الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فقالت عائشة رضي الله عنها: يا ابن شداد فقد قَتَلَهُم؟ فقال: والله ما بعَث إليهم حتى قطَعُوا السبيل، وسفكُوا الدماء، وقتلوا ابن خباب واستحلُّوا أهل الذمّة فقالت: آلله؟ قلت: آلله الذي لا إله إلَاّ هو، لقد كان".
فائدة: قال في "منار السبيل"(2/ 352): "وكلُّ مَن ثبَتَت إمامتُه؛ حَرُم الخروج عليه وقتاله، سواءٌ ثبَتَت بإجماع المسلمين عليه: كإمامة أبي بكر الصديق رضي الله عنه، أو بعهدِ الإمام الذي قبله إليه: كعهد أبي بكر إلى عمر، رضي الله عنهما، أو باجتهاد أهل الحلّ والعقد؛ لأنّ عمرَ جعَل أمْرَ الإمامة شورى بين ستةٍ من الصحابة، رضي الله عنهم فوقع الاتفاق على عثمان أو بقهره للناس، حتى أذعنوا له، ودعوه إماماً: كعبد الملك بن مروان؛ لمّا خرجَ علي ابن الزبير فقتَله، واستولى على البلاد وأهلِها حتى بايعوه طوعاً وكرهاً، ودعوه إماماً، لأنّ في الخروج على مَن ثبتَت إمامته بالقهر شقَّ عصا المسلمين، وإراقةَ دمائهم، وإذهابَ أموالهم.
قال أحمد في رواية العطار: "ومَن غَلَب عليهم بالسيف حتى صار خليفة، وسُمِّي أمير المؤمنين؛ فلا يحلّ لأحدٍ يؤمن بالله أن يبيت، ولا يراه إماماً بَرّاً كان أو فاجراً. وقال في "الغاية ": ويتجه؛ لا يجوز تعدّد الإمام، وأنه لو تغلَّب كلُّ سلطان على ناحية كزماننا؛ فحُكمه كالإمام".
ما جاء مِن نصوص تبيّن بعض أمارات الخوارج ومثيري الفتن
عن أبي سعيد الخدري قال: "بَعَثَ عليٌّ رضي الله عنه وهو باليمن
بِذَهَبةٍ (1) في تُربَتِها (2) إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقَسَمَها رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أربعة نفر: الأقرع بن حابس الحنظلي، وعُيينة بن بدر الفزاريّ، وعلْقَمَةُ بن عُلاثة العامريّ، ثمّ أحَد بني كِلاب، وزيد الخير الطائي، ثمّ أحَد بني نبهان.
قال: فغَضِبَت قريش فقالوا: أتعطي صناديد (3) نجد وتَدَعُنا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنّي إنّما فعلْتُ ذلك لأتألّفَهُم، فجاء رجل كثُّ اللحية (4)، مُشرف الوجنتين (5)، غائر العينين (6)، ناتئ الجبين (7) محلوق الرأس، فقال: اتّق الله يا محمّد، قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فمن يُطِع الله إنْ عصيتُه! أيأمَنُنِي على أهلِ الأرض ولا تأمَنُوني؟
قال: ثمّ أدبَر الرجل، فاستأذَن رجلٌ من القوم في قَتْله -يرَوْن أنّه خالد بن الوليد-، فقال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنّ مِن ضئضئ (8) هذا قوماً؛ يقرأون القرآن لا يجاوز حناجرهم، يَقْتُلون أهل الإسلام ويَدَعُون أهل الأوثان، يمرُقون من
(1) قال الإمام النّووي رحمه الله: "هكذا هو في جميع نُسَخِ بلادِنا -بفتح الذال-، وكذا نقَلَه القاضي عن جميع رواة مسلم عن الجلودي، قال: وفي رواية ابن ماهان (بذُهَيبَة) على التصغير".
(2)
أي: هي مستقِرّة فيها غير مميَّزة عنها.
(3)
صناديد نجدٍ أي: ساداتها.
(4)
أي: كثيرها.
(5)
مُشرف الوجنتين: غليظهما، والوَجْنة: لحم الخدّ.
(6)
يعني: داخلتين في الرأس، لاصقتين بقعر الحدقة. "الكرماني".
(7)
مُرتفِعُه؛ مِن النّتوء.
(8)
أي: الأصل والنسل. "شرح الكرماني".
الإسلام كما يمرُق السهم من الرَّميّة، لئن أدركتُهم لأقتلنّهم قَتْل عاد" (1).
وفي رواية: قال أبو سعيد رضي الله عنه: "بينا نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يَقسِم قَسْماً، أتاه ذو الخويصِرة -وهو رجلٌ من بني تميم- فقال: يا رسول الله اعدِل، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ويلك، ومَن يَعدِل إنْ لم أعدِل؟ قد خِبتَُ وخسرتَُ إنْ لم أعدل، فقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: يا رسول الله ائذن لي فيه أضرب عنقه.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: دعه فإنّ له أصحاباً يحقِر أحدُكم صلاتَه مع صلاتهم، وصيامَه مع صيامهم، يقرأون القرآن لا يجاوز تراقيَهم (2)، يمرقون من الإسلام؛ كما يمرُق السهم مِن الرميّة" (3).
وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: "أتى رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجِعْرانَة مُنْصَرَفَه (4) مِن حُنين وفي ثوب بلالٍ فضّة، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقبض منها يُعطي الناس، فقال: يا محمّد اعدل، قال: ويلك ومَن يَعدِل إذا لم أكن أعدِل؟ لقد خبتَُ وخسِرْتَُ إن لم أكن أعدل.
فقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: دعني يا رسول الله فأقتلَ هذا
(1) أخرجه البخاري: 7432، ومسلم:1064.
(2)
التراقي: جمع تَرْقُوة، وهي العظم الذي بين ثغرة النحر والعاتق، وهما تَرقُوتان مِن الجانبين. والمعنى: أن قراءتهم لا يرفعها الله، ولا يقبلها، فكأنها لم تتجاوز حلوقهم "النّهاية".
(3)
أخرجه مسلم: (1064 - 148).
(4)
أي: حين انصرافه عليه الصلاة والسلام.
المنافق، فقال: معاذ الله أن يتحدث الناس أني أَقْتُل أصحابي، إنّ هذا وأصحابَه يقرأون القرآن؛ لا يُجاوِز حناجرهَم، يمرُقون منه كما يمرق السهم مِن الرّميّة" (1).
وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم ذكَر قوماً يكونون في أمّته، يخرُجون في فرقة مِن الناس، سيماهم التحالُق (2)، قال: هم شرّ الخلق (أو مِن أشرّ الخلق)(3)، يقتلهم أدنى الطائفتين إلى الحقّ (4).
قال: فضرَب النبيّ صلى الله عليه وسلم لهم مَثَلاً أو قال قولاً: الرجل يرمي الرميّة (أو قال الغَرَض) فينظر في النصل فلا يرى بصيرة (5)، وينظر في النضيّ (6) فلا يرى بصيرة، وينظر في الفُوق (7) فلا يرى بصيرة، قال: قال: أبو سعيد وأنتم قتلتموهم يا أهل
(1) أخرجه البخاري: 3138، ومسلم:1063.
(2)
أي: حلْق الرؤوس، والسيما: العلامة.
(3)
تأوَّله الجمهور بمعنى أشرّ المسلمين ونحوه. وانظر "شرح النّووي".
(4)
قال النّووي رحمه الله (7/ 167): "وفي رواية: أولى الطائفتين بالحقّ، وفي رواية: تكون أمّتي فرقتين، فتخرج مِن بينهما مارقة، تلي قَتْلهم؛ أولاهما بالحق، هذه الروايات صريحة في أنّ علياًّ رضي الله عنه كان هو المصيب المُحِقّ، والطائفة الأخرى أصحاب معاوية رضي الله عنه كانوا بغاة متأوّلين، وفيه التصريح بأنّ الطائفتين مؤمنون لا يخرجون بالقتال عن الإيمان ولا يفسقون، وهذا مذهبنا ومذهب موافقينا".
(5)
هي الشيء من الدم، أي: لا يَرى شيئاً من الدم يستدلّ به على إصابة الرميّة. "شرح النّووي".
(6)
هو القدح.
(7)
موضع الوتر من السهم، وهذا تعليقٌ بالمُحال، فإنّ ارتدادَ السهم على الفوق محُال، فرجوعهم إلى الدين أيضاً محُال. "عون المعبود".
العراق" (1).
وفي رواية من حديث أبي سعيد الخدري وأنس بن مالك رضي الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "سيكون في أمّتي اختلافٌ وفُرقة، قومٌ يُحسنون القِيلَ ويسيئون الفِعل، يقرأون القرآن لا يجاوز تراقيَهم، يَمرقون مِن الدين مروق السهم مِن الرميّة، لا يرجعون حتى يرتد على فُوقِه، هم شرُّ الخلق والخليقة، طوبى لمن قَتَلَهم وَقَتلوه، يَدْعون إلى كتاب الله، وليسوا منه في شيء، مَن قاتَلَهم كان أولى بالله منهم، قالوا: يا رسول الله ما سيماهم؟ قال: التّحليق"(2).
وعن سويد بن غَفَلَة قال: قال عليّ رضي الله عنه: "إذا حدَّثتُكم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فَلأَنْ أخِرَّ مِن السماء أحبُّ إليَّ مِن أن أقول عليه ما لم يَقُل، وإذا حدَّثتُكم فيما بيني وبينكم فإن الحرب خَدْعة، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: سيخرج في آخر الزمان قومٌ أحداثُ الأسنان سفهاءُ الأحلام (3)، يقولون مِن خير قول البريّة (4)، يقرأون القرآن لا يُجاوز حناجرهم، يَمرقون مِن الدين كما يَمرُق السهم من الرمية، فإذا لقيتموهم فاقتلوهم، فإنّ في قتلهم أجراً لمن قَتَلهم عند الله يوم القيامة"(5).
(1) أخرجه البخاري: 3610، 6163، 6933، ومسلم:1065.
(2)
أخرجه أبو داود "صحيح سنن أبي داود"(3987).
(3)
صغار الأسنان صغار العقول "شرح النّووي".
(4)
أي: في ظاهر الأمر؛ كقولهم: لا حُكم إلَاّ لله، ونظائره من دعائهم إلى كتاب الله تعالى -والله أعلم-. "شرح النّووي".
(5)
أخرجه البخاري: 3611، 5057، 6930. ومسلم: 1066 وتقدّم.
وعن عبيد الله بن- أبي رافع: "أنّ الحروريّة (1) لمّا خَرَجت وهم مع عليِّ بن أبي طالب رضي الله عنه قالوا: لا حُكم إلَاّ لله، قال عليّ: كلمةُ حقٍّ أريد بها باطل، إن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم وصَفَ ناساً إني لأعرِف صِفَتَهم في هؤلاء، يقولون الحقّ بألسنتهم، لا يجوز (2) هذا منهم، وأشار إلى حَلْقِه، مِن أبغض خَلْق الله إليه، منهم أسود، إحدى يديه طُبْيُ (3) شاة، أو حلمة ثدي، فلمّا قتلَهم علي بن أبي طالب رضي الله عنه.
قال: انظروا، فنظَروا، فلم يجدوا شيئاً، فقال: ارجعوا فوالله ما كَذَبتُ ولا كُذِّبتُ -مرتين أو ثلاثاً-، ثمّ وجدوه في خَرِبَة، فأتَوا به حتى وضعوه بين يديه، قال عبيد الله وأنا حاضر ذلك مِن أمرِهم وقولِ عليّ رضي الله عنه فيهم" (4).
عن أبي رزين: "لما وقَع التحكيم، ورجَع عليٌّ من صِفّين رجعوا مبايِنين له، فلمّا انتهوا إلى النهرِ؛ أقاموا به فدخَل عليُّ في الناس الكوفة، ونزلوا بحروراء، فبعث إليهم عبدَ الله بن عباس، فرجَع ولم يصنع شيئاً، فخرَج إليهم عليٌّ فكلَّمَهم، حتى وقع الرضا بينه وبينهم، فدخلوا الكوفة، فأتاه رجُل فقال: إنّ الناس قد
(1) الحرورية: فِرْقةٌ مِن فِرَق الخوارج، وهي نسبة إلى حروراء، وهي بقرب الكوفة، كان أوّل اجتماع الخوارج بها، قال الهروي: تعاقدوا في هذه القرية فنُسِبوا إليها. وانظر "شرح النّووي"(4/ 27). وجاء في الفتح (1/ 422): "ويُقال لمن يَعْتقِد مذهب الخوارج (حروريّ) لأن أولَ فرقةٍ منهم؛ خرجوا على عليّ رضي الله عنه بالبلدة المذكورة، فاشتهروا بالنسبة إليها وهم فِرَقٌ كثيرة".
(2)
لا يجوز: مِن المجاوزة.
(3)
الطُّبي: حَلَمةُ الضّرع التي فيها اللبن والتي يرضع منها الرضيع.
(4)
أخرجه مسلم: 1066.
تحدثوا أنّك رجحْتَ لهم عن كُفرك، فخطَب الناسَ في صلاة الظهر فذكَر أمْرَهم فعابه، فوثبوا من نواحي المسجد يقولون: لا حُكم إلاّ لله، واستقبله رجل منهم واضع أصبعيه في أذنيه فقال:{وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} (1) فقال عليّ: {فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ} (2) " (3).
ومِن أجل فهم مُراد عليٍّ رضي الله عنه لا بُد من معرِفة سياق الآية، قال الله -تعالى-:{وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ وَلَئِنْ جِئْتَهُمْ بِآيَةٍ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا مُبْطِلُونَ * كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ * فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ} (4).
يعني: مِن شأن الكافرين إذا رأوا الآيات البيّنات والمُعجِزات الباهرات، أن يحكُموا ببطلان مَن جاء بها؛ لأنّه قد طُبع على قلوبهم فهم لا يفقهونها، فأمرَ الله -تعالى- نبيّه صلى الله عليه وسلم بالصبر على مخالفتهم وعنادهم وأذاهم، فالعاقبة له ولمن اتبعَه في الدارَيْن.
وأمَرَه -سبحانه- ألاّ يستخفنّ حِلْمه ورأيه (5) أولئك المشركين الذين لا
(1) الزمر: 65.
(2)
الروم: 60.
(3)
أخرجه ابن جرير في "تاريخه"، وصححه شيخنا رحمه الله في "الإرواء"(2468).
(4)
الروم: 58 - 60.
(5)
انظر تفسير الإمام الطبري رحمه الله لقوله -تعالى-: {وَلَا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ} .