الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ثُمَّ مَا يَجِبُ وُجُوبَ عَيْنٍ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ هُوَ مَا يَتَوَقَّفُ أَدَاءُ الْوَاجِبِ عَلَيْهِ غَالِبًا، دُونَ مَا يَطْرَأُ نَادِرًا، فَإِنْ حَدَثَ النَّادِرُ وَجَبَ التَّعَلُّمُ حِينَئِذٍ، أَمَّا الْبُيُوعُ وَالنِّكَاحُ وَسَائِرُ الْمُعَامَلَاتِ مِمَّا لَا يَجِبُ أَصْلُهُ فَيَتَعَيَّنُ عَلَى مَنْ يُرِيدُ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ تَعَلُّمُ أَحْكَامِهِ لِيَحْتَرِزَ عَنِ الشُّبُهَاتِ وَالْمَكْرُوهَاتِ، وَكَذَا كُل أَهْل الْحِرَفِ، فَكُل مَنْ يُمَارِسُ عَمَلاً يَجِبُ عَلَيْهِ تَعَلُّمُ الأَْحْكَامِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِهِ لِيَمْتَنِعَ عَنِ الْحَرَامِ.
وَقَدْ يَكُونُ تَعَلُّمُ الْفِقْهِ فَرْضَ كِفَايَةٍ، وَهُوَ مَا لَا بُدَّ لِلنَّاسِ مِنْهُ فِي إِقَامَةِ دِينِهِمْ، كَحِفْظِ الْقُرْآنِ وَالأَْحَادِيثِ وَعُلُومِهِمَا وَنَحْوِ ذَلِكَ.
وَقَدْ يَكُونُ تَعَلُّمُ الْفِقْهِ نَافِلَةً، وَهُوَ التَّبَحُّرُ فِي أُصُول الأَْدِلَّةِ وَالإِْمْعَانُ فِيمَا وَرَاءَ الْقَدْرِ الَّذِي يَحْصُل بِهِ فَرْضُ الْكِفَايَةِ، وَتَعَلُّمُ الْعَامِّيِّ نَوَافِل الْعِبَادَاتِ لِغَرَضِ الْعَمَل، لَا مَا يَقُومُ بِهِ الْعُلَمَاءُ مِنْ تَمْيِيزِ الْفَرْضِ مِنَ النَّفْل، فَإِنَّ ذَلِكَ فَرْضُ كِفَايَةٍ فِي حَقِّهِمْ (1) .
فَضْل الْفِقْهِ:
5 -
وَرَدَتْ آيَاتٌ وَأَحَادِيثُ فِي فَضْل الْفِقْهِ وَالْحَثِّ عَلَى تَحْصِيلِهِ، وَمِنْ ذَلِكَ قَوْل اللَّهِ تَعَالَى: {وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُل فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي
(1) المجموع للنووي 1 / 24 - 25، وحاشية ابن عابدين 1 / 29.
الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ} . (1) فَقَدْ جَعَل وِلَايَةَ الإِْنْذَارِ وَالدَّعْوَةَ لِلْفُقَهَاءِ، وَهِيَ وَظِيفَةُ الأَْنْبِيَاءِ عليهم السلام، وَقَال النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: مَنْ يُرِدِ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ. (2)
مَوْضُوعُ الْفِقْهِ:
6 -
مَوْضُوعُ عِلْمِ الْفِقْهِ هُوَ أَفْعَال الْمُكَلَّفِينَ مِنَ الْعِبَادِ، فَيُبْحَثُ فِيهِ عَمَّا يَعْرِضُ لأَِفْعَالِهِمْ مِنْ حِلٍّ وَحُرْمَةٍ، وَوُجُوبٍ وَنَدْبٍ وَكَرَاهَةٍ. (3)
نَشْأَةُ الْفِقْهِ وَتَطَوُّرُهُ:
7 -
نَشَأَ الْفِقْهُ الإِْسْلَامِيُّ بِنَشْأَةِ الدَّعْوَةِ وَبَدْءِ الرِّسَالَةِ، وَمَرَّ بِأَطْوَارٍ كَثِيرَةٍ وَلَكِنَّهَا غَيْرُ مُتَمَيِّزَةٍ مِنْ حَيْثُ الزَّمَنُ تَمَيُّزًا دَقِيقًا، إِلَاّ الطُّورَ الأَْوَّل وَهُوَ عَصْرُ النُّبُوَّةِ، فَإِنَّهُ مُتَمَيِّزٌ عَمَّا بَعْدَهُ بِكُل دِقَّةٍ بِانْتِقَال النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إِلَى الرَّفِيقِ الأَْعْلَى.
وَكَانَ مَصْدَرُ الْفِقْهِ فِي هَذَا الطُّورِ الْوَحْيَ، بِمَا جَاءَ بِهِ الْقُرْآنُ الْكَرِيمُ مِنْ أَحْكَامٍ، أَوْ بِمَا اجْتَهَدَ فِيهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مِنْ أَحْكَامٍ كَانَ الْوَحْيُ أَسَاسَهَا، أَوْ كَانَ يُتَابِعُهَا بِالتَّسْدِيدِ، وَكَذَلِكَ
(1) سورة التوبة / 22.
(2)
المجموع 1 / 18، نهاية المحتاج 1 / 6، المبسوط1 / 2، بدائع الصنائع.، وحديث:" من يرد الله به خيرًا يفقهه في الدين ". أخرجه البخاري (فتح الباري 1 / 164) ومسلم (2 / 719) من حديث معاوية بن أبي سفيان.
(3)
حاشية ابن عابدين 1 / 26 - 27، وتخريج الفروع على الأصول ص1.