الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قَال الْعِزُّ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: وَتَفْضِيل الأَْمَاكِنِ وَالأَْزْمَانِ ضَرْبَانِ:
أَحَدُهُمَا: دُنْيَوِيٌّ، كَتَفْضِيل الرَّبِيعِ عَلَى غَيْرِهِ مِنَ الأَْزْمَانِ، وَكَتَفْضِيل بَعْضِ الْبُلْدَانِ عَلَى بَعْضٍ بِمَا فِيهَا مِنَ الأَْنْهَارِ وَالثِّمَارِ وَطِيبِ الْهَوَاءِ وَمُوَافَقَةِ الأَْهْوَاءِ.
وَالضَّرْبُ الثَّانِي: تَفْضِيلٌ دِينِيٌّ رَاجِعٌ إِلَى أَنَّ اللَّهَ يَجُودُ عَلَى عِبَادِهِ فِيهَا بِتَفْضِيل أَجْرِ الْعَامِلِينَ، كَتَفْضِيل صَوْمِ رَمَضَانَ عَلَى صَوْمِ سَائِرِ الشُّهُورِ، وَكَذَلِكَ يَوْمُ عَاشُورَاءَ، وَعَشْرُ ذِي الْحِجَّةِ، وَيَوْمُ الاِثْنَيْنِ وَالْخَمِيسِ وَشَعْبَانُ وَسِتَّةٌ مِنْ أَيَّامِ شَوَّالٍ، فَفَضْلُهَا رَاجِعٌ إِلَى جُودِ اللَّهِ وَإِحْسَانِهِ إِلَى عِبَادِهِ فِيهَا، وَكَذَلِكَ فَضْل الثُّلُثِ الأَْخِيرِ مِنْ كُل لَيْلَةٍ رَاجِعٌ إِلَى اللَّهِ يُعْطِي فِيهِ مِنْ إِجَابَةِ الدَّعَوَاتِ وَالْمَغْفِرَةِ، وَإِعْطَاءِ السُّؤَال، وَنَيْل الْمَأْمُول، مَا لَا يُعْطِيهِ فِي الثُّلُثَيْنِ الأَْوَّلَيْنِ (1) .
سَادِسًا - فَضْل الأَْذَانِ عَلَى الإِْمَامَةِ أَوِ الْعَكْسُ:
11 -
اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي أَنَّهُ هَل الأَْذَانُ أَفْضَل أَمِ الإِْمَامَةُ؟
فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ فِي الْمُعْتَمَدِ وَهُوَ الْمَشْهُورُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ، وَهُوَ قَوْلٌ عِنْدَ بَعْضِ أَصْحَابِ
(1) قواعد الأحكام لابن عبد السلام 1 / 38، ودليل الفالحين 3 / 614، ومغني المحتاج 1 / 276، وكشاف القناع 2 / 20.
الشَّافِعِيِّ، وَرِوَايَةٌ عِنْدَ أَحْمَدَ، إِلَى أَنَّ الإِْمَامَةَ أَفْضَل مِنَ الأَْذَانِ، لأَِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم تَوَلَاّهَا بِنَفْسِهِ، وَكَذَلِكَ خُلَفَاؤُهُ الرَّاشِدُونَ، وَلَمْ يَتَوَلَّوُا الأَْذَانَ، وَهُمْ لَا يَخْتَارُونَ إِلَاّ الأَْفْضَل، وَلأَِنَّ الإِْمَامَةَ يُخْتَارُ لَهَا مَنْ هُوَ أَكْمَل حَالاً وَأَفْضَل.
وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ فِي الرَّاجِحِ عِنْدَهُمَا، وَهُوَ قَوْلٌ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ إِلَى أَنَّ الأَْذَانَ أَفْضَل مِنَ الإِْمَامَةِ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِل صَالِحًا} (1) قَالَتِ السَّيِّدَةُ عَائِشَةُ رضي الله عنها: نَزَلَتْ فِي الْمُؤَذِّنِينَ، وَلِقَوْل النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: لَوْ يَعْلَمُ النَّاسُ مَا فِي النِّدَاءِ وَالصَّفِّ الأَْوَّل ثُمَّ لَمْ يَجِدُوا إِلَاّ أَنْ يَسْتَهِمُوا عَلَيْهِ لَاسْتَهَمُوا (2) وَقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: الْمُؤَذِّنُونَ أَطْوَل النَّاسِ أَعْنَاقًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ (3) . وَلِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: الإِْمَامُ ضَامِنٌ وَالْمُؤَذِّنُ مُؤْتَمَنٌ، اللَّهُمَّ أَرْشِدِ الأَْئِمَّةَ وَاغْفِرْ لِلْمُؤَذِّنِينَ (4) . وَالأَْمَانَةُ أَعْلَى وَأَحْسَنُ مِنَ الضَّمَانِ، وَالْمَغْفِرَةُ أَعْلَى مِنَ الإِْرْشَادِ، قَالُوا: كَوْنُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لَمْ يَقُمْ بِمُهِمَّةِ الأَْذَانِ وَلَا خُلَفَاؤُهُ الرَّاشِدُونَ يَعُودُ
(1) سورة فصلت / 33.
(2)
حديث: " لو يعلم الناس ما في النداء والصف والأول. . . " أخرجه البخاري (فتح الباري 2 / 96) ، ومسلم (1 / 325) من حديث أبي هريرة.
(3)
حديث: " المؤذنون أطول الناس أعناقًا. . . " أخرجه مسلم (1 / 290) من حديث معاوية بن أبي سفيان.
(4)
حديث: " الإمام ضامن. . . " أخرجه الترمذي (1 / 402) من حديث أبي هريرة.