الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قِسْمَيْنِ: إجَارَةٌ وَارِدَةٌ عَلَى الْعَيْنِ، وَإِجَارَةٌ وَارِدَةٌ عَلَى الذِّمَّةِ.
أ - فَالإِْجَارَةُ الْوَارِدَةُ عَلَى الْعَيْنِ: يَكُونُ الْحَقُّ فِي الْمَنْفَعَةِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهَا مُتَعَلِّقًا بِنَفْسِ الْعَيْنِ، كَمَا إذَا اسْتَأْجَرَ شَخْصٌ دَارًا أَوْ أَرْضًا أَوْ سَيَّارَةً مُعَيَّنَةً، أَوِ اسْتَأْجَرَ شَخْصًا بِعَيْنِهِ لِخِيَاطَةِ ثَوْبٍ أَوْ بِنَاءِ حَائِطٍ، وَنَحْوِ ذَلِكَ.
وَهَذَا النَّوْعُ مِنَ الإِْجَارَةِ لَا خِلَافَ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ فِي أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ قَبْضُ الأُْجْرَةِ فِي الْمَجْلِسِ لِصِحَّةِ الْعَقْدِ أَوْ لُزُومِهِ أَوِ انْتِقَال مِلْكِيَّةِ الْمَنَافِعِ فِيهِ، وَذَلِكَ لأَِنَّ إجَارَةَ الْعَيْنِ كَبَيْعِهَا - إذِ الإِْجَارَةُ بَيْعٌ لِلْمَنْفَعَةِ فِي مُقَابَلَةِ عِوَضٍ مَعْلُومٍ - وَبَيْعُ الْعَيْنِ يَصِحُّ بِثَمَنٍ حَالٍّ وَمُؤَجَّلٍ، فَكَذَلِكَ الإِْجَارَةُ.
ب - أَمَّا الإِْجَارَةُ الْوَارِدَةُ عَلَى الذِّمَّةِ: فَيَكُونُ الْحَقُّ فِي الْمَنْفَعَةِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهَا مُتَعَلِّقًا بِذِمَّةِ الْمُؤَجِّرِ، كَمَا إذَا اسْتَأْجَرَ دَابَّةً مَوْصُوفَةً لِلرُّكُوبِ أَوِ الْحَمْل بِأَنْ قَال: اسْتَأْجَرْتُ مِنْكَ دَابَّةً صِفَتُهَا كَذَا لِتَحْمِلَنِي إلَى مَوْضِعِ كَذَا، أَوْ قَال: أَلْزَمْتُ ذِمَّتَكَ خِيَاطَةَ هَذَا الثَّوْبِ أَوْ بِنَاءَ جِدَارٍ صِفَتُهُ كَذَا، فَقَبِل الْمُؤَجَّرُ.
وَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي وُجُوبِ تَسْلِيمِ الأُْجْرَةِ فِيهَا فِي مَجْلِسِ الْعَقْدِ عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْوَالٍ:
(الأَْوَّل) :
لِلْحَنَفِيَّةِ، فَالأَْصْل عِنْدَهُمْ أَنَّ الأَْجْرَ لَا يَلْزَمُ بِالْعَقْدِ وَلَا يُمْلَكُ، فَلَا يَجِبُ تَسْلِيمُهُ بِهِ، بَل بِتَعْجِيلِهِ أَوْ شَرْطِهِ فِي الإِْجَارَةِ
الْمُنَجَّزَةِ أَوِ الاِسْتِيفَاءِ لِلْمَنْفَعَةِ أَوْ تَمَكُّنِهِ مِنْهُ، وَعَلَى ذَلِكَ لَا يُشْتَرَطُ قَبْضُ الأَْجْرِ عِنْدَهُمْ فِي صِحَّةِ الإِْجَارَةِ، قَال ابْنُ عَابِدِينَ: لَا يُمْلَكُ الأَْجْرُ بِالْعَقْدِ، لأَِنَّهُ وَقَعَ عَلَى الْمَنْفَعَةِ، وَهِيَ تَحْدُثُ شَيْئًا فَشَيْئًا، وَشَأْنُ الْبَدَل أَنْ يَكُونَ مُقَابِلاً لِلْمُبْدَل، وَحَيْثُ لَا يُمْكِنُ اسْتِيفَاؤُهَا حَالاً لَا يَلْزَمُ بَدَلُهَا حَالاً، إلَاّ إذَا شَرَطَهُ وَلَوْ حُكْمًا، بِأَنْ عَجَّلَهُ لأَِنَّهُ صَارَ مُلْتَزِمًا لَهُ بِنَفْسِهِ وَأَبْطَل الْمُسَاوَاةَ الَّتِي اقْتَضَاهَا الْعَقْدُ (1) .
(وَالثَّانِي) :
لِلْمَالِكِيَّةِ، وَهُوَ أَنَّهُ يَجِبُ لِصِحَّةِ إجَارَةِ الذِّمَّةِ تَعْجِيل الأُْجْرَةِ، لاِسْتِلْزَامِ التَّأْخِيرِ تَعْمِيرَ الذِّمَّتَيْنِ وَبَيْعَ الْكَالِئِ بِالْكَالِئِ، وَهُوَ مَنْهِيٌّ عَنْهُ إلَاّ إذَا شَرَعَ الْمُسْتَأْجِرُ بِاسْتِيفَاءِ الْمَنْفَعَةِ، كَمَا لَوْ رَكِبَ الْمُسْتَأْجِرُ الدَّابَّةَ الْمَوْصُوفَةَ فِي طَرِيقِهِ إلَى الْمَكَانِ الْمُشْتَرَطِ أَنْ تَحْمِلَهُ إلَيْهِ، فَيَجُوزُ عِنْدَئِذٍ تَأْخِيرُ الأُْجْرَةِ، لاِنْتِفَاءِ بَيْعِ الْمُؤَخَّرِ بِالْمُؤَخَّرِ، حَيْثُ إنَّ قَبْضَ أَوَائِل الْمَنْفَعَةِ كَقَبْضِ أَوَاخِرِهَا، فَارْتَفَعَ الْمَانِعُ مِنَ التَّأْخِيرِ.
وَقَدِ اعْتَبَرَ الْمَالِكِيَّةُ أَنَّ فِي حُكْمِ تَعْجِيل الأُْجْرَةِ تَأْخِيرَهَا يَوْمَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةً، لأَِنَّ مَا قَارَبَ الشَّيْءَ يُعْطَى حُكْمَهُ، كَمَا فِي السَّلَمِ (2) ، وَلَا
(1) حاشية ابن عابدين 5 / 6، والفتاوى الهندية 4 / 412.
(2)
الشرح الكبير للدردير مع حاشية الدسوقي 4 / 3 ط. مصطفى محمد 1373هـ، والخرشي على خليل 7 / 3، والفروق للقرافي 2 / 133.