الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
النَّقِيعَ لِخَيْلِ الْمُسْلِمِينَ» . رَوَاهُ أَبُو عُبَيْدٍ. وَالنَّقِيعُ - بِالنُّونِ - مَوْضِعٌ يُنْتَقَعُ فِيهِ الْمَاءُ فَيَكْثُرُ فِيهِ الْخِصْبُ.
تَتِمَّةٌ: وَإِذَا كَانَ الْحِمَى لِكَافَّةِ النَّاسِ تَسَاوَوْا فِيهِ جَمِيعُهُمْ، فَإِنْ خُصَّ فِيهِ الْمُسْلِمُونَ اشْتَرَكَ فِيهِ غَنِيُّهُمْ وَفَقِيرُهُمْ، وَمُنِعَ مِنْهُ أَهْلُ الذِّمَّةِ، وَإِنْ خُصَّ فِيهِ الْفُقَرَاءُ مُنِعَ مِنْهُ الْأَغْنِيَاءُ وَأَهْلُ الذِّمَّةِ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُخَصَّ فِيهِ الْأَغْنِيَاءُ دُونَ الْفُقَرَاءِ، وَلَا أَهْلِ الذِّمَّةِ، فَلَوْ امْتَنَعَ الْحِمَى الْمَخْصُوصُ لِعُمُومِ النَّاسِ جَازَ أَنْ يَشْتَرِكُوا فِيهِ لِارْتِفَاعِ الضَّرَرِ عَلَى مَنْ يُخَصُّ بِهِ، وَلَوْ ضَاقَ الْحِمَى الْعَامُّ عَنْ جَمِيعِ النَّاسِ؛ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَخْتَصَّ بِهِ أَغْنِيَاؤُهُمْ، وَلَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ أَرْبَابِ الدَّوَابِّ عِوَضًا عَنْ مَرْعَى مَوَاتٍ أَوْ حِمًى؛ لِأَنَّهُ عليه الصلاة والسلام أَشْرَكَ النَّاسَ فِيهِ. قَالَهُ فِي الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ.
[فَصْلٌ فِي مَسَائِلَ مِنْ أَحْكَامِ الِانْتِفَاعِ بِالْمِيَاهِ غَيْرِ الْمَمْلُوكَةِ]
(فَصْلٌ) : فِي مَسَائِلَ مِنْ أَحْكَامِ الِانْتِفَاعِ بِالْمِيَاهِ غَيْرِ الْمَمْلُوكَةِ وَنَحْوِهَا (وَلِمَنْ فِي أَعْلَى مَاءٍ غَيْرِ مَمْلُوكٍ كَالْأَمْطَارِ وَالْأَنْهَارِ الصِّغَارِ أَنْ يَسْقِيَ)[وَيَحْبِسَهُ]- أَيْ: الْمَاءَ - (حَتَّى يَصِلَ إلَى كَعْبِهِ، ثُمَّ يُرْسِلَهُ إلَى مَنْ يَلِيهِ) - أَيْ: السَّاقِي أَوَّلًا - (ثُمَّ هُوَ) - أَيْ: الَّذِي أُرْسِلَ إلَيْهِ الْمَاءُ - (كَذَلِكَ) ؛ أَيْ: يَفْعَلُ كَمَا فَعَلَ الْأَوَّلُ (مُرَتَّبًا) ؛ أَيْ: ثُمَّ الَّذِي يَلِيهِ يَفْعَلُ كَمَا فَعَلَا، وَعَلَى هَذَا يَكُونُ الْحَالُ إلَى أَنْ تَنْتَهِيَ الْأَرَاضِي كُلُّهَا (إنْ فَضَلَ شَيْءٌ) عَمَّنْ قُلْنَا: إنَّ لَهُ السَّقْيَ وَالْحَبْسَ، (وَإِلَّا فَلَا شَيْءَ لِلْبَاقِي) - أَيْ: لِمَنْ بَعْدَهُ - لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ إلَّا مَا فَضَلَ، فَهُمْ كَالْعَصَبَةِ مَعَ أَهْلِ الْفُرُوضِ فِي الْمِيرَاثِ؛ لِحَدِيثِ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ:«أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَضَى فِي شُرْبِ النَّخْلِ مِنْ السَّيْلِ أَنَّ الْأَعْلَى يَشْرَبُ قَبْلَ الْأَسْفَلِ، وَيُتْرَكُ الْمَاءُ إلَى الْكَعْبَيْنِ، ثُمَّ يُرْسَلُ الْمَاءُ إلَى الْأَسْفَلِ الَّذِي يَلِيهِ، وَكَذَلِكَ حَتَّى تَنْقَضِيَ الْحَوَائِطُ أَوْ يَفْنَى الْمَاءُ» . رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ.
وَلِحَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ «أَنَّ رَجُلًا مِنْ الْأَنْصَارِ خَاصَمَ الزُّبَيْرَ فِي شِرَاجِ الْحَرَّةِ الَّتِي يَسْقُونَ بِهَا إلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: اسْقِ يَا زُبَيْرُ،
ثُمَّ أَرْسِلْ الْمَاءَ إلَى جَارِك، فَغَضِبَ الْأَنْصَارِيُّ، وَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ: أَنْ كَانَ ابْنَ عَمَّتِك، فَتَلَوَّنَ وَجْهُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ يَا زُبَيْرُ اسْقِ ثُمَّ احْبِسْ الْمَاءَ حَتَّى يَرْجِعَ إلَى الْجُدُرِ» ، فَقَالَ الزُّبَيْرُ: فَوَاَللَّهِ إنِّي لَأَحْسِبُ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِيهِ: {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ} [النساء: 65] مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: الشِّرَاجُ جَمْعُ شَرَجٍ - نَهْرٌ صَغِيرٌ -، وَالْحَرَّةُ أَرْضٌ مُلْتَبِسَةٌ بِحِجَارَةٍ سُودٍ، وَالْجُدُرُ الْجِدَارُ، وَإِنَّمَا أَمَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم الزُّبَيْرَ أَنْ يَسْقِيَ ثُمَّ يُرْسِلَ الْمَاءَ تَسْهِيلًا عَلَى غَيْرِهِ، فَلَمَّا قَالَ الْأَنْصَارِيُّ مَا قَالَ اسْتَوْعَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لِلزُّبَيْرِ حَقَّهُ.
(فَإِنْ كَانَ لِأَرْضِ أَحَدِهِمْ أَعْلَى وَأَسْفَلُ) ؛ بِأَنْ كَانَتْ مُخْتَلِفَةً مِنْهَا مُسْتَعْلِيَةٌ وَمِنْهَا مُسْتَفِلَةٌ (سُقِيَ كُلًّا) مِنْ ذَلِكَ (عَلَى حِدَتِهِ) - أَيْ: عَلَى انْفِرَادِهِ - (وَلَوْ اسْتَوَى اثْنَانِ فَأَكْثَرُ فِي قُرْبٍ) مِنْ أَوَّلِ النَّهْرِ؛ (قُسِّمَ الْمَاءُ) بَيْنَهُمْ (عَلَى قَدْرِ الْأَرْضِ) - أَيْ: أَرْضِ كُلٍّ مِنْهُمْ - فَلَوْ كَانَ لِأَحَدِهِمْ جَرِيبٌ وَلِآخَرَ جَرِيبَانِ وَلِآخَرَ ثَلَاثَةٌ؛ كَانَ لِرَبِّ الْجَرِيبِ السُّدُسُ، وَلِرَبِّ الْجَرِيبَيْنِ الثُّلُثُ، وَلِرَبِّ الثَّلَاثَةِ النِّصْفُ؛ لِأَنَّ الزَّائِدَ فِي الْأَرْضِ مَنْ أَرْضُهُ أَكْثَرُ مُسَاوٍ فِي الْقُرْبِ، فَاسْتَحَقَّ جُزْءًا مِنْ الْمَاءِ كَمَا لَوْ كَانُوا سِتَّةً لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ جَرِيبٌ.
وَمَحِلُّ ذَلِكَ " إنْ أَمْكَنَ " قَسَّمَهُ بَيْنَهُمْ، (وَإِلَّا) يُمْكِنْ قَسْمُهُ؛ (أَقْرَعَ) " بَيْنَهُمْ، فَمَنْ خَرَجَتْ لَهُ الْقُرْعَةُ قُدِّمَ بِالسَّقْيِ، فَيَسْقِي مِنْهُ بِقَدْرِ حَقِّهِ، ثُمَّ يُقْرَعُ بَيْنَ الْآخَرَيْنِ، فَمَنْ قَرَعَ سَقَى بِقَدْرِ حَقِّهِ، ثُمَّ تَرَكَهُ لِلْآخَرِ، وَلَيْسَ لِمَنْ تَخْرُجُ لَهُ الْقُرْعَةُ أَنْ يَسْقِيَ بِجَمِيعِ الْمَاءِ؛ لِأَنَّ مَنْ لَمْ يَخْرُجْ لَهُ يُسَاوِيهِ فِي اسْتِحْقَاقِ الْمَاءِ (فَإِنْ لَمْ يُفَضِّلْ عَنْ وَاحِدٍ سَقَى الْقَارِعُ بِقَدْرِ حَقِّهِ، لَا كُلِّ الْمَاءِ) ؛ أَيْ: لَيْسَ لِلْقَارِعِ السَّقْيُ بِكُلِّ الْمَاءِ؛ (لِمُسَاوَاةِ الْآخَرِ لَهُ) فِي الِاسْتِحْقَاقِ، وَإِنَّمَا الْقُرْعَةُ لِلتَّقَدُّمِ فِي اسْتِيفَاءِ الْحَقِّ، (بِخِلَافِ الْأَعْلَى مَعَ الْأَسْفَلِ؛ فَلَا حَقَّ لِلْأَسْفَلِ إلَّا فِي الْفَاضِلِ) عَنْ الْأَعْلَى كَمَا تَقَدَّمَ. .
(وَإِنْ أَرَادَ إنْسَانٌ إحْيَاءَ أَرْضٍ يَسْقِيهَا مِنْهُ) - أَيْ: السَّبِيلِ أَوْ النَّهْرِ الصَّغِيرِ -؛ (لَمْ يُمْنَعْ) مِنْ الْإِحْيَاءِ؛ لِأَنَّ حَقَّ أَهْلِ الْأَرْضِ الشَّارِبَةِ مِنْهُ فِي الْمَاءِ، لَا فِي الْمَوَاتِ، (مَا لَمْ يَضُرَّ بِأَهْلِ الْأَرْضِ الشَّارِبَةِ مِنْهُ) ، فَإِنْ ضَرَّهُمْ فَلَهُمْ مَنْعُهُ؛ لِدَفْعِ ضَرَرِهِ عَنْهُمْ، (وَلَا يَسْقِي قَبْلَهُمْ) ؛ لِأَنَّهُمْ أَسْبَقُ إلَى النَّهْرِ مِنْهُ، وَلِأَنَّ مَنْ مَلَكَ أَرْضًا مَلَكَهَا بِحُقُوقِهَا وَمَرَافِقِهَا، فَلَا يَمْلِكُ غَيْرُهُ إبْطَالَ حُقُوقِهَا وَسَقْيهُمْ إيَّاهُ بِالسَّقْيِ مِنْ حُقُوقِهَا.
(وَلَوْ أَحْيَا سَابِقٌ) مَوَاتًا (فِي أَسْفَلِهِ) - أَيْ: النَّهْرِ - (ثُمَّ) أَحْيَا (آخَرُ) مَحِلًّا (فَوْقَهُ) - أَيْ: الْأَوَّلِ - (ثُمَّ) أَحْيَا (آخَرُ) مَحِلًّا (فَوْقَ ثَانٍ؛ سَقَى الْمُحْيِي أَوَّلًا) - وَهُوَ الْأَسْفَلُ - (ثُمَّ) سَقَى (ثَانٍ) فِي الْإِحْيَاءِ، وَهُوَ الَّذِي فَوْقَ الْأَسْفَلِ، (ثُمَّ) سَقَى (ثَالِثٌ) - أَيْ: الَّذِي فَوْقَ الثَّانِي - اعْتِبَارًا بِالسَّبْقِ إلَى الْإِحْيَاءِ أَوَّلَ النَّهْرِ؛ لِمَا تَقَدَّمَ أَنَّهُ إذَا مَلَكَ [الْأَرْضَ] مَلَكَهَا بِحُقُوقِهَا ومَرَافِقِهَا.
(وَإِنْ حُفِرَ نَهْرٌ صَغِيرٌ، وَسِيقَ مَاؤُهُ مِنْ نَهْرٍ كَبِيرٍ مَلَكَهُ) ؛ أَيْ: فَيَصِيرُ حَافِرُهُ مَالِكًا لِلْمَاءِ الدَّاخِلِ إلَيْهِ وَقَرَارِهِ وَحَافَّتَيْهِ بِانْتِهَاءِ الْحَفْرِ إلَى قَصْدِهِ، (وَهُوَ) - أَيْ: هَذَا النَّهْرُ - يَكُونُ (بَيْنَ جَمَاعَةٍ) اشْتَرَكُوا فِي حَفْرِهِ عَلَى قَدْرِ مِلْكِهِمْ فِي النَّهْرِ، وَذَلِكَ مَعْنَى قَوْلِهِ (عَلَى حَسَبِ عَمَلٍ وَنَفَقَةٍ) ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا مَلَكَ بِالْعِمَارَةِ، وَهُوَ الْعَمَلُ وَالنَّفَقَةُ، فَإِنْ كَفَاهُمْ لِمَا يَحْتَاجُونَ إلَيْهِ فِيهَا فَلَا كَلَامَ، (وَإِنْ لَمْ يَكْفِهِمْ وَتَرَاضَوْا عَلَى قِسْمَتِهِ) بِالْمُهَايَأَةِ (بِسَاعَاتٍ أَوْ أَيَّامٍ جَازَ فِيهِ) ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَا يَعْدُوهُمْ، (وَإِلَّا) ؛ أَيْ: وَإِنْ لَمْ يَتَرَاضَوْا عَلَى قِسْمَتِهِ وَتَشَاحُّوا؛ (قَسَّمَهُ حَاكِمٌ عَلَى قَدْرِ مِلْكِهِمْ) ؛ أَيْ: قَسَّمَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْمَاءِ بِقَدْرِ مَا يَمْلِكُ مِنْ النَّهْرِ، (فَتُؤْخَذُ خَشَبَةٌ) صُلْبَةٌ (أَوْ حَجَرٌ مُسْتَوِي الطَّرَفَيْنِ وَالْوَسَطِ، فَيُوضَعُ عَلَى مَوْضِعٍ مُسْتَوٍ مِنْ الْأَرْضِ فِي مصدم الْمَاءِ فِيهِ) حُزُوزٌ أَوْ (ثُقُوبٌ مُتَسَاوِيَةٌ فِي السَّعَةِ عَلَى قَدْرِ حُقُوقِهِمْ) ، فَإِنْ كَانَتْ أَمْلَاكُهُمْ مُخْتَلِفَةً، قَسَّمَ عَلَى قَدْرِ ذَلِكَ. (فَلَوْ كَانَ لِأَحَدِهِمْ نِصْفُهُ وَلِآخَرَ ثُلُثُهُ وَلِآخَرَ سُدُسُهُ؛ جَعَلَ فِيهِ سِتَّةَ ثُقُوبٍ، لِرَبِّ النِّصْفِ ثَلَاثَةٌ
وَلِرَبِّ الثُّلُثِ اثْنَانِ وَلِرَبِّ السُّدُسِ وَاحِدٌ، يُصَبُّ مَاءُ كُلِّ وَاحِدٍ فِي سَاقِيَتِهِ) ، فَإِذَا حَصَلَ مَاءُ كُلٍّ فِي سَاقِيَتِهِ انْفَرَدَ بِهِ، (فَيَتَصَرَّفُ فِيهِ بِمَا أَحَبَّ) ؛ لِانْفِرَادِهِ بِمِلْكِهِ.
فَإِنْ أَرَادَ أَحَدُهُمْ أَنْ يُجْرِيَ مَاءَهُ فِي سَاقِيَةِ غَيْرِهِ لِيُقَاسِمَهُ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ؛ لَمْ يَجُزْ لَهُ ذَلِكَ بِغَيْرِ رِضَاهُ؛ لِأَنَّهُ يَتَصَرَّفُ فِي سَاقِيَتِهِ، وَيُخَرِّبُ حَافَّتَيْهَا وَيَخْلِطُ حَقَّهُ بِحَقِّ غَيْرِهِ عَلَى وَجْهٍ لَا يَتَمَيَّزُ، وَمَا حَصَلَ لِأَحَدِهِمْ فِي سَاقِيَتِهِ تَصَرَّفَ فِيهِ بِمَا أَحَبَّ (مِنْ سَقْيٍ أَوْ عَمَلِ رَحًى أَوْ دُولَابٍ) أَوْ عَمَلِ قَنْطَرَةٍ يَعْبُرُ الْمَاءُ عَلَيْهَا أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ التَّصَرُّفَاتِ؛ لِأَنَّهَا مِلْكُهُ لَا حَقَّ لِغَيْرِهِ فِيهَا، (لَا التَّصَرُّفُ بِذَلِكَ) ؛ أَيْ: إذَا كَانَ النَّهْرُ مُشْتَرَكًا بَيْنَ جَمَاعَةٍ فَلَيْسَ لِأَحَدِهِمْ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِيهِ بِمَا أَحَبَّ مِنْ فَتْحِ سَاقِيَتِهِ إلَى جَانِبِ النَّهْرِ لِيَأْخُذَ حَقَّهُ مِنْهَا، وَلَا أَنْ يَنْصِبَ عَلَى حَافَّتَيْ النَّهْرِ رَحًى تَدُورُ بِالْمَاءِ وَلَا غَيْرَ ذَلِكَ مِنْ نَحْوِ مَا تَقَدَّمَ؛ لِأَنَّ حَرِيمَ النَّهْرِ مُشْتَرَكٌ، فَلَمْ يَمْلِكْ التَّصَرُّفَ فِيهِ (قَبْلَ قِسْمَةٍ) ، فَإِنْ أَرَادَ أَحَدُ الشُّرَكَاءِ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ النَّهْرِ قَبْلَ قِسْمَةِ شَيْءٍ، فَيَسْقِي بِهِ أَرْضًا فِي أَوَّلِ النَّهْرِ أَوْ غَيْرِهِ؛ لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّ الْأَخْذَ مِنْهُ رُبَّمَا احْتَاجَ إلَى تَصَرُّفٍ فِي أَوَّلِ حَافَّةِ النَّهْرِ الْمَمْلُوكِ لِغَيْرِهِ (بِلَا إذْنِ) شُرَكَائِهِ؛ كَسَائِرِ الْحُقُوقِ الْمُشْتَرَكَةِ.
(لَكِنْ لِكُلِّ إنْسَانٍ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ مَاءٍ جَارٍ مَمْلُوكٍ أَوْ غَيْرِهِ لِشُرْبِهِ وَوُضُوئِهِ وَغُسْلِهِ وَغَسْلِ ثِيَابِهِ وَالِانْتِفَاعِ بِهِ فِي نَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا لَا يُؤَثِّرُ فِيهِ بِلَا إذْنِ مَالِكِهِ، إذَا لَمْ يَدْخُلْ إلَيْهِ فِي مَكَان مَحُوطٍ عَلَيْهِ، وَلَا يَحِلُّ لِصَاحِبِهِ الْمَنْعُ مِنْ ذَلِكَ) الْمَذْكُورِ، (لَا مَا يُؤَثِّرُ فِيهِ كَسَقْيِ مَاشِيَةٍ كَثِيرَةٍ) ؛ لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «ثَلَاثَةٌ لَا يَنْظُرُ اللَّهُ إلَيْهِمْ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ رَجُلٌ كَانَ لَهُ فَضْلُ مَاءِ الطَّرِيقِ فَمَنَعَهُ ابْنَ السَّبِيلِ» . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، وَتَقَدَّمَ.
(وَمَنْ سَبَقَ إلَى قَنَاةٍ لَا مَالِكَ لَهَا، فَسَبَقَ آخَرُ إلَى بَعْضِ أَفْوَاهِهَا مِنْ فَوْقِ أَوْ مِنْ أَسْفَلَ؛ فَلِكُلٍّ مِنْهُمَا مَا سَبَقَ إلَيْهِ) مِنْ ذَلِكَ؛ لِلْخَبَرِ.
تَنْبِيهٌ: إنْ احْتَاجَ النَّهْرُ الْمُشْتَرَكُ وَنَحْوُهُ إلَى عِمَارَةٍ أَوْ تَنْظِيفٍ؛ فَعَلَى الشُّرَكَاءِ
بِحَسَبِ أَمْلَاكِهِمْ، فَإِنْ كَانَ بَعْضُهُمْ أَدْنَى إلَى أَوَّلِهِ مِنْ بَعْضٍ؛ اشْتَرَكَ الْكُلُّ إلَى أَنْ يَصِلُوا إلَى الْأَوَّلِ، ثُمَّ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ إلَى الثَّانِي، ثُمَّ يَشْتَرِكُ الْبَاقُونَ حَتَّى يَصِلُوا إلَى الثَّانِي، ثُمَّ يَشْتَرِكُ مِنْ بَعْدِهِ كَذَلِكَ، كُلَّمَا انْتَهَى الْعَمَلُ إلَى مَوْضِعٍ وَاحِدٍ مِنْهُمْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ فِيمَا بَعْدَهُ شَيْءٌ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ إنَّمَا يَنْتَفِعُ بِالْمَاءِ الَّذِي فِي مَوْضِعِ شُرْبِهِ، وَمَا بَعْدَهُ إنَّمَا يَخْتَصُّ بِالِانْتِفَاعِ بِهِ مِنْ دُونِهِ؛ فَلَا يُشَارِكُهُمْ فِي مُؤْنَتِهِ، كَمَا لَا يُشَارِكُهُمْ فِي نَفْعِهِ، فَإِنْ كَانَ يَفْضُلُ عَنْ جَمِيعِهِمْ مِنْهُ مَا يَحْتَاجُ إلَى مَصْرِفٍ؛ فَمُؤْنَتُهُ عَلَى جَمِيعِهِمْ؛ لِاشْتِرَاكِهِمْ فِي الْحَاجَةِ إلَيْهِ وَالِانْتِفَاعِ بِهِ، فَكَانَتْ مُؤْنَتُهُ عَلَيْهِمْ كَأَوَّلِهِ.
(وَلِمَالِكِ أَرْضٍ مَنْعُهُ مِنْ الدُّخُولِ بِهَا) - أَيْ: بِأَرْضِهِ - (وَلَوْ كَانَتْ رُسُومُهَا) - أَيْ: الْقَنَاةِ الْمُحَيَّاةِ - (فِي أَرْضِهِ) - أَيْ أَرْضِ الْمَانِعِ، فَلَا يَدْخُلُ الْمُحْيِي فِي الْقَنَاةِ فِي أَرْضِ غَيْرِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ؛ لِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ بِغَيْرِ إذْنِهِ، وَلَا يُنَافِي هَذَا مَا ذَكَرُوهُ فِي الصُّلْحِ مِنْ أَنَّ مَنْ وَجَدَ رُسُومَ خَشَبَةٍ أَوْ مَسِيلَ مَاءٍ وَنَحْوَهُ فِي أَرْضِ غَيْرِهِ، يُقْضَى لَهُ بِهِ عَمَلًا بِالظَّاهِرِ؛ لِأَنَّا هُنَا عَلِمْنَا عَدَمَ سَبْقِ الْمِلْكِ؛ لِأَنَّ الْمُحْيِيَ إنَّمَا مَلَكَ مَاءَهُ بِالْإِحْيَاءِ، فَوُجُودِ الرُّسُومِ لَا يَدُلُّ عَلَى سَبْقِ مِلْكِهِ، بِخِلَافِ الْجَارِ وَنَحْوِهِ مِمَّنْ مِلْكُهُ ثَابِتٌ.
(وَلَا يَمْلِكُ) رَبُّ أَرْضٍ (تَضْيِيقَ مَجْرَى قَنَاةٍ فِي أَرْضِهِ مِنْ خَوْفِ لِصٍّ) نَصًّا؛ لِأَنَّ مَجْرَاهَا لِصَاحِبِهَا، فَلَا يَتَصَرَّفُ غَيْرُهُ فِيهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ؛ لِأَنَّ فِيهِ ضَرَرًا عَلَيْهِ بِتَقْلِيلِ الْمَاءِ، وَلَا يُزَالُ الضَّرَرُ بِالضَّرَرِ.
(وَمَنْ سُدَّ لَهُ مَاءٌ لِجَاهِهِ) لِيَسْقِيَ بِهِ أَرْضَهُ؛ (فَلِغَيْرِهِ) - أَيْ: غَيْرِ الْمُتَجَوَّهِ - مِمَّنْ لَا اسْتِحْقَاقَ لَهُ فِي أَصْلِ الْمَاءِ إلَّا بِالْحَاجَةِ؛ (السَّقْيُ مِنْهُ) - أَيْ: مِنْ الْمَاءِ الْمَسْدُودِ لِلْمُتَجَوَّهِ - (مَا لَمْ يَكُنْ تَرَكَهُ) - أَيْ: هَذَا الْغَيْرُ - السَّقْيَ مِنْ الْمَاءِ الْمَسْدُودِ سَبَبًا؛ لَأَنْ (يَرُدَّهُ) ؛ أَيْ: يَرُدُّ الْمُتَجَوَّهُ الْمَاءَ الَّذِي سَدَّهُ (عَلَى مَنْ سَدَّهُ عَنْهُ) ، فَيَمْتَنِعَ عَلَيْهِ السَّقْيُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ؛ لِأَنَّهُ تَسَبَّبَ فِي ظُلْمِ مَنْ سَدَّ عَنْهُ بِتَأْخِيرِ حَقِّهِ.