الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أسرى الحرب
ومن جملة الغنائم الأسرى، ولا خلافَ في ذلك (1)، وهم على قسمين:
1 -
النساء والصبيان، وهذا القسم يكون رقيقاً بمجرّد السبي، لأن النبيّ صلى الله عليه وسلم نهى عن قَتْل النساء والصبيان (2).
فعن ابن عمر رضي الله عنهما " أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم أغار على بني المُصطَلَق وهم غارُّون (3) وأنعامُهم تُسقى على الماء، فقَتَل مُقاتِلتَهم (4)، وسبى ذراريَّهم، وأصاب يومئذ جُوَيْرية (5) "(6).
(1) انظر "الروضة الندية"(2/ 748).
(2)
وفي ذلك أحاديث منها حديث ابن عمر رضي الله عنهما قال: "وُجدت امرأة مقتولة في بعض مغازي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قَتْل النساء والصبيان" أخرجه البخاري: 3015، ومسلم: 1744 وتقدّم.
(3)
وهم غارُّون: جمع غار بالتشديد أي غافل، أي أخَذَهم على غِرة. "الفتح".
(4)
أي: الطائفة البالغين الذين هم على صدد القتال. "الكرماني".
(5)
قال النّووي رحمه الله (12/ 36): وفي هذا الحديث جواز الإغارة على الكُفّار الذين بلغتهم الدعوة مِن غير إنذار بالإغارة
…
" وانظر تتمة كلام النّووي رحمه الله إن شئت المزيد.
(6)
أخرجه البخاري: 2541، ومسلم: 1730، ولفظ مسلم من حديث ابن عون قال: "كتبت إلى نافعٍ أسأله عن الدعاء قبل القتال، قال: فكتَب إليَّ إنما كان ذلك في أول الإسلام؛ قد أغار رسول الله صلى الله عليه وسلم
…
" وذكره، وتقدّم.
وانظر رواية الإمام أحمد رحمه الله وما جاء في "الإرواء" تحت رقم (1212) -إنْ شئت-.
2 -
الرجال البالغون المقاتِلون، والإمام فيهم مخُيَّرٌ بينَ قَتْلٍ وَرِقٍّ ومَنٍّ وفداءٍ بمالٍ أو بأسيرٍ مسلم.
أمّا القَتل: فلقوله تعالى: {فاقتُلُوا المُشْركِينَ حَيْثُ وَجَدتمُوهُم} (1).
وقَتَل النبيّ صلى الله عليه وسلم رجالاً مِن بني قريظة حين حكَم فيهم سعد بن معاذ رضي الله عنه فقال: أَحْكُم فيهم أن تُقتل مُقاتلتهم وتُسبَى ذراريُّهُم وتُقسّم أموالهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لقد حكمْتَ بحُكم الله عز وجل وحُكم رسوله" (2).
وجاء في "سنن أبي داود " تحت (بابُ قتلِ الأسير ولا يُعرَض عليه الإسلام) عن سعد قال: "لمّا كان يوم فتح مكة أمَّنَ رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس إلَاّ أربعةَ نفر وامرأتين وسمّاهم، وابن أبي سَرْح، فذكَر الحديث.
قال: وأمّا ابنُ أبي سرح؛ فإنّه اختَبأ عند عثمان بن عفان، فلمّا دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم النّاس إلى البيعة؛ جاء به حتى أوقَفَه على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا نبيَّ الله بايعْ عبد الله، فرفَع رأسه فنظَر إليه ثلاثاً، كلّ ذلك يأبى، فبايَعَه بعد ثلاث، ثمّ أقبَلَ على أصحابه فقال: أمَا كان فيكم رجل رشيد؛ يقوم إلى هذا حيث رآني كَففْتُ يدي عن بيعته فيقتله؟ فقالوا: ما ندري يا رسول الله ما في نفسك، ألا أومأتَ إلينا بعينك؟ قال: إنه لا ينبغي لنبيٍّ أن تكون له خائنةُ الأعين" (3).
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه "أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم دخَل مكَّة عام
(1) التوبة: 5.
(2)
أخرجه أحمد والترمذي وغيرهما، وانظر "الصحيحة"(67) و"الإرواء"(1213).
(3)
أخرجه أبو داود: (2683، 4359) وغيره وانظر "الصحيحة"(1723).
الفتح وعلى رأسه المِغفَر (1)، فلمَّا نَزَعَه جاءه رجل فقال: ابن خَطَل متعلِّقٌ بأستار الكعبة، فقال: اقتلوه.
قال أبو داود: ابن خَطَل اسمه عبد الله، وكان أبو برزة الأسلمي قَتَله" (2).
وأمّا دليل الرِّق، فقوله صلى الله عليه وسلم لوفد هوازن: "
…
وأحبّ الحديث إليّ أصدقُه، فاختاروا إحدى الطائفتين: إمّا المال وإمّا السبي" (3).
قال في "منار السبيل"(ص 272): "ولأنه يجوز إقرارهم بالجزية، فبالرقّ أولى؛ لأنّه أبلَغُ في صَغارهم".
وأمّا المنّ -وهو إطلاق سراح الأسير مجّاناً-، فلقوله -تعالى-:{فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً} (4).
ولأنّه صلى الله عليه وسلم مَنّ على ثُمامة بن أُثال، وسيأتي بتمامه -إن شاء الله تعالى- في (باب ما جاء في الإحسان إلى الأسرى).
وكذلكَ منَّ النبيُّ صلى الله عليه وسلم على أبي العاص بن الربيع.
فعن عائشة رضي الله عنها قالت: "لمّا بعَثَ أهلُ مكّةَ في فداء أسراهم؛ بَعَثَتْ زينبُ بنتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم في فداء أبي العاص بن الربيع بمال، وبَعَثَتْ فيه
(1) زرَد يُنسج من الدروع، على قدر الرأس، يُلبس تحت القلنسوة.
(2)
أخرجه أبو داود "صحيح سنن أبي داود"(2335).
(3)
أخرجه البخاري: 2539، 2540 من حديث مروان والمسور بن مخرمة رضي الله عنهما. وتقدم غير بعيد.
(4)
محمد: 4.
بقلادة لها؛ كانت خديجة أدخلَتْها بها على أبي العاص؛ حينَ بنَى عليها.
قالت: فلمّا رآها رسول الله صلى الله عليه وسلم، رقَّ لها رِقّةً شديدة، وقال؛ إنْ رأيتم أنْ تُطلِقوا لها أسيرها، وترُدُّوا عليها مالها، فافعلوا، فقالوا: نعم يا رسول الله، فأطلَقوه وردُّوا عليها الذي لها" (1).
وأمّا الفداء بالمال، فإنّه قد ثبَت عن النبيّ صلى الله عليه وسلم أنّه فدى أهل بدرٍ بمال (2).
ْوأمّا الفداء بالأسير المسلم، فلأنّه قد ثبَت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنّه فدّى رجلين مِن أصحابه برجلٍ مِن المشركين من بني عُقَيل.
عن عمرانَ بنِ حصين قال: "كانت ثقيف حلفاء لبنى عُقَيل، فأسرَت ثقيف رجلين مِن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأسرَ أصحابُ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم رجلاً مِن بني عقيل
…
ففُدِي بالرجلين" (3).
ويَجب على الحاكم فِعْل الأصلح، فمتى رأى المصلحة للمسلمين في إحدى الخصال، تعيَّنَت عليه، لأنّه ناظرٌ للمسلمين، وتخييره تخيير اجتهاد لا شهوة (4).
قال ابن المناصف رحمه الله، في "الإنجاد" (1/ 269): "يكون نَظَر
(1) أخرجه ابن إسحاق في "السيرة" ومن طريقه أبو داود وابن الجارود والحاكم وأحمد وحسَّنه شيخنا رحمه الله في "الإرواء"(1216/ 2).
(2)
أخرجه أبو داود (2991) وغيره، وانظر للمزيد من الفائدة والتفصيل ما جاء في "الإرواء"(1218).
(3)
أخرجه مسلم: 1641 مُطوّلاً، وانظر للمزيد من الفائدة -إن شئت- ما جاء في: الإرواء" (1217).
(4)
انظر "منار السبيل"(ص 272).
الإمام في الأسرى؛ بحسب الاجتهاد والمصلحة لأهل الإسلام، فمَن خُشيت شجاعته منهم وإقدامُهُ، أو رأيُهُ وتدبيرُه، وما أشبه ذلك مِن الوجوه التي تعود بتقوية بأس العدو على المسلمين في بقائه؛ كان الأولى قَتْلُهُ، إلَاّ أن يَعْرضَ هناك ما يمنع، وتكونُ مراعاته أهمّ، مِثل أن يكون في بلاد الكفر أسيرٌ مِن المسلمين، لا يُستطاع إخراجُه إلَاّ بالمفاداة بهذا، وما أشبهَ ذلك مِن وجوه النَّظَرِ في الحال، وذلك غير مُنْحَصرٍ، بل هو بحسب ما يرى الحاضر والمجتهد، ومَن لم يكن مِن الأسرى على هذه الصِّفة، وكان في المفاداة به مصلحةٌ وتقويةٌ للمسلمين بالمال، وما أشبه ذلك مما لا ينحصر أيضاً مِن وجوه النَّظَر - فالأوْلَى المفاداةُ.
ومن يُرجى إسلامُه بَعدُ، أو الانتفاع به في استمالة أهل الكفر، أو كَسْرِ شوكتهم، وما في معنى ذلك إذا رُدَّ وأُنعِم عليه؛ فالأَوْلَى المَنُّ.
ومَن كان صانعاً أو عسيفاً يُنتفع بمِثله في الخدمة، ولم يعرض فيه وجهٌ مِن الوجوه المتقدمة؛ اسْتُرِقَّ هؤلاء، أو ضُربت عليهم الجزية -إن كانوا من أهلها- على حسب ما يظهر من ذلك.
وبالجملة، فالنَّظَر في هذه الوجوه لمصالح المسلمين بحسب الحال؛ أوسَعُ من هذا، وإنما نَبَّهْنا على أنموذج من طريق النَّظَر، لا أنَّ ذلك واجبٌ بعينه، إلَاّ أنّه لا ينبغي أن يميل إلى واحدٍ من هذه الوجوه؛ إلَاّ لمصلحةٍ في حقِّ المسلمين؛ يغلب على نَظَرِه واجتهاده أنهأ أَوْلى.
فأمَّا القتل، فما دام الإمام مُرتئياً؛ لم يَعزِم على واحدةٍ مما سواه؛ ساغَ له القتل -ولو بعد مدةٍ-.
قال بعض الفقهاء: لو عَرَضَهم للبيع ليختبر أثمانهم، ويناظر بها وجه