الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْخُضُوعِ لِلَّهِ تَعَالَى وَالتَّذَلُّل تَتَكَرَّرُ كُلَّمَا تَكَرَّرَتِ الصَّلَاةُ، فَشُرِعَ هَذَا الْقِسْمُ عَلَى الأَْعْيَانِ تَكْثِيرًا لِلْمَصْلَحَةِ.
أَمَّا الْمَصْلَحَةُ مِنْ فُرُوضِ الْكِفَايَةِ فَلَا تَتَكَرَّرُ بِتَكَرُّرِهَا، كَإِنْقَاذِ الْغَرِيقِ فَإِنَّ النَّازِل إِلَى الْبَحْرِ بَعْدَ إِنْقَاذِهِ لَا يُحَصِّل شَيْئًا مِنَ الْمَصْلَحَةِ، فَجَعَلَهُ الشَّارِعُ عَلَى الْكِفَايَةِ نَفْيًا لِلْعَبَثِ فِي الأَْفْعَال، كَكِسْوَةِ الْعُرْيَانِ وَإِطْعَامِ الْجَوْعَانِ.
ج - أَنَّ فَرْضَ الْعَيْنِ يَلْزَمُ بِالشُّرُوعِ إِلَاّ لِعُذْرٍ بِاتِّفَاقِ الْفُقَهَاءِ، وَكَذَلِكَ فَرْضُ الْكِفَايَةِ خِلَافًا لِلشَّافِعِيَّةِ، فَلَا يَلْزَمُ فَرْضُ الْكِفَايَةِ بِالشُّرُوعِ إِلَاّ فِي الْجِهَادِ وَالْجِنَازَةِ وَالْحَجِّ تَطَوُّعًا عِنْدَهُمْ فَإِنَّهُ لَا يَقَعُ إِلَاّ فَرْضَ كِفَايَةٍ.
د - أَنَّ مَنْ تَرَكَ فَرْضَ عَيْنٍ أُجْبِرَ عَلَيْهِ، وَفِي فَرْضِ الْكِفَايَةِ خِلَافٌ كَمَا فِي تَوَلِّي الْقَضَاءِ وَكَفَالَةِ اللَّقِيطِ وَغَيْرِهَا (1) .
الْمُفَاضَلَةُ بَيْنَ فَرْضِ الْعَيْنِ وَفَرْضِ الْكِفَايَةِ:
5 -
ذَهَبَ أَبُو إِسْحَاقَ الإْسْفَرايِينِيُّ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ إِلَى أَنَّ لِلْقِيَامِ بِفَرْضِ الْكِفَايَةِ أَفْضَلِيَّةً عَلَى الْقِيَامِ بِفَرْضِ الْعَيْنِ مِنْ حَيْثُ إِنَّ فِي أَدَائِهِ إِسْقَاطًا لِلْحَرَجِ عَنْ نَفْسِهِ وَعَنِ الْمُسْلِمِينَ.
وَذَهَبَ ابْنُ عَابِدِينَ وَالْجَلَال الْمَحَلِّيُّ فِي
(1) حاشية العطار على جمع الجوامع 1 / 236، والمنثور في القواعد للزركشي 3 / 33، والفروق للقرافي 1 / 116، وأنوار البروق بهامش الفروق 1 / 163، والتقرير والتحبير 2 / 135.
شَرْحِهِ عَلَى جَمْعِ الْجَوَامِعِ إِلَى أَنَّ الْقِيَامَ بِفَرْضِ الْعَيْنِ أَفْضَل، لِشِدَّةِ اعْتِنَاءِ الشَّارِعِ بِهِ بِقَصْدِ حُصُولِهِ مِنْ كُل مُكَلَّفٍ، وَلأَِنَّهُ مَفْرُوضٌ حَقًّا لِلنَّفْسِ فَهُوَ أَهَمُّ عِنْدَهَا وَأَكْثَرُ مَشَقَّةً، وَنَقَل الْعَطَّارُ فِي حَاشِيَتِهِ مِنْ كَلَامِ الإِْمَامِ الشَّافِعِيِّ وَالأَْصْحَابِ مَا يُؤَيِّدُ ذَلِكَ، فَقَدْ قَالُوا: إِنَّ قَطْعَ الطَّوَافِ الْمَفْرُوضِ لِصَلَاةِ الْجِنَازَةِ مَكْرُوهٌ، وَعَلَّلُوهُ بِأَنَّهُ لَا يَحْسُنُ تَرْكُ فَرْضِ الْعَيْنِ لِفَرْضِ الْكِفَايَةِ، فَإِذَا ازْدَحَمَ فَرْضُ الْكِفَايَةِ وَفَرْضُ الْعَيْنِ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ لَا يَسَعُ إِلَاّ أَحَدَهُمَا وَجَبَ تَقْدِيمُ فَرْضِ الْعَيْنِ إِلَاّ إِذَا كَانَ لَهُ بَدَلٌ، كَمَا فِي سُقُوطِ الْجُمُعَةِ مِمَّنْ لَهُ قَرِيبٌ يُمَرِّضُهُ، بَل قَالُوا: لَوِ اجْتَمَعَ جِنَازَةٌ وَجُمُعَةٌ وَضَاقَ الْوَقْتُ قُدِّمَتِ الْجُمُعَةُ عَلَى الْمَذْهَبِ، وَقَدَّمَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجِنَازَةَ لأَِنَّ لِلْجُمُعَةِ بَدَلاً.
وَإِنْ كَانَ فِي الْوَقْتِ مُتَّسَعٌ فَيُقَدَّمُ فَرْضُ الْكِفَايَةِ، كَمَا لَوِ اجْتَمَعَ كُسُوفٌ وَفَرْضٌ، وَلَمْ يُخَفْ فَوْتُ الْفَرْضِ، قُدِّمَ الْكُسُوفُ كَيْ لَا يَفُوتَ، وَكَذَلِكَ يُقَدَّمُ إِنْقَاذُ الْغَرِيقِ عَلَى إِتْمَامِ الصَّوْمِ فِي حَقِّ صَائِمٍ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ إِنْقَاذِهِ إِلَاّ بِالإِْفْطَارِ لِخَوْفِ الْفَوَاتِ (1) .
وَتَفْصِيل ذَلِكَ فِي الْمُلْحَقِ الأُْصُولِيِّ.
(1) حاشية العطار على جمع الجوامع 1 / 237 - 238، المنثور في القواعد 3 / 40، وحاشية ابن عابدين 1 / 30.