المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ما جاء من نصوص تبين بعض أمارات الخوارج ومثيري الفتن - الموسوعة الفقهية الميسرة في فقه الكتاب والسنة المطهرة - جـ ٧

[حسين العوايشة]

فهرس الكتاب

- ‌الجهاد

- ‌إيحابه:

- ‌الجهاد فرضُ كفاية إذا قام به قومٌ سقط عن الباقين

- ‌متى يتعيّن الجهاد

- ‌ماذا يُشترَط لوجوب الجهاد

- ‌متى تُشرع الحرب

- ‌مراتب الجهاد

- ‌الإخلاص في الجهاد

- ‌عذاب من يرائي في جهاده

- ‌الترهيب من أن يموت الإنسان ولم يغزُ

- ‌الجهاد في سبيل الله تجارة مُنجية

- ‌الجهاد من أفضل الأعمال عند الله -تعالى- وأَحبِّها إليه

- ‌الجنة تحت ظلال السيوف

- ‌لا يجتمع غُبارٌ في سبيل الله ودخان جهنّم

- ‌يُنجّي الله -تعالى- بالجهاد من الهمّ والغمّ

- ‌المجاهد أفضل النّاس

- ‌ذِكر التسويةِ بين طالب العلم ومعلِّمهِ وبين المجاهدِ في سبيل الله

- ‌أي القتل أشرف

- ‌مقام الرجل في سبيل الله أفضل من صلاته في بيته سبعين عاماً

- ‌للمجاهد في الجنّة مائة درجة

- ‌ما يعدِل الجهاد في سبيل الله عز وجل

- ‌فضل الشهادة في سبيل الله -سبحانه

- ‌فضل الرباط في سبيل الله -تعالى

- ‌فضل الرمي بنيّة الجهاد والتحريض عليه

- ‌اللهو بأدوات الحرب

- ‌إثم مَن تعلّم الرمي ثمّ تَركه

- ‌فضل احتباس الخيل للجهاد في سبيل الله

- ‌فضل النفقة في سبيل الله وتجهيز الغزاة

- ‌أجر الشهادة بالنيّة لمن لم يستطع الجهاد

- ‌من صفات القائد

- ‌من وصايا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى قُوّاده

- ‌ما يجب على أمير الجيش أو قائده

- ‌ذكر ما يُستحَبّ للإمام أن يستعين بالله -جلّ وعلا- على قتال الأعداء إذا عزَم على ذلك

- ‌الاستنصار بالضعفاء: بدعوتهم وصلاتهم وإخلاصهم

- ‌جواز تخلّفِ الإمام عن السرية لمصلحة

- ‌إذا طلَب الإمام قَتْلَ رجل

- ‌البيان بأن صاحبَ السرية إذا خالَف الإمام فيما أمَره به كان على القوم أنْ يَعْزِلوه وُيولُّوا غيره

- ‌من تَأمَّر في الحرب مِن غير إمرةٍ إذا خاف العدو

- ‌توليةُ الإمِام أمراءَ جماعة واحداً بعد الآخر عند قَتْل الأول

- ‌متى تجب طاعة الجنود الأمير أو القائد

- ‌عقوبة مَن عصى الأمير أو القائد

- ‌مبادرة الإمام عند الفزع

- ‌تشييع المجاهدين ووداعُهم والدعاءُ لهم

- ‌من هديه صلى الله عليه وسلم في الجهاد، واقتداء الصحابة به في المعارك واستبسالهم فيها

- ‌عدد غزوات النبيّ صلى الله عليه وسلم

- ‌الطليعة واستطلاع الأخبار وابتعاث العيون

- ‌التورية في الغزو

- ‌الكَذِب والخداع في الحرب

- ‌التسبيح إذا هَبط وادياً والتكبير إذا عَلا شَرَفاً

- ‌إباحة تعاقب الجماعة الركُوبَ الواحد في الغزو عند عدم القدرة على غيره

- ‌مَن أَحبَّ الخروج للغزو يومَ الخميس

- ‌ما يُؤمَر من انضمام العسكر

- ‌في المياسرة والمرافقة في الغزو

- ‌حرمة نساء المجاهدين ومن خان غازياً في أهله

- ‌خروج النساء للتمريض ونحوه

- ‌حَمل الرجل امرأتَه في الغزو دون بعض نسائه

- ‌غزوة النساء مع الرجال

- ‌تحريم إسناد القتال إلى النّساء

- ‌فضل الخدمة في الغزو

- ‌إذن الوالدين في جهاد التطوع

- ‌هل يُستأذَن الدائن

- ‌حكم الاستعانة بالمشركين في الجهاد

- ‌النهي عن السفر بالمصحف إلى أَرض الحرب

- ‌ما يُنهى عنه في الحرب

- ‌هل تُرمى حصون العدوّ بالمنجنيق ونحوه من المهلكات وفيهم النساء والذرية

- ‌الدعوة قبل القتال

- ‌الدعاء عند القتال

- ‌الإلحاح على الله -تعالى- في طلب النصر

- ‌كراهةُ تمنّي لقاءَ العدْوّ، والأمرُ بالصبر عند اللقاء

- ‌وجوب الثبات عند لقاء العدوّ ومتى يجوز الفرار

- ‌المبايعة على الموت أو عدم الفرار

- ‌ التحنّط عند القتال:

- ‌مَا يُتَعَوَّذُ مِنْ الْجُبْنِ

- ‌ما جاء في المبارزة

- ‌ما يجوز للرجل مِنَ الحَمْل وحده على جيش العدوِّ وتأويل قول الله -تعالى-: {وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ}

- ‌الخُيَلاء في الحرب

- ‌التكبيرُ عند الحرب

- ‌الغارة على الأعداء ليلاً

- ‌القتال أول النهار أو الانتظار حتى تهُبّ الريح

- ‌إذا ارتدّ على المقاتل سلاحه فقتله فله أجرُه مرّتين

- ‌من لهم ثواب الشهداء

- ‌ماذا يجد الشهيد من مسّ القتل

- ‌فضل الحرب في البحر

- ‌هل يسلم المجاهد نفسه للأسر

- ‌من ركع ركعتين عند القتل

- ‌استقبال الغزاة

- ‌مراسلة المجاهدين والديهم وأهليهم

- ‌انتهاء الحرب

- ‌لا يجوزُ نزْعُ ثيابِ الشهيد التي قُتل فيها

- ‌استحبابُ تكفين الشهيد بثوبٍ واحدٍ أو أكثر فوق ثيابهِ (2)

- ‌لا يُشْرَعُ غَسْلُ الشهيد قتيلِ المعركة ولو كان جُنُباً

- ‌أين يُدفن الشهيد

- ‌دفنْ أكثر من شهيد في قبر واحد إذا كَثُر القتلى

- ‌ما يقول إذا رجع من الغزو

- ‌إذا قَدِمَ الإمام أو القائد مِن الغزو يبدأ بالمسجد فيركع فيه ركعتين

- ‌مراجعة الإمام أو القائد مَن تخلّف من الغزو والقتال

- ‌قتال الإمام مانعي الزكاة

- ‌قتل الجاسوس

- ‌في حُكم قتل الجاسوس إذا كان مُسلماً

- ‌من قفز من عسكر المسلمين إلى عسكر الكُفّار

- ‌الهدنة

- ‌عقد الذمّة

- ‌موجب هذا العقد:

- ‌الأحكامُ التي تجري على أهل الذِّمَّة:

- ‌الجزية

- ‌مشروعيتها:

- ‌ممن تُقبَل

- ‌مقدار الجزية

- ‌ما يجوز للإمام اشتراطه

- ‌الزيادة من غير إجهاد ولا مشقّة

- ‌تحريم أخْذ ما يَشُقُّ على أهل الجزية

- ‌إعفاء من لم يقدر على أدائها

- ‌لا تُؤخَذ الجزية مِن النساء والصبيان

- ‌لا تؤخذ الجزية ممن أسلم ولو كان إسلامه فراراً من دفع الجزية

- ‌خَتْم رقابِ أهل الجزية في أعناقهم

- ‌بمَ يُنقض العهد

- ‌الغنائم

- ‌تعريفها:

- ‌إحلالها لهذه الأمّة دون غيرها

- ‌وجوب المجيء بالغنائم إذا نادى المُنادي في الناس بذلك

- ‌كيفية تقسيم الغنائم

- ‌يستوي في الغنائم مِن أفراد الجيش القوي والضعيف ومَن قاتَل ومن لم يُقاتِل

- ‌السَّلَب للقاتل

- ‌تخميس السَّلَب إذا بلغ مالاً كثيراً

- ‌جواز تنفيل بعض الجيش مِن الغنيمة

- ‌ردّ أموال وسبايا التائبين

- ‌إذا غنم المشركون مال المسلم ثمّ وجده المسلم

- ‌حُكم الأرض المغنومة

- ‌الغُلول

- ‌تعريفه:

- ‌تحريم الغُلول:

- ‌ما يجوز الانتفاع به قبل قسمة الغنائم

- ‌أسرى الحرب

- ‌جوازُ استرقاقِ الكُفّار مِنْ عربٍ أو عَجَم

- ‌إذا أسلم الأسير حَرُمَ قتْلُه

- ‌ما وَرَد في الإحسان إلى الأسرى

- ‌ما ورَد في الإحسان إلى الرقيق

- ‌ربط الأسير وحبْسُه

- ‌نفيُ جوازِ قتْلِ الحربيّ إذا أتى ببعضِ أَمارات الإسلام

- ‌تحرير الرقاب

- ‌الفيء

- ‌إنفاق رسول الله صلى الله عليه وسلم على أهله نفقةَ سَنتِهِم مِن الفيء، وجعْل الباقي في مَجْعَل مال الله

- ‌يُراعى في قَسْم الفيء قِدَمُ الرجل في الإسلام وبلاؤُه، وعِيالُه وحاجتُه

- ‌إعطاء المتزوج حظّين والعزب حظاً واحداً

- ‌استيعاب الفيء عامّة المسلمين

- ‌عطاء المحرَّرين

- ‌كيفية تجزئة النبيّ صلى الله عليه وسلم الفيء

- ‌مصادر الفيء

- ‌مصارف الفيء

- ‌عقد الأمان

- ‌مَن أَمّنه أحد المسلمين صارَ آمناً

- ‌تحريم قتل المؤمَّن

- ‌حُكم الرسول كالمؤَمّن

- ‌المستأمَن

- ‌حقوقه

- ‌الواجب عليه

- ‌تطبيق حكم الإسلام عليه

- ‌مُصادرة ماله

- ‌ميراثه

- ‌العهود والمواثيق

- ‌شروط العهود:

- ‌نقض العهود:

- ‌الإعلام بالنقض تحرُّزاً عن الغدر

- ‌إقرار القوانين الدّولية في تحريم قتل الرسل

- ‌قتال البغاة

- ‌لا يُجهز على الجريح منهم ولا يُسلب القاتل ولا يُطلب المولّي

- ‌أقسام البغاة وما جاء في تأويلهم

- ‌هل البغاة والخوارج لفظان مترادفان أم لا

- ‌إذا بغت طائفة ولم تَقْبَل الصلح كانت بمنزلة الصائل

- ‌العدل بين الطائفتين وما يترتّب على ذلك مِن ضمان وقِصاص وحَمالة

- ‌ثواب صبر مَنْ يظُنّ أنّه مظلوم مبغيٌّ عليه

- ‌ما يفعله ولاة الأمور مع أقوام لم يصلّوا ولم يصوموا

- ‌لا يجوز لإحدى الطائفتين أن تقول: نأخذ حقّنا بأيدينا

- ‌مَن قَتَل أحداً بعد إصلاح

- ‌بيان طُرُق الإصلاح المذكور في قوله تعالى: {فأصلِحوا بين أخويكم}

- ‌متى يُقاتَل الخوارج والمتمرّدون على الإمام

- ‌ما جاء مِن نصوص تبيّن بعض أمارات الخوارج ومثيري الفتن

- ‌السمع والطاعة للإمام ما لم يَأْمُر بمعصية وما جاء في عدم منازعة الأمر أهله

- ‌السلام في الإسلام

- ‌أسباب النصر والتمكين

- ‌1 - التوحيد

- ‌2 - اتباع منهج النبيّ صلى الله عليه وسلم

- ‌3 - اتباع مَنْهج السلف الصالح

- ‌4 - العلم

- ‌5 - تزكية النفوس والائتمار بما أمر الله -تعالى- والانتهاء عما نهى -سبحانه

- ‌6 - ترْك الذنوب والمعاصي والأهواء

- ‌7 - ترك التحايل

- ‌8 - ترْك البِدَع

- ‌9 - الإعداد العسكري

- ‌10 - الإعداد المعنوي

- ‌11 - التآلف واجتماع الكلمة، وعدم التفرق والاختلاف

- ‌لماذا هُزِم المسلمون

- ‌عوامل الهزيمة وأسباب الدَّمار

- ‌عجباً من التخبُّط والعشوائية في طلب النَّصر

- ‌البشرى بانتصار المسلمين وانتشار الإسلام

الفصل: ‌ما جاء من نصوص تبين بعض أمارات الخوارج ومثيري الفتن

فقالت عائشة رضي الله عنها: يا ابن شداد فقد قَتَلَهُم؟ فقال: والله ما بعَث إليهم حتى قطَعُوا السبيل، وسفكُوا الدماء، وقتلوا ابن خباب واستحلُّوا أهل الذمّة فقالت: آلله؟ قلت: آلله الذي لا إله إلَاّ هو، لقد كان".

فائدة: قال في "منار السبيل"(2/ 352): "وكلُّ مَن ثبَتَت إمامتُه؛ حَرُم الخروج عليه وقتاله، سواءٌ ثبَتَت بإجماع المسلمين عليه: كإمامة أبي بكر الصديق رضي الله عنه، أو بعهدِ الإمام الذي قبله إليه: كعهد أبي بكر إلى عمر، رضي الله عنهما، أو باجتهاد أهل الحلّ والعقد؛ لأنّ عمرَ جعَل أمْرَ الإمامة شورى بين ستةٍ من الصحابة، رضي الله عنهم فوقع الاتفاق على عثمان أو بقهره للناس، حتى أذعنوا له، ودعوه إماماً: كعبد الملك بن مروان؛ لمّا خرجَ علي ابن الزبير فقتَله، واستولى على البلاد وأهلِها حتى بايعوه طوعاً وكرهاً، ودعوه إماماً، لأنّ في الخروج على مَن ثبتَت إمامته بالقهر شقَّ عصا المسلمين، وإراقةَ دمائهم، وإذهابَ أموالهم.

قال أحمد في رواية العطار: "ومَن غَلَب عليهم بالسيف حتى صار خليفة، وسُمِّي أمير المؤمنين؛ فلا يحلّ لأحدٍ يؤمن بالله أن يبيت، ولا يراه إماماً بَرّاً كان أو فاجراً. وقال في "الغاية ": ويتجه؛ لا يجوز تعدّد الإمام، وأنه لو تغلَّب كلُّ سلطان على ناحية كزماننا؛ فحُكمه كالإمام".

‌ما جاء مِن نصوص تبيّن بعض أمارات الخوارج ومثيري الفتن

عن أبي سعيد الخدري قال: "بَعَثَ عليٌّ رضي الله عنه وهو باليمن

ص: 302

بِذَهَبةٍ (1) في تُربَتِها (2) إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقَسَمَها رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أربعة نفر: الأقرع بن حابس الحنظلي، وعُيينة بن بدر الفزاريّ، وعلْقَمَةُ بن عُلاثة العامريّ، ثمّ أحَد بني كِلاب، وزيد الخير الطائي، ثمّ أحَد بني نبهان.

قال: فغَضِبَت قريش فقالوا: أتعطي صناديد (3) نجد وتَدَعُنا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنّي إنّما فعلْتُ ذلك لأتألّفَهُم، فجاء رجل كثُّ اللحية (4)، مُشرف الوجنتين (5)، غائر العينين (6)، ناتئ الجبين (7) محلوق الرأس، فقال: اتّق الله يا محمّد، قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فمن يُطِع الله إنْ عصيتُه! أيأمَنُنِي على أهلِ الأرض ولا تأمَنُوني؟

قال: ثمّ أدبَر الرجل، فاستأذَن رجلٌ من القوم في قَتْله -يرَوْن أنّه خالد بن الوليد-، فقال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنّ مِن ضئضئ (8) هذا قوماً؛ يقرأون القرآن لا يجاوز حناجرهم، يَقْتُلون أهل الإسلام ويَدَعُون أهل الأوثان، يمرُقون من

(1) قال الإمام النّووي رحمه الله: "هكذا هو في جميع نُسَخِ بلادِنا -بفتح الذال-، وكذا نقَلَه القاضي عن جميع رواة مسلم عن الجلودي، قال: وفي رواية ابن ماهان (بذُهَيبَة) على التصغير".

(2)

أي: هي مستقِرّة فيها غير مميَّزة عنها.

(3)

صناديد نجدٍ أي: ساداتها.

(4)

أي: كثيرها.

(5)

مُشرف الوجنتين: غليظهما، والوَجْنة: لحم الخدّ.

(6)

يعني: داخلتين في الرأس، لاصقتين بقعر الحدقة. "الكرماني".

(7)

مُرتفِعُه؛ مِن النّتوء.

(8)

أي: الأصل والنسل. "شرح الكرماني".

ص: 303

الإسلام كما يمرُق السهم من الرَّميّة، لئن أدركتُهم لأقتلنّهم قَتْل عاد" (1).

وفي رواية: قال أبو سعيد رضي الله عنه: "بينا نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يَقسِم قَسْماً، أتاه ذو الخويصِرة -وهو رجلٌ من بني تميم- فقال: يا رسول الله اعدِل، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ويلك، ومَن يَعدِل إنْ لم أعدِل؟ قد خِبتَُ وخسرتَُ إنْ لم أعدل، فقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: يا رسول الله ائذن لي فيه أضرب عنقه.

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: دعه فإنّ له أصحاباً يحقِر أحدُكم صلاتَه مع صلاتهم، وصيامَه مع صيامهم، يقرأون القرآن لا يجاوز تراقيَهم (2)، يمرقون من الإسلام؛ كما يمرُق السهم مِن الرميّة" (3).

وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: "أتى رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجِعْرانَة مُنْصَرَفَه (4) مِن حُنين وفي ثوب بلالٍ فضّة، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقبض منها يُعطي الناس، فقال: يا محمّد اعدل، قال: ويلك ومَن يَعدِل إذا لم أكن أعدِل؟ لقد خبتَُ وخسِرْتَُ إن لم أكن أعدل.

فقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: دعني يا رسول الله فأقتلَ هذا

(1) أخرجه البخاري: 7432، ومسلم:1064.

(2)

التراقي: جمع تَرْقُوة، وهي العظم الذي بين ثغرة النحر والعاتق، وهما تَرقُوتان مِن الجانبين. والمعنى: أن قراءتهم لا يرفعها الله، ولا يقبلها، فكأنها لم تتجاوز حلوقهم "النّهاية".

(3)

أخرجه مسلم: (1064 - 148).

(4)

أي: حين انصرافه عليه الصلاة والسلام.

ص: 304

المنافق، فقال: معاذ الله أن يتحدث الناس أني أَقْتُل أصحابي، إنّ هذا وأصحابَه يقرأون القرآن؛ لا يُجاوِز حناجرهَم، يمرُقون منه كما يمرق السهم مِن الرّميّة" (1).

وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم ذكَر قوماً يكونون في أمّته، يخرُجون في فرقة مِن الناس، سيماهم التحالُق (2)، قال: هم شرّ الخلق (أو مِن أشرّ الخلق)(3)، يقتلهم أدنى الطائفتين إلى الحقّ (4).

قال: فضرَب النبيّ صلى الله عليه وسلم لهم مَثَلاً أو قال قولاً: الرجل يرمي الرميّة (أو قال الغَرَض) فينظر في النصل فلا يرى بصيرة (5)، وينظر في النضيّ (6) فلا يرى بصيرة، وينظر في الفُوق (7) فلا يرى بصيرة، قال: قال: أبو سعيد وأنتم قتلتموهم يا أهل

(1) أخرجه البخاري: 3138، ومسلم:1063.

(2)

أي: حلْق الرؤوس، والسيما: العلامة.

(3)

تأوَّله الجمهور بمعنى أشرّ المسلمين ونحوه. وانظر "شرح النّووي".

(4)

قال النّووي رحمه الله (7/ 167): "وفي رواية: أولى الطائفتين بالحقّ، وفي رواية: تكون أمّتي فرقتين، فتخرج مِن بينهما مارقة، تلي قَتْلهم؛ أولاهما بالحق، هذه الروايات صريحة في أنّ علياًّ رضي الله عنه كان هو المصيب المُحِقّ، والطائفة الأخرى أصحاب معاوية رضي الله عنه كانوا بغاة متأوّلين، وفيه التصريح بأنّ الطائفتين مؤمنون لا يخرجون بالقتال عن الإيمان ولا يفسقون، وهذا مذهبنا ومذهب موافقينا".

(5)

هي الشيء من الدم، أي: لا يَرى شيئاً من الدم يستدلّ به على إصابة الرميّة. "شرح النّووي".

(6)

هو القدح.

(7)

موضع الوتر من السهم، وهذا تعليقٌ بالمُحال، فإنّ ارتدادَ السهم على الفوق محُال، فرجوعهم إلى الدين أيضاً محُال. "عون المعبود".

ص: 305

العراق" (1).

وفي رواية من حديث أبي سعيد الخدري وأنس بن مالك رضي الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "سيكون في أمّتي اختلافٌ وفُرقة، قومٌ يُحسنون القِيلَ ويسيئون الفِعل، يقرأون القرآن لا يجاوز تراقيَهم، يَمرقون مِن الدين مروق السهم مِن الرميّة، لا يرجعون حتى يرتد على فُوقِه، هم شرُّ الخلق والخليقة، طوبى لمن قَتَلَهم وَقَتلوه، يَدْعون إلى كتاب الله، وليسوا منه في شيء، مَن قاتَلَهم كان أولى بالله منهم، قالوا: يا رسول الله ما سيماهم؟ قال: التّحليق"(2).

وعن سويد بن غَفَلَة قال: قال عليّ رضي الله عنه: "إذا حدَّثتُكم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فَلأَنْ أخِرَّ مِن السماء أحبُّ إليَّ مِن أن أقول عليه ما لم يَقُل، وإذا حدَّثتُكم فيما بيني وبينكم فإن الحرب خَدْعة، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: سيخرج في آخر الزمان قومٌ أحداثُ الأسنان سفهاءُ الأحلام (3)، يقولون مِن خير قول البريّة (4)، يقرأون القرآن لا يُجاوز حناجرهم، يَمرقون مِن الدين كما يَمرُق السهم من الرمية، فإذا لقيتموهم فاقتلوهم، فإنّ في قتلهم أجراً لمن قَتَلهم عند الله يوم القيامة"(5).

(1) أخرجه البخاري: 3610، 6163، 6933، ومسلم:1065.

(2)

أخرجه أبو داود "صحيح سنن أبي داود"(3987).

(3)

صغار الأسنان صغار العقول "شرح النّووي".

(4)

أي: في ظاهر الأمر؛ كقولهم: لا حُكم إلَاّ لله، ونظائره من دعائهم إلى كتاب الله تعالى -والله أعلم-. "شرح النّووي".

(5)

أخرجه البخاري: 3611، 5057، 6930. ومسلم: 1066 وتقدّم.

ص: 306

وعن عبيد الله بن- أبي رافع: "أنّ الحروريّة (1) لمّا خَرَجت وهم مع عليِّ بن أبي طالب رضي الله عنه قالوا: لا حُكم إلَاّ لله، قال عليّ: كلمةُ حقٍّ أريد بها باطل، إن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم وصَفَ ناساً إني لأعرِف صِفَتَهم في هؤلاء، يقولون الحقّ بألسنتهم، لا يجوز (2) هذا منهم، وأشار إلى حَلْقِه، مِن أبغض خَلْق الله إليه، منهم أسود، إحدى يديه طُبْيُ (3) شاة، أو حلمة ثدي، فلمّا قتلَهم علي بن أبي طالب رضي الله عنه.

قال: انظروا، فنظَروا، فلم يجدوا شيئاً، فقال: ارجعوا فوالله ما كَذَبتُ ولا كُذِّبتُ -مرتين أو ثلاثاً-، ثمّ وجدوه في خَرِبَة، فأتَوا به حتى وضعوه بين يديه، قال عبيد الله وأنا حاضر ذلك مِن أمرِهم وقولِ عليّ رضي الله عنه فيهم" (4).

عن أبي رزين: "لما وقَع التحكيم، ورجَع عليٌّ من صِفّين رجعوا مبايِنين له، فلمّا انتهوا إلى النهرِ؛ أقاموا به فدخَل عليُّ في الناس الكوفة، ونزلوا بحروراء، فبعث إليهم عبدَ الله بن عباس، فرجَع ولم يصنع شيئاً، فخرَج إليهم عليٌّ فكلَّمَهم، حتى وقع الرضا بينه وبينهم، فدخلوا الكوفة، فأتاه رجُل فقال: إنّ الناس قد

(1) الحرورية: فِرْقةٌ مِن فِرَق الخوارج، وهي نسبة إلى حروراء، وهي بقرب الكوفة، كان أوّل اجتماع الخوارج بها، قال الهروي: تعاقدوا في هذه القرية فنُسِبوا إليها. وانظر "شرح النّووي"(4/ 27). وجاء في الفتح (1/ 422): "ويُقال لمن يَعْتقِد مذهب الخوارج (حروريّ) لأن أولَ فرقةٍ منهم؛ خرجوا على عليّ رضي الله عنه بالبلدة المذكورة، فاشتهروا بالنسبة إليها وهم فِرَقٌ كثيرة".

(2)

لا يجوز: مِن المجاوزة.

(3)

الطُّبي: حَلَمةُ الضّرع التي فيها اللبن والتي يرضع منها الرضيع.

(4)

أخرجه مسلم: 1066.

ص: 307

تحدثوا أنّك رجحْتَ لهم عن كُفرك، فخطَب الناسَ في صلاة الظهر فذكَر أمْرَهم فعابه، فوثبوا من نواحي المسجد يقولون: لا حُكم إلاّ لله، واستقبله رجل منهم واضع أصبعيه في أذنيه فقال:{وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} (1) فقال عليّ: {فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ} (2) " (3).

ومِن أجل فهم مُراد عليٍّ رضي الله عنه لا بُد من معرِفة سياق الآية، قال الله -تعالى-:{وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ وَلَئِنْ جِئْتَهُمْ بِآيَةٍ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا مُبْطِلُونَ * كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ * فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ} (4).

يعني: مِن شأن الكافرين إذا رأوا الآيات البيّنات والمُعجِزات الباهرات، أن يحكُموا ببطلان مَن جاء بها؛ لأنّه قد طُبع على قلوبهم فهم لا يفقهونها، فأمرَ الله -تعالى- نبيّه صلى الله عليه وسلم بالصبر على مخالفتهم وعنادهم وأذاهم، فالعاقبة له ولمن اتبعَه في الدارَيْن.

وأمَرَه -سبحانه- ألاّ يستخفنّ حِلْمه ورأيه (5) أولئك المشركين الذين لا

(1) الزمر: 65.

(2)

الروم: 60.

(3)

أخرجه ابن جرير في "تاريخه"، وصححه شيخنا رحمه الله في "الإرواء"(2468).

(4)

الروم: 58 - 60.

(5)

انظر تفسير الإمام الطبري رحمه الله لقوله -تعالى-: {وَلَا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ} .

ص: 308