الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مُتَعَمَّدٍ عُدْوَانًا، وَالْعُدْوَانُ مُحَرَّمٌ، لِقَوْلِهِ سبحانه وتعالى:{وَلَا تَعْتَدُوا إنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} . (1)
أَنْوَاعُ الْقَتْل شِبْهِ الْعَمْدِ:
6 -
ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إلَى الْقَوْل بِالْقَتْل شِبْهِ الْعَمْدِ، وَاسْتَدَلُّوا عَلَى إثْبَاتِهِ بِقَوْل النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: أَلَا وَإِنَّ قَتِيل الْخَطَأِ شِبْهِ الْعَمْدِ بِالسَّوْطِ وَالْعَصَا وَالْحَجَرِ مِائَةٌ مِنَ الإِْبِل (2) وَفِي رِوَايَةٍ: عَقْل شِبْهِ الْعَمْدِ مُغَلَّظٌ مِثْل عَقْل الْعَمْدِ وَلَا يُقْتَل صَاحِبُهُ.
(3)
وَقَسَّمَ الْحَنَفِيَّةُ الْقَتْل شِبْهَ الْعَمْدِ إلَى ثَلَاثَةِ أَنْوَاعٍ:
قَال الْكَاسَانِيُّ: شِبْهُ الْعَمْدِ ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ:
مِنْهَا أَنْ يَقْصِدَ الْقَتْل بِعَصًا صَغِيرَةٍ أَوْ بِحَجَرٍ صَغِيرٍ أَوْ لَطْمَةٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا لَا يَكُونُ الْغَالِبُ فِيهَا الْهَلَاكَ، كَالسَّوْطِ وَنَحْوِهِ إذَا ضَرَبَ ضَرْبَةً أَوْ ضَرْبَتَيْنِ وَلَمْ يُوَال فِي الضَّرَبَاتِ.
وَمِنْهَا: أَنْ يَضْرِبَ بِالسَّوْطِ الصَّغِيرِ وَيُوَالِيَ
(1) سورة البقرة / 190.
(2)
حديث: " ألا وإن قتيل الخطأ شبه العمد. . . ". أخرجه النسائي (8 / 41) من حديث رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وصححه ابن القطان كما في التلخيص لابن حجر (4 / 15) .
(3)
حديث: " عقل شبه العمد. . . ". أخرجه أبو داود (4 / 695) من حديث عبد الله بن عمرو.
فِي الضَّرَبَاتِ إلَى أَنْ يَمُوتَ.
وَهَاتَانِ الصُّورَتَانِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِمَا بَيْنَ فُقَهَاءِ الْحَنَفِيَّةِ.
وَمِنْهَا: مَا قَصَدَ قَتْلَهُ بِمَا يَغْلِبُ فِيهِ الْهَلَاكُ مِمَّا لَيْسَ بِجَارِحٍ وَلَا طَاعِنٍ، كَمِدَقَّةِ الْقَصَّارِينَ، وَالْحَجَرِ الْكَبِيرِ، وَالْعَصَا الْكَبِيرَةِ وَنَحْوِهَا، فَهُوَ شِبْهُ عَمْدٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَعَمْدٌ عِنْدَ الصَّاحِبَيْنِ.
وَقَال جُمْهُورُ فُقَهَاءِ الشَّافِعِيَّةِ إنَّ الْقَتْل شِبْهَ الْعَمْدِ يَكُونُ بِقَصْدِ الْفِعْل وَالشَّخْصِ بِمَا لَا يَقْتُل غَالِبًا.
وَذَكَرَ الْحَنَابِلَةُ صُورَتَيْنِ لِلْقَتْل شِبْهِ الْعَمْدِ:
الأُْولَى: أَنْ يَقْصِدَ ضَرْبَهُ عُدْوَانًا بِمَا لَا يَقْتُل غَالِبًا كَخَشَبَةٍ صَغِيرَةٍ أَوْ حَجَرٍ صَغِيرٍ أَوْ لَكْزَةٍ وَنَحْوِهَا.
وَالثَّانِيَةُ: أَنْ يَقْصِدَ ضَرْبَهُ تَأْدِيبًا وَيُسْرِفَ فِي الضَّرْبِ فَيُفْضِيَ إلَى الْقَتْل. (1)
7 -
وَكَمَا يَكُونُ الْقَتْل شِبْهُ الْعَمْدِ بِالْفِعْل يَكُونُ بِالْمَنْعِ، فَإِذَا امْتَنَعَ الْجَانِي عَنْ عَمَلٍ مُعَيَّنٍ فَأَدَّى هَذَا إلَى قَتْل الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ، فَإِنْ كَانَ قَصْدُهُ الْقَتْل يُعْتَبَرُ هَذَا الْقَتْل عَمْدًا، وَإِنْ لَمْ يَقْصِدْهُ يُعْتَبَرُ شِبْهَ عَمْدٍ أَوْ خَطَأً عِنْدَ بَعْضِهِمْ، كَمَنْ حَبَسَ إنْسَانًا وَمَنَعَهُ الطَّعَامَ أَوِ.
(1) بدائع الصنائع 7 / 233 بتصرف، روضة الطالبين 9 / 124، والمغني 7 / 650.
الشَّرَابَ فَمَاتَ
، وَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي اعْتِبَارِهِ عَمْدًا وَشِبْهَ عَمْدٍ أَوْ خَطَأً، فَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ إلَى أَنَّ هَذَا لَا يُعْتَبَرُ قَتْلاً، لَا شِبْهَ عَمْدٍ وَلَا خَطَأً، لأَِنَّ الْهَلَاكَ حَصَل بِالْجُوعِ وَالْعَطَشِ، وَلَا صُنْعَ لأَِحَدٍ فِي ذَلِكَ.
وَعِنْدَ الصَّاحِبَيْنِ عَلَيْهِ الدِّيَةُ، لأَِنَّهُ لَا بَقَاءَ لِلآْدَمِيِّ إلَاّ بِالأَْكْل وَالشُّرْبِ، فَالْمَنْعُ عِنْدَ اسْتِيلَاءِ الْجُوعِ وَالْعَطَشِ عَلَيْهِ يَكُونُ إهْلَاكًا لَهُ، فَأَشْبَهَ حَفْرَ الْبِئْرِ عَلَى قَارِعَةِ الطَّرِيقِ (1) .
وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ: إلَى أَنَّ هَذَا قَتْل عَمْدٍ إذَا مَاتَ فِي مُدَّةٍ يَمُوتُ مِثْلُهُ فِيهَا غَالِبًا، وَهَذَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ النَّاسِ وَالزَّمَانِ وَالأَْحْوَال، فَإِذَا كَانَ عَطَشًا فِي شِدَّةِ الْحَرِّ، مَاتَ فِي الزَّمَنِ الْقَلِيل، وَإِنْ كَانَ رَيَّانَ وَالزَّمَنُ بَارِدٌ أَوْ مُعْتَدِلٌ لَمْ يَمُتْ إلَاّ فِي زَمَنٍ طَوِيلٍ، فَيُعْتَبَرُ هَذَا فِيهِ، وَإِنْ كَانَ لَا يَمُوتُ فِي مِثْلِهَا غَالِبًا فَهُوَ عَمْدُ الْخَطَأِ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ، وَشِبْهُ عَمْدٍ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ. (2)
8 -
أَمَّا الْمَالِكِيَّةُ، فَالْمَشْهُورُ عِنْدَهُمْ أَنَّ الْقَتْل نَوْعَانِ: عَمْدٌ وَخَطَأٌ، لأَِنَّهُ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ إلَاّ الْعَمْدُ وَالْخَطَأُ، فَمَنْ زَادَ قِسْمًا ثَالِثًا زَادَ عَلَى النَّصِّ، يَقُول اللَّهُ تَعَالَى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ
(1) بدائع الصنائع 7 / 234 - 235.
(2)
مغني المحتاج 4 / 5، نهاية المحتاج 7 / 239، المغني لابن قدامة 7 / 643.
أَنْ يَقْتُل مُؤْمِنًا إلَاّ خَطَأً وَمَنْ قَتَل مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إلَى أَهْلِهِ إلَاّ أَنْ يَصَّدَّقُوا فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِنَ اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا وَمَنْ يَقْتُل مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا} . (1)
فَلَا وَاسِطَةَ بَيْنَ الْعَمْدِ وَالْخَطَأِ، فَالْعَمْدُ عِنْدَ مَالِكٍ هُوَ كُل فِعْلٍ تَعَمَّدَهُ الإِْنْسَانُ بِقَصْدِ الْعُدْوَانِ، فَأَدَّى لِلْمَوْتِ، أَيًّا كَانَتِ الآْلَةُ الْمُسْتَعْمَلَةُ فِي الْقَتْل، أَمَّا إذَا كَانَ مَوْتُ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ نَتِيجَةَ فِعْلٍ عَلَى وَجْهِ اللَّعِبِ وَالتَّأْدِيبِ فَهُوَ قَتْلٌ خَطَأٌ.
وَفِي غَيْرِ الْمَشْهُورِ يَقُول ابْنُ وَهْبٍ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ بِثُبُوتِ شِبْهِ الْعَمْدِ، رَوَاهُ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْهُ، وَعَنِ ابْنِ شِهَابٍ، وَرَبِيعَةَ، وَأَبِي الزِّنَادِ، وَحَكَاهُ الْعِرَاقِيُّونَ عَنْ مَالِكٍ، وَصُورَتُهُ عِنْدَ ابْنِ وَهْبٍ أَنَّهُ مَا كَانَ بِعَصًا أَوْ وَكْزَةٍ أَوْ لَطْمَةٍ، فَإِنْ كَانَ عَلَى وَجْهِ الْغَضَبِ فَفِيهِ الْقَوَدُ، وَإِنْ كَانَ عَلَى وَجْهِ اللَّعِبِ فَفِيهِ دِيَةٌ مُغَلَّظَةٌ وَهُوَ شِبْهُ الْعَمْدِ.
(1) سورة النساء / 92 - 93.