الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ضَمَانُ مَا يَتْلَفُ بِنَاءً عَلَى الْخَطَأِ فِي الْفَتْوَى:
39 -
إِنْ أَتْلَفَ الْمُسْتَفْتِي بِنَاءً عَلَى الْفُتْيَا شَيْئًا، كَأَنْ قَتَل فِي شَيْءٍ ظَنَّهُ الْمُفْتِي رِدَّةً، أَوْ قَطَعَ فِي سَرِقَةٍ لَا قَطْعَ فِيهَا، أَوْ جَلَدَ بِشُرْبٍ لَا يَجِبُ فِيهِ الْحَدُّ - كَمَنْ شَرِبَ مُكْرَهًا - فَمَاتَ، فَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي وُجُوبِ الضَّمَانِ عَلَى الْمُفْتِي عَلَى أَقْوَالٍ:
الأَْوَّل: قَوْل الْمَالِكِيَّةِ، عَلَى مَا نَقَلَهُ الدُّسُوقِيُّ عَنِ الْحَطَّابِ: أَنَّ مَنْ أَتْلَفَ بِفَتْوَاهُ شَيْئًا وَتَبَيَّنَ خَطَؤُهُ فِيهَا، فَإِنْ كَانَ مُجْتَهِدًا فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ مُقَلِّدًا ضَمِنَ إِنِ انْتَصَبَ وَتَوَلَّى بِنَفْسِهِ فِعْل مَا أَفْتَى فِيهِ، وَإِلَاّ كَانَتْ فَتْوَاهُ غُرُورًا قَوْلِيًّا لَا ضَمَانَ فِيهِ، وَيُزْجَرُ.
فَأَمَّا إنْ كَانَ جَاهِلاً لَمْ يَتَقَدَّمْ لَهُ اشْتِغَالٌ بِالْعِلْمِ أُدِّبَ. (1)
الثَّانِي: وَهُوَ الْمَشْهُورُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ عَكْسُ هَذَا، قَال النَّوَوِيُّ: عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ الإِْسْفِرَايِينِيِّ: إِنَّ الْمُفْتِيَ يَضْمَنُ إِنْ كَانَ أَهْلاً لِلْفَتْوَى فَبَانَ خَطَؤُهُ وَأَنَّهُ خَالَفَ الْقَاطِعَ، وَلَا يَضْمَنُ إِنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلاً لأَِنَّ الْمُسْتَفْتِيَ قَصَّرَ - أَيْ بِسُؤَالِهِ مَنْ لَيْسَ أَهْلاً - كَذَا حَكَاهُ ابْنُ الصَّلَاحِ وَسَكَتَ عَلَيْهِ، وَاسْتَشْكَلَهُ النَّوَوِيُّ، وَمَال إِلَى أَنَّهُ يَنْبَغِي تَخْرِيجُهُ عَلَى قَوْلَيِ الْغُرُورِ فِي بَابَيِ الْغَصْبِ وَالنِّكَاحِ، أَوْ يُقْطَعُ بِعَدَمِ
(1) الدسوقي على الشرح الكبير 1 / 20.
الضَّمَانِ إِذْ لَا إِلْجَاءَ فِي الْفَتْوَى وَلَا إِلْزَامَ.
وَذَهَبَ ابْنُ حَمْدَانَ مِنَ الْحَنَابِلَةِ إِلَى مِثْل قَوْل أَبِي إِسْحَاقَ (1) .
الثَّالِثُ: ذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّهُ إِنْ كَانَ أَهْلاً لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ الضَّمَانُ وَإِلَاّ ضَمِنَ، وَقَاسَهُ ابْنُ الْقَيِّمِ عَلَى مَا وَرَدَ فِي الْمُتَطَبِّبِ الْجَاهِل، وَهُوَ قَوْل النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: مَنْ تَطَبَّبَ وَلَمْ يُعْلَمْ مِنْهُ طِبٌّ فَهُوَ ضَامِنٌ (2) ، وَلِكَوْنِهِ غَرَّ الْمُسْتَفْتِيَ بِتَصَدُّرِهِ لِلْفَتْوَى وَهُوَ لَيْسَ لَهَا بِأَهْلٍ. (3)
الإِْمَامُ وَشُئُونُ الْفَتْوَى:
40 -
عَلَى الإِْمَامِ نَصْبُ الْمُفْتِينَ فِي الْمَنَاطِقِ الْمُتَبَاعِدَةِ إِنْ ظَهَرَتِ الْحَاجَةُ وَلَمْ يُوجَدْ مُتَبَرِّعُونَ بِالْفُتْيَا كَمَا تَقَدَّمَ، وَلَا يَنْصِبُ إِلَاّ مَنْ كَانَ لِذَلِكَ أَهْلاً وَعَلَيْهِ الْكِفَايَةُ مِنْ بَيْتِ الْمَال لِمَنْ يَتَفَرَّغُ لِذَلِكَ.
وَيَنْبَغِي أَنْ يَنْظُرَ فِي أَحْوَال الْمُفْتِينَ: فَيَمْنَعُ مَنْ يَتَصَدَّرُ لِذَلِكَ وَلَيْسَ بِأَهْلٍ، أَوْ إِذَا كَانَ مِمَّنْ يُسِيءُ، قَال الْحَنَفِيَّةُ: يُحْجَرُ عَلَى الْمُفْتِي الْمَاجِنِ وَالطَّبِيبِ الْجَاهِل وَالْمُكَارِي الْمُفْلِسِ، وَمُرَادُهُمْ بِالْمَاجِنِ: مَنْ يُعَلِّمُ الْحِيَل الْبَاطِلَةَ،
(1) المجموع 1 / 45، وروضة الطالبين 11 / 107، وإعلام الموقعين 4 / 225.
(2)
حديث: " من تطبب ولم يعلم منه طب فهو ضامن ". أخرجه أبو داود (4 / 710) والحاكم (4 / 213) من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص، وصححه الحاكم، ووافقه الذهبي.
(3)
شرح المنتهى 3 / 502، وإعلام الموقعين 4 / 226.