الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قَال لَهُ وَقْتَ التَّوْكِيل بِالْقَبْضِ: اصْنَعْ مَا شِئْت، أَوْ مَا صَنَعْتَ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ جَائِزٌ عَلَيَّ، أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ، أَمَّا إذَا كَانَتِ الْوَكَالَةُ خَاصَّةً، بِأَنْ لَمْ يَقُل ذَلِكَ عِنْدَ التَّوْكِيل بِالْقَبْضِ، فَلَيْسَ لِلْوَكِيل أَنْ يُوَكِّل غَيْرَهُ بِالْقَبْضِ، وَإِنْ فَعَل فَلَا تَكُونُ لِمَنْ وَكَّلَهُ هَذِهِ الْوِلَايَةُ، لأَِنَّ الْوَكِيل إنَّمَا يَتَصَرَّفُ بِحُدُودِ تَفْوِيضِ الْمُوَكِّل، فَيَمْلِكُ قَدْرَ مَا فَوَّضَ إلَيْهِ لَا أَكْثَر (1) .
وَقَال الشَّافِعِيَّةُ: يَصِحُّ الشِّرَاءُ وَالْقَبْضُ لِلْمُوَكِّل، وَلَا يَصِحُّ قَبْضُهُ لِنَفْسِهِ، لأَِنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ وَكِيلاً لِغَيْرِهِ فِي قَبْضِ حَقِّ نَفْسِهِ (2) .
وَنَصَّ الْحَنَابِلَةُ عَلَى أَنَّ الْمَدِينَ بِطَعَامٍ إذَا دَفَعَ لِلدَّائِنِ دَرَاهِمَ وَقَال لَهُ: اشْتَرِ لِي بِهَذِهِ الدَّرَاهِمِ مِثْل الطَّعَامِ الَّذِي لَك عَلَيَّ، وَاقْبِضْهُ لِي، ثُمَّ اقْبِضْهُ لِنَفْسِك، فَفَعَل، صَحَّ الْقَبْضُ لِكُلٍّ مِنْهُمَا، لأَِنَّهُ وَكَّلَهُ فِي الشِّرَاءِ وَالْقَبْضِ، ثُمَّ الاِسْتِيفَاءِ مِنْ نَفْسِهِ لِنَفْسِهِ، فَصَارَ كَمَا لَوْ كَانَ لَهُ وَدِيعَةٌ مِنْ جِنْسِ الدَّيْنِ عِنْدَ الدَّائِنِ وَأَذِنَ لَهُ فِي قَبْضِهَا عَنْ دَيْنِهِ (3)
وَفِي هَذَا الْمَقَامِ تَعَرَّضَ الْفُقَهَاءُ لأَِحْكَامِ
(1) بدائع الصنائع 6 / 25.
(2)
المهذب 1 / 309.
(3)
شرح منتهى الإرادات 2 / 223، وكشاف القناع 3 / 295، 296 ط. مكة المكرمة.
ثَلَاثِ مَسَائِل:
الْمَسْأَلَةُ الأُْولَى: وِلَايَةُ الْوَكِيل بِالْبَيْعِ فِي قَبْضِ الثَّمَنِ وَإِقْبَاضِ الْمَبِيعِ:
17 -
اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي وِلَايَةِ الْوَكِيل بِالْبَيْعِ فِي أَنْ يَقْبِضَ الثَّمَنَ مِنَ الْمُشْتَرِي وَيُسَلِّمَ الْمَبِيعَ إلَيْهِ، عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْوَالٍ:
(أَحَدُهَا) لِلْحَنَفِيَّةِ: وَهُوَ أَنَّ لِلْوَكِيل بِالْبَيْعِ أَنْ يَقْبِضَ الثَّمَنَ وَيُسَلِّمَ الْمَبِيعَ لِلْمُشْتَرِي، لأَِنَّ فِي الْوَكَالَةِ بِالْبَيْعِ إذْنًا بِالْقَبْضِ وَالإِْقْبَاضِ دَلَالَةً (1) .
(وَالثَّانِي) لِلْمَالِكِيَّةِ: وَهُوَ أَنَّ لِلْوَكِيل بِالْبَيْعِ أَنْ يَقْبِضَ الثَّمَنَ وَيُسَلِّمَ الْمَبِيعَ مَا لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ عُرْفٌ بِأَنَّ الْوَكِيل بِالْبَيْعِ لَا يَفْعَل ذَلِكَ (2) .
(وَالثَّالِثُ) لِلشَّافِعِيَّةِ فِي الأَْصَحِّ عِنْدَهُمْ: وَهُوَ أَنَّهُ إذَا كَانَ الْقَبْضُ شَرْطًا لِصِحَّةِ الْعَقْدِ كَالصَّرْفِ وَالسَّلَمِ، فَلِلْوَكِيل عِنْدَئِذٍ وِلَايَةُ الْقَبْضِ وَالإِْقْبَاضِ، أَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ شَرْطًا كَمَا فِي الْبَيْعِ الْمُطْلَقِ، فَيَمْلِكُ الْوَكِيل بِالْبَيْعِ قَبْضَ الثَّمَنِ الْحَال وَتَسْلِيمَ الْمَبِيعِ بَعْدَهُ إنْ لَمْ يَمْنَعْهُ الْمُوَكِّل مِنْ ذَلِكَ، لأَِنَّ ذَلِكَ مِنْ حُقُوقِ الْعَقْدِ وَمُقْتَضَيَاتِهِ، فَكَانَ الإِْذْنُ فِي الْبَيْعِ إذْنًا فِيهِ دَلَالَةً.
(1) انظر م 949، 950، من مرشد الحيران، وم 1503 من مجلة الأحكام العدلية.
(2)
الشرح الكبير للدردير وحاشية الدسوقي عليه 3 / 381، شرح ميارة على تحفة ابن عاصم 1 / 138، والبهجة شرح التحفة 1 / 213.