الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْفَاسِقِ فِي أَشْيَاءَ، مِنْهَا: أُمُورُ الْمُعَامَلَاتِ، فَيُقْبَل فِيهَا خَبَرُ الْفَاسِقِ، وَذَلِكَ نَحْوُ الْهَدِيَّةِ إِذَا قَال لَكَ: إِنَّ فُلَانًا أَهْدَى إِلَيْكَ هَذَا، فَيَجُوزُ قَبُولُهُ وَقَبْضُهُ، وَنَحْوُ قَوْلِهِ: وَكَّلَنِي فُلَانٌ بِبَيْعِ كَذَا، فَيَجُوزُ قَبُولُهُ وَشِرَاؤُهُ مِنْهُ، وَكَذَلِكَ جَمِيعُ أَخْبَارِ الْمُعَامَلَاتِ (1) .
وَنَصَّ الْقُرْطُبِيُّ عَلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: لَا خِلَافَ فِي أَنَّهُ يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ رَسُولاً عَنْ غَيْرِهِ فِي قَوْلٍ يُبَلِّغُهُ، أَوْ شَيْءٍ يُوصِلُهُ، أَوْ إِذْنٍ يُعْلِمُهُ، إِذَا لَمْ يَخْرُجْ عَنْ حَقِّ الْمُرْسِل وَالْمُبَلِّغِ، فَإِنْ تَعَلَّقَ بِهِ حَقٌّ لِغَيْرِهِمَا لَمْ يُقْبَل قَوْلُهُ، وَهَذَا جَائِزٌ لِلضَّرُورَةِ الدَّاعِيَةِ إِلَيْهِ، فَإِنَّهُ لَوْ لَمْ يَتَصَرَّفْ بَيْنَ الْخَلْقِ فِي هَذِهِ الْمَعَانِي إِلَاّ الْعُدُول، لَمْ يَحْصُل مِنْهَا شَيْءٌ، لِعَدَمِهِمْ فِي ذَلِكَ، وَالْمُرَادُ نُدْرَتُهُمْ (2) .
الْفَاسِقُ وَوِلَايَةُ النِّكَاحِ:
14 -
ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ إِلَى أَنَّ الْفَاسِقَ يَكُونُ وَلِيًّا فِي النِّكَاحِ عَلَى مُوَلِّيَتِهِ، لأَِنَّهُ يَلِي مَالَهَا فَيَلِي بُضْعَهَا كَالْعَدْل، فَهُوَ وَإِنْ كَانَ فَاسِقًا فِي دِينِهِ إِلَاّ أَنَّ غَيْرَتَهُ مُتَوَفِّرَةٌ، وَبِهَا يَحْمِي الْحَرِيمَ، وَقَدْ يَبْذُل الْمَال وَيَصُونُ الْحُرْمَةَ، وَإِذَا وَلِيَ الْمَال فَالنِّكَاحُ أَوْلَى.
إِلَاّ أَنَّ الْمَالِكِيَّةَ كَرِهُوا لِلْوَلِيِّ الْفَاسِقِ أَنْ يَلِيَ زَوَاجَ مَنْ يَلِي عَلَيْهَا، وَقَدَّمُوا عَلَيْهِ الْوَلِيَّ الْعَدْل
(1) أحكام القرآن للجصاص 3 / 398 ط الأستانة.
(2)
تفسير القرطبي 16 / 311.
الْمُسَاوِيَ لَهُ فِي الدَّرَجَةِ (1) .
وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّ النِّكَاحَ لَا يَنْعَقِدُ بِوَلِيٍّ فَاسِقٍ عَلَى الْمَذْهَبِ، غَيْرَ الإِْمَامِ الأَْعْظَمِ، مُجْبَرًا كَانَ أَمْ لَا، أَعْلَنَ بِفِسْقِهِ أَمْ لَا، فَلَا يُزَوِّجُ الْوَلِيُّ الْفَاسِقُ وَإِنْ كَانَ بِحَيْثُ لَوْ سُلِبَ الْوِلَايَةَ لَانْتَقَلَتْ إِلَى حَاكِمٍ فَاسِقٍ، وَالْوَلِيُّ الْخَاصُّ تُشْتَرَطُ فِيهِ الْعَدَالَةُ مُطْلَقًا بِخِلَافِ الْحَاكِمِ، فَلَا تُشْتَرَطُ فِيهِ الْعَدَالَةُ، لأَِنَّهُ يُزَوَّجُ لِلضَّرُورَةِ، وَالضَّرُورَةُ يُغْتَفَرُ فِيهَا مَا لَا يُغْتَفَرُ فِي غَيْرِهَا (2) .
الْخِطْبَةُ عَلَى خِطْبَةِ الْفَاسِقِ:
15 -
يَحْرُمُ عَلَى الْمُسْلِمِ أَنْ يَتَقَدَّمَ إِلَى خِطْبَةِ امْرَأَةٍ سَبَقَ مِنْ أَخِيهِ الْمُسْلِمِ خِطْبَتُهَا، كَمَا وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ الشَّرِيفِ: لَا يَخْطِبُ الرَّجُل عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ (3) .
لَكِنْ إِذَا كَانَ هَذَا الْخَاطِبُ السَّابِقُ فَاسِقًا، فَقَدْ ذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى جَوَازِ الْخِطْبَةِ عَلَى خِطْبَتِهِ، وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ تَحْرُمُ الْخِطْبَةُ عَلَى خِطْبَةِ مَنْ صُرِّحَ بِإِجَابَتِهِ إِلَاّ بِإِذْنِهِ، وَعِنْدَ الْحَنَابِلَةِ تَحْرُمُ خِطْبَةُ الْمُسْلِمِ عَلَى
(1) حاشية ابن عابدين 2 / 295، وجواهر الإكليل 1 / 281.
(2)
البجيرمي على الخطيب 3 / 306، ومغني المحتاج 3 / 155، وشرح منتهى الإرادات 3 / 18، 19.
(3)
حديث: " لا يخطب الرجل على خطبة أخيه ". أخرجه البخاري (فتح الباري 9 / 198) ومسلم (2 / 1032) من حديث ابن عمر، واللفظ للبخاري.