المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌إذا طلب الإمام قتل رجل - الموسوعة الفقهية الميسرة في فقه الكتاب والسنة المطهرة - جـ ٧

[حسين العوايشة]

فهرس الكتاب

- ‌الجهاد

- ‌إيحابه:

- ‌الجهاد فرضُ كفاية إذا قام به قومٌ سقط عن الباقين

- ‌متى يتعيّن الجهاد

- ‌ماذا يُشترَط لوجوب الجهاد

- ‌متى تُشرع الحرب

- ‌مراتب الجهاد

- ‌الإخلاص في الجهاد

- ‌عذاب من يرائي في جهاده

- ‌الترهيب من أن يموت الإنسان ولم يغزُ

- ‌الجهاد في سبيل الله تجارة مُنجية

- ‌الجهاد من أفضل الأعمال عند الله -تعالى- وأَحبِّها إليه

- ‌الجنة تحت ظلال السيوف

- ‌لا يجتمع غُبارٌ في سبيل الله ودخان جهنّم

- ‌يُنجّي الله -تعالى- بالجهاد من الهمّ والغمّ

- ‌المجاهد أفضل النّاس

- ‌ذِكر التسويةِ بين طالب العلم ومعلِّمهِ وبين المجاهدِ في سبيل الله

- ‌أي القتل أشرف

- ‌مقام الرجل في سبيل الله أفضل من صلاته في بيته سبعين عاماً

- ‌للمجاهد في الجنّة مائة درجة

- ‌ما يعدِل الجهاد في سبيل الله عز وجل

- ‌فضل الشهادة في سبيل الله -سبحانه

- ‌فضل الرباط في سبيل الله -تعالى

- ‌فضل الرمي بنيّة الجهاد والتحريض عليه

- ‌اللهو بأدوات الحرب

- ‌إثم مَن تعلّم الرمي ثمّ تَركه

- ‌فضل احتباس الخيل للجهاد في سبيل الله

- ‌فضل النفقة في سبيل الله وتجهيز الغزاة

- ‌أجر الشهادة بالنيّة لمن لم يستطع الجهاد

- ‌من صفات القائد

- ‌من وصايا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى قُوّاده

- ‌ما يجب على أمير الجيش أو قائده

- ‌ذكر ما يُستحَبّ للإمام أن يستعين بالله -جلّ وعلا- على قتال الأعداء إذا عزَم على ذلك

- ‌الاستنصار بالضعفاء: بدعوتهم وصلاتهم وإخلاصهم

- ‌جواز تخلّفِ الإمام عن السرية لمصلحة

- ‌إذا طلَب الإمام قَتْلَ رجل

- ‌البيان بأن صاحبَ السرية إذا خالَف الإمام فيما أمَره به كان على القوم أنْ يَعْزِلوه وُيولُّوا غيره

- ‌من تَأمَّر في الحرب مِن غير إمرةٍ إذا خاف العدو

- ‌توليةُ الإمِام أمراءَ جماعة واحداً بعد الآخر عند قَتْل الأول

- ‌متى تجب طاعة الجنود الأمير أو القائد

- ‌عقوبة مَن عصى الأمير أو القائد

- ‌مبادرة الإمام عند الفزع

- ‌تشييع المجاهدين ووداعُهم والدعاءُ لهم

- ‌من هديه صلى الله عليه وسلم في الجهاد، واقتداء الصحابة به في المعارك واستبسالهم فيها

- ‌عدد غزوات النبيّ صلى الله عليه وسلم

- ‌الطليعة واستطلاع الأخبار وابتعاث العيون

- ‌التورية في الغزو

- ‌الكَذِب والخداع في الحرب

- ‌التسبيح إذا هَبط وادياً والتكبير إذا عَلا شَرَفاً

- ‌إباحة تعاقب الجماعة الركُوبَ الواحد في الغزو عند عدم القدرة على غيره

- ‌مَن أَحبَّ الخروج للغزو يومَ الخميس

- ‌ما يُؤمَر من انضمام العسكر

- ‌في المياسرة والمرافقة في الغزو

- ‌حرمة نساء المجاهدين ومن خان غازياً في أهله

- ‌خروج النساء للتمريض ونحوه

- ‌حَمل الرجل امرأتَه في الغزو دون بعض نسائه

- ‌غزوة النساء مع الرجال

- ‌تحريم إسناد القتال إلى النّساء

- ‌فضل الخدمة في الغزو

- ‌إذن الوالدين في جهاد التطوع

- ‌هل يُستأذَن الدائن

- ‌حكم الاستعانة بالمشركين في الجهاد

- ‌النهي عن السفر بالمصحف إلى أَرض الحرب

- ‌ما يُنهى عنه في الحرب

- ‌هل تُرمى حصون العدوّ بالمنجنيق ونحوه من المهلكات وفيهم النساء والذرية

- ‌الدعوة قبل القتال

- ‌الدعاء عند القتال

- ‌الإلحاح على الله -تعالى- في طلب النصر

- ‌كراهةُ تمنّي لقاءَ العدْوّ، والأمرُ بالصبر عند اللقاء

- ‌وجوب الثبات عند لقاء العدوّ ومتى يجوز الفرار

- ‌المبايعة على الموت أو عدم الفرار

- ‌ التحنّط عند القتال:

- ‌مَا يُتَعَوَّذُ مِنْ الْجُبْنِ

- ‌ما جاء في المبارزة

- ‌ما يجوز للرجل مِنَ الحَمْل وحده على جيش العدوِّ وتأويل قول الله -تعالى-: {وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ}

- ‌الخُيَلاء في الحرب

- ‌التكبيرُ عند الحرب

- ‌الغارة على الأعداء ليلاً

- ‌القتال أول النهار أو الانتظار حتى تهُبّ الريح

- ‌إذا ارتدّ على المقاتل سلاحه فقتله فله أجرُه مرّتين

- ‌من لهم ثواب الشهداء

- ‌ماذا يجد الشهيد من مسّ القتل

- ‌فضل الحرب في البحر

- ‌هل يسلم المجاهد نفسه للأسر

- ‌من ركع ركعتين عند القتل

- ‌استقبال الغزاة

- ‌مراسلة المجاهدين والديهم وأهليهم

- ‌انتهاء الحرب

- ‌لا يجوزُ نزْعُ ثيابِ الشهيد التي قُتل فيها

- ‌استحبابُ تكفين الشهيد بثوبٍ واحدٍ أو أكثر فوق ثيابهِ (2)

- ‌لا يُشْرَعُ غَسْلُ الشهيد قتيلِ المعركة ولو كان جُنُباً

- ‌أين يُدفن الشهيد

- ‌دفنْ أكثر من شهيد في قبر واحد إذا كَثُر القتلى

- ‌ما يقول إذا رجع من الغزو

- ‌إذا قَدِمَ الإمام أو القائد مِن الغزو يبدأ بالمسجد فيركع فيه ركعتين

- ‌مراجعة الإمام أو القائد مَن تخلّف من الغزو والقتال

- ‌قتال الإمام مانعي الزكاة

- ‌قتل الجاسوس

- ‌في حُكم قتل الجاسوس إذا كان مُسلماً

- ‌من قفز من عسكر المسلمين إلى عسكر الكُفّار

- ‌الهدنة

- ‌عقد الذمّة

- ‌موجب هذا العقد:

- ‌الأحكامُ التي تجري على أهل الذِّمَّة:

- ‌الجزية

- ‌مشروعيتها:

- ‌ممن تُقبَل

- ‌مقدار الجزية

- ‌ما يجوز للإمام اشتراطه

- ‌الزيادة من غير إجهاد ولا مشقّة

- ‌تحريم أخْذ ما يَشُقُّ على أهل الجزية

- ‌إعفاء من لم يقدر على أدائها

- ‌لا تُؤخَذ الجزية مِن النساء والصبيان

- ‌لا تؤخذ الجزية ممن أسلم ولو كان إسلامه فراراً من دفع الجزية

- ‌خَتْم رقابِ أهل الجزية في أعناقهم

- ‌بمَ يُنقض العهد

- ‌الغنائم

- ‌تعريفها:

- ‌إحلالها لهذه الأمّة دون غيرها

- ‌وجوب المجيء بالغنائم إذا نادى المُنادي في الناس بذلك

- ‌كيفية تقسيم الغنائم

- ‌يستوي في الغنائم مِن أفراد الجيش القوي والضعيف ومَن قاتَل ومن لم يُقاتِل

- ‌السَّلَب للقاتل

- ‌تخميس السَّلَب إذا بلغ مالاً كثيراً

- ‌جواز تنفيل بعض الجيش مِن الغنيمة

- ‌ردّ أموال وسبايا التائبين

- ‌إذا غنم المشركون مال المسلم ثمّ وجده المسلم

- ‌حُكم الأرض المغنومة

- ‌الغُلول

- ‌تعريفه:

- ‌تحريم الغُلول:

- ‌ما يجوز الانتفاع به قبل قسمة الغنائم

- ‌أسرى الحرب

- ‌جوازُ استرقاقِ الكُفّار مِنْ عربٍ أو عَجَم

- ‌إذا أسلم الأسير حَرُمَ قتْلُه

- ‌ما وَرَد في الإحسان إلى الأسرى

- ‌ما ورَد في الإحسان إلى الرقيق

- ‌ربط الأسير وحبْسُه

- ‌نفيُ جوازِ قتْلِ الحربيّ إذا أتى ببعضِ أَمارات الإسلام

- ‌تحرير الرقاب

- ‌الفيء

- ‌إنفاق رسول الله صلى الله عليه وسلم على أهله نفقةَ سَنتِهِم مِن الفيء، وجعْل الباقي في مَجْعَل مال الله

- ‌يُراعى في قَسْم الفيء قِدَمُ الرجل في الإسلام وبلاؤُه، وعِيالُه وحاجتُه

- ‌إعطاء المتزوج حظّين والعزب حظاً واحداً

- ‌استيعاب الفيء عامّة المسلمين

- ‌عطاء المحرَّرين

- ‌كيفية تجزئة النبيّ صلى الله عليه وسلم الفيء

- ‌مصادر الفيء

- ‌مصارف الفيء

- ‌عقد الأمان

- ‌مَن أَمّنه أحد المسلمين صارَ آمناً

- ‌تحريم قتل المؤمَّن

- ‌حُكم الرسول كالمؤَمّن

- ‌المستأمَن

- ‌حقوقه

- ‌الواجب عليه

- ‌تطبيق حكم الإسلام عليه

- ‌مُصادرة ماله

- ‌ميراثه

- ‌العهود والمواثيق

- ‌شروط العهود:

- ‌نقض العهود:

- ‌الإعلام بالنقض تحرُّزاً عن الغدر

- ‌إقرار القوانين الدّولية في تحريم قتل الرسل

- ‌قتال البغاة

- ‌لا يُجهز على الجريح منهم ولا يُسلب القاتل ولا يُطلب المولّي

- ‌أقسام البغاة وما جاء في تأويلهم

- ‌هل البغاة والخوارج لفظان مترادفان أم لا

- ‌إذا بغت طائفة ولم تَقْبَل الصلح كانت بمنزلة الصائل

- ‌العدل بين الطائفتين وما يترتّب على ذلك مِن ضمان وقِصاص وحَمالة

- ‌ثواب صبر مَنْ يظُنّ أنّه مظلوم مبغيٌّ عليه

- ‌ما يفعله ولاة الأمور مع أقوام لم يصلّوا ولم يصوموا

- ‌لا يجوز لإحدى الطائفتين أن تقول: نأخذ حقّنا بأيدينا

- ‌مَن قَتَل أحداً بعد إصلاح

- ‌بيان طُرُق الإصلاح المذكور في قوله تعالى: {فأصلِحوا بين أخويكم}

- ‌متى يُقاتَل الخوارج والمتمرّدون على الإمام

- ‌ما جاء مِن نصوص تبيّن بعض أمارات الخوارج ومثيري الفتن

- ‌السمع والطاعة للإمام ما لم يَأْمُر بمعصية وما جاء في عدم منازعة الأمر أهله

- ‌السلام في الإسلام

- ‌أسباب النصر والتمكين

- ‌1 - التوحيد

- ‌2 - اتباع منهج النبيّ صلى الله عليه وسلم

- ‌3 - اتباع مَنْهج السلف الصالح

- ‌4 - العلم

- ‌5 - تزكية النفوس والائتمار بما أمر الله -تعالى- والانتهاء عما نهى -سبحانه

- ‌6 - ترْك الذنوب والمعاصي والأهواء

- ‌7 - ترك التحايل

- ‌8 - ترْك البِدَع

- ‌9 - الإعداد العسكري

- ‌10 - الإعداد المعنوي

- ‌11 - التآلف واجتماع الكلمة، وعدم التفرق والاختلاف

- ‌لماذا هُزِم المسلمون

- ‌عوامل الهزيمة وأسباب الدَّمار

- ‌عجباً من التخبُّط والعشوائية في طلب النَّصر

- ‌البشرى بانتصار المسلمين وانتشار الإسلام

الفصل: ‌إذا طلب الإمام قتل رجل

أو غنيمة، أو أُدخِلَه الجنّة، ولولا أن أشقّ على أمّتي، ما قَعَدْتُ خلف سريّة، ولوددت أنّي أُقتَل في سبيل الله، ثمّ أُحيا، ثمّ أُقتل، ثمّ أُحيا، ثمّ أُقتل" (1).

‌إذا طلَب الإمام قَتْلَ رجل

عن عبد الله بن أنيس الجهني رضي الله عنه أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "مَن لي بخالد بن نبيح؟ رجل من هذيل -وهو يومئذ قبل عرفة بعرنة- قال عبد الله بن أُنيس: أنا يا رسول الله، انعَتْه لي، قال: إذا رأيته هِبته، قال: يا رسول الله والذي بعثَك بالحق ما هِبْت شيئاً قطّ.

قال: فخَرج عبدُ الله بنُ أُنيس حتى أتى جبال عرفة قبل أن تغيب الشمس، قال عبد الله: فلقيتُ رجلاً، فرعبْتُ منه حين رأيتُه، فعرفْتُ حين رعبت منه أنه ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال لي: مَن الرجل؟ فقلت: باغي حاجة، هل من مبيت؟ قال: نعم، فالحْقْ، فَرُحتُ في أثره، فصليت العصر ركعتين خفيفتين، وأشفقت أن يراني، ثمّ لحقْتُه، فضربتُه بالسيف، ثمّ خرجْتُ، فأتيتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخبرتُه.

قال محمّد بن كعب: فأعطاه رسول الله صلى الله عليه وسلم مخِصرة (2)، فقال: تخصّر بهذه حتى تلقاني، وأقلّ النّاس المتخصّرون، قال محمّد بن كعب: فلمّا تُوفي عبد الله بن أُنيس أُمِر بها فوُضِعت على بطنه وكُفّن، ودُفن ودُفِنت معه" (3).

(1) أخرجه البخاري: 36، ومسلم:1876.

(2)

المخصرة: ما يَختصره الإنسان بيده، فيُمسِكه من عصا أو عُكَّازةٍ أو مِقْرَعَةٍ أو قضيب وقد يتكئ عليه. "النّهاية".

(3)

أخرجه أبو نعيم في "الحلية" و"أخبار أصبهان" وغيره، وانظر "الصحيحة"(2981).

ص: 56

وفي رواية: "دعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إنّه قد بلغني أن سفيان بن نبيح الهذلي جَمع لي النّاس ليغزوني، وهو بنخلة أو بعُرنة فأتِه فاقتُله، قال: قلت: يا رسول الله، انعته لي حتى أعرفَه، قال: آيةُ ما بينك وبينه أنك إذا رأيته وجَدْت له قُشَعْريرةً.

قال: فخرجت متوشِّحاً بسيفي حتى دفعْتُ إليه، وهو في ظعنٍ يرتاد لهنَّ منزلاً، حتى كان وقت العصر، فلمّا رأيْته وجدْتُ ما وَصَفَ لي رسول الله صلى الله عليه وسلم من الاقشعريرة.

فأخذْتُ نحوه، وخشيت أن يكون بيني وبينه مجاولة تشغلني عن الصلاة، فصليت وأنا أمشي نحوه، وأُومئ برأسي، فلمّا انتهيت إليه، قال: ممّن الرجل؟ قلت: رجل من العرب سمع بك وبجمعك لهذا الرجل، فجاء لذلك، قال: فقال: إنَّا في ذلك.

فمشيتُ معه شيئاً حتى إذا أمكنني حَمَلْتُ عليه بالسيف حتى أقتله، ثمّ خرجْتُ وتركْت ظعائنه (1) مُنكَبّاتٍ عليه، فلمّا قدمتُ على رسول الله صلى الله عليه وسلم ورآني، قال: قد أفلح الوجه، قلت: قتلْتُه يا رسول الله، قال: صدقْتَ.

قال: ثمّ قام معي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأدخلني بيته وأعطاني عصاً، فقال: أمسِك هذه العصا عندك يا عبد الله بن أُنيس، قال: فخرجتُ بها على النّاس فقالوا: ما هذه العصا؟ قلتُ: أعطانيها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأمَرني أن أمسِكها، قالوا:

(1) الظعائن: النساء، جمع ظعينة، وأصل الظعينة: الراحلة التي يُرحل ويُظعَن عليها أي يُسار، وقيل للمرأة ظَعينة لأنها تَظْعَن مع الزَّوج حَيثُما ظَعَن أو لأنَّها تُحمَل على الرَّاحِلَة إذا ظَعَنت

"النهاية".

ص: 57

أفلا ترجعُ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فتسأله لِمَ ذلك؟

قال: فرجعْت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت: يا رسول الله، لم أعطيتني هذه العصا، قال: آية بيني وبينك يوم القيامة، إنّ أقلّ النّاس المتخصرون يومئذ، فَقَرنها عبد الله بسيفه، فلم تزل معه حتى إذا مات أُمِر بها، فضُمّت معه في كفنه، ثمّ دُفِنا جميعاً} (1).

وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم -مَن لكعب بن الأشرف؟ فإنه قد آذى اللهَ ورسوله، فقام محمّد بن مَسْلَمة فقال: يا رسول الله أتُحِبّ أنْ أقتله؟ قال: نعم، قال: فأذَنْ ليِ أن أقول شيئاً (2). قال: قُلْ.

فأتاه محمّد بن مَسلَمة فقال: إنّ هذا الرجل قد سألَنا صَدَقةً، وإنه قد عنّانا (3) وإني قد أتيتك أستَسلِفك (4) قال: وأيضاً (5) والله لتملُّنَّه (6)، قال: إنا قد اتبعناه فلا نحب أن ندَعَه حتى ننظر إلى أي شيء يصير شأنه وقد أردنا أن تُسلِفنا وَسْقاً (7) أو

(1) صححه لغيره شيخنا رحمه الله في "صحيح موارد الظمآن " برقم (490).

(2)

قال الحافظ رحمه الله: "كأنه استأذنَه أن يفتعل شيئاً يحتال به، ومن ثمّ بوَّب عليه المصنف "الكذب في الحرب" وقد ظَهر من سياق ابن سعد للقصة أنهم استأذنوا أن يشكوا منه ويعيبوا رأيه، ولفظه: "فقال له: كان قدوم هذا الرجل علينا من البلاء، حاربتنا العرب، ورمَتْنا عن قوس واحدة".

(3)

من العناء وهو التعب.

(4)

السّلفُ: القرض الذي لا منفعة فيه للمقرض. "النّهاية".

(5)

أي: زيادة على ذلك.

(6)

من الملال.

(7)

الوَسْق: سِتُّون صاعاً وهو ثلاثُماثة وعِشْرون رِطْلا عند أهْل الحِجاز وأربَعمائة وثمانون رِطْلا عنْد أهْل العِراق على اخْتِلافِهِم في مِقدار الصَّاع والمُدِّ. والأصل في الوَسْق: الحِمْل، وكُلُّ شيءٍ وَسَقتَه فقد حَمَلْتَه، والوَسْق أيضا: ضَمُّ الشَّيء إلى الشَّيء. "النّهاية".

ص: 58

وَسْقَين -وحدثنا عمرو غير مرّة فلم يذكر وَسْقاً أو وَسْقين- فقلت له: فيه وسْقاً أو وَسْقين فقال: أرى فيه وسْقاً أو وسْقين، فقال: نعم ارهَنوني، قالوا: أي شيء تريد؟ قال ارهَنوني نساءكم، قالوا كيفَ نَرْهَنُك نساءَنا وأنت أجمل العرب؟ قال: فارهَنوني أبناءكم، قالوا: كيف نَرْهَنُك أبناءَنا فَيُسَبُّ أحدهم فيقال: رُهِن بوسْق أو وسْقين، هذا عار علينا ولكنّا نرهنك اللأمة، قال سفيان يعني: السلاح.

فواعَدَه أن يأتيه، فجاءه ليلاً ومعه أبو نائلة -وهو أخو كعب مِن الرضاعة- فدعاهم إلى الحِصن فنزل إليهم، فقالت له امرأته: أين تخرج هذه الساعة؟ فقال: إنما هو محمّد بن مسلمة وأخي أبو نائلة، وقال غير عمرو: قالت: أسمع صوتاً كأنه يقطر منه الدم، قال: إنما هو أخي محمّد بن مسلمة، ورضيعي أبو نائلة، إنّ الكريم لو دعي إلى طعنة بليلٍ لأجاب.

قال: ويُدخِلُ محمّد بن مسلمة معه رجلين، قيل لسفيان: سماهم عمرو؟ قال: سمّى بعضهم، قال عمرو: جاء معه برجلين، وقال غير عمرو: أبو عبس بن جبر والحارث بن أوس وعباد بن بشر، قال عمرو: جاء معه برجلين فقال: إذا ما جاء فإني قائل (1) بشعره، فأشمَّه فإذا رأيتموني استمكنْتُ مِن رأسه؛ فدونكم فاضربوه، وقال مرّةً ثمّ أُشِمُّكم.

فنزل إليهم متوشحاً (2) وهو ينفَحُ منه ريح الطيب، فقال: ما رأيت كاليوم ريحاً -أي أطيب- وقال غير عمرو: قال عندي أعطرُ نساء العرب وأكملُ

(1) هو من باب إطلاق القول على الفعل. "الفتح".

(2)

يعني لابساً الوشاح: وهو شيءٌ يُنسَج عريضاً من أديم، وربّما رُصّع بالجوهر والخرز. وانظر "النهاية".

ص: 59

العرب، قال عمرو فقال أتأذن لي أن أشَمَّ رأسَك قال: نعم فشَمَّه ثم أَشَمَّ أصحابه ثم قال أتأذن لي؟ قال نعم فلما استمكن منه قال دونكم، فقتلوه، ثمّ أتوا النبيّ صلى الله عليه وسلم فأخبروه" (1).

وعن البراء بن عازب رضي الله عنه قال: "بعثَ رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أبي رافعٍ اليهوديّ رجالاً من الأنصار، فأمّرَ عليهم عبد الله بن عَتيك، وكان أبو رافع يُؤْذي رسول الله صلى الله عليه وسلم ويُعين عليه، وكان في حِصنٍ له بأرض الحجاز، فلمّا دَنَوا منه وقد -غربت الشمس وراح النّاس بسَرْحِهم (2) - فقال عبد الله لأصحابه: اجلسوا مكانكم فإني منطلقٌ ومتلطّفٌ للبوّاب، لعلي أن أدخل، فأقبَل حتى دنا مِن الباب، ثمّ تقنّع بثوبه (3) كأنه يقضي حاجةً وقد دخل النّاس، فهتَف به البوّاب يا عبد الله إنْ كنت تريد أن تدخل فادخل، فإنّي أريد أن أغلق الباب، فَدَخَلْتُ فكَمَنْت (4)، فلمّا دخَل الناس أغلق الباب، ثمّ علّق الأغاليق على وَدّ (5)، قال: فقمت إلى الأقاليد (6)، فأخذتها ففَتَحْتُ الباب وكان أبو رافعٍ يُسمَرُ عنده، وكان في عَلاليّ (7) له، فلمّا ذهَب عنه أهل سمرِه صَعِدتُ إليه، فجعلْتُ كلّما فتحْتُ باباً أغلقت عليّ

(1) أخرجه البخاري: 4037، ومسلم:1801.

(2)

أي: رجَعوا بمواشيهم التي ترعى، وسَرْح -بفتح المهملة وسكون الراء بعدها مهملة-: هي السائمة من إبِل وبقر وغنم "الفتح".

(3)

تغطّى به لئلا يُعرف.

(4)

أي: اختبأت.

(5)

هو الوتد.

(6)

جمع أقليد وهو المفتاح.

(7)

العَلاليّ: الغرفة.

ص: 60

مِن داخل، قلتُ إنِ القوم نَذِروا بي (1)؛ لم يخلصوا إلي حتى أقتله. فانتهيت إليه فإذا هو في بيت مُظلم وسْط عياله، لا أدري أين هو مِن البيت.

فقلت يا أبا رافع، قال: مَنْ هذا؟ فأهويت نحو الصوت فأضرِبُه (2) ضربةً بالسيف وأنا دَهِشٌ فما أغنيتُ شيئاً (3)؛ وصاح فخرجْتُ من البيت، فأمكثُ غير بعيد، ثمّ دخلت إليه فقلت: ما هذا الصوت يا أبا رافع؟ فقال: لأمّك الويل، إنّ رجلاً في البيت ضربني قبلُ بالسيف، قال: فأضرِبُه ضربةً أثخَنَته ولم أقتُله، ثمّ وضعْت ضبيب السيف (4) في بطنه حتى أخذ في ظهره، فعرفتُ أني قتلتهُ فجعلْتُ أفتح الأبواب باباً باباً، حتى انتهيت إلى درجةٍ له فوضعْتُ رِجلي وأنا أرى أني قد انتهيت إلى الأرض فوقعْتُ في ليلة مقمرةٍ، فانكَسَرت ساقي فعَصَبْتُها بعِمامة ثمّ انطلقتُ حتى جلسْتُ على الباب، فقلت: لا أخرج الليلة حتى أعلم أَقَتَلْتُه؟.

فلمّا صاح الديك قام الناعي (5) على السُّور فقال أنعى أبا رافع تاجر أهل الحجاز، فانطلقت إلى أصحابي فقلت: النَّجاء (6)، فقد قتل الله أبا رافع، فانتهيتُ إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم فحدَّثته فقال لي: ابسُط رجلك، فبسطْتُ رجلي فمسَحَها فكأنها لم أشتكِها قطُّ" (7).

(1) أي: علموا وأحسوا بمكاني. "النّهاية".

(2)

قال في "الفتح": ذكره بلفظ المضارع مبالغةً لاستحضار صورة الحال، وإنْ كان ذلك قد مضى.

(3)

أي: لم أقْتُله.

(4)

قال الحافظ رحمه الله: "حرف حدِّ السيف"، وفي "القاموس المحيط":"حدّ السيف".

(5)

النعي: خبر الموت والاسم الناعي. "الفتح".

(6)

أي: أسرعوا.

(7)

أخرجه البخاري: 4039.

ص: 61