الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يَقُول ابْنُ رُشْدٍ فِي كِتَابِ الْبُيُوعِ: أَسْبَابُ الْفَسَادِ الْعَامَّةُ فِي الْبَيْعِ أَرْبَعَةٌ: أَحَدُهَا: تَحْرِيمُ عَيْنِ الْمَبِيعِ، وَالثَّانِي: الرِّبَا، وَالثَّالِثُ: الْغَرَرُ، وَالرَّابِعُ: الشُّرُوطُ الَّتِي تَئُول إِلَى أَحَدِ هَذَيْنِ أَوْ لِمَجْمُوعِهِمَا (1) .
وَيُفَرِّقُ الْحَنَفِيَّةُ بَيْنَ الْفَسَادِ وَالْبُطْلَانِ فِي الْمُعَامَلَاتِ، عَلَى أَسَاسِ التَّمْيِيزِ بَيْنَ أَصْل الْعَقْدِ وَوَصْفِهِ.
وَأَسْبَابُ الْبُطْلَانِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ هِيَ حُدُوثُ خَلَلٍ فِي أَصْل الْعَقْدِ، بِأَنْ تَخَلَّفَ رُكْنٌ مِنْ أَرْكَانِهِ أَوْ شَرْطٌ مِنْ شَرَائِطِ انْعِقَادِهِ.
أَمَّا أَسْبَابُ الْفَسَادِ، فَهِيَ حُدُوثُ خَلَلٍ فِي وَصْفِ الْعَقْدِ مَعَ سَلَامَةِ الْمَاهِيَّةِ، فَإِذَا اخْتَل الْوَصْفُ: بِأَنْ دَخَل الْمَحَل شَرْطٌ فَاسِدٌ، فَالْعَقْدُ فَاسِدٌ لَا بَاطِلٌ.
وَالتَّفْصِيل فِي مُصْطَلَحِ (عَقْد) وَفِي الْمُلْحَقِ الأُْصُولِيِّ.
التَّصَرُّفَاتُ الَّتِي فَرَّقَ فِيهَا الْجُمْهُورُ بَيْنَ الْفَسَادِ وَالْبُطْلَانِ:
7 -
الأَْصْل عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ عَدَمُ التَّفْرِقَةِ بَيْنَ الْفَسَادِ وَالْبُطْلَانِ، وَمَعَ ذَلِكَ فَإِنَّهُمْ فَرَّقُوا بَيْنَهُمَا فِي بَعْضِ الْمَسَائِل:
فَالْمَالِكِيَّةُ فَرَّقُوا بَيْنَ الْفَسَادِ وَالْبُطْلَانِ فِي
(1) بداية المجتهد 2 / 125 - 126.
عَقْدِ الْقِرَاضِ وَالْمُسَاقَاةِ (1) .
وَالشَّافِعِيَّةُ فَرَّقُوا بَيْنَهُمَا فِي عُقُودٍ ذَكَرَهَا الزَّرْكَشِيُّ فَقَال: الْفَاسِدُ وَالْبَاطِل سَوَاءٌ فِي الْحُكْمِ عِنْدَنَا، وَاسْتَثْنَى النَّوَوِيُّ: الْحَجَّ وَالْخُلْعَ وَالْكِتَابَةَ وَالْعَارِيَّةَ (2) .
وَعِنْدَ الْحَنَابِلَةِ يَأْتِي التَّفْرِيقُ بَيْنَ الْفَسَادِ وَالْبُطْلَانِ فِي الْوَكَالَةِ وَالإِْجَارَةِ وَالشَّرِكَةِ وَالْمُضَارَبَةِ وَالْحَجِّ وَغَيْرِ ذَلِكَ (3) .
قَال ابْنُ اللَّحَّامِ الْحَنْبَلِيُّ: الْبُطْلَانُ وَالْفَسَادُ عِنْدَنَا مُتَرَادِفَانِ. . . ثُمَّ قَال: إِذَا تَقَرَّرَ هَذَا فَذَكَرَ أَصْحَابُنَا مَسَائِل فَرَّقُوا فِيهَا بَيْنَ الْفَاسِدِ وَالْبَاطِل ثُمَّ ذَكَرَ أَمْثِلَةً كَثِيرَةً لِلْمَسَائِل الَّتِي فَرَّقُوا فِيهَا بَيْنَ الْبَاطِل وَالْفَاسِدِ (4) .
وَالتَّفْصِيل فِي الْمُلْحَقِ الأُْصُولِيِّ.
مَا يَتَعَلَّقُ بِالْفَسَادِ مِنْ أَحْكَامٍ:
8 -
يَتَعَلَّقُ بِالْفَسَادِ أَحْكَامٌ أَوْرَدَهَا الْفُقَهَاءُ فِي صُورَةِ قَوَاعِدَ فِقْهِيَّةٍ أَوْ أَحْكَامٍ لِلْمَسَائِل الْفِقْهِيَّةِ، مِنْهَا:
أَوَّلاً - فَسَادُ الْمُتَضَمِّنِ يُوجِبُ فَسَادَ الْمُتَضَمَّنِ:
9 -
هَذِهِ الْقَاعِدَةُ مِنَ الْقَوَاعِدِ الَّتِي ذَكَرَهَا
(1) منح الجليل 3 / 671 - 721.
(2)
المنثور 3 / 7.
(3)
القواعد والفوائد الأصلية ص110 - 114، والقواعد لابن رجب ص65 - 67.
(4)
القواعد والفوائد الأصولية ص110 - 114.
الْحَنَفِيَّةُ فِي كُتُبِهِمْ، وَعَبَّرَ عَنْهَا ابْنُ نُجَيْمٍ بِلَفْظٍ آخَرَ هُوَ:(الْمَبْنِيُّ عَلَى الْفَاسِدِ فَاسِدٌ) وَوَضَّحُوا هَذِهِ الْقَاعِدَةَ فَقَالُوا: يَجُوزُ بَيْعُ الثَّمَرَةِ قَبْل بُدُوِّ صَلَاحِهَا، وَيَجِبُ قَطْعُهَا لِلْحَال، فَإِنِ اسْتَأْجَرَ الشَّجَرَ إِلَى وَقْتِ الإِْدْرَاكِ بَطَلَتِ الإِْجَارَةُ؛ لأَِنَّهُ لَا تَعَامُل فِي إِجَارَةِ الأَْشْجَارِ الْمُجَرَّدَةِ، فَلَا يَجُوزُ، وَطَابَتْ لَهُ الزِّيَادَةُ - وَهِيَ مَا زَادَ فِي ذَاتِ الْمَبِيعِ - وَذَلِكَ لِبَقَاءِ الإِْذْنِ.
وَلَوِ اسْتَأْجَرَ الأَْرْضَ إِلَى أَنْ يُدْرِكَ الزَّرْعُ - أَيْ إِلَى وَقْتِ إِدْرَاكِهِ - فَسَدَتِ الإِْجَارَةُ لِجَهَالَةِ الْمُدَّةِ، وَلَمْ تَطِبِ الزِّيَادَةُ لِفَسَادِ الإِْذْنِ بِفَسَادِ الإِْجَارَةِ، وَفَسَادُ الْمُتَضَمِّنِ يُوجِبُ فَسَادَ الْمُتَضَمَّنِ، بِخِلَافِ الْبَاطِل، فَإِنَّهُ مَعْدُومٌ شَرْعًا أَصْلاً وَوَصْفًا فَلَا يَتَضَمَّنُ شَيْئًا، فَكَانَتْ مُبَاشَرَتُهُ عِبَارَةً عَنِ الإِْذْنِ.
وَحَاصِل الْفَرْقِ أَنَّ الْفَاسِدَ لَهُ وُجُودٌ؛ لأَِنَّهُ فَائِتُ الْوَصْفِ دُونَ الأَْصْل، فَكَانَ الإِْذْنُ ثَابِتًا فِي ضِمْنِهِ، فَيَفْسُدُ، أَمَّا الْبَاطِل فَلَا وُجُودَ لَهُ أَصْلاً، فَلَمْ يُوجَدْ إِلَاّ الإِْذْنُ.
وَفِي حَاشِيَةِ الشَّلَبِيِّ عَلَى الزَّيْلَعِيِّ: الْفَرْقُ بَيْنَ الإِْذْنِ الثَّابِتِ فِي ضِمْنِ الإِْجَارَةِ الْبَاطِلَةِ وَبَيْنَهُ فِي ضِمْنِ الإِْجَارَةِ الْفَاسِدَةِ: أَنَّ الإِْذْنَ فِي الإِْجَارَةِ الْبَاطِلَةِ صَارَ أَصْلاً مَقْصُودًا بِنَفْسِهِ؛ لأَِنَّ الْبَاطِل لَا وُجُودَ لَهُ، وَالْمَعْدُومَ لَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ مُتَضَمِّنًا، وَلَيْسَ كَذَلِكَ الإِْجَارَةُ
الْفَاسِدَةُ، لأَِنَّ الْفَاسِدَ لَيْسَ مَعْدُومًا بِأَصْلِهِ، فَصَحَّ أَنْ يَكُونَ مُتَضَمِّنًا، فَإِذَا فَسَدَ الْمُتَضَمِّنُ فَسَدَ الْمُتَضَمَّنُ (1) .
وَالْحُكْمُ عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ يَظْهَرُ فِي الْعُقُودِ الَّتِي يُفَرِّقُونَ فِيهَا بَيْنَ الْبَاطِل وَالْفَاسِدِ، كَالْعُقُودِ الْمُتَضَمِّنَةِ لِلإِْذْنِ، مِثْل الشَّرِكَةِ، وَالْمُضَارَبَةِ، وَالْوَكَالَةِ، فَهَذِهِ الْعُقُودُ لَا يَمْنَعُ فَسَادُهَا صِحَّةَ تَصَرُّفِ الْمَأْذُونِ لِبَقَاءِ الإِْذْنِ.
فَفِي كُتُبِ الشَّافِعِيَّةِ: الْفَاسِدُ مِنَ الْعُقُودِ الْمُتَضَمِّنَةِ لِلإِْذْنِ إِذَا صَدَرَتْ مِنَ الْمَأْذُونِ صَحَّتْ، كَمَا فِي الْوَكَالَةِ الْمُعَلَّقَةِ إِذَا أَفْسَدْنَاهَا فَتَصَرَّفَ الْوَكِيل، صَحَّ لِوُجُودِ الإِْذْنِ، وَطَرَدَهُ الإِْمَامُ فِي سَائِرِ صُوَرِ الْفَسَادِ (2) .
وَفِي الْقَوَاعِدِ لاِبْنِ رَجَبٍ الْحَنْبَلِيِّ: الْعُقُودُ الْجَائِزَةُ كَالشَّرِكَةِ وَالْمُضَارَبَةِ وَالْوَكَالَةِ لَا يَمْنَعُ فَسَادُهَا نُفُوذَ التَّصَرُّفِ فِيهَا بِالإِْذْنِ (3) .
وَيَقُول ابْنُ قُدَامَةَ: إِذَا تَصَرَّفَ الْعَامِل فِي الْمُضَارَبَةِ الْفَاسِدَةِ نَفَذَ تَصَرُّفُهُ لأَِنَّهُ أَذِنَ لَهُ فِيهِ، فَإِذَا بَطَل الْعَقْدُ بَقِيَ الإِْذْنُ، فَمَلَكَ بِهِ التَّصَرُّفَ (4) .
(1) حاشية ابن عابدين4 / 39 - 40، وحاشية الشلبي على الزيلعي 4 / 12، وفتح القدير وهوامشه 5 / 490 نشر دار إحياء التراث، والبحر الرائق 5 / 327، والاختيار 2 / 7.
(2)
المنثور في القواعد 3 / 15، و2 / 409، والجمل 3 / 517.
(3)
القواعد لابن رجب ص64 - 66.
(4)
المغني 5 / 72.