الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لِي عَنْ قَبْرِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَصَاحِبَيْهِ رضي الله عنهما، فَكَشَفَتْ لِي عَنْ ثَلَاثَةِ قُبُورٍ، لَا مُشْرِفَةٍ وَلَا لَاطِئَةٍ، مَبْطُوحَةٍ بِبَطْحَاءِ الْعَرْصَةِ الْحَمْرَاءِ (1) .
قَال الْمَالِكِيَّةُ: وَإِنْ زِيدَ عَلَى التَّسْنِيمِ أَيْ مِنْ حَيْثُ كَثْرَةُ التُّرَابِ بِحَيْثُ يَكُونُ جِرْمًا مُسَنَّمًا عَظِيمًا فَلَا بَأْسَ بِهِ. وَصَرَّحَ الْحَنَابِلَةُ بِكَرَاهَةِ رَفْعِهِ فَوْقَ شِبْرٍ لِحَدِيثِ أَبِي الْهَيَّاجِ الأَْسَدِيِّ قَال: قَال لِي عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ: أَلَا أَبْعَثُكَ عَلَى مَا بَعَثَنِي عَلَيْهِ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: أَنْ لَا تَدَعَ تِمْثَالاً إلَاّ طَمَسْتَهُ، وَلَا قَبْرًا مُشْرِفًا إلَاّ سَوَّيْتَهُ (2) .
قَالُوا: وَالْمُشْرِفُ مَا رُفِعَ كَثِيرًا، بِدَلِيل مَا سَبَقَ عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ " لَا مُشْرِفَةٍ وَلَا لَاطِئَةٍ " وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ قَوْلٌ ضَعِيفٌ بِكَرَاهَةِ التَّسْنِيمِ وَنَدْبِ التَّسْطِيحِ، أَيْ يُجْعَل عَلَيْهِ سَطْحٌ كَالْمِصْطَبَةِ وَلَكِنْ لَا يُسَوَّى ذَلِكَ السَّطْحُ بِالأَْرْضِ بَل يُرْفَعُ كَشِبْرٍ، وَقِيل يُرْفَعُ قَلِيلاً بِقَدْرِ مَا يُعْرَفُ.
وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ إلَى أَنَّ تَسْطِيحَ الْقَبْرِ
(1) حديث القاسم بن محمد: " دخلت على عائشة. . . ". أخرجه أبو داود (3 / 539) . والحاكم (1 / 369) وصححه ووافقه الذهبي. والمشرفة: المرتفعة غاية الارتفاع، واللاطئة: المستوية على وجه الأرض، والمبطوحة: المسواة المبسوطة على الأرض، قاله ابن الملك:(عون المعبود 9 / 39 نشر دار الفكر) .
(2)
حديث أبي الهياج عن علي أنه قال له: " ألا أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم. . . ". أخرجه مسلم (2 / 666) .
أَفْضَل مِنْ تَسْنِيمِهِ (1) .
13 -
وَنَصَّ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ عَلَى أَنَّهُ إذَا مَاتَ الْمُسْلِمُ فِي بِلَادِ الْكُفَّارِ فَلَا يُرْفَعُ قَبْرُهُ بَل يُخْفَى لِئَلَاّ يَتَعَرَّضُوا لَهُ.
قَال الْبُهُوتِيُّ: تَسْوِيَةُ قَبْرِ الْمُسْلِمِ بِالأَْرْضِ وَإِخْفَاؤُهُ بِدَارِ الْحَرْبِ أَوْلَى مِنْ إظْهَارِهِ وَتَسْنِيمِهِ، خَوْفًا مِنْ أَنْ يُنْبَشَ فَيُمَثَّل بِهِ (2) .
ح -
تَطْيِينُ الْقَبْرِ وَتَجْصِيصُهُ وَالْبِنَاءُ عَلَيْهِ:
14 -
صَرَّحَ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ بِأَنَّهُ يُسَنُّ أَنْ يُرَشَّ عَلَى الْقَبْرِ بَعْدَ الدَّفْنِ مَاءٌ، لأَِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَعَل ذَلِكَ بِقَبْرِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ (3) ، وَأَمَرَ بِهِ فِي قَبْرِ عُثْمَانَ بْنِ مَظْعُونٍ (4) .
وَزَادَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ: أَنْ يُوضَعَ عَلَيْهِ حَصًى صِغَارٌ، لِمَا رَوَى جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم رَشَّ عَلَى قَبْرِ ابْنِهِ إبْرَاهِيمَ وَوَضَعَ عَلَيْهِ حَصْبَاءَ (5) ، وَلأَِنَّ ذَلِكَ
(1) حاشية ابن عابدين 1 / 601، وحاشية الدسوقي على الشرح الكبير 1 / 418، وحاشية العدوي على الخرشي 2 / 129، وروضة الطالبين 2 / 136، 137، والقليوبي وعميرة على شرح المحلي 1 / 341، وكشاف القناع 2 / 138.
(2)
المصادر السابقة.
(3)
حديث: " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رش على قبر سعد بن معاذ ". أخرجه ابن ماجه (1 / 495) ، وضعف إسناده البوصيري في مصباح الزجاجة (1 / 274) .
(4)
حديث: " أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر برش قبر عثمان بن مظعون ". أخرجه البزار، (كشف الأستار 1 / 397)، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (3 / 45) :" رجاله موثقون إلا أن شيخ البزار محمد بن عبد الله لم أعرفه ".
(5)
حديث: " أن النبي صلى الله عليه وسلم رش على قبر ابنه إبراهيم ". أخرجه الهيثمي (3 / 411) معضلاً.
أَثْبَتُ لَهُ وَأَبْعَدُ لِدُرُوسِهِ، وَأَمْنَعُ لِتُرَابِهِ مِنْ أَنْ تُذْهِبَهُ الرِّيَاحُ.
قَال الشَّافِعِيَّةُ: وَيَحْرُمُ رَشُّهُ بِالْمَاءِ النَّجِسِ، وَيُكْرَهُ بِمَاءِ الْوَرْدِ (1) .
15 -
وَاخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي تَطْيِينِ الْقَبْرِ، فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ - فِي الْمُخْتَارِ - وَالْحَنَابِلَةُ إلَى جَوَازِ تَطْيِينِ الْقَبْرِ، وَنَقَل التِّرْمِذِيُّ عَنِ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِالتَّطْيِينِ.
قَال النَّوَوِيُّ: وَلَمْ يَذْكُرْ ذَلِكَ جَمَاهِيرُ الأَْصْحَابِ.
وَدَلِيل الْجَوَازِ قَوْل الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ فِي وَصْفِ قَبْرِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَقَبْرِ صَاحِبَيْهِ " مَبْطُوحَةٍ بِبَطْحَاءِ الْعَرْصَةِ الْحَمْرَاءِ "(2) .
وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ إلَى كَرَاهَةِ تَطْيِينِ الْقَبْرِ.
قَال الدُّسُوقِيُّ: أَكْثَرُ عِبَارَاتِهِمْ فِي تَطْيِينِهِ مِنْ فَوْقٍ، وَنَقَل ابْنُ عَاشِرٍ عَنْ شَيْخِهِ أَنَّهُ يَشْمَل تَطْيِينَهُ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا (3) .
16 -
وَاتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى كَرَاهَةِ تَجْصِيصِ الْقَبْرِ، لِمَا رَوَى جَابِرٌ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ نَهَى
(1) حاشية ابن عابدين على الدر المختار 1 / 601، وحاشية القليوبي وعميرة على المحلى 1 / 351، وروضة الطالبين 2 / 136، وكشاف القناع 2 / 138.
(2)
حديث القاسم بن محمد تقدم تخريجه ف12.
(3)
حاشية ابن عابدين 1 / 601، وحاشية الدسوقي على الشرح الكبير 1 / 424، وحاشية القليوبي 1 / 350، وروضة الطالبين 2 / 136، وكشاف القناع 2 / 138.
رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يُجَصَّصَ الْقَبْرُ وَأَنْ يُقْعَدَ عَلَيْهِ وَأَنْ يُبْنَى عَلَيْهِ (1) .
قَال الْمَحَلِّيُّ: التَّجْصِيصُ التَّبْيِيضُ بِالْجِصِّ وَهُوَ الْجِيرُ.
قَال عَمِيرَةُ: وَحِكْمَةُ النَّهْيِ التَّزْيِينُ، وَزَادَ إضَاعَةَ الْمَال عَلَى غَيْرِ غَرَضٍ شَرْعِيٍّ (2) .
17 -
وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إلَى كَرَاهَةِ الْبِنَاءِ عَلَى الْقَبْرِ فِي الْجُمْلَةِ، لِحَدِيثِ جَابِرٍ: نَهَى رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يُجَصَّصَ الْقَبْرُ وَأَنْ يُبْنَى عَلَيْهِ (3) .
وَسَوَاءٌ فِي الْبِنَاءِ بِنَاءُ قُبَّةٍ أَمْ بَيْتٌ أَمْ غَيْرُهُمَا.
وَقَال الْحَنَفِيَّةُ: يَحْرُمُ لَوْ لِلزِّينَةِ، وَيُكْرَهُ لَوْ لِلإِْحْكَامِ بَعْدَ الدَّفْنِ.
وَفِي الإِْمْدَادِ مِنْ كُتُبِ الْحَنَفِيَّةِ: وَالْيَوْمَ اعْتَادُوا التَّسْنِيمَ بِاللَّبِنِ صِيَانَةً لِلْقَبْرِ عَنِ النَّبْشِ وَرَأَوْا ذَلِكَ حَسَنًا، وَقَال عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ: مَا رَأَى الْمُسْلِمُونَ حَسَنًا فَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ حَسَنٌ.
وَنَصَّ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ عَلَى حُرْمَةِ الْبِنَاءِ فِي الْمَقْبَرَةِ الْمُسَبَّلَةِ وَوُجُوبِ هَدْمِهِ.
قَال الْمَالِكِيَّةُ: إلَاّ إذَا كَانَ يَسِيرًا لِلتَّمْيِيزِ.
(1) حديث جابر: " نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجصص القبر. . . ". أخرجه مسلم (2 / 667) .
(2)
حاشية ابن عابدين 1 / 601، وحاشية الدسوقي 1 / 424، وحاشية القليوبي وعميرة 1 / 350، وكشاف القناع 2 / 140.
(3)
حديث جابر تقدم تخريجه ف16.