الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الثاني: إذا نَزل الكفار ببلدٍ، تعيَّن على أهله قتالهم ودَفْعُهم.
الثالث: إذا استنفَر الإمام قوماً لزِمهم النفير معه؛ لقوله -تعالى-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ * إِلَّا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلَا تَضُرُّوهُ شَيْئًا وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} (1).
وقال النبيّ صلى الله عليه وسلم: "إذا استُنفرتم فانفروا"(2).
ماذا يُشترَط لوجوب الجهاد
(3):
ويُشتَرط لوجوب الجهاد سبعة شروط:. الإسلام، والبلوغ، والعقل، والحرية، والذكوريّة، والسلامة من الضرر، ووجود النفقة.
فأمّا الإسلام والبلوغ والعقل، فهي شروطٌ لوجوب سائر الفروع، ولأنَّ الكافر غير مأمونٍ في الجهاد، والمجنون لا يتأتى منه الجهاد، والصبيُّ ضعيفُ البِنية.
عن ابن عمر رضي الله عنهما "أنَّ النَبِى صلى الله عليه وسلم عَرَضَهُ يَوْمَ أحُدٍ وَهُوَ ابْنُ أَرْبَعَ عَشْرَةَ سَنَةً، فَلَمْ يُجِزْهُ وَعَرَضَهُ يَوْمَ الْخَنْدَقِ؛ وَهُوَ ابْنُ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً فَأَجَازَهُ"(4).
وأمّا الحريّة فتُشتَرط؛ لِما رُوي أنَ النبيَّ صلى الله عليه وسلم كان يبايع الحرَّ على الإسلام
(1) التوبة: 38، 39.
(2)
تقدم تخريجه.
(3)
"المغني"(13/ 8) بتصرف.
(4)
أخرجه البخاري: 4097 واللفظ له، ومسلم:1868.
والجهاد (1)، ويبايع العبد على الإسلام دون الجهاد، ولأنَّ الجهاد عبادة تتعلق بقطع مسافة، فلم تجب على العبد كالحج.
وأمّا الذكورية فتُشتَرط؛ لما رَوَت عائشة أمّ المؤمنين رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم: سأله نساؤه عن الجهاد فقال: "نِعْمَ الجهاد الحجّ"(2).
وعن عائشة رضي الله عنها أيضاً- أنَّها قالت: "يا رسول الله، نرى الجهاد أفضل العمل، أفلا نجاهد؟ قال: لا، لكن أفضل الجهاد حجٌّ مبرور"(3).
وعن أمّ سلمة رضي الله عنها أَنَّها قالت: "يغزُو الرجال ولا تَغْزُو النساء وإنَّما لنا نصف الميراث، فأنزَل الله تبارك وتعالى: {وَلَا تَتَمَنَّوا مَا فَضَّلَ اَللهُ به بَعضَكُم عَلى بَعضٍ} (4) "(5).
ولا يجب على خُنثى مُشْكِل؛ لأنه لا يُعلَم كونُه ذَكَراً، فلا يجب مع الشك في شرطِه.
وأمّا السلامة مِن الضرر. فمعناه السلامة مِن العمى والعَرَج والمرَض، وهو شرط؛ لقول الله -تعالى-:{ليسَ على الأعمى حَرَجٌ وَلَا عَلَى اَلأَعرَجِ حرجٌ وَلَا عَلَى اَلمَرِيضِ حَرَجٌ} (6).
(1) قلت لعموم النّصوص الواردة في البيعة على الجهاد، وستأتي بإذن الله -تعالى-.
(2)
أخرجه البخاري: 2876.
(3)
أخرجه البخاري: 1520.
(4)
النساء: 32.
(5)
أخرجه الترمذي، "صحيح سنن الترمذي"(2419).
(6)
النور: 61.
ولأنّ هذه الأعذار تمنعه من الجهاد؛ فأمّا العَمَى فمعروف، وأمّا العَرَج، فالمانع منه هو الفاحش الذي يمنع المشي الجيِّدَ والرُّكوب؛ كالزَّمَانَة (1) ونحوها.
وأمّا اليسير الذي يتمكن معه من الركوب والمشي، وإنما يتعذر عليه شدة العَدْو؛ فلا يَمنَع وجوب الجهاد؛ لأنه يَتَمكن منه، فشابَه الأعور.
عن أبي قتادة رضي الله عنه قال: "أتى عمرو بنُ الجَمُوحِ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله! أرأيتَ إنْ قَاتَلْتُ في سبيل الله حتى أُقتل! أَمشي برجلي هذه صحيحةً في الجنة؟ وكانت رِجْلُه عَرْجاءَ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: نعم، فَقُتلوا يوم أُحُد: هو وابنُ أخيه ومولىً لهم، فَمَرَّ عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: كأني أنظرُ إليك تمشي بِرِجْلِك هذه صحيحةً في الجنةِ، فأمَر رسول الله صلى الله عليه وسلم بهما وبمولاهما، فَجُعِلوا في قبر واحدٍ"(2).
وكذلك المرض المانع هو الشديد، فأمَّا اليسير منه الذي لا يمنع إمكان الجهاد؛ كوجع الضرس والصداع الخفيف، فلا يَمنَع الوجوب؛ لأنه لا يتعذَّرُ معه الجهاد؛ فهو كالعَوَر.
وأمّا وجود النفقة، فيُشترط؛ لقول الله -تعالى-:{لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلَا عَلَى الْمَرْضَى وَلَا عَلَى الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ مَا يُنْفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ} (3).
ولأنَّ الجهاد لا يمكن إلَاّ بآلة، فيُعتبر القدرة عليها.
(1) الزّمانة: مرضٌ يدوم.
(2)
أخرجه أحمد بسند حسن كما قال الحافظ، كذا في "أحكام الجنائز"(ص 185).
(3)
التوبة: 91.