الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والتهليل والتسبيح، قال: فعدُّوا سيئاتكم فأنا ضامنٌ أن لا يضيعَ مِن حسناتكم شيءٌ؛ ويْحَكم يا أمّة محمّد! ما أسرع هلكتكم! هؤلاء صحابة نبيكم صلى الله عليه وسلم متوافرون، وهذه ثيابه لم تَبْل، وآنيته لم تُكْسر، والذي نفسي بيده إنكم لعلى ملّة هي أهدى من ملّة محمد، أو مفتتحو باب ضلالة؟!
قالوا والله: يا أبا عبد الرحمن! ما أردنا إلَاّ الخير، قال: وكم من مريد للخير لن يصيبه، إنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم حدّثنا: أنّ قوماً يقرءون القرآن، لا يجاوز تراقيهم، وايم الله ما أدري لعل أكثرهم منكم! ثمّ تولى عنهم، فقال عمرو بن سلمة: فرأينا عامّة أولئك الحلق يُطاعنونا يوم النّهروان مع الخوارج" (1).
وهكذا لمّا ذكَر القومُ ربَّهم بغير هُدى أو نور مِن الكتاب والسنّة، واختاروا صراط البدعة؛ كانت عاقبة أمرهم أن يُطاعِنوا المسلمين ويقاتلوهم يوم النهروان مع الخوارج.
وهكذا خَرج هؤلاء عن سبيل المؤمنين ابتداءً مِن التسبيح والتهليل والتكبير وهم لا يريدون إلاّ الخير بزعمهم، وكذلك ما أرادوا إلاّ الخير في قتال المسلمين يوم النهروان!
فأيّ خير هذا الذي أبلَغَهم؛ أن يُطاعنوا المسلمين، ويسفِكوا دماءهم؟! (2).
9 - الإعداد العسكري
قال الله -تعالى-: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ} (3).
(1) أخرجه الدارمي (1/ 68)، وإسناده صحيح، رجاله كلّهم ثقات وانظر "الردّ على التعقّب الحثيث"(ص 47) لشيخنا الألباني رحمه الله.
(2)
انظر كتابي "وصيّة مودِّع"(ص 53).
(3)
الأنفال: 60.
عن أبي ذرٍّ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما من فرسٍ عربيّ؛ إلَاّ يُؤذَن له عند كل سَحَر، بكلمات يدعو بهنّ: اللهم خوّلتني (1) مِن بني آدم، وجعلتني له، فاجعلني أحبَّ أهلهِ ومالِه، أو مِن أحبِّ أهلهِ ومالِه إليه"(2).
هذا ولا بد من الإفادة مِن أهل العسكرية، وما يَتْبَع ذلك مِن تقنيات في ضوء الاستطاعة والقُدرة، مِن غير تقصير، ولكن ينبغي للمسلمين أن لا تضعُف هممهم ولا تفتر عزائمهم؛ إذا رأوا أَنهم أقلّ مِن الأعداء؛ عدداً أو عُدّةً أو سلاحاً، فهذا الحال الذي كان عليه النبيّ صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم، وعليهم استكمال الأسباب المطلوبة الأخرى؛ مع عدم الإعجاب بالقوّة أو الكثرة.
قال الله -تعالى-: {لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ * ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنْزَلَ جُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ * ثُمَّ يَتُوبُ اللَّهُ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} (3). قال الحافظ ابن كثير رحمه الله: "يذكُر -تعالى- للمؤمنين فضْله عليهم وإحسانَه لديهم في نَصْرِه إياهم في مواطنَ كثيرةٍ مِن غزواتهم مع رسوله، وأنّ ذلك من عنده -تعالى-، وبتأييده وتقديره، لا بعَدَدِهم ولا بعُدَدِهم ونبَّهَهم على أنّ النصر مِنْ عِنْده، سواء قلَّ الجمع أو كثُر، فإنّ يوم حُنين أعجَبَتْهم كثرتُهم، ومع هذا ما أجدى ذَلك عنهم شيئاً فولَّوْا مُدبرين إلَاّ
(1) التخوُّل: التمليك والتّعهُد.
(2)
أخرجه النسائي وصححه -شيخنا رحمه الله في "صحيح الترغيب والترهيب"(1251) وتقدّم.
(3)
التوبة: 25 - 27.
القليلَ منهم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم. ثمّ أنزَل الله نصرَه وتأييده على رسوله وعلى المؤمنين الذين معه
…
، ليُعلِمهم أنّ النصر مِن عنده -تعالى- وحده وبإمداده - وإنْ قلّ الجمع-، فكم مِن فئةٍ قليلةٍ غلبَت فئةً كثيرةً بإذن الله، والله مع الصابرين".
عن صهيبٍ رضي الله عنه قال: "كان إذا صلّى (1) هَمس، فقال: أفطنتم لذلك؟ إني ذكَرْت نبيّاً من الأنبياء؛ أعطِيَ جنوداً مِن قومه، فقال: من يكافئ هؤلاء أو مَن يُقاتل هؤلاء؟ أو كلمةً شبهها، فأوحى الله إليه أنِ اختر لقومك إحدى ثلاث: أن أسَلِّط عليهم عدوَّهم أو الجوع أو الموت.
فاستشار قومه في ذلك؟ فقالوا: نَكِلُ ذلك إليك أنت نبيّ الله، فقام فصلّى وكانوا إذا فَزِعوا، فزعوا إلى الصلاة، فقال: يا رَبّ أمّا الجوع أو العدوّ فلا، ولكن الموتَ، فسلّط عليهم الموت ثلاثة أيام، فمات منهم سبعون ألفاً، فهَمْسِي الذي تَرون أنّي أقول: اللهمّ بك أقاتل وبك أصاول (2) ولا حولَ ولا قوّةَ إلاّ بك" (3).
وكأنّ الله -تعالى- قضى أنْ يتفوَّق الكُفَّار في العدد، والعُدّة، والتقدم العلميّ؛ لتظهَر معجزة أهل الإيمان، مع الإعداد الممكن، كما في قوله -تعالى-:{وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ} (4).
(1) أي رسول الله صلى الله عليه وسلم.
(2)
أصاول: أسطو وأقهر، والصولة: الحملة والوثبة. "النّهاية".
(3)
أخرجه ابن حبان في "التعليقات الحسان"(4738)، وابن نصر في "الصلاة" وغيرهما، وانظر "الصحيحة"(1061)، وفي بعض الطرق أنّ الصلاة هي صلاة الفجر، وأنّ الهمس كان بعدها، وفي أيام حنين كما في "المسند" وانظر المصدر المذكور.
(4)
الأنفال: 60.