الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَإِذَا اخْتَلَفَتْ هَذِهِ الأَْصْنَافُ، فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ، إِذَا كَانَ يَدًا بِيَدٍ (1) .
وَإِذَا اخْتَل شَرْطٌ مِنَ الشُّرُوطِ الثَّلَاثَةِ كَانَ بَيْعًا رِبَوِيًّا مُحَرَّمًا، أَمَّا بَيْعُ الذَّهَبِ بِالْفِضَّةِ وَعَكْسُهُ فَجَائِزٌ بِشَرْطِ التَّقَابُضِ، يَدُل لِهَذَا مَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ بِسَنَدِهِ إِلَى مَالِكِ بْنِ أَوْسِ بْنِ الْحَدَثَانِ أَنَّهُ قَال: أَقْبَلْتُ أَقُول: مَنْ يَصْطَرِفُ الدَّرَاهِمَ؟ فَقَال طَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ، وَهُوَ عِنْدَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ: أَرِنَا ذَهَبَكَ ثُمَّ ائْتِنَا إِذَا جَاءَ خَادِمُنَا نُعْطِكَ وَرِقَكَ، فَقَال عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: كَلَا وَاللَّهِ لَتُعْطِيَنَّهُ وَرِقَهُ أَوْ لَتَرُدَّنَّ إِلَيْهِ ذَهَبَهُ، فَإِنَّ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَال: الْوَرِقُ بِالذَّهَبِ رِبًا إِلَاّ هَاءَ وَهَاءَ (2) .
وَلِلتَّفْصِيل يُنْظَرُ مُصْطَلَحُ: (رِبًا ف 12 وَمَا بَعْدَهَا) ، مُصْطَلَحُ (صَرْف ف 20 وَمَا بَعْدَهَا) .
كَ -
الْغِشُّ فِي الْفِضَّةِ وَأَثَرُهُ فِي الأَْحْكَامِ:
13 -
يَجُوزُ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ فِي الْجُمْلَةِ التَّعَامُل بِالدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ الْمَغْشُوشَةِ إِنْ رَاجَتْ، نَظَرًا لِلْعُرْفِ.
(1) حديث عبادة بن الصامت: " الذهب بالذهب والفضة بالفضة. . . " أخرجه مسلم (3 / 1211) .
(2)
العناية مع الهداية 7 / 3، وحاشية العدوي على شرح أبي الحسن 2 / 130، بداية المجتهد 2 / 199، وشرح المحلي على المنهاج 2 / 167، والمغني 4 / 503. وحديث مالك بن أوس " الورق بالذهب. . . " أخرجه مسلم (3 / 1209 - 1210) .
أَمَّا إِذَا بِيعَتْ بَعْضُهَا بِبَعْضٍ مُصَارَفَةً، فَقَدْ فَصَّلُوا صُوَرَهَا وَأَحْكَامَهَا عَلَى النَّحْوِ الْمَذْكُورِ فِي مُصْطَلَحِ (صَرْف ف 41 وَمَا بَعْدَهَا) .
وَهَذَا فِي التَّعَامُل بِالْمَغْشُوشِ فِي عُقُودِ الْمُعَاوَضَاتِ بِجِنْسِهِ، أَمَّا التَّعَامُل بِهِ فِي عُقُودِ الْمُعَاوَضَاتِ بِغَيْرِ جِنْسِهِ، أَوْ فِي غَيْرِ عُقُودِ الْمُعَاوَضَاتِ كَالسَّلَفِ وَنَحْوِهِ، فَتَفْصِيلُهُ كَمَا يَأْتِي:
فَالْكَاسَانِيُّ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ رَتَّبَ الْكَلَامَ فِي الْمُرَادِ هُنَا وَهُوَ اسْتِقْرَاضُ الدَّرَاهِمِ الْمَغْشُوشَةِ وَالشِّرَاءُ بِهَا عَلَى الْكَلَامِ فِي الأَْنْوَاعِ الثَّلَاثَةِ مِنَ الْغِشِّ.
أَمَّا النَّوْعُ الأَْوَّل - وَهُوَ مَا كَانَتْ فِضَّتُهُ غَالِبَةً عَلَى غِشِّهِ، فَلَا يَجُوزُ اسْتِقْرَاضُهُ وَلَا الشِّرَاءُ بِهِ إِلَاّ وَزْنًا، لأَِنَّ الْغِشَّ إِذَا كَانَ مَغْلُوبًا فِيهِ كَانَ بِمَنْزِلَةِ الدَّرَاهِمِ الزَّائِفَةِ، وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ الدَّرَاهِمِ الزَّائِفَةِ بَعْضِهَا بِبَعْضٍ عَدَدًا، لأَِنَّهَا وَزْنِيَّةٌ، فَلَمْ يُعْتَبَرِ الْعَدَدُ فِيهَا، فَكَانَ بَيْعُ بَعْضِهَا بِبَعْضٍ مُجَازَفَةً، فَلَمْ يَجُزْ، فَلَا يَجُوزُ اسْتِقْرَاضُهَا وَلَا التَّعَامُل بِهَا إِلَاّ وَزْنًا، صِيَانَةً لَهَا عَنِ الرِّبَا، وَعَنْ شُبْهَةِ الرِّبَا.
وَأَمَّا النَّوْعُ الثَّانِي - وَهُوَ مَا اسْتَوَى فِيهِ الْفِضَّةُ وَالْغِشُّ - فَكَذَلِكَ، لأَِنَّ الْفِضَّةَ إِذَا كَانَتْ تَبْقَى بَعْدَ السَّبْكِ وَيَذْهَبُ الْغِشُّ
كَانَتْ مُلْحَقَةً بِالدَّرَاهِمِ الزُّيُوفِ، وَلَا تَجُوزُ عَدَدًا، وَإِنَّمَا تَجُوزُ وَزْنًا لإِِبْعَادِهَا عَنْ شُبْهَةِ الرِّبَا، وَإِنْ بَقِيَ كُلٌّ مِنْهُمَا عَلَى حَالِهِ بَعْدَ السَّبْكِ فَكُلٌّ مِنْهُمَا جِنْسٌ قَائِمٌ بِنَفْسِهِ، وَالْفِضَّةُ لَا تَجُوزُ عَدَدًا لأَِنَّهَا وَزْنِيَّةٌ، وَالصُّفْرُ يُجَوِّزُهُ، وَإِذَا اجْتَمَعَ الْمَانِعُ وَالْمُجِيزُ فَالْحُكْمُ بِالْفَسَادِ عِنْدَ تَعَارُضِ جِهَتَيِ الْجَوَازِ وَالْفَسَادِ أَحْوَطُ.
أَمَّا النَّوْعُ الثَّالِثُ - وَهُوَ مَا كَانَ الْغِشُّ فِيهِ غَالِبًا، فَيُنْظَرُ فِيهِ إِلَى عَادَةِ النَّاسِ، فَإِنْ تَعَامَلُوا بِهِ وَزْنًا وَجَبَ التَّعَامُل فِيهِ وَزْنًا، لأَِنَّ الْوَزْنَ صِفَةٌ أَصْلِيَّةٌ، وَإِنْ تَعَامَلُوا فِيهِ عَدَدًا جَازَ التَّعَامُل بِهِ عَدَدًا، وَمِثْل الاِسْتِقْرَاضِ الشِّرَاءُ بِهَا كَمَا سَلَفَ.
هَذَا إِذَا اشْتَرَى بِالأَْنْوَاعِ الثَّلَاثَةِ وَلَمْ يُعَيِّنْهَا، فَأَمَّا إِذَا عَيَّنَهَا وَاشْتَرَى بِهَا عَرَضًا، بِأَنْ قَال: اشْتَرَيْتُ هَذَا الْعَرَضَ بِهَذِهِ الدَّرَاهِمِ وَأَشَارَ إِلَيْهَا، فَلَا شَكَّ فِي جَوَازِ الشِّرَاءِ بِهَا، وَلَا تَتَعَيَّنُ بِالإِْشَارَةِ إِلَيْهَا، وَلَا يَتَعَلَّقُ الْعَقْدُ بِعَيْنِهَا، حَتَّى لَوْ هَلَكَتْ قَبْل أَنْ يَنْقُدَهَا الْمُشْتَرِي لَا يَبْطُل الْبَيْعُ، وَيُعْطَى مَكَانَهَا مِثْلَهَا مِنْ جِنْسِهَا وَنَوْعِهَا وَقَدْرِهَا وَصِفَتِهَا (1) .
وَالْمَالِكِيَّةُ نَظَرُوا فِي التَّعَامُل بِهَا إِلَى مَنْعِ الْغِشِّ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ، فَقَالُوا بِجَوَازِ التَّعَامُل
(1) بدائع الصنائع 5 / 198.
بِهَا وَبَيْعِهَا لِمَنْ يَكْسِرُهَا وَلَا يَغُشُّ بِهَا، فَإِنْ أُمِنَ ذَلِكَ جَازَ الْبَيْعُ، وَقَدْ حَكَى ابْنُ رُشْدٍ الاِتِّفَاقَ عَلَى جَوَازِ الْبَيْعِ حِينَئِذٍ.
فَإِنْ لَمْ يُؤْمَنْ غِشُّ الْمُسْلِمِينَ بِهِ كُرِهَ الْبَيْعُ، وَإِنْ عُلِمَ أَنَّهُ يَغُشُّ بِهِ الْمُسْلِمِينَ وَجَبَ عَلَى الْبَائِعِ أَنْ يَسْتَرِدَّهُ وَيَفْسَخَ بَيْعَهُ إِنْ كَانَ قَائِمًا، فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى رَدِّهِ لِذَهَابِ عَيْنِهِ أَوْ نَحْوِهِ، فَهَل يَمْلِكُ الثَّمَنَ وَيُنْدَبُ لَهُ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِهِ، أَوْ يَتَصَدَّقُ بِهِ وُجُوبًا، أَوْ يَتَصَدَّقُ بِالزَّائِدِ عَلَى فَرْضِ بَيْعِهِ مِمَّنْ لَا يَغُشُّ؟ أَقْوَالٌ ثَلَاثَةٌ، وَرَجَّحَ الأَْخِيرَ الشَّيْخُ الْعَدَوِيُّ (1) .
أَمَّا الشَّافِعِيَّةُ فَالأَْصْل عِنْدَهُمْ مَنْعُ التَّعَامُل فِي هَذِهِ الدَّرَاهِمِ الْمَغْشُوشَةِ إِذَا بِيعَتْ بِمِثْلِهَا أَوْ بِخَالِصِ جِنْسِهَا، أَمَّا شِرَاءُ سِلْعَةٍ أُخْرَى بِهَا فَقَال أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ: إِنْ كَانَ الْغِشُّ مِمَّا لَا قِيمَةَ لَهُ جَازَ الشِّرَاءُ بِهَا، وَإِنْ كَانَ مِمَّا لَهُ قِيمَةٌ، فَفِي جَوَازِ إِنْفَاقِهَا وَجْهَانِ (2) .
وَعَنْ أَحْمَدَ فِي ذَلِكَ رِوَايَتَانِ، أَظْهَرُهُمَا الْجَوَازُ، وَالثَّانِيَةُ التَّحْرِيمُ، قَال ابْنُ قُدَامَةَ: وَالأَْوْلَى أَنْ يُحْمَل كَلَامُ أَحْمَدَ فِي الْجَوَازِ عَلَى الْخُصُوصِ فِيمَا ظَهَرَ غِشُّهُ وَاصْطُلِحَ عَلَيْهِ، فَإِنَّ الْمُعَامَلَةَ بِهِ جَائِزَةٌ، إِذْ لَيْسَ فِيهِ أَكْثَرُ مِنَ اشْتِمَالِهِ عَلَى جِنْسَيْنِ لَا غَرَرَ فِيهِمَا، فَلَا يُمْنَعُ
(1) الخرشي مع حاشية العدوي 3 / 52.
(2)
شرح الجلال على المنهاج مع حاشية القليوبي 2 / 170، والمهذب 1 / 272.