الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أو غنيمة، أو أُدخِلَه الجنّة، ولولا أن أشقّ على أمّتي، ما قَعَدْتُ خلف سريّة، ولوددت أنّي أُقتَل في سبيل الله، ثمّ أُحيا، ثمّ أُقتل، ثمّ أُحيا، ثمّ أُقتل" (1).
إذا طلَب الإمام قَتْلَ رجل
عن عبد الله بن أنيس الجهني رضي الله عنه أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "مَن لي بخالد بن نبيح؟ رجل من هذيل -وهو يومئذ قبل عرفة بعرنة- قال عبد الله بن أُنيس: أنا يا رسول الله، انعَتْه لي، قال: إذا رأيته هِبته، قال: يا رسول الله والذي بعثَك بالحق ما هِبْت شيئاً قطّ.
قال: فخَرج عبدُ الله بنُ أُنيس حتى أتى جبال عرفة قبل أن تغيب الشمس، قال عبد الله: فلقيتُ رجلاً، فرعبْتُ منه حين رأيتُه، فعرفْتُ حين رعبت منه أنه ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال لي: مَن الرجل؟ فقلت: باغي حاجة، هل من مبيت؟ قال: نعم، فالحْقْ، فَرُحتُ في أثره، فصليت العصر ركعتين خفيفتين، وأشفقت أن يراني، ثمّ لحقْتُه، فضربتُه بالسيف، ثمّ خرجْتُ، فأتيتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخبرتُه.
قال محمّد بن كعب: فأعطاه رسول الله صلى الله عليه وسلم مخِصرة (2)، فقال: تخصّر بهذه حتى تلقاني، وأقلّ النّاس المتخصّرون، قال محمّد بن كعب: فلمّا تُوفي عبد الله بن أُنيس أُمِر بها فوُضِعت على بطنه وكُفّن، ودُفن ودُفِنت معه" (3).
(1) أخرجه البخاري: 36، ومسلم:1876.
(2)
المخصرة: ما يَختصره الإنسان بيده، فيُمسِكه من عصا أو عُكَّازةٍ أو مِقْرَعَةٍ أو قضيب وقد يتكئ عليه. "النّهاية".
(3)
أخرجه أبو نعيم في "الحلية" و"أخبار أصبهان" وغيره، وانظر "الصحيحة"(2981).
وفي رواية: "دعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إنّه قد بلغني أن سفيان بن نبيح الهذلي جَمع لي النّاس ليغزوني، وهو بنخلة أو بعُرنة فأتِه فاقتُله، قال: قلت: يا رسول الله، انعته لي حتى أعرفَه، قال: آيةُ ما بينك وبينه أنك إذا رأيته وجَدْت له قُشَعْريرةً.
قال: فخرجت متوشِّحاً بسيفي حتى دفعْتُ إليه، وهو في ظعنٍ يرتاد لهنَّ منزلاً، حتى كان وقت العصر، فلمّا رأيْته وجدْتُ ما وَصَفَ لي رسول الله صلى الله عليه وسلم من الاقشعريرة.
فأخذْتُ نحوه، وخشيت أن يكون بيني وبينه مجاولة تشغلني عن الصلاة، فصليت وأنا أمشي نحوه، وأُومئ برأسي، فلمّا انتهيت إليه، قال: ممّن الرجل؟ قلت: رجل من العرب سمع بك وبجمعك لهذا الرجل، فجاء لذلك، قال: فقال: إنَّا في ذلك.
فمشيتُ معه شيئاً حتى إذا أمكنني حَمَلْتُ عليه بالسيف حتى أقتله، ثمّ خرجْتُ وتركْت ظعائنه (1) مُنكَبّاتٍ عليه، فلمّا قدمتُ على رسول الله صلى الله عليه وسلم ورآني، قال: قد أفلح الوجه، قلت: قتلْتُه يا رسول الله، قال: صدقْتَ.
قال: ثمّ قام معي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأدخلني بيته وأعطاني عصاً، فقال: أمسِك هذه العصا عندك يا عبد الله بن أُنيس، قال: فخرجتُ بها على النّاس فقالوا: ما هذه العصا؟ قلتُ: أعطانيها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأمَرني أن أمسِكها، قالوا:
(1) الظعائن: النساء، جمع ظعينة، وأصل الظعينة: الراحلة التي يُرحل ويُظعَن عليها أي يُسار، وقيل للمرأة ظَعينة لأنها تَظْعَن مع الزَّوج حَيثُما ظَعَن أو لأنَّها تُحمَل على الرَّاحِلَة إذا ظَعَنت
…
"النهاية".
أفلا ترجعُ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فتسأله لِمَ ذلك؟
قال: فرجعْت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت: يا رسول الله، لم أعطيتني هذه العصا، قال: آية بيني وبينك يوم القيامة، إنّ أقلّ النّاس المتخصرون يومئذ، فَقَرنها عبد الله بسيفه، فلم تزل معه حتى إذا مات أُمِر بها، فضُمّت معه في كفنه، ثمّ دُفِنا جميعاً} (1).
وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم -مَن لكعب بن الأشرف؟ فإنه قد آذى اللهَ ورسوله، فقام محمّد بن مَسْلَمة فقال: يا رسول الله أتُحِبّ أنْ أقتله؟ قال: نعم، قال: فأذَنْ ليِ أن أقول شيئاً (2). قال: قُلْ.
فأتاه محمّد بن مَسلَمة فقال: إنّ هذا الرجل قد سألَنا صَدَقةً، وإنه قد عنّانا (3) وإني قد أتيتك أستَسلِفك (4) قال: وأيضاً (5) والله لتملُّنَّه (6)، قال: إنا قد اتبعناه فلا نحب أن ندَعَه حتى ننظر إلى أي شيء يصير شأنه وقد أردنا أن تُسلِفنا وَسْقاً (7) أو
(1) صححه لغيره شيخنا رحمه الله في "صحيح موارد الظمآن " برقم (490).
(2)
قال الحافظ رحمه الله: "كأنه استأذنَه أن يفتعل شيئاً يحتال به، ومن ثمّ بوَّب عليه المصنف "الكذب في الحرب" وقد ظَهر من سياق ابن سعد للقصة أنهم استأذنوا أن يشكوا منه ويعيبوا رأيه، ولفظه: "فقال له: كان قدوم هذا الرجل علينا من البلاء، حاربتنا العرب، ورمَتْنا عن قوس واحدة".
(3)
من العناء وهو التعب.
(4)
السّلفُ: القرض الذي لا منفعة فيه للمقرض. "النّهاية".
(5)
أي: زيادة على ذلك.
(6)
من الملال.
(7)
الوَسْق: سِتُّون صاعاً وهو ثلاثُماثة وعِشْرون رِطْلا عند أهْل الحِجاز وأربَعمائة وثمانون رِطْلا عنْد أهْل العِراق على اخْتِلافِهِم في مِقدار الصَّاع والمُدِّ. والأصل في الوَسْق: الحِمْل، وكُلُّ شيءٍ وَسَقتَه فقد حَمَلْتَه، والوَسْق أيضا: ضَمُّ الشَّيء إلى الشَّيء. "النّهاية".
وَسْقَين -وحدثنا عمرو غير مرّة فلم يذكر وَسْقاً أو وَسْقين- فقلت له: فيه وسْقاً أو وَسْقين فقال: أرى فيه وسْقاً أو وسْقين، فقال: نعم ارهَنوني، قالوا: أي شيء تريد؟ قال ارهَنوني نساءكم، قالوا كيفَ نَرْهَنُك نساءَنا وأنت أجمل العرب؟ قال: فارهَنوني أبناءكم، قالوا: كيف نَرْهَنُك أبناءَنا فَيُسَبُّ أحدهم فيقال: رُهِن بوسْق أو وسْقين، هذا عار علينا ولكنّا نرهنك اللأمة، قال سفيان يعني: السلاح.
فواعَدَه أن يأتيه، فجاءه ليلاً ومعه أبو نائلة -وهو أخو كعب مِن الرضاعة- فدعاهم إلى الحِصن فنزل إليهم، فقالت له امرأته: أين تخرج هذه الساعة؟ فقال: إنما هو محمّد بن مسلمة وأخي أبو نائلة، وقال غير عمرو: قالت: أسمع صوتاً كأنه يقطر منه الدم، قال: إنما هو أخي محمّد بن مسلمة، ورضيعي أبو نائلة، إنّ الكريم لو دعي إلى طعنة بليلٍ لأجاب.
قال: ويُدخِلُ محمّد بن مسلمة معه رجلين، قيل لسفيان: سماهم عمرو؟ قال: سمّى بعضهم، قال عمرو: جاء معه برجلين، وقال غير عمرو: أبو عبس بن جبر والحارث بن أوس وعباد بن بشر، قال عمرو: جاء معه برجلين فقال: إذا ما جاء فإني قائل (1) بشعره، فأشمَّه فإذا رأيتموني استمكنْتُ مِن رأسه؛ فدونكم فاضربوه، وقال مرّةً ثمّ أُشِمُّكم.
فنزل إليهم متوشحاً (2) وهو ينفَحُ منه ريح الطيب، فقال: ما رأيت كاليوم ريحاً -أي أطيب- وقال غير عمرو: قال عندي أعطرُ نساء العرب وأكملُ
(1) هو من باب إطلاق القول على الفعل. "الفتح".
(2)
يعني لابساً الوشاح: وهو شيءٌ يُنسَج عريضاً من أديم، وربّما رُصّع بالجوهر والخرز. وانظر "النهاية".
العرب، قال عمرو فقال أتأذن لي أن أشَمَّ رأسَك قال: نعم فشَمَّه ثم أَشَمَّ أصحابه ثم قال أتأذن لي؟ قال نعم فلما استمكن منه قال دونكم، فقتلوه، ثمّ أتوا النبيّ صلى الله عليه وسلم فأخبروه" (1).
وعن البراء بن عازب رضي الله عنه قال: "بعثَ رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أبي رافعٍ اليهوديّ رجالاً من الأنصار، فأمّرَ عليهم عبد الله بن عَتيك، وكان أبو رافع يُؤْذي رسول الله صلى الله عليه وسلم ويُعين عليه، وكان في حِصنٍ له بأرض الحجاز، فلمّا دَنَوا منه وقد -غربت الشمس وراح النّاس بسَرْحِهم (2) - فقال عبد الله لأصحابه: اجلسوا مكانكم فإني منطلقٌ ومتلطّفٌ للبوّاب، لعلي أن أدخل، فأقبَل حتى دنا مِن الباب، ثمّ تقنّع بثوبه (3) كأنه يقضي حاجةً وقد دخل النّاس، فهتَف به البوّاب يا عبد الله إنْ كنت تريد أن تدخل فادخل، فإنّي أريد أن أغلق الباب، فَدَخَلْتُ فكَمَنْت (4)، فلمّا دخَل الناس أغلق الباب، ثمّ علّق الأغاليق على وَدّ (5)، قال: فقمت إلى الأقاليد (6)، فأخذتها ففَتَحْتُ الباب وكان أبو رافعٍ يُسمَرُ عنده، وكان في عَلاليّ (7) له، فلمّا ذهَب عنه أهل سمرِه صَعِدتُ إليه، فجعلْتُ كلّما فتحْتُ باباً أغلقت عليّ
(1) أخرجه البخاري: 4037، ومسلم:1801.
(2)
أي: رجَعوا بمواشيهم التي ترعى، وسَرْح -بفتح المهملة وسكون الراء بعدها مهملة-: هي السائمة من إبِل وبقر وغنم "الفتح".
(3)
تغطّى به لئلا يُعرف.
(4)
أي: اختبأت.
(5)
هو الوتد.
(6)
جمع أقليد وهو المفتاح.
(7)
العَلاليّ: الغرفة.
مِن داخل، قلتُ إنِ القوم نَذِروا بي (1)؛ لم يخلصوا إلي حتى أقتله. فانتهيت إليه فإذا هو في بيت مُظلم وسْط عياله، لا أدري أين هو مِن البيت.
فقلت يا أبا رافع، قال: مَنْ هذا؟ فأهويت نحو الصوت فأضرِبُه (2) ضربةً بالسيف وأنا دَهِشٌ فما أغنيتُ شيئاً (3)؛ وصاح فخرجْتُ من البيت، فأمكثُ غير بعيد، ثمّ دخلت إليه فقلت: ما هذا الصوت يا أبا رافع؟ فقال: لأمّك الويل، إنّ رجلاً في البيت ضربني قبلُ بالسيف، قال: فأضرِبُه ضربةً أثخَنَته ولم أقتُله، ثمّ وضعْت ضبيب السيف (4) في بطنه حتى أخذ في ظهره، فعرفتُ أني قتلتهُ فجعلْتُ أفتح الأبواب باباً باباً، حتى انتهيت إلى درجةٍ له فوضعْتُ رِجلي وأنا أرى أني قد انتهيت إلى الأرض فوقعْتُ في ليلة مقمرةٍ، فانكَسَرت ساقي فعَصَبْتُها بعِمامة ثمّ انطلقتُ حتى جلسْتُ على الباب، فقلت: لا أخرج الليلة حتى أعلم أَقَتَلْتُه؟.
فلمّا صاح الديك قام الناعي (5) على السُّور فقال أنعى أبا رافع تاجر أهل الحجاز، فانطلقت إلى أصحابي فقلت: النَّجاء (6)، فقد قتل الله أبا رافع، فانتهيتُ إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم فحدَّثته فقال لي: ابسُط رجلك، فبسطْتُ رجلي فمسَحَها فكأنها لم أشتكِها قطُّ" (7).
(1) أي: علموا وأحسوا بمكاني. "النّهاية".
(2)
قال في "الفتح": ذكره بلفظ المضارع مبالغةً لاستحضار صورة الحال، وإنْ كان ذلك قد مضى.
(3)
أي: لم أقْتُله.
(4)
قال الحافظ رحمه الله: "حرف حدِّ السيف"، وفي "القاموس المحيط":"حدّ السيف".
(5)
النعي: خبر الموت والاسم الناعي. "الفتح".
(6)
أي: أسرعوا.
(7)
أخرجه البخاري: 4039.