الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الاِتِّبَاعَ وَلَيْسَ كُل قَوْلِهِ يُصِيبُ، قَال: وَمَنْ يُصِيبُ فِي كُل شَيْءٍ؟ .
لَكِنْ لَا يَحِل أَنْ يَدُل عَلَى مَنْ يُخَالِفُهُ فِي الْقَوْل إِلَاّ أَنْ تَكُونَ الْمَسْأَلَةُ اجْتِهَادِيَّةً، فَيَجُوزُ ذَلِكَ، لأَِنَّ اجْتِهَادَهُ لَيْسَ أَوْلَى مِنَ اجْتِهَادِ غَيْرِهِ.
أَمَّا إِنْ كَانَ فِي الْمَسْأَلَةِ نَصٌّ صَحِيحٌ أَوْ إِجْمَاعٌ، أَوْ كَانَ الْمُحَال عَلَيْهِ مِمَّنْ يَتَسَاهَل فِي الْفَتْوَى فَلَا تَجُوزُ الإِْحَالَةُ. (1)
تَشْدِيدُ الْمُفْتِي وَتَسَاهُلُهُ:
28 -
الشَّرِيعَةُ الإِْسْلَامِيَّةُ شَرِيعَةٌ تَتَمَيَّزُ بِالْوَسَطِيَّةِ وَالْيُسْرِ، وَلِذَا فَالَّذِي يَنْبَغِي لِلْمُفْتِي - وَهُوَ الْمُخْبِرُ عَنْ حُكْمِ اللَّهِ تَعَالَى - أَنْ يَكُونَ كَمَا قَال الشَّاطِبِيُّ: الْمُفْتِي الْبَالِغُ ذُرْوَةَ الدَّرَجَةِ هُوَ الَّذِي يَحْمِل النَّاسَ عَلَى الْوَسَطِ الْمَعْهُودِ فِيمَا يَلِيقُ بِالْجُمْهُورِ، فَلَا يَذْهَبُ بِهِمْ مَذْهَبَ الشِّدَّةِ، وَلَا يَمِيل بِهِمْ إِلَى طَرَفِ الاِنْحِلَال، وَهَذَا هُوَ الصِّرَاطُ الْمُسْتَقِيمُ الَّذِي جَاءَتْ بِهِ الشَّرِيعَةُ، فَلَا إِفْرَاطَ وَلَا تَفْرِيطَ، وَمَا خَرَجَ عَنِ الْوَسَطِ مَذْمُومٌ عِنْدَ الْعُلَمَاءِ الرَّاسِخِينَ، وَقَدْ رَدَّ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَلَى عُثْمَانَ بْنِ مَظْعُونٍ رضي الله عنه التَّبَتُّل (2) وَقَال لِمُعَاذٍ رضي الله عنه
(1) إعلام الموقعين 4 / 207 وصفة المفتي لابن حمدان ص82.
(2)
حديث: " رد النبي صلى الله عليه وسلم على عثمان بن مظعون التبتل " أخرجه البخاري (فتح الباري 9 / 117) ومسلم (2 / 1020) .
لَمَّا أَطَال بِالنَّاسِ الصَّلَاةَ يَا مُعَاذُ أَفَتَّانٌ أَنْتَ؟ (1) ، وَنَهَاهُمْ عَنِ الْوِصَال، وَلأَِنَّهُ إِذَا ذَهَبَ بِالْمُسْتَفْتِي مَذْهَبَ الْعَنَتِ وَالْحَرَجِ بَغَّضَ إِلَيْهِ الدِّينَ، وَإِذَا ذَهَبَ بِهِ مَذْهَبَ الاِنْحِلَال كَانَ مَظِنَّةً لِلْمَشْيِ مَعَ الْهَوَى وَالشَّهْوَةِ. (2)
وَجَاءَ فِي الْمُنْتَهَى وَشَرْحِهِ مِنْ كُتُبِ الْحَنَابِلَةِ: يَحْرُمُ تَسَاهُل مُفْتٍ فِي الإِْفْتَاءِ، لِئَلَاّ يَقُول عَلَى اللَّهِ مَا لَا عِلْمَ لَهُ بِهِ، وَيَحْرُمُ تَقْلِيدُ مُتَسَاهِلٍ فِي الإِْفْتَاءِ لِعَدَمِ الْوُثُوقِ بِهِ، وَقَال مِثْل ذَلِكَ النَّوَوِيُّ.
وَبَيَّنَ السَّمْعَانِيُّ وَالنَّوَوِيُّ أَنَّ التَّسَاهُل نَوْعَانِ:
الأَْوَّل: تَتَبُّعُ الرُّخَصِ وَالشُّبَهِ وَالْحِيَل الْمَكْرُوهَةِ وَالْمُحَرَّمَةِ كَمَا تَقَدَّمَ.
وَالثَّانِي: أَنْ يَتَسَاهَل فِي طَلَبِ الأَْدِلَّةِ وَطُرُقِ الأَْحْكَامِ وَيَأْخُذَ بِمَبَادِئِ النَّظَرِ وَأَوَائِل الْفِكْرِ، فَهَذَا مُقَصِّرٌ فِي حَقِّ الاِجْتِهَادِ، فَلَا يَحِل لَهُ أَنْ يُفْتِيَ كَذَلِكَ مَا لَمْ تَتَقَدَّمْ مَعْرِفَتُهُ بِالْمَسْئُول عَنْهُ. (3)
لَكِنْ أَجَازَ بَعْضُهُمْ لِلْمُفْتِي أَنْ يَتَشَدَّدَ فِي
(1) حديث: أنه قال لمعاذ: " يا معاذ أفتان أنت ". أخرجه البخاري (فتح الباري 2 / 200) ومسلم (1 / 339) من حديث جابر بن عبد الله.
(2)
الموافقات 4 / 258.
(3)
شرح المنتهى 33 / 457، والمجموع 1 / 46 وصفة المفتي لابن حمدان ص31.