الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تنتهيَ إلى القتلى، قال: فَلَدَمَتْ (1) في صدري، وكانت امرأةً جَلْدةً، قالت: إليك لا أرضَ لك، فقلتُ: إن رسولَ صلى الله عليه وسلم عَزَمَ عليك، فَوقَفتْ، وأخرجَتْ ثوبين معها، فقالت: هذان ثوبانِ جئتُ بهما لأخي حمزَةَ، فقد بلغني مقتلُه، فكفِّنْهُ فيهما.
قال؛ فجئنا بالثوبين لِنُكفِّن فيهما حمزة، فإذا إلى جَنْبهِ رجلٌ من الأنصار قتيل، قد فُعل بهِ كما فُعل بحمزة، فوجدنا غضاضةً (2) وحياءً، أن نُكفِّنَ حمزةَ في ثوبين، والأنصاريُّ لا كَفنَ له، فقلنا: لحمزةَ ثوبٌ، وللأنصاريِّ ثوبٌ، فقدَّرناهما فكان أحدُهما أكبرَ مِن الآخر، فأقْرَعْنا بينهما، فكفَّنّا كلَّ واحدٍ منهما في الثوبِ الذي صار له" (3).
لا يُشْرَعُ غَسْلُ الشهيد قتيلِ المعركة ولو كان جُنُباً
(4)
لا يُشْرع غسْل الشهيد قتيل المعركة، ولو كان جُنُباً، وفي ذلك أحاديث:
الأول: عن جابرٍ قال: "قال النبي صلى الله عليه وسلم: ادفنوهم في دمائهم -يعني يوم أحد- ولم يَغْسِلْهم"(5).
(1) أي: ضربت ودفعت.
(2)
الغضاضة: العيب والمنقصة.
(3)
أخرجه أحمد -والسياق له بسند حسَن- والبيهقي وسنده صحيح وانظر "أحكام الجنائز"(ص 81).
(4)
انظر "أحكام الجنائز"(ص 72).
(5)
أخرجه البخاري: 1346. وفي رواية "وقال: أنا شهيدٌ على هؤلاء، وأمَر بدفنهم بدمائهم، ولم يُصلِّ عليهم، ولم يُغسّلهم"، البخاري: 1347.
وفي رواية: فقال: "أنا شهيدٌ على هؤلاء، لُفُّوهم في دمائهم، فإنه ليس جريح يُجرح [في الله] إلَاّ جاء وجرحه يوم القيامة يدْمي، لونُه لونُ الدم، وريحهُ ريحُ المسك"(1).
وفي رواية: "لا تغْسِلوهم، فإنّ كلّ جرحٍ يفوح مِسْكاً يوم القيامة، ولم يُصلِّ عليهم"(2).
الثاني: عن أبي بَرْزَةَ رضي الله عنه: "أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم كان في مغْزىً له، فأفاءَ اللهُ عليه، فقال لأصحابه: هل تفقدون مِن أحدٍ؟ قالوا: نعم، فلاناً، وفلاناً، وفلاناً. ثمّ قال: هل تفْقِدون مِن أحدٍ؟ قالوا: لا: قال: لكني أفقد جُليْبِيباً، فاطلُبوه.
فطُلب في القتلى، فوجدوه إلى جَنْبِ سبعةٍ قد قَتَلهم، ثمّ قتلوه! فأتى النبيُّ صلى الله عليه وسلم، فوقفَ عليه فقال: قَتَلَ سبعةً ثم قَتَلوه! هذا منِّي، وأنا منه، هذا منِّي، وأنا منه، قال: فَوَضَعه على ساعِدِيْه، ليس له إلاّ ساعدا (3) النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: فحُفر له ووُضِع في قبره، ولم يَذْكُر غَسْلاً" (4).
الثالث: عن أنس: "أنّ شهداء أُحُد لم يُغَسَّلوا، ودُفنوا بدمائهم، ولم يصلِّ
(1) أخرجه البيهقي في "السنن الكبرى" وابن أبي شيبة في "المصنف" وغيرهما وانظر "أحكام الجنائز"، (ص 72).
(2)
أخرجه أحمد في "المسند" وغيره وصححه شيخنا رحمه الله في: الإرواء" (3/ 164).
(3)
أي: لم يكن له سرير إلَاّ ساعدي النبي صلى الله عليه وسلم، وهي رواية ثابتة، انظر "أحكام الجنائز"(ص 73).
(4)
أخرجه مسلم: 2472.
عليهم [غير حمزة] " (1).
الرابع: عن عبد الله بن الزُّبير في قصة أُحُدٍ واستشهاد حنظلَة بن أبي عامر، قال:"فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنّ صاحِبَكم تَغسِلُه الملائكةُ، فاسألوا صاحِبَتَه، فقالت: خَرَجَ وهو جُنُبٌ لمّا سَمِع الهائعة (2)، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لذلك غسَّلتْهُ الملائكة"(3).
الخامس: عن ابن عباس قال: "أصيبَ حمزةُ بن عبد المطّلب، وحنظلةُ بن الراهب، وهما جُنُبٌ (4)، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: رأيتُ الملائكةَ تُغَسِّلُهما"(5).
قال شيخنا رحمه الله في "أحكام الجنائز"(ص 75):
"واعلم أن وجه دلالة الحديث على عدم مشروعية غَسْل الشهيد الجنبِ؛ هو ما ذكَره الشافعيةُ وغيرهُم؛ أنّه لو كان واجباً لما سَقَطَ بغسل الملائكةِ، ولأَمرَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم بغسلِه، لأنّ المقصودَ منه تعبُّدُ الآدمى به، انظر "المجموع" (5/ 263) و"نيل الأوطار" (4/ 26) ".
(1) أخرجه أبو داود والزيادة له وللحاكم والترمذي وحسّنه، وغيرهم وانظر "أحكام الجنائز"(ص 73).
(2)
هو الصوتُ الذي تفْزَعُ منه، وتخافه من عدوّ. "النّهاية".
(3)
أخرجه ابن حبان في "صحيحه"، والحاكم، والبيهقي بإسناد جيد، وانظر "أحكام الجنائز"(ص 74).
(4)
كذا في "السنن والآثار" للبيهقي، وفي "معجم الطبرانيّ الكبير""جُنُبان".
(5)
أخرجه الطبرانيّ في "الكبير" وإسناده حسنٌ، كما قال الهيثمي في "المجمع"(3/ 23).
وانظر "أحكام الجنائز"، (ص 75).