مِثْلِيٍّ) - أَيْ: قَدْرَهُ مِنْ جِنْسِهِ - (بِمِعْيَارِهِ الشَّرْعِيِّ) ؛ لِأَنَّ هَذَا مِثْلٌ مِنْ طَرِيقِ الصُّورَةِ وَالْقِيمَةِ، فَكَانَ أَوْلَى مِمَّا سِوَاهُ، وَلِأَنَّ الْوَاجِبَ بَدَلُ الثَّمَنِ، فَكَانَ مِثْلُهُ كَبَدَلِ الْقَرْضِ وَالْمُتْلَفِ. وَيَدْفَعُ لِمُشْتَرٍ (قِيمَةَ) ثَمَنٍ (مُتَقَوِّمٍ) مِنْ حَيَوَانٍ وَثِيَابٍ وَنَحْوِهَا؛ لِأَنَّهَا بَدَلَهُ فِي الْإِتْلَافِ، وَالْمُرَادُ قِيمَتُهُ وَقْتَ الشِّرَاءِ؛ لِأَنَّهُ وَقْتُ اسْتِحْقَاقِ الْأَخْذِ، وَالِاعْتِبَارُ بِزِيَادَةِ الْقِيمَةِ أَوْ نَقْصِهَا بَعْدَ ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ فِي الْبَيْعِ خِيَارٌ اُعْتُبِرَتْ الْقِيمَةُ عِنْدَ لُزُومِهِ؛ لِأَنَّهُ حِينَ اسْتِحْقَاقِ الْأَخْذِ. وَيَأْتِي.
(فَإِنْ تَعَذَّرَ) عَلَى شَفِيعٍ مِثْلُ (مِثْلِيٍّ) ؛ بِعَدَمِهِ فَعَلَيْهِ (قِيمَتُهُ إذَنْ) - أَيْ: يَوْمَ إعْوَازِهِ؛ لِأَنَّهَا بَدَلَهُ فِي الْإِتْلَافِ، (أَوْ) تَعَذَّرَتْ (مَعْرِفَةُ قِيمَةِ) ثَمَنٍ (مُتَقَوِّمٍ) بِتَلَفٍ أَوْ نَحْوِهِ؛ فَعَلَى شَفِيعٍ (قِيمَةُ شِقْصٍ) مَشْفُوعٍ إذَنْ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي عُقُودِ الْمُعَاوَضَاتِ أَنْ يَكُونَ الْعِوَضُ فِيهَا بِقَدْرِ الْقِيمَةِ؛ لِأَنَّهَا لَوْ وَقَعَتْ؛ بِأَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ لَكَانَتْ مُحَابَاةً وَالْأَصْلُ عَدَمُهَا
(وَيَتَّجِهُ) أَنَّهُ إذَا تَعَذَّرَتْ مَعْرِفَةُ قِيمَةِ الشِّقْصِ (يَوْمَ عَقْدٍ) ؛ لِأَنَّهُ وَقْتُ اسْتِحْقَاقِ الْأَخْذِ وَهُوَ مُتَّجِهٌ.
(وَإِنْ جَهِلَ ثَمَنَ) - أَيْ: قَدْرَهُ - كَمَا لَوْ كَانَ صُبْرَةَ نَقْدٍ، فَتَلِفَتْ، أَوْ اخْتَلَطَتْ بِمَا لَا تَتَمَيَّزُ مِنْهُ، (وَلَا) حِيلَةَ فِي ذَلِكَ عَلَى إسْقَاطِ الشُّفْعَةِ؛ (سَقَطَتْ) كَمَا لَوْ عَلِمَ قَدْرَ الثَّمَنِ عِنْدَ الشِّرَاءِ ثُمَّ نَسِيَ؛ لِأَنَّ الشُّفْعَةَ لَا تُسْتَحَقُّ بِغَيْرِ بَدَلٍ، وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَدْفَعَ إلَيْهِ مَا لَا يَدِّعِيهِ: فَإِنْ اتَّهَمَهُ الشَّفِيعُ بِأَنَّهُ فَعَلَ ذَلِكَ تَحَيُّلًا عَلَى إسْقَاطِ الشُّفْعَةِ؛ حَلَّفَهُ عَلَى نَفْيِ ذَلِكَ؛ لِاحْتِمَالِ صِدْقِ الشَّفِيعِ. وَإِنْ جَهِلَ الثَّمَنَ (مَعَهَا) - أَيْ: الْحِيلَةِ - فَعَلَى شَفِيعٍ (قِيمَةُ شِقْصٍ) ، وَيَأْخُذُهُ؛ إذْ الظَّاهِرُ أَنَّهُ أُبِيعَ بِقِيمَتِهِ.
(وَلَا يَلْزَمُ الْمُشْتَرِي تَسْلِيمُ شِقْصٍ) لِلشَّفِيعِ (قَبْلَ قَبْضِ ثَمَنِهِ) ؛ لِأَنَّ الشُّفْعَةَ أَمْرٌ قَهْرِيٌّ وَالْبَيْعُ عَنْ رِضًى، (وَإِنْ عَجَزَ شَفِيعٌ) عَنْ دَفْعِ ثَمَنِ الشِّقْصِ الْمَشْفُوعِ - (وَلَوْ) كَانَ عَجْزُهُ (عَنْ بَعْضِ ثَمَنِهِ) - لِأَنَّ فِي أَخْذِهِ بِدُونِ دَفْعِ جَمِيعِ الثَّمَنِ إضْرَارًا بِالْمُشْتَرِي، وَلَا يُزَالُ الضَّرَرُ بِالضَّرَرِ. وَالْعَجْزُ الْمُسْقِطُ لَهَا إنَّمَا يُعْتَبَرُ (بَعْدَ إنْظَارِهِ) بِالثَّمَنِ مِنْ حِينِ أَخَذَهُ بِالشُّفْعَةِ (ثَلَاثًا) - أَيْ: لَيَالٍ - بِأَيَّامِهِنَّ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ حَتَّى يَتَبَيَّنَ عَجْزُهُ. نَصَّ عَلَيْهِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى " وَ " الْمُحَرَّرِ " وَ " الْحَاوِي الصَّغِيرِ " وَالنَّظْمِ " وَ " تَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ "؛ لِأَنَّهُ قَدْ لَا يَكُونُ مَعَهُ تَعَدٍّ، فَيُمْهَلُ بِقَدْرِ مَا يَعُدُّهُ فِيهِ، وَالثَّلَاثُ آخِرُ حَدِّ جَمْعِ الْقِلَّةِ، وَيُمْكِنُ الْأَعْدَادُ فِيهَا غَالِبًا.
(وَلَوْ) كَانَ الشَّفِيعُ (مُفْلِسًا) ، لِاحْتِمَالِ تَحْصِيلِ الثَّمَنِ بِاتِّهَابٍ أَوْ غَيْرِهِ، فَإِنْ مَضَى عَلَيْهِ الْأَمَدُ، وَلَمْ يَأْتِ بِالثَّمَنِ؛ (فَلِمُشْتَرٍ) لَمْ يَرْضَ بِتَأْخِيرِ الثَّمَنِ حَيْثُ عَجَزَ الشَّفِيعُ عَنْهُ أَوْ هَرَبَ، وَقَدْ أَخَذَ [الشِّقْصَ] بِالشُّفْعَةِ (الْفَسْخُ) ؛ [لِأَنَّهُ تَعَذَّرَ عَلَيْهِ الْوُصُولُ
إلَى الثَّمَنِ، فَمَلَكَ الْفَسْخَ؛ كَبَائِعٍ بِثَمَنٍ حَالٍّ تَعَذَّرَ وُصُولُهُ إلَيْهِ بِلَا حُكْمِ] حَاكِمٍ؛ لِأَنَّ الْأَخْذَ بِالشُّفْعَةِ لَا يَقِفُ عَلَى حُكْمِ الْحَاكِمِ؛ فَلَا يَقِفُ فَسْخُ الْأَخْذِ بِهَا عَلَيْهِ؛ كَفَسْخِ غَيْرِهَا مِنْ الْبُيُوعِ وَكَالرَّدِّ بِالْعَيْبِ
(وَلَوْ أُتِيَ) الشَّفِيعُ (لَهُ) - أَيْ: الْمُشْتَرِي (بِرَهْنٍ) عَلَى الثَّمَنِ - وَلَوْ كَانَ الرَّهْنُ مُحْرَزًا - (أَوْ أَتَى بِضَامِنٍ) لَهُ فِيهِ - وَلَوْ مَلِيًّا - لِأَنَّ الضَّرَرَ بِتَحْصِيلِ الثَّمَنِ حَاصِلٌ مَعَهَا، وَالشُّفْعَةُ لِدَفْعِ الضَّرَرِ؛ فَلَا تَثْبُتُ مَعَهُ، وَلِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ لَا يَلْزَمُهُ تَسْلِيمُ الشِّقْصِ قَبْلَ قَبْضِ ثَمَنِهِ. قَالَ فِي " التَّلْخِيصِ " وَغَيْرِهِ: وَفُرِّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْبَيْعِ.
(وَمَنْ) أَخَذَ الشِّقْصَ بِالشُّفْعَةِ، وَ (بَقِيَ) ثَمَنُهُ (بِذِمَّتِهِ حَتَّى فُلِّسَ) ؛ أَيْ: حَجَرَ عَلَيْهِ الْحَاكِمُ لِفَلَسٍ؛ (خُيِّرَ مُشْتَرٍ بَيْنَ فَسْخٍ) لِلْأَخْذِ بِالشُّفْعَةِ أَوْ إمْضَائِهِ، (وَضَرَبَ مَعَ الْغُرَمَاءِ) بِالثَّمَنِ كَالْبَائِعِ إذَا أَفْلَسَ مُشْتَرٍ، (وَ) ثَمَنٍ (مُؤَجَّلٍ) أَخَذَ بِهِ الْمُشْتَرِي الشِّقْصَ، وَلَمْ يُدْرِكْ الشَّفِيعُ الْأَخْذَ حَتَّى (حَلَّ) عَلَى مُشْتَرٍ كَثَمَنٍ (حَالٍّ) ؛ أَيْ: كَمَا لَوْ اشْتَرَى بِهِ حَالًّا، قَالَ فِي " الْفُرُوعِ ":(وَإِلَّا) يَحِلُّ الثَّمَنُ الْمُؤَجَّلُ قَبْلَ أَخْذِ الشَّفِيعِ الشِّقْصَ بِالشُّفْعَةِ، فَإِنَّهُ يَأْخُذُهُ بِهِ (إلَى أَجَلِهِ إنْ كَانَ) الشَّفِيعُ (مَلِيئًا) - أَيْ: قَادِرًا - (أَوْ كَفَّلَهُ) فِيهِ كَفِيلٌ (مَلِيءٌ) نَصَّ عَلَيْهِ وَعَلَيْهِ الْأَكْثَرُ؛ لِأَنَّهُ تَابِعٌ لِلْمُشْتَرِي فِي الثَّمَنِ وَصِفَتِهِ، وَالتَّأْجِيلُ مِنْ صِفَاتِهِ، وَيَنْتَفِي عَنْهُ الضَّرَرُ بِكَوْنِهِ مَلِيئًا، أَوْ كَفِيلُهُ مَلِيءٌ، وَإِذَا أَخَذَهُ بِالثَّمَنِ مُؤَجَّلًا، ثُمَّ مَاتَ هُوَ أَوْ مُشْتَرٍ، فَحَلَّ عَلَى أَحَدِهِمَا لَمْ يَحِلَّ عَلَى الْآخَرِ.
(وَيَتَّجِهُ وَإِلَّا) يَكُنْ الشَّفِيعُ مَلِيئًا؛ (فَسَخَ) الْمُشْتَرِي عَقْدَ التَّمَلُّكِ بِالشُّفْعَةِ (إنْ لَمْ يُوَثِّقْهُ) الشَّفِيعُ بِكَفِيلٍ مَلِيءٍ؛ إذْ التَّوْثِقَةُ شَرْطٌ لِلُّزُومِ التَّمَلُّكِ كَالْمَلَاءَةِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ.
[ (وَيُعْتَدُّ) فِي قَدْرِ ثَمَنٍ](بِمَا زِيدَ) فِي قَدْرِ ثَمَنٍ (بِمَا زِيدَ) فِيهِ زَمَنَ خِيَارِ مَجْلِسٍ أَوْ شَرْطٍ، (أَوْ حَطَّ) مِنْهُ (زَمَنَ خِيَارٍ) ؛ لِأَنَّ زَمَنَ الْخِيَارِ بِمَنْزِلَةِ حَالَةِ الْعَقْدِ، وَالتَّغْيِيرُ يَلْحَقُ بِالْعَقْدِ فِيهِ؛ لِأَنَّهُمَا عَلَى اخْتِيَارِهِمَا فِيهِ، وَلِأَنَّ حَقَّ الشَّفِيعِ إنَّمَا يَثْبُتُ إذَا لَزِمَ الْعَقْدُ، فَاعْتُبِرَ الْقَدْرُ الَّذِي لَزِمَ الْعَقْدُ عَلَيْهِ، وَلِأَنَّ الزِّيَادَةَ بَعْدَ لُزُومِ الْعَقْدِ هِبَةٌ وَالنَّقْصُ إبْرَاءٌ، فَلَا يَثْبُتُ شَيْءٌ مِنْهُمَا فِي حَقِّ الشَّفِيعِ.
(وَيُصَدَّقُ مُشْتَرٍ بِيَمِينِهِ) فِيمَا إذَا اخْتَلَفَ هُوَ وَالشَّفِيعُ (فِي قَدْرِ ثَمَنٍ) اشْتَرَى بِهِ الشِّقْصَ حَيْثُ لَا بَيِّنَةَ؛ (لِمُبَاشَرَتِهِ) الْعَقْدَ، وَهُوَ أَعْرَفُ بِالثَّمَنِ، وَلِأَنَّ الشِّقْصَ مِلْكُهُ؛ فَلَا يُنْتَزَعُ مِنْهُ بِدُونِ مَا يَدَّعِي بِهِ مِنْ قَدْرِ الثَّمَنِ مِنْ غَيْرِ بَيِّنَةٍ.
(وَ) كَذَا (لَوْ) كَانَ الثَّمَنُ (قِيمَةَ عَرْضٍ) اشْتَرَى بِهِ الشِّقْصَ، وَقَالَ الشَّفِيعُ: قِيمَتُهُ عِشْرُونَ. وَقَالَ الْمُشْتَرِي: بَلْ ثَلَاثُونَ؛ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي فِي قَدْرِ قِيمَةِ الْعَرْضِ الْمُشْتَرَى بِهِ بِيَمِينِهِ حَيْثُ لَا بَيِّنَةَ؛ لِمَا تَقَدَّمَ.
وَمَحَلُّ ذَلِكَ حَيْثُ لَمْ يَكُنْ الْعَرْضُ مَوْجُودًا، فَإِنْ كَانَ مَوْجُودًا عُرِضَ عَلَى الْمُقَوِّمِينَ لِيَشْهَدُوا بِمَا يَعْلَمُونَهُ مِنْ قَدْرِ قِيمَتِهِ، وَيُصَدَّقُ الْمُشْتَرِي بِيَمِينِهِ أَيْضًا (فِي جَهْلِ قَدْرِ ثَمَنٍ) ، كَتَصْدِيقِهِ بِيَمِينِهِ فِي جَهْلٍ بِقِيمَةِ الْعَرْضِ الْمُشْتَرَى بِهِ؛ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ اشْتَرَاهُ جُزَافًا أَوْ بِثَمَنٍ نَسِيَ مَبْلَغَهُ، وَيُصَدَّقُ الْمُشْتَرِي أَيْضًا بِيَمِينِهِ فِي (أَنَّهُ غَرَسَ أَوْ بَنَى) فِي الْأَرْضِ الَّتِي مِنْهَا الشِّقْصُ الْمَشْفُوعُ فِيمَا إذَا أَنْكَرَ الشَّفِيعُ أَنَّهُ أَحْدَثَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ مِلْكُ الْمُشْتَرِي وَالشَّفِيعُ يُرِيدُ تَمَلُّكَهُ عَلَيْهِ، فَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ الْمَالِكِ (إلَّا مَعَ بَيِّنَةِ شَفِيعٍ) فَيُعْمَلُ بِهَا.
(وَتُقَدَّمُ) بَيِّنَةُ شَفِيعٍ (عَلَى بَيِّنَةِ مُشْتَرٍ) إنْ أَقَامَا بَيِّنَتَيْنِ؛ لِأَنَّهَا بِمَنْزِلَةِ بَيِّنَةِ الْخَارِجِ. (وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ بَائِعٍ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا) - أَيْ الشَّفِيعِ أَوْ الْمُشْتَرِي - لِأَنَّهُ مُتَّهَمٌ، وَيُقْبَلُ عَدْلٌ وَامْرَأَتَانِ أَوْ شَاهِدٌ وَيَمِينٌ.
(وَإِنْ قَالَ) مُشْتَرٍ لِشِقْصٍ: (اشْتَرَيْته بِأَلْفٍ وَأَثْبَتَهُ) - أَيْ: الشِّرَاءَ - (بَائِعٌ بِأَكْثَرَ) مِنْ أَلْفٍ؛ (أَخَذَهُ) - أَيْ:
الشِّقْصَ - (شَفِيعٌ بِأَلْفٍ) ؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ مُقِرٌّ لَهُ بِاسْتِحْقَاقِ أَخْذِهِ بِأَلْفٍ؛ فَلَمْ يُسْتَحَقَّ الرُّجُوعُ بِأَكْثَرَ، وَلِأَنَّ دَعْوَى الْمُشْتَرِي تَتَضَمَّنُ دَعْوَى كَذِبِ الْبَيِّنَةِ، وَلِأَنَّ الْبَائِعَ ظَلَمَهُ فِيمَا زَادَ عَلَى الْأَلْفِ؛ فَلَا يُحْكَمُ لِلْمُشْتَرِي عَلَى الشَّفِيعِ بِمَا زَادَ عَلَى الْأَلْفِ، وَإِنَّمَا حُكِمَ بِهِ لِلْبَائِعِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُكَذِّبُهَا. (فَإِنْ قَالَ) مُشْتَرٍ: صَدَقَتْ الْبَيِّنَةُ (وَغَلِطْت) أَنَا (أَوْ نَسِيت أَوْ كَذَبْت؛ لَمْ يُقْبَلْ) رُجُوعُهُ عَنْ قَوْلِهِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ رُجُوعٌ عَنْ إقْرَارٍ تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ غَيْرِهِ؛ أَشْبَهَ مَا لَوْ أَقَرَّ لَهُ بِدَيْنٍ.
(وَإِنْ ادَّعَى شَفِيعٌ) عَلَى مَنْ انْتَقَلَ إلَيْهِ شِقْصٌ كَانَ لِشَرِيكِهِ (شِرَاءَهُ) - أَيْ: الشِّقْصِ الْمُشْتَرَى - قَائِلًا: إنَّك اشْتَرَيْت هَذَا الشِّقْصَ (بِأَلْفٍ) فَلِي الشُّفْعَةُ احْتَاجَ إلَى تَحْرِيرِ الدَّعْوَى، فَيُحَدِّدُ الْمَكَانَ الَّذِي مِنْهُ الشِّقْصُ، وَيَذْكُرُ قَدْرَهُ وَثَمَنَهُ، فَإِنْ اعْتَرَفَ غَرِيمُهُ وَجَبَتْ الشُّفْعَةُ، وَإِنْ أَنْكَرَ الشِّرَاءَ (فَقَالَ: بَلْ اتَّهَبْته أَوْ وَرِثْته) ، فَلَا شُفْعَةَ لَك فِيهِ؛ (حَلَفَ) عَلَيْهِ، وَلَا شُفْعَةَ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ مَعَهُ، وَالْمُثْبِتُ لِلشُّفْعَةِ الْبَيْعُ، وَلَمْ يَتَحَقَّقْ، (فَإِنْ نَكَلَ) عَنْ الْيَمِينِ ثَبَتَتْ، (أَوْ قَامَتْ لِشَفِيعٍ بَيِّنَةٌ) بِالْبَيْعِ ثَبَتَتْ، (أَوْ أَنْكَرَ) مُدَّعًى عَلَيْهِ الشِّرَاءَ (أَوْ أَقَرَّ بَائِعٌ) بِهِ (ثَبَتَتْ) الشُّفْعَةُ؛ لِثُبُوتِ مُوجِبِهَا، وَمَتَى انْتَزَعَ مِنْهُ الشِّقْصَ، وَأَبَى قَبْضَ الثَّمَنِ، فَإِنَّهُ (يَبْقَى الثَّمَنُ حَتَّى فِي) الْمَسْأَلَةِ (الْأَخِيرَةِ إنْ أَقَرَّ بَائِعٌ بِقَبْضِهِ) - أَيْ الثَّمَنِ - مِمَّا انْتَزَعَ مِنْهُ الشِّقْصَ (فِي ذِمَّةِ شَفِيعٍ) مُتَعَلِّق بِيَبْقَى؛ لِوُصُولِ كُلٍّ مِنْهُمَا إلَى مَقْصُودِهِ بِدُونِ الْمُحَاكَمَةِ (حَتَّى يَدَّعِيَهُ مُشْتَرٍ) ، فَيُدْفَعَ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَا مُسْتَحِقَّ لَهُ غَيْرُهُ، وَلَا يَكُونُ إنْكَارُ الْمُشْتَرِي لِلْبَيْعِ مُسْقِطًا لِحَقِّهِ؛ لِئَلَّا يَلْزَمَ أَخْذُ الشَّفِيعِ الشِّقْصَ مِنْ غَيْرِ عِوَضٍ.
(وَإِنْ لَمْ يُقِرَّ بَائِعٌ بِقَبْضِهِ) الثَّمَنَ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأَخِيرَةِ (أَخَذَ) الشَّفِيعُ (هُوَ - أَيْ: الشِّقْصَ - مِنْهُ) - أَيْ مِنْ الْبَائِعِ - (وَدَفَعَ إلَيْهِ الثَّمَنَ) ؛ لِأَنَّهُ مُعْتَرِفٌ بِالْبَيْعِ الْمُوجِبِ لِلشُّفْعَةِ، وَالْمُشْتَرِي يُنْكِرُهُ، فَأُخِذَ بِإِقْرَارِهِ؛ لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِحَقَّيْنِ حَقٍّ لِلشَّفِيعِ وَحَقٍّ لِلْمُشْتَرِي، فَإِذَا سَقَطَ حَقُّ الْمُشْتَرِي بِإِنْكَارِهِ ثَبَتَ حَقُّ الْآخَرِ.