الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سواري المسجد" (1).
نفيُ جوازِ قتْلِ الحربيّ إذا أتى ببعضِ أَمارات الإسلام
(2)
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "مرّ رجل مِن بني سُليم على نَفَر مِن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومعَه غنَم فسلَّم عليهم، فقالوا ما سلَّم عليكم إلَاّ ليتعوّذ مِنكم، فعدَوا عليه فقتلوه، وأخذوا غنَمه، فأتوا بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنزل الله -تعالى-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا
…
} (3) إلى آخر الآية" (4).
تحرير الرقاب
(5)
لقد فَتَح الإسلام أبواب تحرير الرِّقاب، وبيَّنَ سُبُل الخلاص، واتخذ وسائل شتّى لإنقاذ هؤلاء مِن الرِّقّ؛ منها:
1 -
أنّه طريقٌ إلى رحمةِ الله وجنّته، يقول الله -سبحانه-:{فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ * فَكُّ رَقَبَةٍ} (6).
(1) أخرجه البخاري: 4372، ومسلم: 1764 وتقدّم.
(2)
هذا العنوان من "صحيح ابن حبان" انظر "التعليقات الحِسان"(7/ 130).
(3)
النساء: 94.
(4)
أخرجه الترمذي وقال: حديث حسن، وابن حبان "التعليقات الحِسان"(4732) وغيرهما، وفيه: وقد أخرجَه البخاري: 4591، ومسلم: 3025 وغيرهما، من طريق عطاء، عن ابن عباس به، ببعض الاختصار.
(5)
عن "فقه السُّنَّة"(3/ 476) بتصرف وزيادة من "تفسير ابن كثير" وغيره.
(6)
البلد: 11 - 13.
عن البراء رضي الله عنه قال: "جاء أعرابي فقال: يا نبيّ الله علِّمْني عَمَلاً يُدخلني الجنة، قال: لئن كنت أقصَرْتَ الخُطبة لقد أعرضْتَ المسألة (1)، أعتق النَّسَمَة (2)، وفُكَّ الرَقَبَة. قال: أوليستا واحداً؟ قال: لا؛ عتق النَّسَمَة: أن تعتق النَّسَمَة (3)، وفكُّ الرَّقبةِ: أن تُعين على الرقبة"(4).
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال النبيّ صلى الله عليه وسلم: "أيُّما رجلٍ أعتَق امرَءاً مسلماً؛ استنقَذَ الله بكل عضوٍ عضواً منه مِن النار"(5).
وفي رواية "مَن أعتقَ رقبةً مسلمة؛ أعتقَ اللهُ بكلِّ عضوٍ منه عضواً مِنه مِن النار، حتى فَرجَه بفرجِه"(6).
2 -
وأنّ العِتق كَفّارة للقتل الخطأ. يقول الله عز وجل: {وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} (7).
3 -
وأنّه كفَّارةٌ للحَنْث في اليمين لقوله تعالى: {فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} (8).
(1) أي جئت بالخطبة قصيرة، وبالمسألة واسعة كثيرة. "النّهاية".
(2)
النَّسَمَة: النفس والروح، أعتق النَّسَمَة: أعتق ذا روح، وكل دابة فيها روح فهي نَسَمَة، وإنّما يُريد النّاس. "النّهاية".
(3)
أي: تنفرد بِعتْقها، وفكُّ الرقبة أن تُعين في عِتْقها.
(4)
أخرجه البخاري في "الأدب المفرد""صحيح الأدب المفرد"(50) وغيره.
(5)
أخرجه البخاري: 2517، ومسلم:1509.
(6)
أخرجه البخاري: 6715، ومسلم:1509.
(7)
النساء: 92.
(8)
المائدة: 89.
4 -
وأنّ العِتق كفّارة في حالة الظِّهار، يقول الله -سبحانه-:{وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا} (1).
5 -
وجعَل الإسلامُ من مصارف الزكاة شراءَ الارقاء وعِتْقَهم، يقول الله -تعالى-:{إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ} (2).
6 -
ومَن نَذَر أن يُحرّر رقبةَ، وجَب عليه الوفاء بالنذر متى تحقَّق له مقصوده. وبهذا يتبيّن أنّ الإسلام ضيَّق مصادر الرَّق، وعامَل الأرقاء معاملةً كريمةً، تمهيداً لتحريرهم.
7 -
وأمَرَ الله -سبحانه- بمكاتبة العبد على قَدْرِ من المال، قال -تعالى-:{وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا (3) وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ} (4).
والكتابة: أن يكاتِب الرجلُ عبده على مالٍ يؤديه إليه مُنجَّماً (5)، فإذا أدّاه صار حُرّاً، وسُمّيت كتابةً لمصدر كتَب كأنه يكتُب على نفسه لمولاه ثمنه، ويكتب
(1) المجادلة: 3.
(2)
سورة التوبة: 60.
(3)
قال بعضهم: أمانة، وقال بعضهم: صِدْقاً، وقال بعضهم: مالاً، وقال بعضهم: حيلةً وكسْباً. قلت: وهذه الأقوال يُفسّر بعضها بعضاً، ولا يمتنع الجمع بينها. والله -تعالى- أعلم.
(4)
النور: 33.
(5)
قال في "النّهاية": "
…
ومنه تنجيم المكاتَب ونجوم الكتابة، وأصْلُه أنّ العرب كانت تجعل مطالعَ منازل القمر ومساقطَها مواقيتَ لحلول ديونها وغيرها، فتقول: إذا طلَع النجم؛ حلّ عليك مالي: أي الثريا، وكذلك باقي المنازل.
مولاه له عليه العِتق، وقد كاتبتُه مكاتبةً والعبد مكاتَب (1).
وقد ذهب بعض العلماء إلى أنّ هذا أمرُ إرشاد واستحباب، والسيّدُ مخيَّرٌ في ذلك، وذهَب آخرون إلى وجوب ذلك.
والآية تدل على وجوب المكاتبة، بشرط أن يكون للمملوك حيلة وقوة وكسْبٌ ومال؛ يؤدي إلى سيده ما شارطه على أدائه.
والأثران الآتيان يدلان على الإيجاب:
عن ابن جريج قلتُ لعطاء: "أواجبٌ عليَّ إذا علِمْتُ له مالاً أن أكاتِبَهُ؟ قال: ما أراه إلَاّ واجباً".
وقال عمرو بن دينارٍ: "قلتُ (2) لعطاء: أتأثُرُه (3) عن أحد؟ قال: لا، ثمّ أخبَرَني أن موسى بنَ أنس أخبَره أنّ سيرين سأَل أنسَاً المكاتَبَة وكان كثير المال، فأبى، فانطلَق إلى عمر رضي الله عنه فقال كاتِبه، فأبى، فضربَه بالدِّرَّة ويتلو عمر: {فَكاتِبوُهُم إنْ عَلِمتُم فِيهِم خيراً} فكاتَبهُ"(4).
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه: "أنّ سيرين أراد أن يُكاتِبه، فتلكَّأَ
(1)"النّهاية".
(2)
القائل: ابن جريج.
(3)
أي: أترويه.
(4)
رواه البخاري معلقاً بصيغة الجزم في "كتاب المكاتَب"(باب المكاتَب ونجومه في كلّ سنة نجم)، ووصلَه إسماعيل القاضي في "أحكام القرآن" بسندٍ صحيح عنه، وكذلك أخرجَه عبد الرزاق والشافعي من وجهين آخرين عن ابن جُريج، وانظر "فتح الباري"(5/ 186) و"مختصر البخاري"(2/ 179) لشيخنا رحمه الله.