الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لِتَمَامِ الْوَقْفِ.
فَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ فِي الْمَذْهَبِ عِنْدَهُمْ، وَالْحَنَابِلَةُ فِي الصَّحِيحِ مِنَ الْمَذْهَبِ، أَبُو يُوسُفَ، إلَى أَنَّ الْوَقْفَ إذَا صَحَّ زَال بِهِ مِلْكُ الْوَاقِفِ عَنْهُ، وَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْقَبْضُ (1)
وَيَرَى الْمَالِكِيَّةُ، وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ فِي رِوَايَةٍ عَنْهُ، وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ، وَابْنُ أَبِي لَيْلَى، اشْتِرَاطَ الْقَبْضِ فِي الْجُمْلَةِ لِتَمَامِ الْوَقْفِ وَزَوَال مِلْكِيَّةِ الْوَقْفِ عَنِ الْوَاقِفِ (2) .
وَأَمَّا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، فَإِنَّ الْعَيْنَ الْمَوْقُوفَةَ بَاقِيَةٌ عَلَى مِلْكِ الْوَاقِفِ حَقِيقَةً، وَلَا يَزُول مِلْكُهُ عَنْهُ إلَاّ بِحُكْمِ الْحَاكِمِ أَوْ يُعَلِّقَهُ بِمَوْتِهِ (3) .
وَقَال الْحَنَفِيَّةُ: إنْ بَنَى شَخْصٌ سِقَايَةً لِلْمُسْلِمِينَ، أَوْ خَانًا لِيَسْكُنَهُ أَبْنَاءُ السَّبِيل، أَوْ رِبَاطًا لِلْمُجَاهِدِينَ، أَوْ خَلَّى أَرْضًا مَقْبَرَةً لِلْمُسْلِمِينَ، أَوْ بَنَى مَسْجِدًا لِلْمُصَلِّينَ، زَال مِلْكُهُ بِقَوْلِهِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ، وَقَال مُحَمَّدٌ: إذَا اسْتَقَى النَّاسُ مِنَ السِّقَايَةِ وَسَكَنُوا الْخَانَ
(1) مغني المحتاج 2 / 383، والمغني 5 / 600، والكافي 2 / 455، نشر المكتب الإسلامي، والاختيار 3 / 41 - 42، والمبسوط 12 / 35.
(2)
القوانين الفقهية ص364 - 365، نشر دار الكتاب العربي، والمغني 5 / 6000، والكافي 2 / 455، والاختيار 3 / 41، وحاشية ابن عابدين 3 / 364 - 365، والمبسوط 12 / 35، ومغني المحتاج 3 / 383.
(3)
ابن عابدين 3 / 357، والهداية مع فتح القدير 5 / 418، 447، 448.
وَالرِّبَاطَ وَدَفَنُوا فِي الْمَقْبَرَةِ وَصَلَّى فِي الْمَسْجِدِ مُسْلِمٌ زَال مِلْكُهُ عَنِ الْمَوْقُوفِ، وَلَا يُزَال مِلْكُهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ حَتَّى يَحْكُمَ بِهِ الْحَاكِمُ.
وَلِلتَّفْصِيل (ر: وَقْفٌ) .
(ثَالِثًا) الْقَرْضُ:
36 -
اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي مَدَى اشْتِرَاطِ الْقَبْضِ فِي الْقَرْضِ لِنَقْل الْمِلْكِيَّةِ إلَى الْمُسْتَقْرِضِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ:
(أَحَدُهَا) ذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٌ وَالشَّافِعِيَّةُ فِي الْقَوْل الأَْصَحِّ وَالْحَنَابِلَةُ وَغَيْرُهُمْ، إلَى أَنَّ الْمُقْتَرِضَ إنَّمَا يَمْلِكُ الْمَال الْمُقْرَضَ بِالْقَبْضِ (1) .
وَاسْتَدَلُّوا بِأَنَّ الْمُسْتَقْرِضَ بِنَفْسِ الْقَبْضِ صَارَ بِسَبِيلٍ مِنَ التَّصَرُّفِ فِي الْقَرْضِ مِنْ غَيْرِ إذْنِ الْمُقْرِضِ بَيْعًا وَهِبَةً وَصَدَقَةً وَسَائِرَ التَّصَرُّفَاتِ، وَإِذَا تَصَرَّفَ فِيهِ نَفَذَ تَصَرُّفُهُ، وَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى إجَازَةِ الْمُقْرِضِ، وَتِلْكَ أَمَارَاتُ الْمِلْكِ، إذْ لَوْ لَمْ يَمْلِكْهُ لَمَا جَازَ لَهُ التَّصَرُّفُ فِيهِ، وَبِأَنَّ الْقَرْضَ عَقْدٌ اجْتَمَعَ فِيهِ جَانِبُ الْمُعَاوَضَةِ وَجَانِبُ التَّبَرُّعِ، أَمَّا الْمُعَاوَضَةُ: فَلأَِنَّ الْمُسْتَقْرِضَ يَجِبُ عَلَيْهِ رَدُّ بَدَلٍ مُمَاثِلٍ عِوَضًا عَمَّا
(1) رد المحتار 5 / 164، والأشباه والنظائر لابن نجيم وحاشية الحموي عليه 2 / 204، وفتح العزيز 9 / 391، ومغني المحتاج 2 / 120، والمهذب 1 / 310، وكشاف القناع 3 / 257 ط. السنة المحمدية، والمحرر 1 / 334، ومنتهى الإرادات 1 / 397.
اسْتَقْرَضَهُ، وَأَمَّا التَّبَرُّعُ: فَلأَِنَّهُ يَنْطَوِي عَلَى تَبَرُّعٍ مِنَ الْمُقْرِضِ لِلْمُسْتَقْرِضِ بِالاِنْتِفَاعِ بِالْمَال الْمُسْتَقْرَضِ بِسَائِرِ التَّصَرُّفَاتِ، غَيْرَ أَنَّ جَانِبَ التَّبَرُّعِ فِي هَذَا الْعَقْدِ أَرْجَحُ، لأَِنَّ غَايَتَهُ وَثَمَرَتَهُ إنَّمَا هِيَ بَذْل مَنَافِعِ الْمَال الْمُقْرَضِ لِلْمُسْتَقْرِضِ مَجَّانًا، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يُقَابِلُهُ عِوَضٌ فِي الْحَال، وَلَا يَمْلِكُهُ مَنْ لَا يَمْلِكُ التَّبَرُّعَ، وَلِهَذَا كَانَ كَبَاقِي التَّبَرُّعَاتِ مِنْ هِبَاتٍ وَصَدَقَاتٍ، فَتَنْتَقِل الْمِلْكِيَّةُ فِيهِ بِالْقَبْضِ، لَا بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ، وَلَا بِالتَّصَرُّفِ.
(وَالثَّانِي) لِلْمَالِكِيَّةِ: وَهُوَ أَنَّ الْمُقْتَرِضَ يَمْلِكُ الْمَال الْمُقْرَضَ مِلْكًا تَامًّا بِالْعَقْدِ وَإِنْ لَمْ يَقْبِضْهُ، وَيَصِيرُ مَالاً مِنْ أَمْوَالِهِ، وَيُقْضَى لَهُ بِهِ. (1)
(وَالثَّالِثُ) لأَِبِي يُوسُفَ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ، وَلِلشَّافِعِيَّةِ فِي قَوْلٍ عِنْدَهُمْ: وَهُوَ أَنَّ الْمُقْتَرِضَ إنَّمَا يَمْلِكُ الْمَال الْمُقْرَضَ بِالتَّصَرُّفِ، فَإِذَا تَصَرَّفَ فِيهِ تَبَيَّنَ ثُبُوتُ مِلْكِهِ قَبْلَهُ، وَالْمُرَادُ بِالتَّصَرُّفِ: كُل عَمَلٍ يُزِيل الْمِلْكَ، كَالْبَيْعِ وَالْهِبَةِ وَالإِْعْتَاقِ وَالإِْتْلَافِ، وَلَا يَكْفِي الرَّهْنُ وَالتَّزْوِيجُ وَالإِْجَارَةُ وَطَحْنُ الْحِنْطَةِ وَخَبْزُ الدَّقِيقِ وَذَبْحُ الشَّاةِ وَنَحْوُ ذَلِكَ (2) .
(1) الشرح الكبير للدردير وحاشية الدسوقي عليه 3 / 226، والبهجة شرح التحفة 2 / 288.
(2)
بدائع الصنائع 7 / 396، وروضة الطالبين 4 / 35، وفتح العزيز 9 / 391، ومغني المحتاج 2 / 120، والمهذب 1 / 310، والأشباه والنظائر للسيوطي ص 320، والتنبيه للشيرازي ص 70.
وَتَظْهَرُ ثَمَرَةُ الْخِلَافِ بَيْنَ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ الْمَالِكِيَّةُ، وَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ فِيمَا إذَا هَلَكَتِ الْعَيْنُ الْمُقْرَضَةُ بَعْدَ الْعَقْدِ وَقَبْل الْقَبْضِ، فَفِي هَذِهِ الْحَالَةِ يَكُونُ ضَمَانُهَا عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ عَلَى الْمُقْرِضِ، وَيَكُونُ هَلَاكُهَا فِي عُهْدَتِهِ، لأَِنَّهَا لَمْ تَزَل فِي مِلْكِهِ، وَلَمْ يَمْلِكْهَا الْمُقْتَرِضُ بَعْدُ، فَلَا تَنْشَغِل ذِمَّتُهُ بِعِوَضِهَا أَصْلاً، بَيْنَمَا يَكُونُ ضَمَانُهَا عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ عَلَى الْمُقْتَرِضِ، وَهُوَ الَّذِي يَتَحَمَّل تَبِعَةَ هَلَاكِهَا، وَعَلَيْهِ رَدُّ بَدَلِهَا لأَِنَّهَا هَلَكَتْ فِي مِلْكِهِ.
كَمَا تَظْهَرُ ثَمَرَةُ الْخِلَافِ بَيْنَ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ وَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ أَبُو يُوسُفَ وَالشَّافِعِيَّةُ فِي قَوْلٍ، فِيمَا إذَا اسْتَقْرَضَ شَخْصٌ مِنْ رَجُلٍ كُرًّا مِنْ حِنْطَةٍ وَقَبَضَهُ، ثُمَّ اشْتَرَى ذَلِكَ الْكُرَّ بِعَيْنِهِ مِنَ الْمُقْرِضِ، فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ ذَلِكَ عَلَى قَوْل الْجُمْهُورِ، لأَِنَّ الْمُقْتَرِضَ مَلَكَهُ بِنَفْسِ الْقَبْضِ، فَيَصِيرُ بِعَقْدِ الشِّرَاءِ التَّالِي مُشْتَرِيًا مِلْكَ نَفْسِهِ، أَمَّا عَلَى الْقَوْل الآْخَرِ فَالْكُرُّ بَاقٍ عَلَى مِلْكِ الْمُقْرِضِ، وَيَصِيرُ الْمُسْتَقْرِضُ مُشْتَرِيًا مِلْكَ غَيْرِهِ، فَيَصِحُّ (1) .
(1) رد المحتار 5 / 164 ط. الحلبي، وشرح المجلة للأتاسي 2 / 440.