الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْهِبَةُ، فَيَحْصُلُ لِوَرَثَتِهِ أَرْبَعَةُ أَخْمَاسٍ، وَلِعَصَبَتِهَا خُمُسُهُ انْتَهَى.
وَوَجْهُ إفْضَاءِ ذَلِكَ إلَى الدَّوْرِ أَنَّا تَبَيَّنَّا بِمَوْتِ الزَّوْجَةِ قَبْلَهُ أَنَّ الْهِبَةَ لِغَيْرِ وَارِثٍ؛ فَتَصِحُّ فِي ثُلُثِهِ عِنْدَ الْمَوْتِ، فَقَدْ صَحَّتْ فِي قَدْرٍ مِنْ مَالِهِ عِنْدَ الْهِبَةِ، وَعَادَ إلَيْهِ نَصِيبُهُ بِالْمِيرَاثِ، وَيَزِيدُ ثُلُثُهُ بِذَلِكَ، وَإِذَا زَادَ ثُلُثُهُ زَادَ الْقَدْرُ الَّذِي صَحَّتْ الْهِبَةُ فِيهِ فَيَدُورُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُعْلَمُ مَا صَحَّتْ فِيهِ الْهِبَةُ حَتَّى يُعْلَمَ الْمِيرَاثُ، وَلَا يُعْلَمُ الْمِيرَاثُ حَتَّى يُعْلَمَ مَا صَحَّتْ فِيهِ الْهِبَةُ، فَيُعْمَلُ بِطَرِيقِ الْجَبْرِ، لِأَنَّهَا تُخْرِجُ الْمَجْهُولَاتِ؛ إذْ هِيَ مَوْضُوعَةٌ لِذَلِكَ، فَيُقَالُ صَحَّتْ الْهِبَةُ فِي شَيْءٍ؛ لِأَنَّ الشَّيْءَ يَصْدُقُ عَلَى كُلِّ مَجْهُولِ الْقَدْرِ، وَعَادَ إلَيْهِ نِصْفُهُ بِالْإِرْثِ، فَيَبْقَى لِوَرَثَتِهَا نِصْفُ شَيْءٍ، وَلِوَرَثَتِهِ الْمَالُ كُلُّهُ إلَّا نِصْفُ شَيْءٍ، وَذَلِكَ يَعْدِلُ شَيْئَيْنِ؛ لِأَنَّا صَحَّحْنَا الْهِبَةَ فِي شَيْءٍ فَيَكُونُ لِوَرَثَتِهِ مِثْلَا ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْهِبَةَ صَحَّتْ فِي ثُلُثِ الْمَالِ، وَبَقِيَ لِوَرَثَتِهِ ثُلُثَاهُ، فَإِذَا كَانَ الثُّلُثُ شَيْئًا يَكُونُ الثُّلُثَانِ شَيْئَيْنِ، فَاجْبُرْ الْمَالَ بِنِصْفِ شَيْءٍ، وَقَابِلْ بِأَنْ تَزِيدَ عَلَى مَا يُعَادِلُهُ نِصْفَ شَيْءٍ مِثْلَ مَا جَبَرَتْ بِهِ، يَصِيرُ الْمَالُ كُلُّهُ يَعْدِلُ شَيْئَيْنِ وَنِصْفَ شَيْءٍ، فَيَكُونُ الشَّيْءُ خُمْسَيْنِ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَلِوَرَثَةِ الزَّوْجِ الشَّيْئَيْنِ أَرْبَعَةُ أَخْمَاسِ الْمَالِ، وَلِعَصَبَتِهَا نِصْفُ شَيْءٍ وَهُوَ خُمْسُ الْمَالِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
[فَصْلٌ حُكْمُ إقْرَارِ الْمَرِيضِ]
(فَصْلٌ: وَلَوْ)(أَقَرَّ) مَرِيضٌ مَلَكَ ابْنَ عَمِّهِ فِي صِحَّتِهِ حَالَ كَوْنِ إقْرَارِهِ (بِمَرَضِهِ) أَيْ: مَرَضِ الْمَوْتِ الْمَخُوفِ (أَنَّهُ أَعْتَقَ نَحْوَ ابْنِ عَمِّهِ) كَابْنِ ابْنِ عَمِّهِ، أَوْ ابْنِ عَمِّ أَبِيهِ وَنَحْوِهِ (فِي) حَالِ (صِحَّتِهِ) عَتَقَ مِنْ رَأْسِ مَالِهِ وَوَرِثَهُ
(أَوْ مَلَكَ) الْمَرِيضُ فِي مَرَضِهِ (مَنْ يُعْتَقُ عَلَيْهِ) كَأَخِيهِ وَأَبِيهِ، وَكَانَ مِلْكُهُ لِذَلِكَ فِي الْمَرَضِ (بِهِبَةٍ أَوْ وَصِيَّةِ عَتَقَ) الْمُقَرُّ بِعِتْقِهِ فِي الصِّحَّةِ وَالْحَادِثِ مِلْكُهُ بِالْهِبَةِ وَالْوَصِيَّةِ فِي الْمَرَضِ (مِنْ رَأْسِ مَالِهِ) لِأَنَّهُ تَبَرُّعٌ فِيهِ، إذْ التَّبَرُّعُ بِالْمَالِ إنَّمَا هُوَ بِالْعَطِيَّةِ أَوْ الْإِتْلَافِ أَوْ التَّسَبُّبِ إلَيْهِ، وَهَذَا لَيْسَ بِوَاحِدٍ مِنْهَا، وَالْعِتْقُ لَيْسَ مِنْ فِعْلِهِ وَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى اخْتِيَارِهِ؛ فَهُوَ كَالْحُقُوقِ الَّتِي تَلْزَمُ بِالشَّرْعِ، وَقَبُولُ الْهِبَةِ وَنَحْوِهَا لَيْسَ بِعَطِيَّةٍ وَلَا إتْلَافٍ لِمَالِهِ، وَإِنَّمَا هُوَ تَحْصِيلٌ لِشَيْءٍ تَلِفَ بِتَحْصِيلِهِ، فَأَشْبَهَ قَبُولَهُ الشَّيْءِ لَا يُمْكِنُهُ حِفْظُهُ، وَفَارَقَ الشِّرَاءَ فَإِنَّهُ تَضْيِيعٌ لِمَالِهِ
فِي ثَمَنِهِ (وَوَرِثَ) لِأَنَّهُ لَا مَانِعَ بِهِ مِنْ مَوَانِعِ الْإِرْثِ أَشْبَهَ غَيْرَهُ مِنْ الْأَحْرَارِ، وَلَيْسَ ذَلِكَ وَصِيَّةً، وَإِلَّا لَاعْتُبِرَ مِنْ الثُّلُثِ (فَلَوْ)(اشْتَرَى) الْمَرِيضُ (نَحْوَ ابْنِهِ) كَأَخِيهِ وَعَمِّهِ (بِمِائَةٍ) وَلَا يَمْلِكُ غَيْرَهَا سِوَى مِائَتَيْنِ (وَ) هُوَ (يُسَاوِي أَلْفًا) فَقَدْرُ الْمُحَابَاةِ الصَّادِرَةِ مِنْ الْبَائِعِ لِلْمَرِيضِ، وَهُوَ تِسْعُمِائَةٍ (مِنْ رَأْسِ مَالِهِ) أَيْ: فَلَا يُحْتَسَبُ بِهَا فِي التَّرِكَةِ وَلَا عَلَيْهَا، وَعَتَقَ بِالشِّرَاءِ إنْ خَرَجَ ثَمَنُهُ مِنْ الثُّلُثِ (وَتَحْسِبُ الثَّمَنَ) الَّذِي هُوَ الْمِائَةُ فِي الْمَسْأَلَةِ.
(وَثَمَنُ كُلِّ مَنْ يَعْتِقُ عَلَيْهِ) - أَيْ: الْمَرِيضِ - إذَا اشْتَرَاهُ فِي مَرَضِهِ (مِنْ ثُلُثِهِ) لِأَنَّهُ عَتَقَ فِي الْمَرَضِ، فَحُسِبَ مِنْ الثُّلُثِ؛ كَمَا لَوْ كَانَ الْعَتِيقُ أَجْنَبِيًّا.
فَلَوْ كَانَ ابْنًا وَاشْتَرَاهُ بِأَلْفٍ وَلَهُ غَيْرُهُ ابْنٌ حُرٌّ وَأَلْفَانِ؛ عَتَقَ وَشَارَكَ أَخَاهُ فِي الْأَلْفَيْنِ.
(وَيَرِثُ) مِنْ الْمَرِيضِ ذُو رَحِمِهِ الَّذِي اشْتَرَاهُ فِي مَرَضِهِ مِنْ ثُلُثِهِ نَصًّا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقُمْ بِهِ مَانِعٌ مِنْ الْإِرْثِ أَشْبَهَ غَيْرَهُ (فَلَوْ اشْتَرَى) الْمَرِيضُ (أَبَاهُ بِكُلِّ مَالِهِ) وَمَاتَ (وَتَرَكَ ابْنًا عَتَقَ ثُلُثُ الْأَبِ بِمُجَرَّدِ شِرَائِهِ عَلَى الْمَيِّتِ، وَلَهُ وَلَاؤُهُ) - أَيْ: الثُّلُثِ - لِأَنَّهُ الْمُبَاشِرَ لِسَبَبِ عِتْقِهِ (وَوَرِثَ) الْأَبُ (بِثُلُثِهِ الْحُرِّ مِنْ نَفْسِهِ ثُلُثَ سُدُسِ بَاقِيهَا الْمَوْقُوفِ) لِأَنَّ فَرْضَهُ السُّدُسُ لَوْ كَانَ تَامَّ الْحُرِّيَّةِ، فَلَهُ بِثُلُثِهَا ثُلُثُ السُّدُسِ (وَلَا وَلَاءَ) لِأَحَدٍ (عَلَى هَذَا الْجُزْءِ) الَّذِي وَرِثَهُ مِنْ نَفْسِهِ (وَبَقِيَّةُ الثُّلُثَيْنِ) وَهِيَ خَمْسَةُ أَسْدَاسِ الْأَبِ وَثُلُثَا سُدُسِهِ (تَعْتِقُ عَلَى الِابْنِ) بِمِلْكِهِ لَهَا مِنْ جَدِّهِ (وَلَهُ وَلَاؤُهَا) لِعِتْقِهَا عَلَيْهِ (وَتَصِحُّ الْمَسْأَلَةُ مِنْ سَبْعَةٍ وَعِشْرِينَ، تِسْعَةٌ مِنْهَا وَهِيَ الثُّلُثُ تَعْتِقُ عَلَى الْمَيِّتِ وَلَهُ وَلَاؤُهَا، وَسَهْمٌ مِنْهَا يَعْتِقُ عَلَى نَفْسِهِ لَا وَلَاءَ عَلَيْهِ) لِأَحَدٍ، (وَهُوَ ثُلُثُ سُدُسِ الثُّلُثَيْنِ، وَيَبْقَى سَبْعَةَ عَشَرَ سَهْمًا لِلِابْنِ تَعْتِقُ عَلَيْهِ) وَلَهُ وَلَاؤُهَا.
(وَلَوْ كَانَ الثَّمَنُ) الَّذِي اشْتَرَى بِهِ الْمَرِيضُ أَبَاهُ وَلَا يَمْلِكُ غَيْرَهُ (تِسْعَةُ دَنَانِيرَ، وَقِيمَتُهُ) - أَيْ: الْأَبِ (سِتَّةٌ؛ تَحَاصَّا) - أَيْ: الْبَائِعُ وَالْأَبُ فِي ثُلُثِ التِّسْعَةِ؛ لِأَنَّ مِلْكَ الْمَرِيضِ لِأَبِيهِ مُقَارِنٌ لِمِلْكِ الْبَائِعِ لِثَمَنِهِ، فَقَدْ حَصَلَ مِنْهُ عَطِيَّتَانِ مِنْ عَطَايَا الْمَرِيضِ، مُحَابَاةُ الْبَائِعِ بِثُلُثِ الْمَالِ، وَعِتْقُ الْأَبِ.
وَفِي كُلٍّ مِنْهُمَا عَطِيَّةٌ مُنَجَّزَةٌ، فَتَحَاصَّا لِتَقَارُنِهِمَا (فَكَانَ ثُلُثُ الثُّلُثِ) - وَهُوَ دِينَارٌ - (لِلْبَائِعِ مُحَابَاةً، وَثُلُثَاهُ لِلْأَبِ عِتْقًا يُعْتَقُ بِهِ ثُلُثُ رَقَبَتِهِ، وَيَرُدُّ الْبَائِعُ) مِنْ الْمُحَابَاةِ (دِينَارَيْنِ) لِبُطْلَانِهِمَا فِيهِمَا (وَيَكُونُ ثُلُثَا) رَقَبَةِ (الْأَبِ مَعَ الدِّينَارَيْنِ) اللَّذَيْنِ رَدَّهُمَا الْبَائِعُ (مِيرَاثًا) يَرِثُ مِنْهُ الْأَبُ بِثُلُثِهِ الْحُرِّ ثُلُثَ سُدُسِ ذَلِكَ، وَالْبَاقِي لِلِابْنِ، وَيَعْتِقُ عَلَيْهِ بَاقِي جَدِّهِ كَمَا تَقَدَّمَ.
(وَإِنْ عَتَقَ) مَنْ اشْتَرَاهُ الْمَرِيضُ مِنْ أَقَارِبِهِ (عَلَى وَارِثِهِ) دُونَهُ؛ بِأَنْ يَكُونَ أَخًا لِابْنِ عَمِّهِ الْوَارِثِ لَهُ، فَاشْتَرَاهُ (صَحَّ) شِرَاؤُهُ (وَعَتَقَ عَلَيْهِ) - أَيْ: عَلَى أَخِيهِ - لِدُخُولِهِ فِي مِلْكِهِ بِإِرْثِهِ لَهُ مِنْ ابْن عَمِّهِ، فَلَا يَرِثُ مَعَهُ (وَإِنْ دَبَّرَ) الْمَرِيضُ (نَحْوَ ابْنِ عَمِّهِ) كَابْنِ عَمِّ أَبِيهِ (عَتَقَ) بِمَوْتِهِ (وَلَمْ يَرِثْ) مِنْهُ (لِأَنَّ الْإِرْثَ قَارَنَ الْحُرِّيَّةَ وَلَا سَبْقَ) فَلَمْ يَكُنْ أَهْلًا لِلْإِرْثِ حِينَئِذٍ.
وَإِنْ قَالَ الْمَرِيضُ لِابْنِ عَمِّهِ وَنَحْوِهِ (أَنْتَ حُرٌّ آخِرَ حَيَاتِي) ثُمَّ مَاتَ الْمَرِيضُ؛ (عَتَقَ) ابْنُ عَمِّهِ وَنَحْوُهُ؛ لِوُجُودِ شَرْطِ عِتْقِهِ (وَوَرِثَ) لِسَبْقِ الْحُرِّيَّةِ الْإِرْثَ، بِخِلَافِ مَنْ عَلَّقَ عِتْقَهُ بِمَوْتِ قَرِيبِهِ؛ كَمَنْ قَالَ لَهُ سَيِّدُهُ: إنْ مَاتَ أَخُوك الْحُرُّ فَأَنْتَ حُرٌّ فَإِذَا مَاتَ أَخُوهُ عَتَقَ، وَلَمْ يَرِثْهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ حُرًّا حَالَ الْإِرْثِ (وَلَيْسَ عِتْقُهُ) - أَيْ: الْمَقُولِ لَهُ أَنْتَ حُرٌّ آخِرَ حَيَاتِي - (وَصِيَّةٌ) لَهُ حَتَّى يَكُونَ وَصِيَّةً لِوَارِثٍ، فَتَبْطُلُ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ يَقَعُ فِي آخِرِ الْحَيَاةِ، وَالْوَصِيَّةُ تَبَرُّعٌ بَعْدَ الْمَوْتِ، لَا إنْ قَالَ الْمَرِيضُ لِابْنِ عَمِّهِ وَنَحْوِهِ:(أَنْتَ حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِي، أَوْ) قَالَ لَهُ: أَنْتَ حُرٌّ (مَعَهُ) - أَيْ: مَعَ مَوْتِي؛ لَمْ يَرِثْ لِمُقَارَنَةِ الْحُرِّيَّةِ الْإِرْثَ، وَعَدَمِ سَبْقِهَا لَهُ.
(وَلَوْ أَعْتَقَ) الْمَرِيضُ (أَمَتَهُ وَتَزَوَّجَهَا فِي مَرَضِهِ) ثُمَّ مَاتَ، (وَرِثَتْهُ) نَصًّا حَيْثُ خَرَجَتْ مِنْ الثُّلُثِ؛ لِعَدَمِ الْمَانِعِ (وَعَتَقَتْ إنْ خَرَجَتْ مِنْ الثُّلُثِ، وَصَحَّ النِّكَاحُ) لِحُرِّيَّتِهَا التَّامَّةِ، وَصَرَّحَ صَاحِبُ الْفُرُوعِ " بِتَحْرِيمِهِ، وَهُوَ لَا يُنَافِي الصِّحَّةَ؛ إذْ الصِّحَّةُ لَا تَسْتَلْزِمُ عَدَمَ التَّحْرِيمِ (وَإِلَّا) بِأَنْ لَمْ تَخْرُجْ مِنْ الثُّلُثِ (عَتَقَ) مِنْهَا (قَدْرُهُ) - أَيْ: قَدْرُ مَا يُقَابِلُ الثُّلُثَ - كَسَائِرِ تَبَرُّعَاتِهِ (وَبَطَلَ النِّكَاحُ) لِأَنَّهُ قَدْ