الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَطَبِيخِهِمْ وَطَهَارَتِهِمْ وَغَسْلِ ثِيَابِهِمْ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَعَنْ مَوَاشِيهِ وَمَزَارِعِهِ وِ بَسَاتِينِهِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ مِنْ حَاجَتِهِ.
[فَصْلٌ إحْيَاءُ أَرْضٍ فِيهِ الْمَوَاتُ بِحَوْزٍ بِحَائِطٍ مَنِيعٍ عَادَةً]
(فَصْلٌ: وَإِحْيَاءُ أَرْضٍ فِيهِ) الْمَوَاتُ (بِحَوْزٍ بِحَائِطٍ مَنِيعٍ عَادَةً) بِحَيْثُ يَمْنَعُ الْحَائِطُ مَا وَرَاءَهُ؛ لِحَدِيثِ جَابِرٍ مَرْفُوعًا: «مَنْ أَحَاطَ حَائِطًا عَلَى أَرْضٍ فَهِيَ لَهُ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد عَنْ جَابِرٍ. وَلَهُمَا عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ مَرْفُوعًا مِثْلُهُ، وَيَكُونُ الْبِنَاءُ مِمَّا جَرَتْ عَادَةُ أَهْلِ الْبَلَدِ الْبِنَاءَ بِهِ مِنْ لَبِنٍ أَوْ آجُرٍّ أَوْ حَجَرٍ أَوْ قَصَبٍ أَوْ خَشَبٍ وَنَحْوِهِ (سَوَاءٌ أَرَادَهَا) الْمُحْيِي (لِبِنَاءٍ أَوْ زَرْعٍ، أَوْ) أَرَادَهَا (حَظِيرَةَ مَاشِيَةٍ) أَوْ حَظِيرَةَ خَشَبٍ وَنَحْوَهُمَا، وَلَا يُعْتَبَرُ فِي الْإِحْيَاءِ تَسْقِيفٌ وَلَا نَصْبُ بَابٍ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُذْكَرْ فِي الْخَبَرِ، وَالسُّكْنَى مُمَكَّنَةٌ بِدُونِهِ، (أَوْ) ؛ أَيْ: وَيَحْصُلُ إحْيَاؤُهَا (بِإِجْرَاءِ مَاءٍ) بِأَنْ يَسُوقَهُ إلَيْهَا مِنْ نَهْرٍ أَوْ بِئْرٍ إنْ كَانَتْ (لَا تُزْرَعُ إلَّا بِهِ) - أَيْ: بِالْمَاءِ الْمَسُوقِ إلَيْهَا - لِأَنَّ نَفْعَ الْأَرْضِ بِالْمَاءِ أَكْثَرُ مِنْ الْحَائِطِ.
(أَوْ مَنْعَ مَا لَا تُزْرَعُ مَعَهُ) كَأَرْضِ الْبَطَائِحِ الَّذِي يُفْسِدُهَا غَرَقُهَا بِالْمَاءِ لِكَثْرَتِهِ، فَإِحْيَاؤُهَا بِسَدِّهِ عَنْهَا، وَجَعْلِهَا بِحَيْثُ يُمْكِنُ زَرْعُهَا؛ لِأَنَّ بِذَلِكَ يَتَمَكَّنُ مِنْ الِانْتِفَاعِ بِهَا فِيمَا أَرَادَ، وَجَعْلِهَا بِحَيْثُ يُمْكِنُ زَرْعُهَا مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ إلَى تَكْرَارِ ذَلِكَ كُلَّ عَامٍ، أَوْ كَانَتْ لَا تَصْلُحُ الْأَرْضُ لِلزَّرْعِ وَالْغِرَاسِ لِكَثْرَةِ أَحْجَارِهَا كَأَرْضِ اللَّجَاةِ نَاحِيَةٌ بِالشَّامِ، فَإِحْيَاؤُهَا (بِقَلْعِ أَحْجَارِهَا) وَتَنْقِيهَا، (أَوْ) كَانَتْ غِيَاضًا ذَاتَ (أَشْجَارٍ لَا تُزْرَعُ مَعَهَا) - أَيْ: الْأَشْجَارُ - كَأَرْضِ الشُّعَرَاءِ، فَإِحْيَاؤُهَا بِأَنْ يُقْلِعَ أَشْجَارَهَا وَيُزِيلَ عُرُوقَهَا الْمَانِعَةَ مِنْ الزَّرْعِ؛ لِأَنَّهُ الَّذِي يَتَمَكَّنُ مِنْ الِانْتِفَاعِ بِهَا (أَوْ حَفَرَ بِئْرًا) أَوْ نَهْرًا نَصًّا.
قَالَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ عَلِيِّ بْنِ سَعِيدٍ: الْإِحْيَاءُ أَنْ يُحَوِّطَ عَلَيْهَا حَائِطًا، أَوْ يَحْفِرَ فِيهَا بِئْرًا وَنَهْرًا انْتَهَى. فَإِنْ حَفَرَ الْبِئْرَ وَلَمْ يَصِلْ إلَى الْمَاءِ فَهُوَ كَالْمُتَحَجِّرِ الشَّارِعِ فِي الْإِحْيَاءِ عَلَى مَا يَأْتِي تَفْصِيلُهُ.
قَالَ فِي " التَّلْخِيصِ " وَغَيْرِهِ: وَإِنْ خَرَجَ الْمَاءُ اسْتَقَرَّ مِلْكُهُ إلَّا أَنْ يُحْتَاجَ إلَى طَيٍّ، فَتَمَامُ الْإِحْيَاءِ طَيُّهَا، (أَوْ غَرْسُ شَجَرٍ فِيهَا) - أَيْ: فِي الْأَرْضِ الْمَوَاتِ؛ بِأَنْ كَانَتْ
لَا تَصْلُحُ لِغَرْسٍ؛ لِكَثْرَةِ أَحْجَارِهَا، فَيُنَقِّيهَا وَيَغْرِسُهَا؛ لِأَنَّهُ يُرَادُ لِلْبَقَاءِ كَبِنَاءِ الْحَائِطِ. قَالَ فِي " الْفُرُوعِ ": وَيَمْلِكُهَا بِغَرْسٍ وَإِجْرَاءِ مَاءٍ نَصًّا.
تَتِمَّةٌ: وَلَا يَحْصُلُ الْإِحْيَاءُ بِمُجَرَّدِ الْحَرْثِ وَالزَّرْعِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُرَادُ لِلْبَقَاءِ بِخِلَافِ الْغَرْسِ، وَلَا يَحْصُلُ بِخَنْدَقٍ يَجْعَلُهُ حَوْلَ الْأَرْضِ الَّتِي يُرِيدُ إحْيَاءَهَا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِحَائِطٍ وَلَا عِمَارَةٍ، إنَّمَا هُوَ حَفْرٌ وَتَخْرِيبٌ، وَلَا يَحْصُلُ بِشَوْكٍ وَشِبْهِهِ يُحَوِّطُهَا بِهِ، وَيَكُونُ تَحَجُّرًا؛ لِأَنَّ الْمُسَافِرَ قَدْ يَنْزِلُ مَنْزِلًا وَيُحَوِّطُ عَلَى رَحْلِهِ بِنَحْوِ ذَلِكَ.
قَالَ فِي " الْمُبْدِعِ ": إنْ كَانَتْ كَثِيرَةَ الدَّغَلِ وَالْحَشِيشِ الَّتِي لَا يُمْكِنُ إلَّا بِتَكْرَارِ حَرْثِهَا وَتَنْقِيَةِ دَغَلِهَا وَحَشِيشِهَا الْمَانِعِ مِنْ زَرْعِهَا كَانَ إحْيَاءً، (وَبِحَفْرِ بِئْرٍ) فِي الْمَوَاتِ (يَمْلِكُ) الْحَافِرُ (حَرِيمَهَا وَهُوَ) - أَيْ: حَرِيمُ الْبِئْرِ - (مِنْ كُلِّ جَانِبٍ فِي بِئْرٍ قَدِيمَةٍ) ، وَهِيَ الَّتِي يُسَمُّونَهَا الْعَادِيَّةَ - بِتَشْدِيدِ الْيَاءِ - نِسْبَةً إلَى عَادٍ، وَلَمْ يُرِدْ عَادٌ بِعَيْنِهَا، لَكِنْ لَمَّا كَانَتْ عَادٌ فِي الزَّمَنِ الْأَوَّلِ، وَكَانَتْ لَهَا آثَارٌ فِي الْأَرْضِ نُسِبَ إلَيْهَا كُلُّ قَدِيمٍ.
نَقَلَ ابْنُ مَنْصُورٍ: الْبِئْرُ الْعَادِيَّةُ الْقَدِيمَةُ؛ أَيْ: هِيَ الَّتِي انْطَمَّتْ وَذَهَبَ مَاؤُهَا، فَمَنْ جَدَّدَ حَفْرَهَا وَعِمَارَتَهَا، أَوْ اسْتَخْرَجَ مَاءَهَا الْمُنْقَطِعَ مَلَكَهَا، وَمَلَكَ حَرِيمَهَا، وَهُوَ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ (خَمْسُونَ ذِرَاعًا. وَ) الْحَرِيمُ (فِي) بِئْرِ (غَيْرِهَا) أَيْ: غَيْرِ الْقَدِيمَةِ - (خَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ) ذِرَاعًا مِنْ كُلِّ جَانِبٍ نَصًّا؛ لِمَا رَوَى أَبُو عُبَيْدٍ فِي الْأَمْوَالِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ قَالَ: «السُّنَّةُ فِي حَرِيمِ الْقَلِيبِ الْعَادِيِّ خَمْسُونَ ذِرَاعًا، وَالْبَدِيِّ خَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ» . وَرَوَى الْخَلَّالُ وَالدَّارَقُطْنِيّ نَحْوَهُ مَرْفُوعًا.
وَعُلِمَ مِنْ كَلَامِهِ أَنَّ الْبِئْرَ الَّتِي لَهَا مَاءٌ يَنْتَفِعُ بِهِ النَّاسُ لَيْسَ لِأَحَدٍ احْتِجَارُهُ كَالْمَعَادِنِ الظَّاهِرَةِ.
تَنْبِيهٌ: وَمَنْ كَانَتْ لَهُ بِئْرٌ فِيهَا مَاءٌ، فَحَفَرَ آخَرُ قَرِيبًا مِنْهَا بِئْرًا يَتَسَرَّقُ إلَيْهَا مَاءُ الْبِئْرِ الْأُولَى فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ، سَوَاءٌ كَانَ مُحْتَفِرُ الثَّانِيَةِ فِي مِلْكِهِ كَرَجُلَيْنِ مُتَجَاوِرَيْنِ فِي دَارٍ حَفَرَ أَحَدُهُمَا فِي دَارِهِ بِئْرًا أَعْمَقَ مِنْهَا، فَيَسْرِي إلَيْهَا مَاءُ الْأُولَى، أَوْ كَانَتَا فِي مَوَاتٍ فَسَبَقَ أَحَدُهُمَا، فَحَفَرَ بِئْرًا قَرِيبًا مِنْهَا تَجْتَذِبُ مَاءَ الْأُولَى؛ لِأَنَّهُ
لَيْسَ لَهُ أَنْ يَبْتَدِئَ مِلْكَهُ عَلَى وَجْهٍ يَضُرُّ بِالْمَالِكِ قَبْلَهُ، وَهَكَذَا فِي كُلِّ مَا يُحْدِثُهُ الْجَارُ مِمَّا يَضُرُّ بِجَارِهِ كَأَنْ يَجْعَلَ دَارِهِ مَدْبَغَةً أَوْ حَمَّامًا تَضُرُّ بِجِدَارِ عَقَارِ جَارِهِ بِحَمِي نَارِهِ وَرَمَادِهِ أَوْ دُخَانِهِ، أَوْ يَحْفِرُ فِي أَصْلِ حَائِطِهِ بِحَيْثُ يَتَأَذَّى جَارُهُ بِرَائِحَةٍ وَغَيْرِهَا، أَوْ يَجْعَلُ دَارِهِ مَخْبِزًا فِي وَسَطِ الْعَطَّارِينَ وَنَحْوِهِ مِمَّا يُؤْذِي جَارَهُ؛ لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام:«لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ» . وَلِأَنَّهُ أَحْدَثَ ضَرَرًا بِجَارِهِ؛ كَدَقٍّ يَهُزُّ الْحِيطَانَ وَنَحْوَهَا، وَكَإِلْقَاءِ السَّمَادِ وَالتُّرَابِ فِي أَصْلِ حَائِطِهِ عَلَى وَجْهٍ يَضُرُّ بِهِ.
وَلَوْ كَانَ لِشَخْصٍ مَصْنَعٌ فَأَرَادَ جَارُهُ غَرْسَ شَجَرَةٍ مِمَّا تَسْرِي عُرُوقُهُ، فَتَشُقُّ حَائِطَ مَصْنَعٍ لِجَارِهِ، وَيُتْلِفُهُ؛ لَمْ يَمْلِكْ ذَلِكَ، وَكَانَ لِجَارِهِ مَنْعُهُ وَقَلْعُهَا إنْ غَرَسَهَا، وَإِنْ كَانَ هَذَا الَّذِي حَصَلَ مِنْهُ الضَّرَرُ سَابِقًا مِثْلَ مَنْ لَهُ فِي مِلْكِهِ مَدْبَغَةٌ أَوْ مُقْصَرَةٌ فَأَحْيَا إنْسَانٌ إلَى جَانِبِهِ مَوَاتًا وَبَنَاهُ دَارًا تَضَرَّرَ بِذَلِكَ؛ لَمْ يَلْزَمْ إزَالَتُهُ الضَّرَرَ. قَالَ فِي " الشَّرْحِ " بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُحْدِثْ ضَرَرًا. .
(وَحَرِيمُ عَيْنٍ وَقَنَاةٍ) احْتَفَرَهَا إنْسَانٌ فِي مَوَاتٍ (خَمْسُمِائَةِ ذِرَاعٍ) . نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْعَيْنِ مِنْ رِوَايَةِ غَيْرِ وَاحِدٍ. قَالَ الْحَارِثِيُّ عَنْ حَرِيمِ الْقَنَاةِ: وَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ كَحَرِيمِ الْعَيْنِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْفُرُوعِ " وَ " التَّنْقِيحِ " قَالَ فِي شَرْحِ " الْإِقْنَاعِ ": قُلْت: لَعَلَّ الْمُرَادَ بِذَرْعِ الْيَدِ؛ لِأَنَّهُ الْمُتَبَادَرُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ.
(وَ) حَرِيمُ (نَهْرٍ مِنْ جَانِبَيْهِ مَا يَحْتَاجُ) النَّهْرُ (إلَيْهِ لِطَرْحِ كَرَايَتِهِ) - أَيْ: مَا يُلْقَى مِنْهُ طَلَبًا لِسُرْعَةِ جَرْيِهِ - (وَطَرِيقِ قِيمَةٍ) - أَيْ: شَاوِيهِ - وَمَا يَسْتَضِرُّ صَاحِبُهُ بِتَمَلُّكِهِ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَثُرَ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ " وَإِنْ كَانَ بِجَنْبِهِ مُسْنَاةٌ لِغَيْرِهِ ارْتَفَقَ بِهَا فِي ذَلِكَ ضَرُورَةً، وَلَهُ عَمَلُ أَحْجَارِ طَحْنٍ عَلَى النَّهْرِ وَنَحْوِهِ وَمَوْضِعِ غَرْسٍ وَزَرْعٍ وَنَحْوِهِمَا انْتَهَى. وَالْمُسْنَاةُ هِيَ السَّدُّ الَّذِي يُرَادُ الْمَاءُ مِنْ جَانِبِهِ.
قَالَ فِي شَرْحِ الْمُنْتَهَى " وَالْقِيَمُ وَالشَّاوِي لَمْ أَجِدْ لَهُمَا أَصْلًا فِي اللُّغَةِ بِهَذَا الْمَعْنَى، وَلَعَلَّهُمَا مُوَلَّدَتَانِ مِنْ قِبَلِ أَهْلِ الشَّامِ.
(وَ) حَرِيمُ (شَجَرَةٍ) غُرِسَتْ فِي مَوَاتٍ (قَدْرَ مَدِّ أَغْصَانِهَا) حَوَالَيْهَا؛ لِمَا رَوَى
أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادِهِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ: «اُخْتُصِمَ إلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي حَرِيمِ نَخْلَةٍ، فَأَمَرَ بِجَرِيدَةٍ مِنْ جَرَائِدهَا، فَذُرِعَتْ، فَكَانَتْ سَبْعَةَ أَذْرُعٍ أَوْ خَمْسَةَ أَذْرُعٍ فَقَضَى بِذَلِكَ» قَالَ فِي " الْمُغْنِي ": وَإِنْ سَبَقَ إلَى شَجَرٍ مُبَاحٍ كَالزَّيْتُونِ وَالْخَرُّوبِ فَسَقَاهُ وَأَصْلَحَهُ؛ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ كَالْمُتَحَجِّرِ الشَّارِعِ فِي الْإِحْيَاءِ، فَإِنْ طَعِمَهُ مَلَكَهُ بِذَلِكَ وَحَرِيمَهُ؛ لِأَنَّهُ تَهَيَّأَ لِلِانْتِفَاعِ لِمَا يُرَادُ مِنْهُ، فَهُوَ كَسَوْقِ الْمَاءِ إلَى الْأَرْضِ الْمَوَاتِ.
(وَ) حَرِيمُ (أَرْضٍ) مِنْ مَوَاتٍ (تُزْرَعُ مَا) - أَيْ: مَحِلَّ - (يُحْتَاجُ) إلَيْهِ (لِسَقْيِهَا وَرَبْطِ دَوَابِّهَا وَطَرْحِ سَبَخِهَا فِيهِ وَنَحْوَهُ) مِمَّا يَرْتَفِقُ بِهِ زَارِعُهَا كَمَصْرِفِ مَائِهَا عِنْدَ الِاسْتِغْنَاءِ عَنْهُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ مِنْ مَرَافِقِهَا.
(وَ) حَرِيمُ (دَارٍ مِنْ مَوَاتٍ حَوْلَهَا مَطْرَحُ تُرَابٍ وَكُنَاسَةٌ وَثَلْجٌ وَمَاءُ مِيزَابٍ وَمَمَرٌّ لِبَابٍ) ؛ لِأَنَّ هَذَا كُلَّهُ مِمَّا يَرْتَفِقُ بِهِ سَاكِنُهَا (وَلَا حَرِيمَ لِدَارٍ مَحْفُوفَةٍ بِمِلْكٍ) - أَيْ: بِمِلْكِ غَيْرِهِ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ - لِأَنَّ الْحَرِيمَ مِنْ الْمَرَافِقِ، وَلَا يَرْتَفِقُ بِمِلْكِهِ غَيْرُهُ؛ لِأَنَّ مَالِكَهُ أَحَقُّ بِهِ. (وَيَتَصَرَّفُ كُلٌّ مِنْهُمْ) - أَيْ: مِنْ أَرْبَابِ الْأَمْلَاكِ - (بِحَسْبِ عَادَةٍ) فِي الِانْتِفَاعِ، فَإِنْ تَعَدَّى الْعَادَةَ مُنِعَ مِنْ التَّعَدِّي؛ عَمَلًا بِالْعَادَةِ.
(وَإِنْ وَقَعَ فِي) قَدْرِ (الطَّرِيقِ نِزَاعٌ وَقْتَ الْإِحْيَاءِ فَلَهَا سَبْعَةُ أَذْرُعٍ) ؛ لِلْخَبَرِ. (وَلَا تُغَيَّرُ) الطَّرِيقُ (بَعْدَ وَصْفِهَا) نَصًّا، (وَلَوْ زَادَتْ عَلَيْهَا) - أَيْ: عَلَى سَبْعَةِ أَذْرُعٍ؛ لِأَنَّهَا لِلْمُسْلِمِينَ.
(وَمَنْ تَحَجَّرَ مَوَاتًا) ؛ أَيْ: شَرَعَ فِي إحْيَائِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُتِمَّهُ (بِأَنْ أَدَارَ حَوْلَهُ أَحْجَارًا) أَوْ تُرَابًا أَوْ حَائِطًا غَيْرَ مَنِيعٍ، (أَوْ حَفَرَ بِئْرًا لَمْ يَصِلْ مَاؤُهَا) نَقَلَهُ حَرْبٌ (أَوْ سَقَى شَجَرًا مُبَاحًا وَأَصْلَحَهُ) بِأَنْ شَفَاهُ؛ أَيْ: قَطَعَ أَغْصَانَهُ الرَّدِيئَةَ لِتَخْلُفَهَا أَغْصَانٌ جَيِّدَةٌ، (وَلَمْ يَرْكَبْهُ، أَوْ حَرَثَ الْأَرْضَ، أَوْ زَرَعَهَا أَوْ
خَنْدَقَ عَلَيْهَا أَوْ حَوَّطَهَا بِنَحْوِ شَوْكٍ) كَعِيدَانِ لَمْ يَمْلِكْهُ بِذَلِكَ، (أَوْ أَقْطَعَ مَوَاتًا) بِأَنْ أَقْطَعَهُ لَهُ الْإِمَامُ لِيُحْيِيَهُ فَلَمْ يُحْيِهِ؛ (لَمْ يَمْلِكْهُ) بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ إنَّمَا يَكُونُ بِالْإِحْيَاءِ، وَلَمْ يُوجَدْ، (وَهُوَ) أَيْ: الْمُتَحَجِّرُ - (أَحَقُّ بِهِ) مِنْ غَيْرِهِ؛ لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام: «مَنْ سَبَقَ إلَى مَا لَمْ يَسْبِقْ إلَيْهِ مُسْلِمٌ فَهُوَ لَهُ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد.
وَكَذَا (وَارِثُهُ) مِنْ بَعْدِهِ يَكُونُ أَحَقَّ بِهِ مِنْ غَيْرِهِ؛ لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام: «مَنْ تَرَكَ حَقًّا أَوْ مَالًا فَهُوَ لِوَرَثَتِهِ» . وَلِأَنَّهُ حَقٌّ لِلْمَوْرُوثِ، فَيَقُومُ الْوَارِثُ فِيهِ مَقَامَهُ كَسَائِرِ الْحُقُوقِ، (وَ) كَذَا (مَنْ يَنْقُلُهُ) الْمُتَحَجِّرُ أَوْ وَرَثَتُهُ (إلَيْهِ) بِغَيْرِ بَيْعٍ، فَيَكُونُ أَحَقَّ بِهِ مِنْ غَيْرِهِ؛ لِأَنَّ مَنْ لَهُ الْحَقُّ أَقَامَهُ مَقَامَهُ فِيهِ، وَلَيْسَ لِلْمُتَحَجِّرِ أَوْ وَارِثِهِ أَوْ مَنْ انْتَقَلَ إلَيْهِ مِنْ أَحَدِهِمَا بَيْعُهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَمْلِكْهُ، وَشَرْطُ الْمَبِيعِ أَنْ يَكُونَ مَمْلُوكًا.
(وَكَذَا مَنْ نَزَلَ عَنْ أَرْضٍ خَرَاجِيَّةٍ بِيَدِهِ لِغَيْرِهِ) ، فَإِنَّ الْمَتْرُوكَ لَهُ يَكُونُ أَحَقَّ بِهَا، وَوَرَثَتُهُ مِنْ بَعْدِهِ، وَلَيْسَ لِلْإِمَامِ أَخْذُهَا مِنْهُ (بِلَا عِوَضٍ) عَلَى الْأَصَحِّ.
قَالَهُ ابْنُ رَجَبٍ فِي الْقَاعِدَةِ السَّابِعَةِ وَالثَّمَانِينَ: وَمِنْهَا مَنَافِعُ الْأَرْضِ الْخَرَاجِيَّةِ فَيَجُوزُ نَقْلُهَا بِغَيْرِ عِوَضٍ إلَى مَنْ يَقُومُ مَقَامَهُ فِيهَا، وَتُنْقَلُ إلَى الْوَارِثِ فَيَقُومُ مَقَامَ مُوَرِّثِهِ فِيهَا.
(وَنَصَّ) الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ (عَلَى جَوَاز دَفْعِهَا مَهْرًا)، وَنَصَّ فِي رِوَايَةِ ابْنِ هَانِئٍ وَغَيْرِهِ عَلَى جَوَازِ دَفْعِهَا إلَى الزَّوْجَةِ عِوَضًا عَمَّا تَسْتَحِقُّهُ عَلَيْهِ مِنْ الْمَهْرِ. (قَالَ ابْنُ رَجَبٍ: وَهَذَا مُعَاوَضَةٌ عَنْ مَنَافِعِهَا الْمَمْلُوكَةِ) فَأَمَّا الْبَيْعُ فَكَرِهَهُ أَحْمَدُ، وَنَهَى عَنْهُ، وَاخْتُلِفَ قَوْلُهُ فِي بَيْعِ الْعِمَارَةِ الَّتِي فِيهَا لِئَلَّا تُتَّخَذَ طَرِيقًا إلَى بَيْعِ رَقَبَةِ الْأَرْضِ الَّتِي لَا تُمْلَكُ، بَلْ هِيَ إمَّا وَقْفٌ وَإِمَّا فَيْءٌ لِلْمُسْلِمِينَ جَمِيعًا.
وَنَصَّ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ الْمَرُّوذِيِّ عَلَى أَنَّهُ يَبِيعُ آلَاتِ عِمَارَتِهِ بِمَا تُسَاوِي، وَكَرِهَ أَنْ يَبِيعَ بِأَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ لِهَذَا الْمَعْنَى، وَكَذَلِكَ نُقِلَ عَنْ ابْنِ هَانِئٍ أَنَّهُ قَالَ: يُقَوِّمُ دُكَّانَهُ وَمَا فِيهِ مِنْ عَلَفٍ وَكُلِّ شَيْءٍ يُحْدِثُهُ فِيهِ، فَيُعْطَى ذَلِكَ، وَلَا أَرَى أَنْ يَبِيعَ سُكْنَى دَارٍ وَلَا دُكَّانٍ.
وَقَالَ (فِي " الْمُبْدِعِ ") بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ النُّزُولَ عَنْ الْوَظَائِفِ: وَمِمَّا يُشْبِهُ النُّزُولَ عَنْ
الْوَظَائِفِ النُّزُولُ عَنْ الْإِقْطَاعِ فَإِنَّهُ نُزُولٌ عَنْ اسْتِحْقَاقٍ يَخْتَصُّ بِهِ؛ لِتَخْصِيصِ الْإِمَامِ لَهُ اسْتِغْلَالَهُ، أَشْبَهَ مُسْتَحَقَّ الْوَظِيفَةِ وَمُتَحَجِّرَ الْمَوَاتِ.
(وَقَدْ يُسْتَدَلُّ بِجَوَازِ أَخْذِ الْعِوَضِ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ) - أَيْ: بِالنُّزُولِ عَنْ الْإِقْطَاعَاتِ وَعَنْ الْوَظَائِفِ - (بِالْخُلْعِ) ؛ فَإِنَّهُ يَجُوزُ أَخْذُ الْعِوَضِ (مَعَ أَنَّ الزَّوْجَ لَمْ يَمْلِكْ الْبُضْعَ) ، وَإِنَّمَا مَلَكَ الِاسْتِمْتَاعَ بِهِ، فَأَشْبَهَ الْمُتَحَجِّرَ. انْتَهَى. مَا فِي " الْمُبْدِعِ ".
وَقَالَ [ابْنُ] الْقَيِّمِ: وَمَنْ بِيَدِهِ أَرْضٌ خَرَاجِيَّةٌ فَهُوَ أَحَقُّ بِهَا بِالْخَرَاجِ الَّذِي ضَرَبَهُ أُجْرَةً لَهَا كُلَّ عَامٍ، فَمَلَكُوا مَنَافِعَهَا بِالْخَرَاجِ الَّذِي يَبْذُلُونَهُ، وَتَرِثُهُ وَرَثَتُهُ كَذَلِكَ؛ أَيْ: فَيَكُونُونَ أَحَقَّ بِهَا بِالْخَرَاجِ، وَلَيْسَ لِلْإِمَامِ أَخْذُهَا مِمَّنْ هِيَ بِيَدِهِ وَدَفَعَهَا إلَى غَيْرِهِ، لِأَنَّهُ أَحَقُّ بِهَا مِنْ غَيْرِهِ، وَإِنْ نَزَلَ عَنْهَا، أَوْ آثَرَ بِهَا أَحَدًا فَالْمَنْزُولُ لَهُ وَالْمُؤْثَرُ أَحَقُّ بِهَا مِنْ غَيْرِهِ. انْتَهَى.
(أَوْ نَزَلَ) إنْسَانٌ (عَنْ وَظِيفَةٍ) مِنْ إمَامَةٍ أَوْ خَطَابَةٍ أَوْ تَدْرِيسٍ وَنَحْوِهِ (لِأَهْلٍ) - أَيْ: لِمَنْ فِيهِ أَهْلِيَّةٌ لِلْقِيَامِ بِهَا (فَلَا يُقَرَّرُ غَيْرُ مَنْزُولٍ لَهُ) ؛ لِتَعَلُّقِ حَقِّهِ بِهَا، (فَإِنْ قُرِّرَ هُوَ) ؛ أَيْ: قَرَّرَهُ مَنْ لَهُ الْوِلَايَةُ كَالنَّاظِرِ فَقَدْ تَمَّ الْأَمْرُ لَهُ، (وَإِلَّا) بِأَنْ لَمْ يُقَرِّرْهُ مَنْ لَهُ وِلَايَةُ التَّقْرِيرِ؛ (فَهِيَ) - أَيْ: الْوَظِيفَةُ - (لِلنَّازِلِ) ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَحْصُلْ مِنْهُ رَغْبَةٌ مُطْلَقَةٌ عَنْ وَظِيفَتِهِ، بَلْ مُقَيَّدَةٌ بِحُصُولِهِ لِلْمَنْزُولِ لَهُ وَلَمْ يَحْصُلْ.
وَلَيْسَ لِلنَّاظِرِ التَّقْرِيرُ فِي مِثْلِ هَذَا، إنَّمَا يُقَرِّرُ فِيمَا هُوَ خَالٍ عَنْ يَدِ مُسْتَحَقٍّ أَوْ فِي يَدِ مَنْ يَمْلِكُ انْتِزَاعَهُ مِنْهُ لِمُقْتَضَى شَرْعِيٍّ، فَحِينَئِذٍ يَكُونُ تَقْرِيرُهُ سَائِغًا.
(وَمَا قَالَهُ) الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: (مِنْ أَنَّهُ لَا يَتَعَيَّنُ مَنْزُولٌ لَهُ، وَيُوَلِّي مَنْ لَهُ الْوِلَايَةُ مَنْ يَسْتَحِقُّهَا شَرْعًا) ؛ فَمَحْمُولٌ عَلَى عَدَمِ تَمَامِ النُّزُولِ إمَّا لِكَوْنِهِ قَبْلَ الْقَبُولِ مِنْ الْمَنْزُولِ لَهُ أَوْ قَبْلَ الْإِمْضَاءِ إذَا كَانَ النُّزُولُ مُعَلَّقًا بِشَرْطِ الْإِمْضَاءِ مِمَّنْ لَهُ وِلَايَةُ ذَلِكَ أَوْ عَلَى مَنْ رَغِبَ عَنْهُ رَغْبَةً مُطْلَقَةً، وَلَمْ يَكُنْ الْمَنْزُولُ لَهُ أَهْلًا، فَفِي هَذَا يَتَّجِهُ الْقَوْلُ بِهِ، وَأَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ النُّزُولُ مَشْرُوطًا بِالْإِمْضَاءِ، وَتَمَّ النُّزُولُ بِالْقَبُولِ مِنْ الْمَنْزُولِ لَهُ وَلِإِمْضَاءِ مِمَّنْ لَهُ وِلَايَةُ ذَلِكَ، وَكَانَ الْمَنْزُولُ لَهُ
أَهْلًا؛ فَلَا رَيْبَ أَنَّهُ يُنْتَقَلُ إلَيْهِ عَاجِلًا بِقَبُولِهِ وَلَيْسَ لِأَحَدٍ التَّقَرُّرُ عَنْ الْمَنْزُولِ لَهُ، وَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى تَقْرِيرِ نَاظِرٍ وَلَا مُرَاجَعَتِهِ لَهُ؛ إذْ هُوَ حَقٌّ لَهُ نَقَلَهُ إلَى غَيْرِهِ، وَهُوَ مُطْلَقُ التَّصَرُّفِ فِي حُقُوقِهِ لَيْسَ مَحْجُورًا عَلَيْهِ فِي شَيْءٍ مِنْهَا، أَشْبَهَ سَائِرَ حُقُوقِهِ؛ إذْ لَا فَرْقَ، وَلَهُ شَوَاهِدُ مِنْ كَلَامِهِمْ. مِنْهَا مَا ذَكَرُوا فِي الْمُتَحَجِّرِ أَنَّ مَنْ نَقَلَهُ إلَيْهِ يَكُونُ أَحَقَّ بِهِ مِنْ غَيْرِهِ.
وَكَذَا ذَكَرُوا أَنَّ مَنْ بِيَدِهِ أَرْضٌ خَرَاجِيَّةٌ لَيْسَ لِلْإِمَامِ انْتِزَاعُهَا مِنْهُ وَدَفْعُهَا إلَى غَيْرِهِ، وَإِنْ آثَرَ بِهَا غَيْرَهُ صَارَ الثَّانِي أَحَقَّ بِهَا، مَعَ أَنَّ لِلْإِمَامِ نَظَرًا وَلَمْ يَعْتَبِرُوهُ، وَقَالَ " الْمُوَضِّحُ ": مُلَخَّصُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ يَسْتَحِقُّهَا مَنْزُولٌ لَهُ إنْ كَانَ أَهْلًا، وَإِلَّا فَلِلنَّاظِرِ تَوْلِيَةُ مُسْتَحَقِّهَا شَرْعًا. انْتَهَى.
(وَلَيْسَ لِمَنْ هُوَ أَحَقُّ بِشَيْءٍ) كَمُتَحَجِّرِ مَوَاتٍ وَنَحْوِهِ (بَيْعُهُ) ؛ لِأَنَّهُ يَمْلِكُهُ فَلَمْ يَمْلِكْ بَيْعَهُ كَحَقِّ الشُّفْعَةِ قَبْلَ الْأَخْذِ، وَكَمَنْ سَبَقَ إلَى مُبَاحٍ، (فَإِنْ طَالَتْ الْمُدَّةُ) - أَيْ: مُدَّةُ التَّحَجُّرِ - (عُرْفًا كَثَلَاثِ سِنِينَ، وَلَمْ يُتِمَّ إحْيَاؤُهُ، وَحُصِلَ مُتَشَوِّفٌ لِإِحْيَائِهِ قِيلَ لَهُ) ؛ أَيْ: قَالَ لَهُ الْإِمَامُ أَوْ نَائِبُهُ: (إمَّا أَنْ تُحْيِيَهُ) فَتَمْلِكَهُ (أَوْ تَتْرُكَهُ) لِيُحْيِيَهُ غَيْرُك؛ لِأَنَّهُ ضَيَّقَ عَلَى النَّاسِ فِي حَقٍّ مُشْتَرَكٍ بَيْنَهُمْ، فَلَمْ يُمَكَّنْ مِنْ ذَلِكَ، كَمَا لَوْ وَقَفَ عَلَى ضَيِّقٍ أَوْ مَشْرَعَةِ مَاءٍ أَوْ مَعْدِنٍ لَا يُنْتَفَعُ وَلَا يَدَعُ غَيْرَهُ يَنْتَفِعُ.
(فَإِنْ طَلَبَ) الْمُتَحَجِّرُ (الْمُهْلَةَ لِعُذْرٍ أُمْهِلَ مَا يَرَاهُ حَاكِمٌ مِنْ نَحْوِ شَهْرٍ) كَشَهْرَيْنِ (أَوْ ثَلَاثَةٍ) ؛ لِأَنَّهُ يَسِيرٌ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ عُذْرٌ فَلَا يُمْهَلُ، بَلْ يُقَالُ لَهُ: إمَّا أَنْ تُعَمِّرَ، وَإِمَّا أَنْ تَرْفَعَ يَدَكَ، فَإِنْ لَمْ يُعَمِّرْهَا كَانَ لِغَيْرِهِ عِمَارَتُهَا.
(وَ) أُمْهِلَ لِعُذْرٍ (لَا يَمْلِكُ) الْمَكَانَ الْمُتَحَجَّرَ (بِإِحْيَاءِ غَيْرِهِ) - أَيْ: غَيْرِ الْمُتَحَجِّرِ - (زَمَنَ مُهْلَةٍ) أَوْ قَبْلَهَا؛ لِمَفْهُومِ قَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام: «مَنْ أَحْيَا أَرْضًا مَيِّتَةً فِي غَيْرِ حَقِّ مُسْلِمٍ فَهِيَ لَهُ» . وَلِأَنَّهُ أَحْيَا فِي حَقِّ غَيْرِهِ فَلَمْ يَمْلِكْهُ، كَمَا لَوْ أَحْيَا مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ مَصَالِحُ مِلْكِ غَيْرِهِ، وَلِأَنَّ حَقَّ الْمُتَحَجِّرِ أَسْبِقُ، فَكَانَ أَوْلَى كَحَقِّ الشَّفِيعِ يُقَدَّمُ عَلَى شِرَاءِ الْمُشْتَرِي. وَإِنْ أَحْيَاهُ (بَعْدَهَا) أَيْ: بَعْدَ مُضِيِّ مُدَّةِ الْمُهْلَةِ - فَإِنَّهُ (يَمْلِكُ) مَا أَحْيَاهُ.
قَالَ فِي " الْإِنْصَافِ ": لَا أَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا.
انْتَهَى. وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ لَا مِلْكَ لَهُ، وَحَقُّهُ زَالَ بِإِعْرَاضِهِ حَتَّى مُدَّةِ الْإِمْهَالِ. قَالَ فِي " الْإِنْصَافِ ": فَائِدَةٌ: قَسَّمَ الْأَصْحَابُ الْإِقْطَاعَ إلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ: إقْطَاعَ تَمْلِيكٍ وَإِقْطَاعَ اسْتِغْلَالٍ وَإِقْطَاعَ إرْفَاقٍ، وَقَسَّمَ الْقَاضِي إقْطَاعَ التَّمْلِيكِ إلَى مَوَاتٍ وَعَامِرٍ وَمَعَادِنَ، وَجَعَلَ إقْطَاعَ الِاسْتِغْلَالِ عَلَى ضَرْبَيْنِ عُشْرٍ وَخَرَاجٍ. .
(وَلِلْإِمَامِ لَا غَيْرِهِ إقْطَاعُ مَوَاتٍ لِمَنْ يُحْيِيه) ؛ لِأَنَّهُ عليه الصلاة والسلام «أَقْطَعَ بِلَالَ بْنَ الْحَارِثِ الْعَقِيقَ أَجْمَعَ، وَأَقْطَعَ وَائِلَ بْنَ حُجْرٍ أَرْضًا» ، وَأَقْطَعَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ وَجَمْعٌ مِنْ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم أَجْمَعِينَ - (وَلَا يَمْلِكُهُ) - أَيْ: الْمَوَاتَ - (بِالْإِقْطَاعِ) ؛ لِأَنَّهُ لَوْ مَلَكَهُ لَمَا جَازَ اسْتِرْجَاعُهُ، (بَلْ) يَصِيرُ الْمُقْطَعُ (كَمُتَحَجِّرِهِ) - أَيْ: الْمَوَاتِ - الشَّارِعِ فِي إحْيَائِهِ هَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ؛ لِأَنَّهُ تَرَجَّحَ بِالْإِحْيَاءِ عَلَى غَيْرِهِ، وَيُسَمَّى تَمَلُّكًا لِمَآلِهِ إلَيْهِ (وَلَا) يَنْبَغِي لِلْإِمَامِ أَنْ (يَقْطَعَ إلَّا مَا قَدَرَ) الْمُقْطَعُ (عَلَى إحْيَائِهِ) ؛ لِأَنَّ فِي إقْطَاعِهِ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ تَضْيِيقًا عَلَى النَّاسِ فِي حَقٍّ مُشْتَرَكٍ بَيْنَهُمْ مِمَّا لَا فَائِدَةَ فِيهِ.
(فَإِنْ زَادَ) الْإِمَامُ أَحَدًا؛ بِأَنْ أَقْطَعَهُ أَكْثَرَ مِمَّا يَقْدِرُ عَلَى إحْيَائِهِ، ثُمَّ تَبَيَّنَ عَجْزُهُ عَنْ إحْيَائِهِ (اسْتَرْجَعَهُ) الْإِمَامُ مِنْهُ، كَمَا اسْتَرْجَعَ عُمَرُ مِنْ بِلَالِ بْنِ الْحَارِثِ مَا عَجَزَ عَنْ عِمَارَتِهِ مِنْ الْعَقِيقِ الَّذِي أَقْطَعَهُ إيَّاهُ صلى الله عليه وسلم. قَالَ عُمَرُ لِبِلَالٍ: إنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَمْ يَقْطَعْك لِتُجِيزَ عَنْ النَّاسِ إنَّمَا أَقْطَعَك لِتُعَمِّرَ، فَخُذْ مِنْهَا مَا قَدَرْت عَلَى عِمَارَتِهِ، وَرُدَّ الْبَاقِي. رَوَاهُ أَبُو عُبَيْدٍ فِي الْأَمْوَالِ.
وَلَهُ - أَيْ: الْإِمَامُ - (إقْطَاعُ غَيْرِ مَوَاتٍ)[مُطْلَقًا]- أَيْ: لَهُ أَرْبَابٌ أَوَّلًا - تَمْلِيكًا، وَلَهُ إقْطَاعُ ذَلِكَ (انْتِفَاعًا لِلْمَصْلَحَةِ) دُونَ غَيْرِهَا. نَقَلَ حَرْبٌ: الْقَطَائِعُ جَائِزٌ. وَنَقَلَ يَعْقُوبُ قَطَائِعُ الشَّامِ وَالْجَزِيرَةِ مِنْ الْمَكْرُوهَةِ كَانَتْ لِبَنِي أُمَيَّةَ، فَأَخَذَهَا هَؤُلَاءِ، وَيَجُوزُ الْإِقْطَاعُ مِنْ مَالِ الْجِزْيَةِ كَمَا فِي الْإِقْطَاعِ مِنْ مَالِ الْخَرَاجِ.
وَمَعْنَى الِانْتِفَاعِ:
أَنْ يَنْتَفِعَ بِهِ فِي الزَّرْعِ وَالْإِجَارَةِ وَغَيْرِهِمَا مَعَ بَقَائِهِ لِلْمُسْلِمِينَ، وَهُوَ إقْطَاعُ الِاسْتِغْلَالِ.
(وَيَتَّجِهُ) أَنَّهُ يَجُوزُ إقْطَاعُ غَيْرِ الْمَوَاتِ (حَيْثُ لَا أَرْبَابَ لَهُ) - أَيْ: لِمَا أَقْطَعَهُ الْإِمَامُ مِنْ غَيْرِ الْمَوَاتِ - وَأَمَّا مَعَ وُجُودِ أَرْبَابِهِ وَتَأَهُّلِهِمْ لِلْقِيَامِ؛ فَلَيْسَ لَهُ انْتِزَاعُهُ مِنْهُمْ، أَوْ كَانَ الْإِمَامُ (أَقْطَعَ) ذَلِكَ (لِأَرْبَابِهِ) ابْتِدَاءً لِمَصْلَحَةٍ رَآهَا.
(وَ) يَتَّجِهُ (أَنَّهُ فِي) إقْطَاعِ (التَّمْلِيكِ يُنْقَلُ لِوَرَثَتِهِ) - أَيْ: وَرَثَةِ الْمُقْطَعِ - وَيَكُونُ (مِلْكًا) لَهُمْ، فَلَيْسَ لِأَحَدٍ انْتِزَاعُهُ مِنْهُمْ مَا دَامُوا قَائِمِينَ بِهِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ.
(فَلَوْ فُقِدَتْ الْمَصْلَحَةُ) الَّتِي لِأَجْلِهَا جَازَ الْإِقْطَاعُ ابْتِدَاءً؛ (فَلَهُ) - أَيْ: الْإِمَامِ - (اسْتِرْجَاعُهُ) - أَيْ: اسْتِرْجَاعُ مَا أَقْطَعَهُ - لِاشْتِرَاطِ وُجُودِ الْمَصْلَحَةِ ابْتِدَاءً وَاسْتِمْرَارِهِ دَوَامًا؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ يَدُورُ مَعَ عِلَّتِهِ. .
(وَلَهُ) أَيْ: الْإِمَامِ - (إقْطَاعُ جُلُوسٍ) لِلْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ (بِطَرِيقٍ وَاسِعَةٍ وَرِحَابٍ) مُتَّسِعَةٍ (غَيْرَ مَحُوطَةٍ) ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يُبَاحُ الْجُلُوسُ فِيهِ وَالِانْتِفَاعُ بِهِ حَيْثُ لَا ضَرَرَ، فَجَازَ إقْطَاعُهُ كَالْأَرْضِ الدَّارِسَةِ، وَيُسَمَّى إقْطَاعُ إرْفَاقٍ، (مَا لَمْ يُضَيِّقْ عَلَى النَّاسِ) ، فَيَحْرُمُ عَلَيْهِ أَنْ يُجْلِسَ مَنْ يَرَى أَنَّهُ يَضُرُّ بِالْمَارَّةِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لِلْإِمَامِ أَنْ يَأْذَنَ فِيمَا لَا مَصْلَحَةَ فِيهِ فَضْلًا عَمَّا فِيهِ مَضَرَّةٌ.
(وَلَا يَمْلِكُهُ مُقْطَعٌ) بِالْإِقْطَاعِ؛ لِمَا ذُكِرَ فِي إقْطَاعِ الْأَرْضِ، (بَلْ يَكُونُ) الْمُقْطَعُ (أَحَقَّ بِهِ) بِالْجُلُوسِ
فِيهَا بِمَنْزِلَةِ السَّابِقِ إلَيْهَا مِنْ غَيْرِ إقْطَاعٍ، لَكِنْ لَا يَسْقُطُ حَقُّهُ بِنَقْلِ مَتَاعِهِ، بِخِلَافِ السَّابِقِ، وَشَرْطُهُ (مَا لَمْ يَعُدْ الْإِمَامُ فِي إقْطَاعِهِ) ؛ لِأَنَّهُ كَمَا أَنَّ لَهُ اجْتِهَادًا فِي الْإِقْطَاعِ لَهُ اجْتِهَادٌ فِي اسْتِرْجَاعِهِ. وَعُلِمَ مِمَّا تَقَدَّمَ أَنَّ رَحْبَةَ الْمَسْجِدِ لَوْ كَانَتْ مَحُوطَةً؛ لَمْ يَجُزْ إقْطَاعُ الْجُلُوسِ بِهَا؛ لِأَنَّهَا مِنْ الْمَسْجِدِ.
(وَإِنْ لَمْ يَقْطَعْ) الْإِمَامُ الطَّرِيقَ الْوَاسِعَةَ وَرِحَابَ الْمَسْجِدِ غَيْرَ الْمَحُوطَةِ أَحَدًا؛ (فَالسَّابِقُ) إلَيْهَا (أَحَقُّ) بِالْجُلُوسِ فِيهَا، (مَا لَمْ يَنْقُلْ قُمَاشَهُ عَنْهُ) - أَيْ: الْمَحِلِّ الَّذِي جَلَسَ فِيهِ لِقَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ سَبَقَ إلَى مَا لَمْ يَسْبِقْ إلَيْهِ مُسْلِمٌ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ» وَلِمَا رَوَى الزُّبَيْرُ أَنَّ «النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: لَأَنْ يَحْمِلَ أَحَدُكُمْ حَبْلًا فَيَحْتَطِبَ، ثُمَّ يَجِيءَ فَيَضَعَهُ فِي السُّوقِ فَيَبِيعُهُ، ثُمَّ يَسْتَغْنِي بِهِ فَيُنْفِقُهُ عَلَى نَفْسِهِ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَسْأَلَ النَّاسَ أَعْطُوهُ أَوْ مَنَعُوهُ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ.
وَمَحِلُّ ذَلِكَ مَا لَمْ يُضَيِّقْ عَلَى أَحَدٍ وَلَا يَضُرُّ بِالْمَارَّةِ، وَلِاتِّفَاقِ أَهْلِ الْأَمْصَارِ فِي سَائِرِ الْأَعْصَارِ عَلَى إقْرَارِ النَّاسِ عَلَى ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ إنْكَارٍ، وَلِأَنَّهُ ارْتِفَاقٌ بِمُبَاحٍ مِنْ غَيْرِ إضْرَارٍ؛ فَلَمْ يُمْنَعْ مِنْهُ كَالِاجْتِيَازِ، وَعُلِمَ مِمَّا تَقَدَّمَ أَنَّهُ إذَا قَامَ وَتَرَكَ مَتَاعَهُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِغَيْرِهِ إزَالَتُهُ، وَأَنَّهُ إذَا نَقَلَ مَتَاعَهُ كَانَ لِغَيْرِهِ الْجُلُوسُ فِيهِ، وَلَمْ يَأْتِ اللَّيْلُ، وَهُوَ الصَّحِيحُ.
وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يُحْتَاجُ فِي ذَلِكَ إلَى إذْنِ الْإِمَامِ (فَإِنْ أَطَالَهُ) ؛ أَيْ: أَطَالَ الْجُلُوسَ مِنْ غَيْرِ إقْطَاعٍ (أُزِيلَ) ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ كَالْمُتَمَلِّكِ، وَيَخْتَصُّ بِنَفْعٍ يُسَاوِي غَيْرَهُ، وَ (لَهُ) - أَيْ: الْجَالِسِ بِطَرِيقٍ وَاسِعٍ وَرَحْبَةِ مَسْجِدٍ غَيْرِ مَحُوطَةٍ بِإِقْطَاعٍ أَوْ غَيْرِهِ - (أَنْ يَسْتَظِلَّ بِغَيْرِ بِنَاءٍ بِمَا لَا يَضُرُّ كَبَارِيَّةٍ وَكِسَاءٍ) ؛ لِأَنَّ الْحَاجَةَ تَدْعُو إلَى ذَلِكَ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَبْنِيَ دِكَّةً وَلَا غَيْرَهَا فِي الطَّرِيقِ - وَلَوْ وَاسِعًا - وَلَا فِي رَحْبَةِ الْمَسْجِدِ؛ لِمَا فِيهِ مِنْ التَّضْيِيق.
(وَلَيْسَ لَهُ) - أَيْ: لِمَنْ هُوَ أَحَقُّ بِالْجُلُوسِ - بِإِقْطَاعِ الْإِمَامِ أَوْ بِسَبْقِهِ (الْجُلُوسُ بِحَيْثُ يَمْنَعُ جَارَهُ رُؤْيَةَ الْمُعَامِلِينَ) لِمَتَاعِهِ، أَوْ يَمْنَعُ وُصُولَهُمْ إلَيْهِ، (أَوْ يُضَيِّقُ عَلَيْهِ) - أَيْ: عَلَى جَارِهِ - (فِي كَيْلٍ وَوَزْنٍ وَأَخْذٍ وَعَطَاءٍ) ؛ لِحَدِيثِ: «لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ» . .
(وَإِنَّ
سَبَقَ اثْنَانِ فَأَكْثَرُ لِذَلِكَ) - أَيْ: إلَى الطَّرِيقِ الْوَاسِعِ وَإِلَى رَحْبَةِ الْمَسْجِدِ غَيْرِ الْمَحُوطَةِ، - (أَوْ) سَبَقَ (إلَى خَانٍ مُسَبَّلٍ، أَوْ) سَبَقَهُ إلَى (رِبَاطٍ، أَوْ) إلَى (مَدْرَسَةٍ، أَوْ) إلَى (خانكاه) - مَكَانِ الصُّوفِيَّةِ - (وَلَمْ يَتَوَقَّفْ فِيهَا) - أَيْ: الْمَذْكُورَاتِ - (إلَى تَنْزِيلِ نَاظِرٍ) ، وَضَاقَ الْمَكَانُ عَنْ انْتِفَاعِ جَمِيعِهِمْ (أَقْرَعَ) ؛ لِأَنَّهُمْ اسْتَوَوْا فِي السَّبَقِ وَالْقُرْعَةُ مُمَيِّزَةٌ.
(وَالسَّابِقُ إلَى مَعْدِنٍ) غَيْرِ مَمْلُوكٍ (أَحَقُّ بِمَا يَنَالُهُ) مِنْهُ، بَاطِنًا كَانَ الْمَعْدِنُ أَوْ ظَاهِرًا؛ لِحَدِيثِ «مَنْ سَبَقَ إلَى مَا لَمْ يَسْبِقْ إلَيْهِ مُسْلِمٌ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ» . وَلَا يُمْنَعُ السَّابِقُ (مَا دَامَ يَعْمَلُ) ؛ لِلْحَدِيثِ، (وَلَا يُمْنَعُ) السَّابِقُ (إذَا طَالَ مَقَامُهُ) ، يَعْنِي لِلْأَخْذِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ.
قَالَ فِي " الْمُسْتَوْعِبِ " وَ " التَّلْخِيصِ ": وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يُمْنَعُ مَا دَامَ آخِذًا، وَصَحَّحَهُ الْحَارِثِيُّ، وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ ".
(وَإِنْ سَبَقَ عَدَدٌ) اثْنَانِ فَأَكْثَرُ إلَى الْمَعْدِنِ الْمُبَاحِ (وَضَاقَ الْمَحِلُّ عَنْ الْأَخْذِ جُمْلَةً؛ أُقْرِعَ) كَمَا لَوْ سَبَقَ عَدَدٌ إلَى طَرِيقٍ وَاسِعٍ، وَضَاقَ عَنْ الْجُلُوسِ؛ فَيُقْرَعُ كَمَا سَبَقَ، (فَإِنْ حَفَرَهُ) أَيْ: الْمَعْدِنَ - إنْسَانٌ (آخَرُ مِنْ جَانِبٍ آخَرَ) غَيْرِ الَّذِي حَفَرَ مِنْهُ السَّابِقُ، (فَوَصَلَ إلَى النَّيْلِ؛ لَمْ يُمْنَعْ) لِأَنَّ حَقَّهُ إنَّمَا تَعَلَّقَ بِمَا وَصَلَ إلَيْهِ دُونَ غَيْرِهِ.
(وَالسَّابِقُ إلَى مُبَاحٍ؛ كَصَيْدٍ وَعَنْبَرٍ وَحَطَبٍ وَلُقَطَةٍ وَلَقِيطٍ وَثَمَرٍ) وَلُؤْلُؤٍ وَمَرْجَانٍ (وَمَنْبُوذٍ رَغْبَةً عَنْهُ) كَعَظْمٍ بِهِ شَيْءٌ مِنْ لَحْمٍ رُغِبَ عَنْهُ، وَنُثَارٍ فِي عُرْسٍ وَنَحْوِهِ، وَمَا يَتْرُكُهُ الْحَصَادُ مِنْ الزَّرْعِ وَاللَّقَّاطُ مِنْ الثَّمَرِ أَحَقُّ بِهِ؛ لِلْحَدِيثِ السَّابِقِ، وَكَذَا مَا يَنْبُتُ فِي الْجَزَائِرِ وَالرِّقَاقِ، وَكُلُّ مَوَاتٍ مِنْ الطُّرَفَاءِ وَالْقَصَبِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ النَّبَاتَاتِ (أَحَقُّ بِهِ) مِنْ غَيْرِهِ، فَيَمْلِكُهُ بِأَخْذِهِ مُسْلِمًا كَانَ أَوْ ذِمِّيًّا.
(وَيُقَسَّمُ) مَا أُخِذَ مِنْ ذَلِكَ (بَيْنَ عَدَدِ) اثْنَيْنِ فَأَكْثَرَ (بِالسَّوِيَّةِ) ؛ لِاسْتِوَائِهِمْ فِي السَّبَبِ، وَالْقِسْمَةُ مُمْكِنَةٌ، وَحُذِّرَا مِنْ تَأْخِيرِ الْحَقِّ. وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ
ذِي الْحَاجَةِ وَالتَّاجِرِ؛ لِأَنَّ الِاسْتِحْقَاقَ بِالسَّبَبِ لَا بِالْحَاجَةِ، (وَالْمِلْكُ مَقْصُورٌ فِيهِ عَلَى الْقَدْرِ الْمَأْخُوذِ) ، فَلَا يَمْلِكُ مَا لَمْ يُجِزْهُ، وَلَا يَمْنَعُ غَيْرَهُ مِنْهُ، وَكَذَا سَبَقَ وَاحِدٌ فَأَكْثَرُ إلَى مَا ضَاعَ مِمَّا لَا تَتْبَعُهُ هِمَّةُ أَوْسَاطِ النَّاسِ كَرَغِيفٍ وَتَمْرَةٍ وَسَوْطٍ وَنَحْوِهَا؛ لِأَنَّهُ يَمْلِكُهُ آخُذُهُ بِمُجَرَّدِ الْتِقَاطٍ، وَلَا يَحْتَاجُ لِتَفْرِيقٍ، وَكَذَا مَنْ سَبَقَ إلَى مَا يَسْقُطْ مِنْ الثَّلْجِ وَالْمَنِّ وَسَائِرِ الْمُبَاحَاتِ كاللادن، وَكَذَلِكَ مَنْ سَبَقَ إلَى لَقِيطٍ أَوْ لُقَطَةٍ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ بِلَا نِزَاعٍ، (فَلَوْ رَأَى اللُّقَطَةَ وَاحِدٌ، وَسَبَقَ آخَرُ لِأَخْذِهَا؛ فَهِيَ لِمَنْ سَبَقَ) ؛ لِلْحَدِيثِ.
(فَإِنْ) رَآهَا اثْنَانِ وَ (أَمَرَ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ فَأَخَذَهَا) الْمَأْمُورُ وَنَوَى الْأَخْذَ (لِنَفْسِهِ) ؛ فَهِيَ لَهُ، (أَوْ أَطْلَقَ) الْمَأْمُورُ، فَلَمْ يَنْوِهَا لِنَفْسِهِ وَلَا غَيْرِهِ؛ فَهِيَ (لَهُ) أَيْ: لِلْمَأْمُورِ؛ لِأَنَّهُ السَّابِقُ وَقَدْ عَزَلَ نَفْسَهُ مِنْ التَّوْكِيلِ؛ فَهِيَ لِمَنْ سَبَقَ؛ لِلْحَدِيثِ.
(وَإِنْ نَوَى) الْمَأْمُورُ بِأَخْذِهِ لَهَا أَنَّهَا (لِلْآمِرِ؛ فَهِيَ لِلْآمِرِ) فِي قَوْلِهِ مَنْ يَقُولُ بِصِحَّةِ التَّوْكِيلِ فِي الِالْتِقَاطِ، وَجَزَمَ بِهِ الْمُوَفَّقُ وَغَيْرُهُ.
وَالْمَذْهَبُ لَا يَصِحُّ التَّوْكِيلُ فِيهِ؛ لِعَدَمِ قَبُولِهِ النِّيَابَةَ، وَلِأَنَّ الْمُغَلَّبَ فِيهِ الِائْتِمَانُ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الِاصْطِيَادِ أَنَّ الِاصْطِيَادَ تَمَلُّكُ مَالٍ بِسَبَبٍ لَا يَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ، فَجَازَ كَالِابْتِيَاعِ، وَتَقَدَّمَ فِي الْوَكَالَةِ.
(وَإِنْ الْتَقَطَاهُ) - أَيْ: الْمَذْكُورَ - (مَعًا فَهُوَ لَهُمَا) ؛ إذْ لَا سَبْقَ. (وَوَضْعُ الْيَدِ عَلَيْهِ) - أَيْ: عَلَى مَا ذُكِرَ - (كَأَخْذٍ) - أَيْ: بِمَنْزِلَتِهِ، فَيَمْلِكُ بِمُجَرَّدِ وَضْعِ الْيَدِ عَلَيْهِ، (وَكَذَا لَقِيطٌ) فِي الْحُكْمِ كَاللُّقَطَةِ؛ إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا.
فَرْعٌ: الْأَسْبَابُ الْمُقْتَضِيَةُ لِلتَّمْلِيكِ الْإِحْيَاءُ وَالْمِيرَاثُ وَالْمُعَاوَضَاتُ وَالْوَصَايَا وَالْوَقْفُ وَالصَّدَقَاتُ وَالْغَنِيمَةُ وَالِاصْطِيَادُ وَوُقُوعُ الثَّلْجِ فِي الْمَكَانِ الَّذِي أَعَدَّهُ وَانْقِلَابُ الْخَمْرِ خَلًّا وَالْبَيْضَةُ الْمَذِرَةُ فَرْخًا.
(وَلِلْإِمَامِ حَمِي مَوَاتٍ) .
قَالَ فِي الْقَامُوسِ: حَمِيَ الشَّيْءُ يَحْمِيهِ حَمْيًا وَحِمَايَةً
بِالْكَسْرِ - وَمَحْمِيَّةً مَنَعَهُ، ثُمَّ قَالَ: وَأَحْمَى الْمَكَانَ جَعَلَهُ حِمَى لَا يَقْرَبُ. انْتَهَى.
وَكَانَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ مَنْ انْتَجَعَ بَلَدًا أَوْ أَتَى بِكَلْبٍ عَلَى نَشَزٍ، ثُمَّ اسْتَعْوَاهُ، وَوَقَفَ لَهُ مِنْ كُلِّ نَاحِيَةٍ مَنْ يَسْمَعُ صَوْتَهُ بِالْعُوَاءِ فَحَيْثُ مَا انْتَهَى صَوْتُهُ حَمَاهُ مِنْ كُلِّ نَاحِيَةٍ لِنَفْسِهِ، وَرَعَى مَعَ الْعَامَّةِ فِيمَا سِوَاهُ، فَنَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْهُ؛ لِمَا فِيهِ مِنْ التَّضْيِيقِ عَلَى النَّاسِ وَمَنْعِهِمْ مِنْ الِانْتِفَاعِ [بِشَيْءٍ] لَهُمْ فِيهِ حَقٌّ، وَجَاءَ الشَّرْعُ بِأَنَّهُ لَا حِمَى إلَّا لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ، وَيَكُونُ حِمَى الْأَرْضِ الْمَوَاتِ (لِرَعْيِ دَوَابِّ الْمُسْلِمِينَ الَّتِي يَقُومُ بِحِفْظِهَا مِنْ صَدَقَةٍ وَجِزْيَةٍ وَضَوَالِّ وَدَوَابِّ غَزَاهُ وَرَعْيِ مَاشِيَةٍ ضَعِيفًا) وَغَيْرِ ذَلِكَ، (مَا لَمْ يَضِقْ) عَلَى الْمُسْلِمِينَ؛ لِمَا رَوَى أَبُو عُبَيْدٍ عَنْ عَامِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ أَحْسِبُهُ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: أَتَى أَعْرَابِيُّ إلَى عُمَرَ، فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، بِلَادُنَا قَاتَلْنَا عَلَيْهَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ، وَأَسْلَمْنَا عَلَيْهَا فِي الْإِسْلَامِ، عَلَامَ تَحْمِيهَا؟ فَأَطْرَقَ عُمَرُ وَجَعَلَ يَنْفُخُ وَيَفْتِلُ شَارِبَهُ، وَكَانَ إذَا رَكِبَهُ أَمْرٌ فَتَلَ شَارِبَهُ وَنَفَخَ، فَلَمَّا رَأَى الْأَعْرَابِيُّ مَا بِهِ جَعَلَ يُرَدِّدُ ذَلِكَ، فَقَالَ عُمَرُ: الْمَالُ مَالُ اللَّهِ وَالْعِبَادُ عِبَادُ اللَّهِ، وَاَللَّهِ وَاَللَّهِ لَوْلَا مَا أَحْمِلُ عَلَيْهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ مَا حَمَيْت مِنْ الْأَرْضِ شِبْرًا فِي شِبْرٍ. قَالَ مَالِكٌ: بَلَغَنِي أَنَّهُ كَانَ يَحْمِلُ فِي كُلِّ عَامٍ عَلَى أَرْبَعِينَ أَلْفًا مِنْ الظَّهْرِ
وَعَنْ أَسْلَمَ قَالَ: سَمِعْت عُمَرَ يَقُولُ: لِهُنِيٍّ حِينَ اسْتَعْمَلَهُ عَلَى حِمَى الرَّبْذَةِ: يَا هَنِيُّ اُضْمُمْ جَنَاحَك عَنْ النَّاسِ، وَاتَّقِ دَعْوَةَ الْمَظْلُومِ فَإِنَّهَا مُجَابَةٌ، وَأَدْخِلْ رَبَّ الصُّرَيْمَةِ وَالْغَنِيمَةِ، وَدَعْنِي مِنْ نَعَمِ ابْنِ عَوْفٍ وَنَعَمِ ابْنِ عَفَّانَ، فَإِنَّهُمَا إنْ هَلَكَتْ مَاشِيَتُهُمَا رَجَعَا إلَى نَخْلٍ وَزَرْعٍ، وَإِنَّ هَذَا الْمِسْكِينَ إنْ هَلَكَتْ مَاشِيَتُهُ جَاءَ يَصْرُخُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، فَالْكَلَأُ أَهْوَنُ عَلَيَّ أَمْ غُرْمُ الذَّهَبِ وَالْوَرِقِ. إنَّهَا أَرْضُهُمْ قَاتَلُوا عَلَيْهَا فِي الْإِسْلَامِ، وَإِنَّهُمْ لَيَرَوْنَ أَنَّا نَظْلِمُهُمْ، وَلَوْلَا النَّعَمُ الَّتِي تَحْمِلُ عَلَيْهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ مَا حَمَيْت عَلَى النَّاسِ مِنْ بِلَادِهِمْ شَيْئًا أَبَدًا. وَوَجْهُ هَذَا أَنَّ مَا كَانَ مِنْ مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ قَامَتْ الْأَئِمَّةُ فِيهِ مَقَامَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم؛ لِحَدِيثِ «مَا أَطْعَمَ
اللَّهُ لِنَبِيٍّ طُعْمَةً إلَّا جَعَلَهَا طُعْمَةً لِمَنْ بَعْدَهُ» . وَرُوِيَ أَيْضًا أَنَّ عُثْمَانَ حَمَى وَاشْتُهِرَ، وَلَمْ يُنْكَرْ، فَكَانَ كَالْإِجْمَاعِ. وَحَدِيثُ:«لَا حِمَى إلَّا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد أُجِيبَ عَنْهُ بِأَنَّهُ مَخْصُوصٌ بِمَا يَحْمِيه الْإِمَامُ لِنَفْسِهِ، فَإِنَّهُ يُفَارِقُ حِمَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لِنَفْسِهِ؛ لِأَنَّ صَلَاحَهُ يَعُودُ إلَى صَلَاحِ الْمُسْلِمِينَ، وَمَالَهُ كَانَ يَرُدُّهُ فِي الْمُسْلِمِينَ، فَفَارَقَ الْأَئِمَّةُ فِي ذَلِكَ، وَسَاوُوهُ فِيمَا كَانَ صَلَاحًا لِلْمُسْلِمِينَ، وَلِهَذَا اُشْتُرِطَ فِي جَوَازِ الْحِمَى أَنْ لَا يَكُونَ فِي قَدْرٍ يُضَيِّقُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا جَازَ لِمَا فِيهِ مِنْ الْمَصْلَحَةِ، وَلَيْسَ مِنْ الْمَصْلَحَةِ إكْثَارُ الضَّرَرِ عَلَى أَكْثَرِ الْمُسْلِمِينَ فِي التَّضْيِيقِ عَلَيْهِمْ
(وَلَهُ) - أَيْ: الْإِمَامِ - إذَا حَمَى مَحِلًّا (نَقْضُ مَا حَمَاهُ) بِاجْتِهَادِهِ، (أَوْ) ؛ أَيْ: وَلَهُ نَقْضُ مَا حَمَاهُ (غَيْرُهُ مِنْ الْأَئِمَّةِ) ؛ لِأَنَّ حِمَى الْأَئِمَّةِ اجْتِهَادٌ فَيَجُوزُ نَقْضُهُ بِاجْتِهَادِ آخَرَ، وَيَنْبَنِي عَلَى ذَلِكَ أَنَّهُ لَوْ أَحْيَاهُ إنْسَانٌ مَلَكَهُ؛ لِأَنَّ مِلْكَ الْأَرْضِ مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ، وَالنَّصُّ مُقَدَّمٌ عَلَى الِاجْتِهَادِ.
قَالَ الْبُهُوتِيُّ: وَلَيْسَ هَذَا مِنْ نَقْضِ الِاجْتِهَادِ بِالِاجْتِهَادِ، بَلْ عَمَلٌ بِكُلٍّ مِنْ الِاجْتِهَادَيْنِ فِي مَحِلِّهِ كَالْحَادِثَةِ إذَا حَكَمَ فِيهَا قَاضٍ بِحُكْمٍ، ثُمَّ وَقَعَتْ مَرَّةً أُخْرَى، وَتَغَيَّرَ اجْتِهَادُهُ كَقَضَاءِ عُمَرَ فِي الْمُشْرِكَةِ.
وَ (لَا) يَنْقُضُ أَحَدٌ (مَا حَمَاهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم) ؛ لِأَنَّ النَّصَّ لَا يُنْقَضُ بِالِاجْتِهَادِ، فَلَيْسَ لِأَحَدٍ مِنْ الْأَئِمَّةِ نَقْضُهُ وَلَا تَغْيِيرُهُ، (وَلَا يُمْلَكُ) مَا حَمَاهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم (بِإِحْيَاءٍ) وَهُوَ الْمُشَارُ إلَيْهِ فِي بَابِ صَيْدِ الْحَرَمَيْنِ وَنَبَاتِهِمَا مِنْ قَوْلِهِ وَجَعَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم حَوْلَ الْمَدِينَةِ اثْنَيْ عَشَرَ مِيلًا حِمًى - (وَلَوْ لَمْ يُحْتَجْ إلَيْهِ) - عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ كَثِيرٍ مِنْ الْأَصْحَابِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ " وَغَيْرِهِ.
(وَكَانَ لَهُ صلى الله عليه وسلم فَقَطْ) دُونَ غَيْرِهِ (أَنْ يَحْمِيَ لِنَفْسِهِ) ؛ لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «لَا حِمَى إلَّا لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ» (وَلَمْ يَفْعَلْ) ؛ أَيْ: لَمْ يَحْمِ صلى الله عليه وسلم لِنَفْسِهِ شَيْئًا، وَإِنَّمَا حَمَى لِلْمُسْلِمِينَ.
فَرَوَى ابْنُ عُمَرَ قَالَ: «حَمَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم -