الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يَفُوتَ غَرَضُ الْوَاقِفِ، وَلِكَيْ لَا تَبْطُلَ فَائِدَةُ الصِّحَّةِ، وَلِأَنَّ وُجُودَ مَنْ لَا يَصِحُّ الْوَقْفُ عَلَيْهِ كَعَدَمِهِ، فَيَكُونُ كَأَنَّهُ وَقَفَ عَلَى الْجِهَةِ الصَّحِيحَةِ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ الْبَاطِلَةِ، وَلِأَنَّنَا لَمَّا صَحَّحْنَا الْوَقْفَ مَعَ ذِكْرِ مَنْ لَا يَجُوزُ الْوَقْفُ عَلَيْهِ، فَقَدْ أَلْغَيْنَاهُ، فَإِنَّهُ يَتَعَذَّرُ الصَّحِيحُ مَعَ اعْتِبَارِهِ.
[فَائِدَةٌ وَقَفَ عَلَى مَنْ لَا يَصِحُّ الْوَقْفُ عَلَيْهِ]
: فَائِدَةٌ وَإِنْ وَقَفَ عَلَى مَنْ لَا يَصِحُّ الْوَقْفُ عَلَيْهِ، وَلَمْ يَذْكُرْ لَهُ مَالًا صَحِيحًا؛ كَأَنْ يَقُولَ: وَقَفْتُهُ عَلَى الْأَغْنِيَاءِ أَوْ الذِّمِّيِّينَ، أَوْ عَلَى الْكَنِيسَةِ وَنَحْوِهَا؛ بَطَلَ الْوَقْفُ؛ لِأَنَّهُ عَيَّنَ الْمَصْرِفَ الْبَاطِلَ، وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ.
(وَ) يُصْرَفُ (مُنْقَطِعُ الْآخِرِ) ؛ كَعَلَى زَيْدٍ ثُمَّ عَمْرٍو ثُمَّ عَبِيدِهِ أَوْ الْكَنِيسَةِ، (بَعْدَ مَنْ يَجُوزُ الْوَقْفُ عَلَيْهِ) ، إلَى وَرَثَتِهِ حِينَ الِانْقِطَاعِ نَسَبًا عَلَى قَدْرِ إرْثِهِمْ وَقْفًا. وَكَذَا لَوْ وَقَفَ عَلَى زَيْدٍ، وَلَمْ يَزِدْ عَلَيْهِ.
(وَ) يُصْرَفُ (مَا وَقَفَهُ وَسَكَتَ) كَمَا لَوْ قَالَ: وَقَفْتُ هَذِهِ الدَّارَ، وَلَمْ يُسَمِّ مَصْرِفًا صَحِيحًا؛ لِأَنَّ مُقْتَضَى الْوَقْفِ التَّأْبِيدُ، فَيُحْمَلُ عَلَى مُقْتَضَاهُ، وَلَا يَضُرُّ تَرْكُهُ ذِكْرَ مَصْرِفِهِ؛ وَلِأَنَّ الْإِطْلَاقَ إذَا كَانَ لَهُ عُرْفٌ؛ صَحَّ وَحُمِلَ عَلَيْهِ.
وَعُرْفُ الْمَصْرِفِ هَا هُنَا أَوْلَى الْجِهَاتِ بِهِ، فَكَأَنَّهُ عَيَّنَهُمْ بِصَرْفِهِ، فَيُصْرَفُ رَيْعُهُ (إلَى وَرَثَتِهِ) - أَيْ: الْوَاقِفِ حِينَ انْقِطَاعِ الْوَقْفِ، لَا حِينَ مَوْتِهِ، كَمَا يُفْهَمُ مِنْ " الرِّعَايَةِ "؛ لِأَنَّ حُكْمَهُ حُكْمُ الْوَقْفِ الْمُنْقَطِعِ الِانْتِهَاءِ (نَسَبًا) ؛ لِأَنَّ الْوَقْفَ مَصْرِفُهُ الْبِرُّ، وَأَقَارِبُهُ أَوْلَى النَّاسِ بِبِرِّهِ؛ لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام:«إنَّكَ أَنْ تَدَعَ وَرَثَتَكَ أَغْنِيَاءَ خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَدَعَهُمْ عَالَةً يَتَكَفَّفُونَ النَّاسَ» .
وَلِأَنَّهُمْ أَوْلَى النَّاسِ بِصَدَقَاتِهِ النَّوَافِلِ وَالْمَفْرُوضَاتِ، فَكَذَا صَدَقَتُهُ الْمَنْقُولَةُ.
(لَا وَلَاءً وَلَا نِكَاحًا) ؛ لِعَدَمِ الِانْتِسَابِ، (عَلَى قَدْرِ إرْثِهِمْ) مِنْ الْوَاقِفِ، (وَقْفًا) عَلَيْهِمْ، فَلَا يَمْلِكُونَ نَقْلَ الْمِلْكِ فِي رَقَبَتِهِ وَعُلِمَ مِنْهُ صِحَّةُ الْوَقْفِ، وَإِنْ لَمْ يُعَيِّنْ لَهُ مَصْرِفًا، وَيُقْسَمُ بَيْنَهُمْ عَلَى قَدْرِ إرْثِهِمْ مِنْ الْوَاقِفِ، فَيَسْتَحِقُّونَهُ كَالْمِيرَاثِ.
(وَ) يَقَعُ (الْحَجْبُ بَيْنَهُمْ) - أَيْ: وَرَثَةِ الْوَاقِفِ - فِيهِ؛ كَوُقُوعِهِ فِي
(إرْثٍ، وَالْغَنِيُّ وَالْفَقِيرُ) فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ؛ لِاسْتِوَائِهِمْ فِي الْقَرَابَةِ. قَالَ الْقَاضِي: (فَلِبِنْتِ مَعَ ابْنٍ ثُلُثٌ) ، وَلَهُ الْبَاقِي. (وَلِأَخٍ لِأُمٍّ مَعَ أَخٍ لِأَبٍ سُدُسٌ) ، وَلَهُ مَا بَقِيَ.
وَإِنْ كَانَ (جَدٌّ) لِأَبٍ (وَأَخٌ) لِأَبَوَيْنِ أَوْ لِأَبٍ؛ (يَشْتَرِكَانِ) سَوِيَّةً، وَيَقْتَسِمَانِ رَيْعِ الْوَقْفِ الْمَذْكُورِ كَالْمِيرَاثِ.
وَإِنْ كَانَ (أَخٌ) لِغَيْرِ أُمٍّ، (وَعَمٌّ) لِغَيْرِ أُمٍّ؛ (فَلِأَخٍ) الِانْفِرَادُ بِهِ، وَإِنْ كَانَ عَمٌّ لِغَيْرِ أُمٍّ؛ انْفَرَدَ بِهِ الْعَمُّ كَالْمِيرَاثِ. انْتَهَى.
(فَإِنْ عَدِمُوا) ؛ بِأَنْ لَمْ يَكُنْ لِوَاقِفٍ وَرَثَةٌ مِنْ النَّسَبِ؛ فَمَعْرُوفٌ وَقْفُهُ (لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ) وَقْفًا عَلَيْهِمْ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ.
وَجَزَمَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي " التَّذْكِرَةِ "، " وَالْمُوَفَّقُ "، " وَالشَّارِحُ "، وَصَاحِبُ " التَّلْخِيصِ "، وَغَيْرُهُمْ، وَقَدَّمَهُ فِي " الْفَائِقِ "؛ لِأَنَّ الْقَصْدَ بِالْوَقْفِ الثَّوَابُ الْجَارِي عَلَى وَجْهِ الدَّوَامِ، وَإِنَّمَا قَدَّمُوا الْأَقَارِبَ عَلَى الْمَسَاكِينِ؛ لِكَوْنِهِمْ أَوْلَى، فَإِذَا لَمْ يَكُونُوا فَالْمَسَاكِينُ أَهْلٌ لِذَلِكَ، فَيُصْرَفُ إلَيْهِمْ، (وَنَصُّهُ) ؛ أَيْ: الْإِمَامِ أَحْمَدَ فِي رِوَايَةِ إبْرَاهِيمَ وَأَبِي طَالِبٍ وَغَيْرِهِمَا: أَنَّهُ يُصْرَفُ (فِي مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ) ، فَيَرْجِعُ إلَى بَيْتِ الْمَالِ.
قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: نَصُّ الرِّوَايَاتِ أَنْ يَكُونَ فِي بَيْتِ الْمَالِ، يُصْرَفُ فِي مَصَالِحِهِمْ، وَيَكُونُ وَقْفًا أَيْضًا عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ.
(وَمَتَى انْقَطَعَتْ الْجِهَةُ) الْمَوْقُوفُ عَلَيْهَا، (وَالْوَاقِفُ حَيٌّ) ؛ بِأَنْ وَقَفَ عَلَى أَوْلَادِهِ، أَوْ أَوْلَادِ زَيْدٍ فَقَطْ فَانْقَرَضُوا فِي حَيَاتِهِ (لَمْ يَرْجِعْ) الْوَقْفُ (إلَيْهِ) - أَيْ: إلَى الْوَاقِفِ (وَقْفًا) ؛ لِانْقِطَاعِ الْجِهَةِ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهَا (خِلَافًا لَهُمَا) - أَيْ: لِصَاحِبِ الْمُنْتَهَى " وَالْإِقْنَاعِ "(بَلْ) يَكُونُ مَصْرِفُ رَيْعِهِ (كَمَا مَرَّ) ؛ أَيْ: لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ. كَذَا قَالَ: وَعِبَارَةُ الْمُنْتَهَى " وَمَتَى انْقَطَعَتْ الْجِهَةُ،
وَالْوَاقِفُ حَيٌّ؛ رَجَعَ إلَيْهِ وَقْفًا.
وَعِبَارَةُ الْإِقْنَاعِ ": وَإِنْ انْقَطَعَتْ الْجِهَةُ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهَا فِي حَيَاةِ الْوَاقِفِ؛ رَجَعَ إلَيْهِ وَقْفًا عَلَيْهِ.
يَعْنِي وَمَتَى قُلْنَا: يَرْجِعُ إلَى أَقَارِبِ الْوَاقِفِ وَقْفًا، فَإِنْ كَانَ الْوَاقِفُ حَيًّا وَقْتَ انْقِطَاعِ الْجِهَةِ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهَا رَجَعَ إلَيْهِ وَقْفًا، يَتَصَرَّفُ فِيهِ مُدَّةَ حَيَاتِهِ، وَبَعْدَهُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ أَوْ لِلْمَصَالِحِ، كَمَا تَقَدَّمَ.
قَالَ ابْنُ الزَّاغُونِيِّ فِي الْوَاضِحِ ": الْخِلَافُ فِي الرُّجُوعِ إلَى الْأَقَارِبِ أَوْ إلَى بَيْتِ الْمَالِ أَوْ إلَى الْمَسَاكِينِ مُخْتَصٌّ بِمَا إذَا مَاتَ الْوَاقِفُ، أَمَّا إذَا كَانَ حَيًّا فَانْقَطَعَتْ الْجِهَةُ؛ فَفِي رُجُوعِهِ إلَيْهِ أَوْ إلَى عَصَبَتِهِ وَذُرِّيَّتِهِ رِوَايَتَانِ. انْتَهَى.
إحْدَاهُمَا يَدْخُلُ، قَطَعَ بِهِ ابْنُ عَقِيلٍ فِي مُفْرَدَاتِهِ، وَإِلَيْهِ مَيْلُ ابْنِ رَجَبٍ، وَكَذَا لَوْ وَقَفَ عَلَى أَوْلَادِهِ، وَالنِّسَاءُ لَهُمْ أَبَدًا عَلَى أَنَّهُ مَنْ تُوُفِّيَ مِنْهُمْ عَنْ غَيْرِ وَلَدٍ رَجَعَ نَصِيبَهُ إلَى أَقْرَبِ النَّاسِ إلَيْهِ، فَتُوُفِّيَ أَحَدُ أَوْلَادِ الْوَاقِفِ عَنْ وَلَدٍ، وَالْأَبُ الْوَاقِفُ حَيٌّ، فَهَلْ يَعُودُ نَصِيبَهُ إلَيْهِ. لِكَوْنِهِ أَقْرَبَ النَّاسِ إلَيْهِ، أَمْ لَا، يَخْرُجُ عَلَى مَا قَبْلَهَا، قَالَهُ ابْنُ رَجَبٍ.
وَالْمَسْأَلَةُ مُلْتَفِتَةٌ إلَى دُخُولِ الْمُخَاطَبِ فِي خِطَابِهِ، فَكَأَنَّ الْمُصَنِّفَ رحمه الله مَشَى عَلَى الرِّوَايَةِ الْمَرْجُوحَةِ، الْمُعَبَّرِ عَنْهَا بِقِيلِ، وَلَمْ يُلْتَفَتْ إلَى مَا قَدَّمَهُ ابْنُ الزَّاغُونِيِّ، وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ عَقِيلٍ.
(وَيُعْمَلُ فِي) وَقْفٍ (صَحِيحِ وَسَطٍ فَقَطْ) ؛ أَيْ: دُونَ الِابْتِدَاءِ وَالْآخَرُ؛ كَمَا لَوْ وَقَفَ دَارِهِ عَلَى عَبْدِهِ ثُمَّ عَلَى زَيْدٍ ثُمَّ عَلَى الْكَنِيسَةِ، (بِالِاعْتِبَارَيْنِ) ؛ بِأَنْ يُلْغَى مَا عَدَا الْوَسَطِ، وَيُجْعَلَ كَأَنَّهُ جَعَلَ وَقْفَهُ مَا عَدَا الطَّرَفَيْنِ، (فَيُصْرَفُ فِي الْحَالِ لَهُ) - أَيْ: لِزَيْدٍ - (وَ) يَرْجِعُ (بَعْدَهُ) - أَيْ: زَيْدٍ - (لِوَرَثَةِ وَاقِفٍ) نَسَبًا وَقَفَا؛ عَلَى قَدْرِ إرْثِهِمْ، ثُمَّ الْمَسَاكِينَ.