الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الأحكامُ التي تجري على أهل الذِّمَّة:
وتجري أحكام الإسلام على أهل الذمّة في ناحيتين:
الناحية الأولى: المعاملات المالية، فلا يجوز لهم أن يتصرَّفوا تصرُّفاً لا يتفق مع تعاليم الإسلام؛ كعقد الربا، وغيره مِن العقود المحرّمة.
الناحية الثانية: العقوبات المقرّرة، فيُقتصّ منهم، وتُقام الحدود عليهم متى فعلوا ما يوجب ذلك، وقد ثبَت أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم رجَم يهوديين، زنيا بعد إحصانهما (1).
وإنْ تحاكموا إلينا، فلنا أن نحكم لهم بمقتضى الإسلام، أو نرفض ذلك، يقول الله -تعالى-:{فَإِنْ جَاءُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ وَإِنْ تُعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَنْ يَضُرُّوكَ شَيْئًا وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} (2) * (3).
قال ابن جرير رحمه الله: "ثمّ اختلَف أهل التأويل في حكم هذه الآية، هل هو ثابتٌ اليوم؟ وهل للحكّام مِن الخِيار في الحُكم والنّظَر بين أهل الذمّة والعهد إذا احتكموا إليهم، مثل الذي جعَل لنبيّه صلى الله عليه وسلم في هذه الآية، أم ذلك منسوخ؟
(1) انظر "صحيح البخاري"(6841)، و"صحيح مسلم"(1699)، وتقدم في كتاب (الحدود).
(2)
المائدة: 42.
(3)
ما بين نجمتين من "فقه السنّة"(3/ 446) بحذف.
فقال بعضهم: ذلك ثابتٌ اليوم، لم ينسخه شيء، وللحُكّام من الخِيار في كلّ دهر بهذه الآية، مثلُ ما جعَله الله لرسوله صلى الله عليه وسلم.
ثمّ ذكَر مَن قال ذلك.
ثمّ قال رحمه الله: وقال آخرون: بل التخيير منسوخٌ (1)، وعلى الحاكم إذا احتكَم إليه أهل الذمَّة أن يحكُم بينهم بالحقّ، وليس له تْرك النظرِ بينهم.
ثمّ ذكرَ من قال ذلك.
ثمّ قال رحمه الله: "وأولى القولين في ذلك عندي بالصواب: قول مَن قال: إنّ حُكم هذه الآية ثابتٌ لم يُنسَخ، وأنّ للحُكَّام مِن الخِيار في الحُكم بين أهل العهد إذا ارتفعوا إليهم فاحتكموا، وترْكِ الحكم بينهم والنظر، مثلُ الذي جَعَله الله لرسوله صلى الله عليه وسلم مِن ذلك في هذه الآية"(2) انتهى.
(1) وجاء في "سنن أبي داود": (باب الحُكم بين أهل الذِّمّة)، وجاء تحته نصّان، الأول: عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: " {فَإِنْ جَاءُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ} فنُسخت قال: {فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بما أنزل الله} " أخرجه أبو داود (3590)، "صحيح سنن أبي داود"(3061).
والثاني: عن ابن عباس رضي الله عنهما أيضاً- قال: "لما نزَلت هذه الآية {فَإِنْ جَاءُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ}، {وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ} الآية، قال: كان بنو النضير إذا قتَلوا من بني قريظة، أدَّوا نصف الدية، وإذا قتل بنو قريظة من بني النضير، أدَّوا إليهم الدّية كاملة، فسوّى رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهم". أخرجه أبو داود (3591) وغيره،
"صحيح سنن أبي داود"(3062).
(2)
انظر تتمة كلامه وتفصيله -إنْ شئت المزيد من الفائدة- في المصدر المذكور.