الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ما وَرَد في الإحسان إلى الأسرى
قال الله -تعالى-: {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ (1) مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا (8) إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا} (2).
قال ابن جرير رحمه الله: {وَأَسِيرًا} : وهو الحربيّ مِن أهل دار الحرب، يُؤخَذ قهراً بالغَلبَة، أو مِن أهل القبلة يُؤخذ فيُحبَس بحقّ.
وعن أبي موسى رضي الله عنه قال: "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فُكّوا العاني -يعني الأسير- وأطعموا الجائع، وعودوا المريض"(3).
ومِن جملة الإحسان المنّ على الأسرى إذا رأى الإمام مصلحةً في ذلك.
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: "بَعثَ النبيّ صلى الله عليه وسلم خيلاً قِبَلَ نجد، فجاءت برجُلٍ مِن بني حنيفة يقال له ثُمامةُ بن أُثال، فرَبطوه بساريةٍ من سواري المسجد، فخرَج إليه النبيّ صلى الله عليه وسلم فقال: ماذا عندك يا ثُمامة؟ فقال: عندي خير يا محمد إنْ تَقْتلني تقتْل ذا دم، وإن تُنْعم تُنْعِم على شاكر، وإنْ كنت تريد المال فَسلْ منه ما شئت.
فتُرك حتى كان الغد ثمّ قال: له ما عندك يا ثُمامة فقال: ما قلت لك، إنْ تُنْعِم تُنْعِم على شاكر، فترَكَه حتى كان بعد الغد فقال: ما عندك يا ثُمامة فقال: عندي ما قلت لك، فقال: أطلقوا ثُمامة.
(1) أي: وهم يشتهون هذا الطعام.
(2)
الإنسان: (8، 9).
(3)
أخرجه البخاري: 3046.
فانطلق إلى نخْلٍ (1) قريب من المسجد، فاغتسل ثم دَخل المسجد فقال: أشهد أن لا إله إلَاّ الله، وأشهد أن محمداً رسول الله، يا محمّد والله ما كان على الأرض وجهٌ أبغَضُ (2) إليّ مِن وجهك، فقد أصبَحَ وجهُك أحبَّ الوجوه إليّ، والله ما كان مِن دينٍ أبغضَ إليّ من دينك فأصبح دينُك أحبَّ الدين إليّ، والله ما كان مِن بلدٍ أبغضُ إليّ مِن بلدِك، فأصبَح بلدُك أحبَّ البلاد إليّ، وإنَّ خيلَك أخذتني وأنا أريد العمرة؛ فماذا ترى؟
فبشَّره رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمرَهَ أن يعتمر، فلمّا قَدم مكة قال له قائل: صَبَوْت؟ قال: لا ولكنْ أسلمتُ مع محمّد رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، ولا والله لا يأتيكم مِن اليمامة حبّةُ حِنطة حتى يأذَن فيها النبيّ صلى الله عليه وسلم" (3).
وفي زيادة: "وانصَرف إلى بلده، ومنَع الحمل إلى مكّة؛ حتى جَهِدَت قريش، فكتبوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يسألونه بأرحامهم أن يكتب إلى ثمامة، يُخلِّي إليهم حمْل الطعام، ففعَل رسول الله صلى الله عليه وسلم"(4).
وفي زيادة أُخرى:
حتى قال عمر: "لقد كان والله في عيني أصغر من الخنزير، وإنّه في عيني، أعظم من الجبل"(4).
(1) وردت بالجيم: وهو المال القليل المُنبعث، ووردت بالخاء، وتقديره: انطلَق إلى نخلٍ فيه ماء، فاغتسَل منه. وانظر "شرح النّووي"(8912).
(2)
وردَ بالرفع والنّصب، وهما وجهان في النحو.
(3)
أخرجه البخاري: 4372، ومسلم:1764.
(4)
أخرجهما أحمد وإسنادهما حسن، انظر "الإرواء"(5/ 42).
وعن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها قالت: "لما قَسَمَ رسول الله صلى الله عليه وسلم سبايا بني المُصْطَلِق؛ وقعَت جويرية بنت الحارث في السّهم لثابت بن قيس بن الشماس، أو لابن عمٍّ له، وكاتَبته على نفسها، وكانت امرأةً حلوة مُلاّحة (1)، لا يراها أحد إلَاّ أخذَت بنفسه، فأتَت رسول الله صلى الله عليه وسلم تستعينه في كِتابتها.
قالت: فوالله ما هو إلاّ أن رأيتها على باب حجرتي؛ فكرِهْتُها، وعرفت أنّه سيرى منها ما رأيت، فدخَلَت عليه، فقالت: يا رسول الله أنا جويرية بنت الحارث بن أبي ضرار سيّد قومه، وقد أصابني ما لم يخفَ عليك، فوقعْتُ في السهم لثابت بن قيس بن الشِّماس أو لابن عمٍّ له، فكاتَبْتُه على نفسي، فجئتك أستعينك على كِتابتي.
قال: فهل لك في خير من ذلك؟ قالت: وما هو يا رسول الله؟ قال: أقضي كتابتَك وأتزوجك، قالت: نعم يا رسول الله، قال: قد فعَلْتُ، قالت: وخرَج الخبر إلى النّاس أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوَّجَ جويريةَ بنتَ الحارث، فقال النّاس: أصهار رسول الله صلى الله عليه وسلم فأرسَلُوا ما بأيديهم.
قالت: فلقد أعتقَ بتزويجه إياها مائةَ أهلِ بيتٍ مِن بني المُصطَلِق، فما أعلَمُ امرأةً كانت أعظمَ بركةً على قومها منها" (2).
(1) مُلاّحة أي: شديدةَ المَلاحَة، وهو من أبنية المبالغة. "النّهاية". قلت: على وزن فُعّال كقوله -تعالى-: {وَمَكرُوا مَكْراً كُبَّاراً} . وانظر "التطبيق الصرفي"(ص 87) للدكتور عبده الراجحي.
(2)
أخرجه أحمد والحاكم وغيرهما، وحسّن شيخنا رحمه الله إسناده في "الإرواء"(5/ 37) تحت الحديث (1212).