الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَيُعْتَبَرُ ابْتِدَاءُ زَمَانِ إمْكَانِ الْقَبْضِ، مِنْ وَقْتِ الإِْذْنِ فِيهِ، لَا مِنْ وَقْتِ الْعَقْدِ (1) .
الْحَالَةُ الثَّانِيَةُ:
32 -
إذَا كَانَ الشَّيْءُ بِيَدِ صَاحِبِهِ، كَالْمَبِيعِ فِي يَدِ بَائِعِهِ، أَوِ الْمَوْهُوبِ فِي يَدِ وَاهِبِهِ، فَقَدْ فَرَّقَ الْفُقَهَاءُ - فِي قَضِيَّةِ مَا يَنُوبُ مَنَابَ الْقَبْضِ - بَيْنَ حَالَةِ الْمَبِيعِ فِي يَدِ الْبَائِعِ، وَبَيْنَ حَالَةِ الْمَوْهُوبِ فِي يَدِ الْوَاهِبِ، وَبَيَانُ ذَلِكَ:
أ - أَنَّ الْمَبِيعَ إذَا كَانَ بِيَدِ الْبَائِعِ، فَلِلْفُقَهَاءِ فِي ذَلِكَ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ:
(أَحَدُهَا) لِلْحَنَفِيَّةِ: وَهُوَ أَنْ يَنُوبَ مَنَابَ قَبْضِ الْمَبِيعِ مِنْ يَدِ بَائِعِهِ، أَنْ يَتَصَرَّفَ فِيهِ الْمُشْتَرِي بِإِتْلَافٍ أَوْ تَعْيِيبٍ أَوْ تَغْيِيرِ صُورَةٍ أَوِ اسْتِعْمَالٍ، لأَِنَّ الْقَبْضَ يَكُونُ بِإِثْبَاتِ الْيَدِ وَالتَّمْكِينِ مِنَ التَّصَرُّفِ، وَالإِْتْلَافُ وَالتَّعْيِيبُ وَتَغْيِيرُ الصُّورَةِ وَالاِسْتِعْمَال تَصَرُّفٌ فِيهِ حَقِيقَةً، فَكَانَ قَبْضًا مِنْ بَابِ أَوْلَى، لأَِنَّ التَّمْكِينَ مِنَ التَّصَرُّفِ دُونَ حَقِيقَةِ التَّصَرُّفِ، كَمَا أَنَّ صُدُورَ هَذِهِ التَّصَرُّفَاتِ مِنَ الْمُشْتَرِي يَنْطَوِي عَلَى إثْبَاتِ الْيَدِ فِعْلاً، إذْ لَا يُتَصَوَّرُ صُدُورُهَا مِنْهُ مَعَ تَخَلُّفِ هَذَا الْمَعْنَى، فَكَانَتْ تِلْكَ التَّصَرُّفَاتُ بِمَنْزِلَةِ الْقَبْضِ ضَرُورَةً.
وَمِثْل ذَلِكَ فِي الْحُكْمِ مَا لَوْ فَعَل الْبَائِعُ
(1) المجموع شرح المهذب 9 / 281، ومغني المحتاج 2 / 128، وفتح العزيز للرافعي 10 / 65 - 71.
شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ بِأَمْرِ الْمُشْتَرِي، لأَِنَّ فِعْلَهُ بِأَمْرِ الْمُشْتَرِي بِمَنْزِلَةِ فِعْل الْمُشْتَرِي بِنَفْسِهِ.
وَلَوْ أَعَارَ الْمُشْتَرِي الْمَبِيعَ أَوْ أَوْدَعَهُ أَجْنَبِيًّا، صَارَ بِذَلِكَ قَابِضًا لأَِنَّهُ بِالإِْعَارَةِ وَالإِْيدَاعِ أَثْبَتَ يَدَ النِّيَابَةِ لِغَيْرِهِ فِيهِ، فَصَارَ قَابِضًا، وَكَذَا لَوْ وَهَبَهُ أَجْنَبِيًّا، فَقَبَضَهُ الْمَوْهُوبُ.
أَمَّا إذَا أَعَارَهُ الْمُشْتَرِي لِلْبَائِعِ، أَوْ أَوْدَعَهُ إيَّاهُ، أَوْ آجَرَهُ إيَّاهُ لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ قَبْضًا، لأَِنَّ هَذِهِ التَّصَرُّفَاتِ لَا تَصِحُّ مِنَ الْمُشْتَرِي، لأَِنَّ يَدَ الْحَبْسِ بِطَرِيقِ الأَْصَالَةِ ثَابِتَةٌ لِلْبَائِعِ، فَلَا يُتَصَوَّرُ إثْبَاتُ يَدِ النِّيَابَةِ لَهُ بِهَذِهِ التَّصَرُّفَاتِ، فَلَمْ تَصِحَّ، وَالْتَحَقَتْ بِالْعَدَمِ (1) .
(وَالثَّانِي) لِلشَّافِعِيَّةِ: وَهُوَ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ إذَا أَتْلَفَ الْمَبِيعَ حِسًّا أَوْ شَرْعًا قَبْل قَبْضِهِ، كَانَ إتْلَافُهُ قَبْضًا إنْ عَلِمَ أَنَّهُ يُتْلِفُ الْمَبِيعَ، أَمَّا إذَا لَمْ يَعْلَمْ فَوَجْهَانِ، وَالأَْصَحُّ اعْتِبَارُهُ قَبْضًا.
وَإِذَا أَتْلَفَتِ الزَّوْجَةُ الصَّدَاقَ، وَهُوَ بِيَدِ الزَّوْجِ، صَارَتْ بِذَلِكَ قَابِضَةً، وَبَرِئَ الزَّوْجُ (2) .
(وَالثَّالِثُ) لِلْحَنَابِلَةِ: وَهُوَ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ إذَا أَتْلَفَ الْمَبِيعَ، وَهُوَ فِي يَدِ الْبَائِعِ، فَيُعْتَبَرُ ذَلِكَ
(1) بدائع الصنائع 5 / 246 وما بعدها، ورد المحتار 4 / 561 ط. الحلبي.
(2)
مغني المحتاج 2 / 66 وما بعدها، وروضة الطالبين 3 / 499 وما بعدها و7 / 251.