المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌أقسام البغاة وما جاء في تأويلهم - الموسوعة الفقهية الميسرة في فقه الكتاب والسنة المطهرة - جـ ٧

[حسين العوايشة]

فهرس الكتاب

- ‌الجهاد

- ‌إيحابه:

- ‌الجهاد فرضُ كفاية إذا قام به قومٌ سقط عن الباقين

- ‌متى يتعيّن الجهاد

- ‌ماذا يُشترَط لوجوب الجهاد

- ‌متى تُشرع الحرب

- ‌مراتب الجهاد

- ‌الإخلاص في الجهاد

- ‌عذاب من يرائي في جهاده

- ‌الترهيب من أن يموت الإنسان ولم يغزُ

- ‌الجهاد في سبيل الله تجارة مُنجية

- ‌الجهاد من أفضل الأعمال عند الله -تعالى- وأَحبِّها إليه

- ‌الجنة تحت ظلال السيوف

- ‌لا يجتمع غُبارٌ في سبيل الله ودخان جهنّم

- ‌يُنجّي الله -تعالى- بالجهاد من الهمّ والغمّ

- ‌المجاهد أفضل النّاس

- ‌ذِكر التسويةِ بين طالب العلم ومعلِّمهِ وبين المجاهدِ في سبيل الله

- ‌أي القتل أشرف

- ‌مقام الرجل في سبيل الله أفضل من صلاته في بيته سبعين عاماً

- ‌للمجاهد في الجنّة مائة درجة

- ‌ما يعدِل الجهاد في سبيل الله عز وجل

- ‌فضل الشهادة في سبيل الله -سبحانه

- ‌فضل الرباط في سبيل الله -تعالى

- ‌فضل الرمي بنيّة الجهاد والتحريض عليه

- ‌اللهو بأدوات الحرب

- ‌إثم مَن تعلّم الرمي ثمّ تَركه

- ‌فضل احتباس الخيل للجهاد في سبيل الله

- ‌فضل النفقة في سبيل الله وتجهيز الغزاة

- ‌أجر الشهادة بالنيّة لمن لم يستطع الجهاد

- ‌من صفات القائد

- ‌من وصايا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى قُوّاده

- ‌ما يجب على أمير الجيش أو قائده

- ‌ذكر ما يُستحَبّ للإمام أن يستعين بالله -جلّ وعلا- على قتال الأعداء إذا عزَم على ذلك

- ‌الاستنصار بالضعفاء: بدعوتهم وصلاتهم وإخلاصهم

- ‌جواز تخلّفِ الإمام عن السرية لمصلحة

- ‌إذا طلَب الإمام قَتْلَ رجل

- ‌البيان بأن صاحبَ السرية إذا خالَف الإمام فيما أمَره به كان على القوم أنْ يَعْزِلوه وُيولُّوا غيره

- ‌من تَأمَّر في الحرب مِن غير إمرةٍ إذا خاف العدو

- ‌توليةُ الإمِام أمراءَ جماعة واحداً بعد الآخر عند قَتْل الأول

- ‌متى تجب طاعة الجنود الأمير أو القائد

- ‌عقوبة مَن عصى الأمير أو القائد

- ‌مبادرة الإمام عند الفزع

- ‌تشييع المجاهدين ووداعُهم والدعاءُ لهم

- ‌من هديه صلى الله عليه وسلم في الجهاد، واقتداء الصحابة به في المعارك واستبسالهم فيها

- ‌عدد غزوات النبيّ صلى الله عليه وسلم

- ‌الطليعة واستطلاع الأخبار وابتعاث العيون

- ‌التورية في الغزو

- ‌الكَذِب والخداع في الحرب

- ‌التسبيح إذا هَبط وادياً والتكبير إذا عَلا شَرَفاً

- ‌إباحة تعاقب الجماعة الركُوبَ الواحد في الغزو عند عدم القدرة على غيره

- ‌مَن أَحبَّ الخروج للغزو يومَ الخميس

- ‌ما يُؤمَر من انضمام العسكر

- ‌في المياسرة والمرافقة في الغزو

- ‌حرمة نساء المجاهدين ومن خان غازياً في أهله

- ‌خروج النساء للتمريض ونحوه

- ‌حَمل الرجل امرأتَه في الغزو دون بعض نسائه

- ‌غزوة النساء مع الرجال

- ‌تحريم إسناد القتال إلى النّساء

- ‌فضل الخدمة في الغزو

- ‌إذن الوالدين في جهاد التطوع

- ‌هل يُستأذَن الدائن

- ‌حكم الاستعانة بالمشركين في الجهاد

- ‌النهي عن السفر بالمصحف إلى أَرض الحرب

- ‌ما يُنهى عنه في الحرب

- ‌هل تُرمى حصون العدوّ بالمنجنيق ونحوه من المهلكات وفيهم النساء والذرية

- ‌الدعوة قبل القتال

- ‌الدعاء عند القتال

- ‌الإلحاح على الله -تعالى- في طلب النصر

- ‌كراهةُ تمنّي لقاءَ العدْوّ، والأمرُ بالصبر عند اللقاء

- ‌وجوب الثبات عند لقاء العدوّ ومتى يجوز الفرار

- ‌المبايعة على الموت أو عدم الفرار

- ‌ التحنّط عند القتال:

- ‌مَا يُتَعَوَّذُ مِنْ الْجُبْنِ

- ‌ما جاء في المبارزة

- ‌ما يجوز للرجل مِنَ الحَمْل وحده على جيش العدوِّ وتأويل قول الله -تعالى-: {وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ}

- ‌الخُيَلاء في الحرب

- ‌التكبيرُ عند الحرب

- ‌الغارة على الأعداء ليلاً

- ‌القتال أول النهار أو الانتظار حتى تهُبّ الريح

- ‌إذا ارتدّ على المقاتل سلاحه فقتله فله أجرُه مرّتين

- ‌من لهم ثواب الشهداء

- ‌ماذا يجد الشهيد من مسّ القتل

- ‌فضل الحرب في البحر

- ‌هل يسلم المجاهد نفسه للأسر

- ‌من ركع ركعتين عند القتل

- ‌استقبال الغزاة

- ‌مراسلة المجاهدين والديهم وأهليهم

- ‌انتهاء الحرب

- ‌لا يجوزُ نزْعُ ثيابِ الشهيد التي قُتل فيها

- ‌استحبابُ تكفين الشهيد بثوبٍ واحدٍ أو أكثر فوق ثيابهِ (2)

- ‌لا يُشْرَعُ غَسْلُ الشهيد قتيلِ المعركة ولو كان جُنُباً

- ‌أين يُدفن الشهيد

- ‌دفنْ أكثر من شهيد في قبر واحد إذا كَثُر القتلى

- ‌ما يقول إذا رجع من الغزو

- ‌إذا قَدِمَ الإمام أو القائد مِن الغزو يبدأ بالمسجد فيركع فيه ركعتين

- ‌مراجعة الإمام أو القائد مَن تخلّف من الغزو والقتال

- ‌قتال الإمام مانعي الزكاة

- ‌قتل الجاسوس

- ‌في حُكم قتل الجاسوس إذا كان مُسلماً

- ‌من قفز من عسكر المسلمين إلى عسكر الكُفّار

- ‌الهدنة

- ‌عقد الذمّة

- ‌موجب هذا العقد:

- ‌الأحكامُ التي تجري على أهل الذِّمَّة:

- ‌الجزية

- ‌مشروعيتها:

- ‌ممن تُقبَل

- ‌مقدار الجزية

- ‌ما يجوز للإمام اشتراطه

- ‌الزيادة من غير إجهاد ولا مشقّة

- ‌تحريم أخْذ ما يَشُقُّ على أهل الجزية

- ‌إعفاء من لم يقدر على أدائها

- ‌لا تُؤخَذ الجزية مِن النساء والصبيان

- ‌لا تؤخذ الجزية ممن أسلم ولو كان إسلامه فراراً من دفع الجزية

- ‌خَتْم رقابِ أهل الجزية في أعناقهم

- ‌بمَ يُنقض العهد

- ‌الغنائم

- ‌تعريفها:

- ‌إحلالها لهذه الأمّة دون غيرها

- ‌وجوب المجيء بالغنائم إذا نادى المُنادي في الناس بذلك

- ‌كيفية تقسيم الغنائم

- ‌يستوي في الغنائم مِن أفراد الجيش القوي والضعيف ومَن قاتَل ومن لم يُقاتِل

- ‌السَّلَب للقاتل

- ‌تخميس السَّلَب إذا بلغ مالاً كثيراً

- ‌جواز تنفيل بعض الجيش مِن الغنيمة

- ‌ردّ أموال وسبايا التائبين

- ‌إذا غنم المشركون مال المسلم ثمّ وجده المسلم

- ‌حُكم الأرض المغنومة

- ‌الغُلول

- ‌تعريفه:

- ‌تحريم الغُلول:

- ‌ما يجوز الانتفاع به قبل قسمة الغنائم

- ‌أسرى الحرب

- ‌جوازُ استرقاقِ الكُفّار مِنْ عربٍ أو عَجَم

- ‌إذا أسلم الأسير حَرُمَ قتْلُه

- ‌ما وَرَد في الإحسان إلى الأسرى

- ‌ما ورَد في الإحسان إلى الرقيق

- ‌ربط الأسير وحبْسُه

- ‌نفيُ جوازِ قتْلِ الحربيّ إذا أتى ببعضِ أَمارات الإسلام

- ‌تحرير الرقاب

- ‌الفيء

- ‌إنفاق رسول الله صلى الله عليه وسلم على أهله نفقةَ سَنتِهِم مِن الفيء، وجعْل الباقي في مَجْعَل مال الله

- ‌يُراعى في قَسْم الفيء قِدَمُ الرجل في الإسلام وبلاؤُه، وعِيالُه وحاجتُه

- ‌إعطاء المتزوج حظّين والعزب حظاً واحداً

- ‌استيعاب الفيء عامّة المسلمين

- ‌عطاء المحرَّرين

- ‌كيفية تجزئة النبيّ صلى الله عليه وسلم الفيء

- ‌مصادر الفيء

- ‌مصارف الفيء

- ‌عقد الأمان

- ‌مَن أَمّنه أحد المسلمين صارَ آمناً

- ‌تحريم قتل المؤمَّن

- ‌حُكم الرسول كالمؤَمّن

- ‌المستأمَن

- ‌حقوقه

- ‌الواجب عليه

- ‌تطبيق حكم الإسلام عليه

- ‌مُصادرة ماله

- ‌ميراثه

- ‌العهود والمواثيق

- ‌شروط العهود:

- ‌نقض العهود:

- ‌الإعلام بالنقض تحرُّزاً عن الغدر

- ‌إقرار القوانين الدّولية في تحريم قتل الرسل

- ‌قتال البغاة

- ‌لا يُجهز على الجريح منهم ولا يُسلب القاتل ولا يُطلب المولّي

- ‌أقسام البغاة وما جاء في تأويلهم

- ‌هل البغاة والخوارج لفظان مترادفان أم لا

- ‌إذا بغت طائفة ولم تَقْبَل الصلح كانت بمنزلة الصائل

- ‌العدل بين الطائفتين وما يترتّب على ذلك مِن ضمان وقِصاص وحَمالة

- ‌ثواب صبر مَنْ يظُنّ أنّه مظلوم مبغيٌّ عليه

- ‌ما يفعله ولاة الأمور مع أقوام لم يصلّوا ولم يصوموا

- ‌لا يجوز لإحدى الطائفتين أن تقول: نأخذ حقّنا بأيدينا

- ‌مَن قَتَل أحداً بعد إصلاح

- ‌بيان طُرُق الإصلاح المذكور في قوله تعالى: {فأصلِحوا بين أخويكم}

- ‌متى يُقاتَل الخوارج والمتمرّدون على الإمام

- ‌ما جاء مِن نصوص تبيّن بعض أمارات الخوارج ومثيري الفتن

- ‌السمع والطاعة للإمام ما لم يَأْمُر بمعصية وما جاء في عدم منازعة الأمر أهله

- ‌السلام في الإسلام

- ‌أسباب النصر والتمكين

- ‌1 - التوحيد

- ‌2 - اتباع منهج النبيّ صلى الله عليه وسلم

- ‌3 - اتباع مَنْهج السلف الصالح

- ‌4 - العلم

- ‌5 - تزكية النفوس والائتمار بما أمر الله -تعالى- والانتهاء عما نهى -سبحانه

- ‌6 - ترْك الذنوب والمعاصي والأهواء

- ‌7 - ترك التحايل

- ‌8 - ترْك البِدَع

- ‌9 - الإعداد العسكري

- ‌10 - الإعداد المعنوي

- ‌11 - التآلف واجتماع الكلمة، وعدم التفرق والاختلاف

- ‌لماذا هُزِم المسلمون

- ‌عوامل الهزيمة وأسباب الدَّمار

- ‌عجباً من التخبُّط والعشوائية في طلب النَّصر

- ‌البشرى بانتصار المسلمين وانتشار الإسلام

الفصل: ‌أقسام البغاة وما جاء في تأويلهم

‌أقسام البغاة وما جاء في تأويلهم

قال ابن حزم رحمه الله في "المحلى"(12/ 497) تحت مسألة (2158) -بتصرف يسير-:

قال الله- تعالى-: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} (1).

فكان قتال المسلمين فيما بينهم على وجهين: قتالِ البغاة وقتالِ المحاربين، فالبغاة قسمان لا ثالث لهما.

إمّا قِسْم خرجوا على تأويلِ في الدين، فأخطئوا فيه؛ كالخوارج وما جرى مجراهم مِن سائر الأهواء المخالِفة للحقّ.

وإمّا قِسْم أرادوا لأنفسهم دنياً، فخرجوا على إمام حقّ، أو على مَن هو في السيرة مثلهم، فإن تعدت هذه الطائفة إلى إخافة الطريق، أو إلى أخْذ مال مَن لقوا أو سفْك الدماء هملاً؛ انتقل حُكمهم إلى حكم المحاربين، وهم ما لم يفعلوا ذلك في حُكم البغاة.

فالقِسم الأول مِن أهل البغي يُبيََّن حُكمهم [ثمّ ساق بإسناده إلى أمّ سَلَمة رضي الله عنها]: أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في عمار "تقتلك الفئة الباغية"(2) قال أبو

(1) الحجرات: 9.

(2)

أخرجه البخاري: (447)، (2812)، بلفظ:"ويح عمّار تقتله الفئة الباغية"، ومسلم (2916):"تقتلك الفئة الباغية".

ص: 282

محمّد رحمه الله: وإنما قَتَل عمّاراً رضي الله عنه أصحابُ معاوية رضي الله عنه وكانوا متأولين تأويلهم فيه، وإنْ أخطئوا الحقَّ مأجورون أجراً واحداً لقصْدِهم الخير.

ويكون مِن المتأولين قومٌ لا يُعذَرون ولا أجر لهم؛ كما روينا من طريق البخاري [ثم ساق بإسناده إلى عليّ رضي الله عنه أنّه قال]: سمعْتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "سيخرُج قومٌ في آخر الزمان أحداث الأسنان سفهاء الأحلام (1) يقولون من قول خير البرية (2)، لا يُجاوزُ إيمانُهم حناجرَهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرَّمِيَّة (3)، فأينما لقيتموهم فاقتلوهم، فإنّ في قتلهم أجراً لمن قَتَلهم يوم القيامة"(4) وروينا من طريق مسلم [ثم ساق بإسناده إلى] أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكَر قوماً يكونون في أمّته يخرجون في فِرقةٍ من النّاس سيماهم (5) التحالق هم شرّ الخلق -أو من شرّ الخلق-، تَقْتُلهم أدنى الطائفتين إلى الحق" (6). وذكَر الحديث.

قال أبو محمّد رحمه الله: "ففي هذا الحديث نصٌّ جليٌّ بما قلنا وهو أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم ذكر هؤلاء القوم؛ فذمّهم أشدَّ الذم وأنهم مِن شر الخلق، وأنهم يخرجون

(1) أحداث الأسنان سفهاء الأحلام: معناه صغار الأسنان، صغار العقول، "شرح النّووي".

(2)

معناه في ظاهر الأمر؛ بقولهم: لا حُكم إلَاّ لله، ونظائره من دعائهم إلى كتاب الله -تعالى- والله أعلم، "شرح النّووي".

(3)

الرَّمِيَّة: الصيد الذي ترميه؛ فتقصده، وينفُذُ فيه سهمك، "النّهاية".

(4)

أخرجه البخاري: 3611، ومسلم: 1066 وهذا لفظه.

(5)

السيما: العلامة.

(6)

أخرجه مسلم: 1065.

ص: 283

في فرقة مِن النّاس، فصحّ أنّ أولئك أيضاً مفترقون، وأنّ الطائفة المذمومة تقتلها أدنى الطائفتَين المفترِقَتَين إلى الحقّ، فجعَل عليه السلام في الافتراق تفاضلاً، وجعَل إحدى الطائفتين المفترقتين لها دنواً من الحقِّ -وإنْ كانت الأخرى أولى به- ولم يجعل للثالثة شيئاً من الدنو إلى الحقّ.

فصحّ أنّ التأويل يختلف، فأيّ طائفةٍ تأوَّلَت في بُغيتها طمساً لشيء من السّنة كمن قام برأي الخوارج ليُخرِجَ الأمر عن قريش، أو ليُردَّ النّاس إلى القول بإبطال الرجم، أو تكفيرِ أهل الذنوب، أو استقراضِ المسلمين، أو قتلِ الأطفال والنساء وإظهار القول بإبطال القدر، أو إبطال الرؤية، أو إلى أن الله تعالى لا يعلم شيئاً إلاّ حتى يكون، أو إلى البراءة عن بعض الصحابة أو إبطال الشفاعة، أو إلى إبطال العمل بالسنن الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ودعا إلى الردّ إلى مَن دون رسول الله صلى الله عليه وسلم أَو إلى المنع مِن الزكاة، أو مِن أداء حقّ مِن مسلم أو حقٍّ لله -تعالى- فهؤلاء لا يُعذَرون بالتأويل الفاسد؛ لأنها جهالةٌ تامةٌ.

وأمّا مَن دعا إلى تأويل لا يُحِلّ به سُنّة، لكن مِثل تأويل معاوية في أن يقتص مِن قَتَلَة عثمان قبل البيعة لعليّ، فهذا يُعذَر؛ لأنه ليس فيه إحالة شيء مِن الدِّين، وإنّما هو خطأ خاصٌّ في قصّة بعينها لا تتعدّى.

ومَن قام لعرض دنيا فقط؛ كما فَعَل يزيد بن معاوية، ومروان بن الحكم، وعبد الملك بن مروان في القيام على ابن الزبير، وكما فعَل مروان بن محمّد في القيام على يزيد بن الوليد، وكمن قام أيضاً على مروان، فهؤلاء لا يُعذَرون لأنهم لا تأويل لهم أصلاً وهو بغي مجرد.

وأما مَن دعا إلى أمر بمعروف أو نهي عن منكر وإظهار القرآن والسنن

ص: 284

والحُكم بالعدل؛ فليس باغياً بل الباغي مَن خالفَه وبالله -تعالى- التوفيق".

وقال شيخ الإسلام رحمه الله في "مجموع الفتاوى"(35/ 75):

"وكلُّ مَن كان باغياً، أو ظالماً، أو معتدياً، أو مرتكباً ما هو ذنب؛ فهو قسمان: متأوِّل، وغير متأول.

فالمتأوّل المجتهد؛ كأهلِ العِلم والدّين؛ الذين اجتهدوا، واعتقد بعضُهم حِلَّ أمور، واعتقَد الآخر تحريمَها، كما استحلّ بعضُهم بعضَ أنواعِ الأشربة، وبعضُهم بعضَ المعاملات الربوية، وبعضُهم بعضَ عقودِ التحليل والمتعة، وأمثال ذلك، فقد جرى ذلك وأمثالُه مِن خِيار السلف، فهؤلاء المتأوِّلون المجتهدون غايتهم أنَّهم مخُطئون، وقد قال الله -تعالى-:{رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} (1)، وقد ثبت في "الصحيح" أن الله استجابَ هذا الدعاء.

وقال شيخ الإسلام رحمه الله أيضاً (35/ 76):

"أمّا إذا كان الباغي مجتهداً متأولاً، ولم يتبين له أنّه باغ، بل اعتقَد أنّه على الحقّ وإنْ كان مخطئاً في اعتقاده: لم تكن تسميته باغياً موجبةً لإثمه -فضلاً عن أن توجب فِسْقه- والذين يقولون بقتال البغاة المتأولين؛ يقولون مع الأمر بقتالهم: قتالنا لهم لدفع ضررِ بغيهم؛ لا عقوبةً لهم؛ بل للمنع مِن العدوان. ويقولون: إنهم باقون على العدالة؛ لا يَفْسُقون، ويقولون: هم كغير المكلَّف، كما يُمنَع الصبي والمجنون والناسي والمغمى عليه والنائم من العدوان؛ أن لا يَصْدُر منهم، بل تمُنْع البهائم من العدوان.

(1) البقرة: 286.

ص: 285

ويجب على مَن قتل مؤمنا خطأً الدية بنصّ القرآن؛ مع أنّه لا إثم عليه في ذلك، وهكذا مَن رُفع إلى الإمام مِن أهل الحدود وتاب بعد القدرة عليه فأقام عليه الحدّ، والتائب من الذنب كمن لا ذنب له، والباغي المتأول يُجلَد عند مالك والشافعي وأحمد ونظائره متعددة".

وجاء في "مجموع الفتاوى"(28/ 545): "وقد اتفقَ علماءُ المسلمين؛ على أنّ الطائفةَ الممتنعةَ إذا امتنعَت عن بعض واجبات الإسلام الظاهرة المتواترة؛ فإنه يَجِب قتالها؛ إذا تكلَّموا بالشهادتين وامتنعوا عن الصلاة والزكاة، أو صيامِ شهر رمضان أو حجّ البيت العتيق، أو عن الحُكم بينهم بالكتاب والسنّة، أو عن تحريم الفواحش، أو الخمرِ، أو نكاح ذوات المحارم، أو عن استحلالِ النفوس والأموال بغير حقّ، أو الربا، أو الميمسر، أو الجهاد للكُفّار، أو عن ضربِهم الجزيةَ على أهل الكتاب، ونحو ذلك من شرائع الإسلام، فإنهم يُقاتَلون عليها حتى يكون الدينُ كلُّه لله.

ثمّ ذكر قول أبي بكر رضي الله عنه: "والله لو منعوني عَناقاً" ثمّ قوله صلى الله عليه وسلم: "يحقر أحدكم صلاته

" ثمّ قال: "وقد اتفق السلف والأئمة على قتال هؤلاء".

وفيه أيضاً (ص 556): "وسُئل الشيخ: عن قومٍ ذوي شوكة مقيمين بأرض، وهم لا يُصلُّون الصلوات المكتوبات، وليس عندهم مسجد، ولا أذان، ولا إقامة، وإنْ صلّى أحدهم صلّى الصلاة غير المشروعة. ولا يؤدّون الزكاة مع كثرةِ أموالهم مِن المواشي والزروع. وهم يَقْتَتِلون فيَقْتُل بعضُهم بعضاً، ويَنْهَبون مالَ بعضِهم بعضاً، ويَقْتُلون الأطفال، وقد لا يمتنعون عن سَفْك الدماء وأخْذِ الأموال، لا في شهر رمضان ولا في الأشهر الحُرُم ولا غيرِها، وإذا أَسَرَ بعضهم

ص: 286

بعضاً باعوا أسراهم للإفرنج. ويبيعون رقيقهم مِن الذكور والإناث للإفرنج عَلانية، ويسوقونهم كسوق الدوابّ. ويتزوجون المرأة في عِدَّتها. ولا يُوَرّثون النساء. ولا ينقادون لحاكِم المسلمين. وإذا دُعِي أحدهم إلى الشرع قال: أنا الشرع. إلى غير ذلك. فهل يجوز قتالهُم والحالة هذه؟ وكيف الطريق إلى دخولهم في الإسلام مع ما ذُكِر؟

فأجاب:

نعم يجوز؛ بل يَجب بإجماع المسلمين قتالُ هؤلاء وأمثالهِم؛ من كلّ طائفة ممتنعَةٍ عن شريعةِ مِن شرائع الإسلام الظاهرة المتواترة؛ مِثْل الطائفة الممتنعة عن الصلوات الخمس، أو عن أداء الزكاة المفروضة إلى الأصناف الثمانية التي سماها الله تعالى في كتابه، أو عن صيام شهر رمضان، أو الذين لا يمتنعون عن سَفْك دماءِ المسلمين وأخْذ أموالهم، أو لا يتحاكمون بينهم بالشرع الذي بَعَث الله به رسولَه صلى الله عليه وسلم، كما قال أبو بكر الصديق وسائر الصحابة رضي الله عنهم في مانعي الزكاة، وكما قاتل عليُّ بن أبي طالب وأصحاب النبيّ صلى الله عليه وسلم الخوارج، الذين قال فيهم النبيّ صلى الله عليه وسلم:"يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم، وصيامه مع صيامهم، وقراءته مع قراءتهم، يقرءون القرآن لا يجاوز حناجرَهم، يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرميَّة، أينما لقيتموهم فاقتلوهم؛ فإن في قتلهم أجراً عند الله لمن قَتَلَهم يوم القيامة". وذلك بقوله -تعالى-: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ} (1). وبقوله -تعالى-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ

(1) الأنفال: 39.

ص: 287