الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَثَمَرَةُ مُجَاهَدَةِ الْمُتَّقِينَ، وَرِيَاضَةُ الْمُتَعَبِّدِينَ (1)، فَقَدْ قَال اللَّهُ تَعَالَى لِنَبِيِّهِ وَحَبِيبِهِ مُثْنِيًا عَلَيْهِ وَمُظْهِرًا نِعْمَتَهُ لَدَيْهِ:{وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} (2) وَقَال صلى الله عليه وسلم إِنَّمَا بُعِثْتُ لأُِتَمِّمَ مَكَارِمَ الأَْخْلَاقِ (3) . وَقَدْ أَتَمَّ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مَكَارِمَ الأَْخْلَاقِ وَحَثَّ عَلَى الرُّسُوخِ فِيهَا (4) . وَقَال: اتَّقِ اللَّهَ حَيْثُمَا كُنْتَ وَأَتْبِعِ السَّيِّئَةَ الْحَسَنَةَ تَمْحُهَا وَخَالِقِ النَّاسَ بِخُلُقٍ حَسَنٍ.
(5)
دَرَجَاتُ الْفُتُوَّةِ:
5 -
مِنْ دَرَجَاتِ الْفُتُوَّةِ: تَرْكُ الْخُصُومَةِ، وَالتَّغَافُل عَنِ الزَّلَّةِ وَنِسْيَانُ الأَْذِيَّةِ. أَمَّا تَرْكُ الْخُصُومَةِ فَهُوَ: أَلَاّ يُخَاصِمَ بِلِسَانِهِ، وَلَا يَنْوِيَ الْخُصُومَةَ بِقَلْبِهِ، وَلَا يَخْطِرَهَا عَلَى بَالِهِ، هَذَا فِي حَقِّ نَفْسِهِ، وَأَمَّا فِي حَقِّ رَبِّهِ: فَالْفُتُوَّةُ أَنْ يُخَاصِمَ بِاللَّهِ وَفِي اللَّهِ، وَيُحَاكِمَ إِلَى اللَّهِ، وَأَمَّا التَّغَافُل عَنِ الزَّلَّةِ فَهُوَ أَنَّهُ إِذَا رَأَى مِنْ أَحَدٍ زَلَّةً
(1) إحياء علوم الدين 2 / 47.
(2)
سورة القلم / 4.
(3)
حديث: " إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق ". أخرجه الحاكم (2 / 613) ، والبيهقي (10 / 192) من حديث أبي هريرة واللفظ للبيهقي، وقال الحاكم: صحيح على شرط مسلم ووافقه الذهبي.، وانظر إحياء علوم الدين 2 / 48.
(4)
الأدب المفرد للبخاري 1 / 371.
(5)
حديث: " اتقِ الله حيثما كنت. . . " أخرجه الترمذي (4 / 355) من حديث أبي ذر وقال حديث حسن صحيح.، انظر تحفة الأحوذي 6 / 122، وتفسير القرطبي 18 / 228.
أَظْهَرَ أَنَّهُ لَمْ يَرَهَا، لِئَلَاّ يُعَرِّضَ صَاحِبَهَا لِلْوَحْشَةِ، وَيُرِيحَهُ مِنْ تَحَمُّل الْعُذْرِ.
وَأَمَّا نِسْيَانُ الأَْذِيَّةِ فَهُوَ بِأَنْ تَنْسَى أَذِيَّةَ مَنْ نَالَكَ بِأَذًى لِيَصْفُوَ قَلْبُكَ لَهُ وَلَا تَسْتَوْحِشَ مِنْهُ.
قَال ابْنُ قَيِّمِ الْجَوْزِيَّةِ: وَهُنَا نِسْيَانٌ آخَرُ أَيْضًا وَهُوَ مِنَ الْفُتُوَّةِ، وَهُوَ نِسْيَانُ إِحْسَانِكَ إِلَى مَنْ أَحْسَنْتَ إِلَيْهِ حَتَّى كَأَنَّهُ لَمْ يَصْدُرْ مِنْكَ، وَهَذَا النِّسْيَانُ أَكْمَل مِنَ الأَْوَّل. (1)
وَمِنْ دَرَجَاتِهَا كَذَلِكَ: أَنْ تُقَرِّبَ مَنْ يُقْصِيكَ، وَتُكْرِمَ مَنْ يُؤْذِيكَ، وَتَعْتَذِرَ إِلَى مَنْ يَجْنِي عَلَيْكَ، سَمَاحَةً لَا كَظْمًا، وَمَوَدَّةً لَا مُصَابَرَةً.
وَهَذِهِ الدَّرَجَةُ أَعْلَى مِمَّا قَبْلَهَا وَأَصْعَبُ، فَإِنَّ الأُْولَى تَتَضَمَّنُ تَرْكَ الْمُقَابَلَةِ وَالتَّغَافُل، وَهَذِهِ تَتَضَمَّنُ الإِْحْسَانَ إِلَى مَنْ أَسَاءَ إِلَيْكَ، وَمُعَامَلَتَهُ بِضِدِّ مَا عَامَلَكَ بِهِ، فَيَكُونُ الإِْحْسَانُ وَالإِْسَاءَةُ بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ خُطَّتَيْنِ: فَخُطَّتُكَ الإِْحْسَانُ، وَخُطَّتُهُ الإِْسَاءَةُ.
وَمَعْنَى الاِعْتِذَارِ إِلَى مَنْ يَجْنِي عَلَيْكَ أَنَّكَ تُنَزِّل نَفْسَكَ مَنْزِلَةَ الْجَانِي لَا الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ وَالْجَانِي خَلِيقٌ بِالْعُذْرِ (2) .
وَلِلتَّفْصِيل (ر: مُرُوءَة) .
(1) مدارج السالكين 2 / 344، 345.
(2)
مدارج السالكين 2 / 345، 346.