الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال: أريد أهونَ مِن ذلك يا رسول الله! قال: السَّماحة والصبر.
قال: أريد أهون مِن ذلك يا رسول الله! قال: لا تتَّهم الله تبارك وتعالى في شيءٍ قضَى لك به" (1).
وقد قال الله -تعالى-: {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ} (2).
البشرى بانتصار المسلمين وانتشار الإسلام
لقد ورَدَت نصوص عديدة؛ تُبشّر بانتصار المسلمين وظهور الإسلام على الأديان كلِّها، والذي أَرمي إليه من هذا المبحث؛ ألاّ ييأس المسلم إذا رأَى ما عليه المسلمون الآن؛ مِن ضعف وهوان وشتات وضياع، ولتنبعثَ الِهمَم وتنشط، ويقوى الرجاء في القلوب ويعظُم، وليكون الإعداد للجهاد، كما أمَرَ الله -تعالى- والنصر آت بإذن الله، ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله.
*قال الله عز وجل: {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ} (3).
تُبشّرنا هذه الآية الكريمة بأنّ المستقبل للإسلام بسيطرته وظهوره وحُكمه
(1) أخرجه أحمد والطبراني، وانظر "صحيح الترغيب والترهيب"(1307)، و"الصحيحة"(3334).
(2)
الشورى: 30.
(3)
التوبة: 33.
على الأديان كلِّها، وقد يَظنُّ بعض الناس أنّ ذلك قد تحقَّق في عهده صلى الله عليه وسلم، وعهد الخلفاء الراشدين والملوك الصالحين، وليس كذلك، فالذي تحقَّق إنما هو جزءٌ مِن هذا الوعد الصادق؛ كما أشار إلى ذلك النبيّ صلى الله عليه وسلم بقوله:
"لا يذهبُ الليل والنهار حتى تعبد اللاّت والعُزّى، فقالت عائشة: يا رسول الله إن كنت لأظن حين أنزل الله: {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ} أنّ ذلك تامّاً، قال: إنّهُ سيكونُ من ذلك ما شاء الله"(1) الحديث.
وقد وَرَدت أحاديثُ أخرى؛ توضح مبلغ ظهورِ الإسلام ومدى انتشاره؛ بحيث لا يَدَعُ مجالاً للشكِّ في أن المستقبل للإسلام -بإذن الله وتوفيقه-.
قال شيخنا رحمه الله: "وها أنا أسوق ما تيسَّر من هذه الأحاديث؛ عسى أن تكون سبباً لشحذِ هِمَم العاملين للإسلام، وحُجةً على اليائسين المتواكلين:
"إنّ الله زَوَى (2) لي الأرض، فرأيتُ مشارقها ومغاربها، وإنّ أمّتي سيبلغ مُلكُها ما زُوي لي منها"(3). الحديث.
وأوضح منه وأعمّ الحديث التالي:
"ليَبْلُغَنَّ هذا الأمرُ ما بلَغ الليلُ والنّهار، ولا يَتركُ الله بيت مَدَرٍ ولا وَبَرٍ إلَاّ
(1) أخرجه مسلم: 2907.
(2)
أي: جَمَعَ وضَمَّ.
(3)
أخرجه مسلم: 2889.
أدخَله الله هذا الدين بعزِّ عزيزٍ، أو بذُلِّ ذليلٍ، عزّاً يُعزُّ الله به الإسلام، وذُلاًّ يُذِلُّ به الكُفرَ" (1).
ومما لا شكّ فيه؛ أن تحقيق هذا الانتشار، يستلزم أن يعود المسلمون أقوياء؛ في معنوياتهم وماديّاتهم وسلاحهم، حتى يستطيعوا أن يتغلّبوا على قوى الكفر والطغيان، وهذا ما يُبشِّرنا به الحديث [الآتي]:
"عن أبي قَبيلٍ قال: كنا عند عبد الله بن عمرو بن العاص وسُئل: أيُّ المدينتين تُفتَحُ أولاً: القسطنطينيةُ أو رُومية؟ فدعا عبد الله بصندوق له حِلَق، قال: فأخرَج منه كتاباً (2)، قال: فقال عبد الله: بينما نحنُ حول رسول الله صلى الله عليه وسلم نكتبُ؛ إذ سُئلَ رسول الله صلى الله عليه وسلم: أيّ المدينتين تُفتَح أولاً أقسطنطينية أو رومية؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: مدينةُ هِرَقْل تُفْتَح أوّلاً. يعني قُسْطَنطينيَّة"(3).
و (رومية): هي روما، كما في "معجم البُلدان" وهي عاصمة إيطاليا اليوم. وقد تحقَّق الفتح الأول على يدِ محمّد الفاتح العثماني؛ -كما هو معروف-، وذلك بعد أكثر من ثمانمائة سنة مِن إخبار النبيّ صلى الله عليه وسلم بالفتح، وسيتحقّق الفتح الثاني بإذن الله -تعالى- ولا بد، ولتعلمنَّ نبأه بعد حين.
(1) أخرجه أحمد والطبراني في "المعجم الكبير" وابن حبان في "صحيحه" وغيرهم، وانظر "تحذير الساجد"(ص 118) و"الصحيحة" برقم 3.
(2)
قال شيخنا رحمه الله في التعليق: قول عبد الله هذا رواه أبو زرعة أيضاً في "تاريخ دمشق"(96/ 1) وفيه دليلٌ على أنّ الحديث كُتِب في عهده صلى الله عليه وسلم.
(3)
أخرجه أحمد، والدارمي، وابن أبي شيبة في "المصنف" وغيرهم، وصححه الحاكم ووافقه الذهبي، وقال شيخنا رحمه الله: هو كما قالا، وانظر "الصحيحة" برقم (4).
ولا شك أيضاً أنّ تحقيق الفتح الثاني؛ يستدعي أن تعود الخلافة الراشدة إلى الأمّة المسلمة، وهذا ممّا يُبشّرنا به صلى الله عليه وسلم بقوله في الحديث:
"تكون النُّبوَّة فيكم ما شاء الله أن تكون، ثمّ يرفعها الله إذا شاء أن يرفعَها، ثمّ تكون خلافة على مِنهاج النُّبوَّة، فتكون ما شاء الله أن تكون، ثمّ يرفعها إذا شاء أن يرفعَها، ثمّ تكون مُلكاً عاضّاً (1) فيكون ما شاء الله أن تكون، ثمّ يرفعها إذا شاء الله أن يرفعَها، ثمّ تكون مُلكاً جبرياً فتكون ما شاء الله أن تكون، ثمّ يرفعها إذا شاء أن يرفعَها، ثمّ تكون خلافة على منهاج النُّبوَّة، ثمّ سكَت"(2).* (3) انتهى.
ولمّا اشتدت العداوة مع اليهود؛ فلا بدّ من ذِكْر البُشرى بالانتصار عليهم.
فعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "تقاتلون اليهود حتى يختبيَ أحدهم وراء الحجر، فيقول: يا عبد الله هذا يهودي ورائي فاقتله"(4).
والنصوص في انتصار المسلمين وفتوحاتهم القادمة كثيرة والحمد لله، وأكتفي بما تقدّم.
-تم بحمد الله تعالى-
(1) أي: يُصِيبُ الرَّعيَّة فيه عسْفٌ وظُلْم؛ كأنَّهم يُعَضُّون فيه عَضّاً. وانظر "النّهاية".
(2)
أخرجه أحمد وغيره وانظر "الصحيحة" برقم (5).
(3)
ما بين نجمتين من "السلسلة الصحيحة" بتصرّف يسير، تحت عنوان (المستقبل للإسلام) انظر الأحاديث (1 - 5).
(4)
أخرجه البخاري: 2925، ومسلم:2921.