الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أسمعتَ بلالاً يُنادي ثلاثاً؟ قال: نعم، قال: فما مَنَعك أن تجيء به؟ فاعتذَرَ فقال: كن أنت تجيء به يوم القيامة فلن أقبَلَه عنك" (1).
كيفية تقسيم الغنائم
لقد بيَّن الله سبحانه وتعالى كيفية تقسيم الغنائم، فقال:{وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} (2).
قال الإمام الطبري رحمه الله: "وهذا تعليمٌ من الله عز وجل المؤمنين قَسْم غنائمهم إذا غَنِموها".
واختلفَ أهل التأويل في قوله تعالى: {فأنَّ لله خُمُسَهُ} والراجح أنها مفتاحُ كلام.
وعن قيس بن مسلم قال: "سألْتُ الحسن بن محمّد عن قوله عز وجل: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ} قال: هذا مفاتح كلام الله: الدنيا والآخرة لله
…
" (3).
فالآية الكريمة نصَّت على الخُمس، وأنه يُصرَف على المصارف التي ذكَرها الله سبحانه وتعالى، وهي: الله ورسوله، وذو القربى، واليتامى،
(1) أخرجه أبو داود "صحيح سنن أبي داود"(2359).
(2)
الأنفال: 41.
(3)
أخرجه النسائي "صحيح سنن النسائي"(3863)، وقال شيخنا رحمه الله:"صحيح الإسناد مرسل".
والمساكين، وابن السبيل، فيُنفق سهم الله ورسوله على الفقراء، والسلاح والخيل وغير ذلك مِن المصالح العامّة.
عن عمرو بن عَبَسة رضي الله عنه قال: "صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بعيرٍ (1) مِن المغنم، فلمّا سلَّم، أخذ وَبَرَة مِن جنب البعير، ثمّ قال: ولا يَحِلُّ لي مِن غنائمكم مثل هذا إلاّ الخُمس، والخُمس مردودٌ فيكم"(2).
وعن عبادةَ بن الصامت رضي الله عنه قال: "صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين إلى جنب بعيرٍ مِن المقاسم، ثمّ تناوَل شيئاً مِن البعير، فأخَذ منه قَرَدَةً -يعني وَبَرَة (3) - فجَعل بين إصبعيه، ثمّ قال: يا أيها الناس إنّ هذا مِن غنائمكم، أدّوا الخَيْط والمِخْيَط، فما فوق ذلك، فما دون ذلك، فإنّ الغُلول عارٌ على أهله يوم القيامة وشَنارٌ (4) ونار"(5).
وفي الحديث: "وأيّما قرية عَصَت الله ورسولَه، فإنّ خمسَها لله ورسوله، ثمّ هي لكم"(6).
قال في "عون المعبود"(7/ 309): "أي مصروفٌ في مصالحكم مِن
(1) أي: جَعَلَهُ سُترة.
(2)
أخرجه أبو داود "صحيح سنن أبي داود"(2393)، والبيهقي والحاكم، وصححه شيخنا رحمه الله في "الإرواء"(1240).
(3)
أي: شعرة.
(4)
الشنّار: العيب والعار، وقيل: هو العيب الذي فيه عار. "النّهاية".
(5)
أخرجه ابن ماجه وغيره، وانظر "الصحيحة"(985)، و"الإرواء"(5/ 74).
(6)
أخرجه مسلم: 1756.
السلاح والخيل وغير ذلك، فيه أنّ أربعة أخماس الغنيمة للغانمين، وأنّها لم تكن لرسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال الشوكانّي: لا يَأْخُذ الإمامُ من الغنيمة إلَاّ الخُمس، ويقسم الباقي منها بين الغانمين، والخُمس الذي يَأخذه أيضاً ليس هو له وحده، بل يجب عليه أن يرُدّه على المسلمين على حسب ما فصَّله الله -تعالى- في كتابه بقوله:{وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ} ". انتهى.
أمّا نفقات رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد كانت ممّا أفاء الله سبحانه وتعالى عليه من أموال بني النضير كما سيأتي -إن شاء الله تعالى- في باب (الفيء).
عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: "رأيت المغانم تُجزّأ خمسة أجزاء، ثمّ يُسْهَم عليها، فما كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم فهو له يَتَخير"(1).
وعن رجل مِن بلقين قال: "أتيت النبيّ صلى الله عليه وسلم وهو بوادي القرى فقلت: يا رسول الله لمن المغنم؟ فقال: لله سهم، ولهؤلاء أربعة أسهم، قلت: فهل أحد أحقّ بشيء من المغنم من أحد؟ قال: لا؛ حتى السهم يأخذه أحدكم من حينه؛ فليس بأحقَّ به مِن أخيه"(2).
(1) أخرجه الطحاوي وأحمد، وانظر "الإرواء" تحت الحديث (1225).
(2)
أخرجه الطحاوي وصححه شيخنا رحمه الله في "الإرواء"(5/ 60) تحت الحديث (1225).
وأمّا الأربعة الأخماس الباقية، فتُعطى للجيش، ويختصُّ بها الذكور، الأحرار، البالغون، العقلاء.
جاء في "الروضة الندية"(2/ 732): "وما غَنِمَه الجيش كان لهم أربعةُ أخماسهِ، وخُمُسه يَصرفهُ الإمام في مصارفهِ لقوله -تعالى-: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ} قلت: اتفق أهل العلم على أن الغنيمة تُخَمّس، فالخُمُس للأصناف التي ذُكِرت في القرآن، وأربعة أخماسها للغانمين".
وسَهْم ذوي القُربى: أي قرابة رسولِ الله، وهم بنو هاشم، وحُلفاؤُهم مِن بني المطلب (1) ممّن آزرَ النبيّ صلى الله عليه وسلم وناصَرَه، دون مَن خذَلَه منهم.
عَنْ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ قَالَ: "مَشَيْتُ أنا وَعثْمانُ بنُ عفانَ إلى رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ الله أَعْطَيْتَ بَني المطَّلِبِ وتركْتنا، ونحْنُ وَهُمْ منكَ بِمنْزلةٍ وَاحدةٍ، فقالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: إِنَّما بنو المطَّلبِ وبنُو هاشمٍ شيءٌ واحدٌ"(2).
وفي لفظٍ: قال جُبَيْرُ بْنُ مُطْعِمٍ: "مَشَيْتُ أنا وَعُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ إِلَى النَبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقُلْنَا: أَعْطَيْتَ بَنِي المطَّلبِ مِنْ خُمْسِ خَيْبَرَ وَتركْتنا وَنحْنُ بِمنْزلَةٍ واحدةٍ مِنْكَ، فقال: إِنَّمَا بَنُو هَاشِمٍ وَبَنُو المطَّلِبِ شَيْءٌ وَاحِدٌ، قَالَ جُبَيْرٌ: وَلم يَقْسِمْ النَبِيُّ صلى الله عليه وسلم لِبَنِي عَبْدِ شَمْسٍ وَبَنِي نَوْفَلٍ شَيْئًا"(3).
(1) انظر ترجيح ابن جرير الطبري في "تفسيره"، وأدلته في ذلك.
(2)
أخرجه البخاري: 3140.
(3)
أخرجه البخاري: 4229.
وفي لفظٍ: قال جبير بن مطعم: "لما كان يوم خيبر قَسَم رسول الله صلى الله عليه وسلم سهم ذوي القربى بين بني هاشم وبني المطلب، فأتيتُ أنا وعُثمان بن عفّان، فقلْنا: يا رسول الله، أمّا بنو هاشم، فلا نُنكر فضلَهم؛ لمكانِك الذي وضعكَ اللهُ بهِ منْهم، فما بالُ إخواننا من بَني المُطلب أعطيتَهم وتركْتَنا، وإنّما نحنُ وَهُمْ بمنزلةٍ واحدة؟! فقال: إنّهم لمْ يفارِقوني في جاهليةٍ ولا إسْلام، وإنّما بنو هاشم وبنو المطلب شيء واحد، وشبك أصابعه"(1).
وقد ثبت عن النبيّ صلى الله عليه وسلم أنّه كان سيُعطي منه عمّه العبّاس -وهو غنيّ-، ويُعطي عمّته صفيّة رضي الله عنهما (2).
والعبّاس رضي الله عنه كان موسراً في الجاهلية والإسلام؛ كما جزَم بذلك غيرُ واحدٍ من الحُفّاظ؛ منهم أبو جعفر الطحاوي رحمه الله (3).
يأخذ الفارس مِن الغنيمة ثلاثة أسهم، والراجل (4) سهماً
عن ابن عمر رضي الله عنهما "أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم جعَل للفرس سهمين، ولصاحبه سهماً"(5)، وقد ذهب إلى ذلك الجمهور (6).
وفي لفظٍ: عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قال: "قَسَمَ رَسُولُ الله
(1) انظر "الإرواء"(1242).
(2)
انظر "الإرواء"(1243).
(3)
انظر "الإرواء"(5/ 79).
(4)
وهو الماشي على رجليه.
(5)
أخرجه البخاري: 2863، ومسلم:1762.
(6)
انظر "الروضة النّديّة"(2/ 735).
- صلى الله عليه وسلم يَوْمَ خيْبرَ لِلْفرَس سَهْمَيْنِ وَلِلرَّاجِل سَهْماً، قَالَ: فَسَّرَهُ نَافِعٌ، فَقَالَ: إِذَا كَانَ مَعَ الرَّجُلِ فَرَسٌ، فَلَهُ ثَلَاثَةُ أَسْهُمٍ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ فَرَسٌ فَلَهُ سَهْمٌ" (1).
وقال مالك: "يُسهم للخيل والبراذين (2) منها لقوله: {وَالخيلَ وَالبِغَالَ وَاَلحَمِيرَ لِتَركَبُوهَا (3)} (4) ولا يُسهَم لأكثر من فرس"(5).
قال الإمام النّووي رحمه الله (12/ 83): "واختلف العلماء في سهم الفارس والراجل مِن الغنيمة؛ فقال الجمهور: يكون للراجل سهمٌ واحد وللفارس ثلاثة أسهم، سهمان بسبب فرسه، وسهم بسبب نفسه.
ممّن قال بهذا: ابن عباس ومجاهد والحسن وابن سيرين وعمر بن عبد العزيز
(1) أخرجه البخاري: 4228، ومسلم: 1762 بلفظ: "قَسَمَ فِي النَّفَلِ لِلْفَرَسِ سَهْمَيْنِ، وَلِلرَّجُلِ سَهْماً". والمراد بالنفل هنا: الغنيمة.
(2)
البراذين: جمع بِرذَون، والمراد: الجفاة الخِلْقة من الخيل، وأكثر ما تُجلَب مِن بلاد الروم، ولها جَلَدٌ على السير في الشعاب والجبال والوعر، بخلاف الخيل العربية. "الفتح".
(3)
جاء في "الفتح"(6/ 67): "قال ابن بطال: وجه الاحتجاج بالآية؛ أنّ الله -تعالى- امتنّ بركوب الخيل وقد أسهم لها رسول الله صلى الله عليه وسلم. واسم الخيل يقع على البِرذَون والهجين؛ بخلاف البغال والحمير، وكأنّ الآية استوعَبت ما يُركَب من هذا الجنس؛ لما يقتضيه الامتنان، فلمّا لم ينصّ على البِرذَون والهجين فيها، دلّ على دخولها في الخيل. قلت: وإنما ذكَر الهجين لأن مالكاً ذكَر هذا الكلام في الموطأ وفيه "والهجين" والمراد بالهجين: ما يكون أحد أبويه عربيا والآخر غير عربي، وقيل: الهجين: الذي أبوه فقط عربي وأمّا الذي أمّه فقط عربية، فيُسمّى المقرف، وعن أحمد: الهجين: البِرذَون".
(4)
النحل: 8.
(5)
انظر "صحيح البخاري" تحت الحديث السابق (2863).
ومالك والأوزاعي والثوري والليث والشافعي وأبو يوسف ومحمد وأحمد وإسحاق وأبو عبيد وابن جرير وآخرون.
وقال أبو حنيفة: للفارس سهمان فقط، سهم لها وسهم له، قالوا: ولم يقل بقوله هذا أحد إلَاّ ما روي عن علي وأبي موسى.
وحُجّة الجمهور هذا الحديث، وهو صريح على رواية مَن روى "للفرس سهمين، وللرجل سهماً" بغير ألف في (الرجل) وهي رواية الأكثرين، ومن روى (وللراجل) روايتهُ محتَملة، فيتعيّنَ حمْلها على موافقة الأولى جمعاً بين الروايتين، قال أصحابنا وغيرهم: ويرفَع هذا الاحتمال ما وَرَدَ مُفسَّراً في غير هذه الرواية، في حديث ابن عمر هذا؛ من رواية أبي معاوية وعبد الله بن نمير وأبي أسامة وغيرهم بإسنادهم عنه "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أسهم لرجل ولفرسه ثلاثة أسهم، سهم له وسهمان لفرسه"، ومِثْلُه من رواية ابن عباس وأبي عمرة الأنصاري رضي الله عنهم. والله أعلم".
أقول: المراد مِن قوله صلى الله عليه وسلم "جعَل للفرس سهمين، ولصاحبه سهماً" أي غير سهمي الفرس، فيصير للفارس ثلاثة أسهم كما قال الحافظ رحمه الله:"وسيأتي في غزوة خيبر أنّ نافعاً فسّره كذلك، ولفظه: "إذا كان مع الرجل فرس فله ثلاثة أسهم، فإن لم يكن له فرس فله سهم" (1).
وعن أبي عمرة عن أبيه قال: "أتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعةَ نَفَر، ومعنا فرس،
(1) أخرجه البخاري: 4228.