الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَأَفْنَيْتَ، أَوْ لَبِسْتَ فَأَبْلَيْتَ، أَوْ تَصَدَّقْتَ فَأَمْضَيْتَ (1) ، فَقَدْ شَرَطَ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي الصَّدَقَةِ الإِْمْضَاءَ، وَالإِْمْضَاءُ هُوَ الإِْقْبَاضُ (2) .
وَقَال الْحَنَفِيَّةُ: لَا تَلْزَمُ الْهِبَةُ بِالْقَبْضِ إلَاّ إذَا كَانَتْ لأُِصُول الْوَاهِبِ أَوْ فُرُوعِهِ أَوْ لأَِخِيهِ أَوْ لأُِخْتِهِ أَوْ أَوْلَادِهِمَا أَوْ لِعَمِّهِ وَعَمَّتِهِ أَوْ كَانَتْ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ حَال قِيَامِ الزَّوْجِيَّةِ، وَلِلْوَاهِبِ أَنْ يَرْجِعَ عَنْ هِبَتِهِ فِي غَيْرِ الْحَالَاتِ الْمَذْكُورَةِ بِرِضَا الْمَوْهُوبِ لَهُ أَوْ بِرُجُوعِ الْوَاهِبِ لِلْحَاكِمِ فَيَفْسَخَ الْهِبَةَ (3) .
وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ: إلَى أَنَّ الْهِبَةَ تَنْعَقِدُ بِالإِْيجَابِ وَالْقَبُول، لَكِنَّهَا لَا تَتِمُّ وَلَا تَلْزَمُ إلَاّ بِالْقَبْضِ، وَيُجْبَرُ الْوَاهِبُ عَلَى إقْبَاضِهَا مَا دَامَ الْعَاقِدَانِ عَلَى قَيْدِ الْحَيَاةِ، فَإِذَا مَاتَ الْوَاهِبُ قَبْل الْقَبْضِ بَطَلَتِ الْهِبَةُ، وَكَانَتْ مِيرَاثًا، أَمَّا إذَا مَاتَ الْمَوْهُوبُ لَهُ قَبْل الْقَبْضِ فَلَا تَبْطُل، وَيَكُونُ لِوَرَثَتِهِ مُطَالَبَةُ الْوَاهِبِ بِهَا، لأَِنَّهَا صَارَتْ حَقًّا لِمُوَرِّثِهِمْ قَبْل مَوْتِهِ (4) .
(ثَانِيًا) الْوَقْفُ:
47 -
اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي مَدَى اشْتِرَاطِ
(1) حديث: " يقول ابن آدم مالي مالي. . . ". أخرجه مسلم (4 / 2273) من حديث عبد الله بن الشخير.
(2)
انظر أقضية رسول الله صلى الله عليه وسلم لابن فرج القرطبي ص504.
(3)
مجلة الأحكام العدلية (م 864 - 868) ، وبدائع الصنائع 6 / 129 وما بعدها.
(4)
الشرح الكبير وحاشية الدسوقي عليه 4 / 101، والقوانين الفقهية ص399 ط. دار العلم للملايين.
الْقَبْضِ فِي الْوَقْفِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ:
(أَحَدُهَا)
ذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ وَأَبُو يُوسُفَ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ - وَقَوْلُهُ هُوَ الْمُفْتَى بِهِ فِي الْمَذْهَبِ - إلَى أَنَّ الْوَقْفَ لَا يَفْتَقِرُ إلَى الْقَبْضِ، بَل يَلْزَمُ وَيَتِمُّ بِدُونِهِ.
وَاسْتَدَلُّوا بِمَا وَرَدَ أَنَّ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَمَرَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ أَنْ يُسَبِّل ثَمَرَةَ أَرْضِهِ وَيَحْبِسَ أَصْلَهَا (1) وَلَمْ يَأْمُرْهُ أَنْ يُخْرِجَهَا مِنْ يَدِهِ إلَى يَدِ أَحَدٍ يَحُوزُهَا دُونَهُ، فَدَل ذَلِكَ عَلَى أَنَّ الْوَقْفَ يَتِمُّ بِحَبْسِ الأَْصْل وَتَسْبِيل الثَّمَرَةِ دُونَ اشْتِرَاطِ أَنْ يَقْبِضَهُ أَحَدٌ، وَلَوْ كَانَ الْقَبْضُ شَرْطًا لأََمَرَهُ بِهِ (2)، وَبِقَوْل الشَّافِعِيِّ: أَخْبَرَنِي غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ آل عُمَرَ وَآل عَلِيٍّ رضي الله عنهم أَنَّ عُمَرَ رضي الله عنه وَلِيَ صَدَقَتَهُ حَتَّى مَاتَ، وَجَعَلَهَا بَعْدَهُ إلَى حَفْصَةَ رضي الله عنها، وَوَلِيَ عَلِيٌّ رضي الله عنه صَدَقَتَهُ حَتَّى مَاتَ، وَوَلِيَهَا بَعْدَهُ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ رضي الله عنهما، وَأَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَلِيَتْ صَدَقَتَهَا حَتَّى مَاتَتْ، وَبَلَغَنِي عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنَ الأَْنْصَارِ أَنَّهُ وَلِيَ صَدَقَتَهُ حَتَّى مَاتَ (3) ، وَبِقِيَاسِ الْوَقْفِ عَلَى الْعِتْقِ، ذَلِكَ أَنَّ الرَّجُل
(1) حديث: " أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم عمر بن الخطاب أن يسبل ثمرة أرضه. . . ". أخرجه البخاري (فتح الباري 5 / 392) مسلم (3 / 1255) .
(2)
الأم 3 / 281 ط. بولاق.
(3)
الأم 3 / 281، وسنن البيهقي 6 / 161 وما بعدها، وانظر بدائع الصنائع 6 / 219.