الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَالْقَضَاءُ شَبِيهٌ بِالْفَتْوَى إِلَاّ أَنَّ بَيْنَهُمَا فُرُوقًا: مِنْهَا: أَنَّ الْفَتْوَى إِخْبَارٌ عَنِ الْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ، وَالْقَضَاءَ إِنْشَاءٌ لِلْحُكْمِ بَيْنَ الْمُتَخَاصِمَيْنِ.
وَمِنْهَا: أَنَّ الْفَتْوَى لَا إِلْزَامَ فِيهَا لِلْمُسْتَفْتِي أَوْ غَيْرِهِ، بَل لَهُ أَنْ يَأْخُذَ بِهَا إِنْ رَآهَا صَوَابًا وَلَهُ أَنْ يَتْرُكَهَا وَيَأْخُذَ بِفَتْوَى مُفْتٍ آخَرَ، أَمَّا الْحُكْمُ الْقَضَائِيُّ فَهُوَ مُلْزِمٌ، (1) وَيَنْبَنِي عَلَيْهِ أَنَّ أَحَدَ الْخَصْمَيْنِ إِذَا دَعَا الآْخَرَ إِلَى فَتَاوَى الْفُقَهَاءِ لَمْ نُجْبِرْهُ، وَإِنْ دَعَاهُ إِلَى قَاضٍ وَجَبَ عَلَيْهِ الإِْجَابَةُ، وَأُجْبِرَ عَلَى ذَلِكَ، لأَِنَّ الْقَاضِيَ مَنْصُوبٌ لِقَطْعِ الْخُصُومَاتِ وَإِنْهَائِهَا. (2)
وَمِنْهَا: مَا نَقَلَهُ صَاحِبُ الدُّرِّ الْمُخْتَارِ عَنْ أَيْمَانِ الْبَزَّازِيَّةِ: أَنَّ الْمُفْتِيَ يُفْتِي بِالدِّيَانَةِ - أَيْ عَلَى بَاطِنِ الأَْمْرِ، وَيُدَيِّنُ الْمُسْتَفْتِيَ، وَالْقَاضِيَ يَقْضِي عَلَى الظَّاهِرِ، قَال ابْنُ عَابِدِينَ: مِثَالُهُ إِذَا قَال رَجُلٌ لِلْمُفْتِي: قُلْتُ لِزَوْجَتِي: أَنْتِ طَالِقٌ قَاصِدًا الإِْخْبَارَ كَاذِبًا فَإِنَّ الْمُفْتِيَ يُفْتِيهِ بِعَدَمِ الْوُقُوعِ، أَمَّا الْقَاضِي فَإِنَّهُ يَحْكُمُ عَلَيْهِ بِالْوُقُوعِ. (3)
وَمِنْهَا: مَا قَال ابْنُ الْقَيِّمِ: إِنَّ حُكْمَ
(1) إعلام الموقعين 11 / 36، 38، 4 / 264، والإحكام في تمييز الفتاوى من الأحكام للقرافي ص20، حلب مكتبة المطبوعات الإسلامية 1387هـ.
(2)
البحر المحيط للزركشي 6 / 315 الكويت، وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية 1990م.
(3)
رد المحتار على الدر المختار 4 / 306.
الْقَاضِي جُزْئِيٌّ خَاصٌّ لَا يَتَعَدَّى إِلَى غَيْرِ الْمَحْكُومِ عَلَيْهِ وَلَهُ، وَفَتْوَى الْمُفْتِي شَرِيعَةٌ عَامَّةٌ تَتَعَلَّقُ بِالْمُسْتَفْتِي وَغَيْرِهِ، فَالْقَاضِي يَقْضِي قَضَاءً مُعَيَّنًا عَلَى شَخْصٍ مُعَيَّنٍ، وَالْمُفْتِي يُفْتِي حُكْمًا عَامًّا كُلِّيًّا: أَنَّ مَنْ فَعَل كَذَا تَرَتَّبَ عَلَيْهِ كَذَا، وَمَنْ قَال كَذَا لَزِمَهُ كَذَا. (1)
وَمِنْهَا: أَنَّ الْقَضَاءَ لَا يَكُونُ إِلَاّ بِلَفْظٍ مَنْطُوقٍ، وَتَكُونُ الْفُتْيَا بِالْكِتَابَةِ وَالْفِعْل وَالإِْشَارَةِ. (2)
ب - الاِجْتِهَادُ:
3 -
الاِجْتِهَادُ: بَذْل الْفَقِيهِ وُسْعَهُ فِي تَحْصِيل الْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ الظَّنِّيِّ.
وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الإِْفْتَاءِ: أَنَّ الإِْفْتَاءَ: يَكُونُ فِيمَا عُلِمَ قَطْعًا أَوْ ظَنًّا. أَمَّا الاِجْتِهَادُ فَلَا يَكُونُ فِي الْقَطْعِيِّ (3) وَأَنَّ الاِجْتِهَادَ يَتِمُّ بِمُجَرَّدِ تَحْصِيل الْفَقِيهِ الْحُكْمَ فِي نَفْسِهِ، وَلَا يَتِمُّ الإِْفْتَاءُ إِلَاّ بِتَبْلِيغِ الْحُكْمِ لِلسَّائِل.
وَالَّذِينَ قَالُوا: إِنَّ الْمُفْتِيَ هُوَ الْمُجْتَهِدُ، أَرَادُوا بَيَانَ أَنَّ غَيْرَ الْمُجْتَهِدِ لَا يَكُونُ مُفْتِيًا حَقِيقَةً، وَأَنَّ الْمُفْتِيَ لَا يَكُونُ إِلَاّ مُجْتَهِدًا، وَلَمْ
(1) إعلام الموقعين 1 / 38.
(2)
الفروق للشيخ أحمد بن إدريس القرافي الصنهاجي المالكي 4 / 48، 54.
(3)
مسلم الثبوت في أصول الفقه 2 / 362 بولاق، والإحكام للقرافي ص195.