الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إذن الوالدين في جهاد التطوع
الجهاد الواجب لا يلزم فيه إذن الوالدين.
أمّا جهادُ التطوّع؛ فإنّه لا بد فيه من إذن الوالِدَيْن المسلِمَين.
عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: "سألْتُ النبيّ صلى الله عليه وسلم أيُّ العمل أحبُّ إلى الله؟ قال: الصلاة على وقتها، قال: ثمَّ أيُّ؟ قال: بِرُّ الوالدين، قال: ثمَّ أيُّ؟ قال: الجهاد في سبيل الله"(1).
وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: "جاء رجل إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم فاستأذنه في الجهاد، فقال: أحيٌّ والداك؟ قال: نعم، قال: ففيهما فجاهِد"(2).
وفي رواية: "جاء رجلٌ إلى النبي صلى الله عليه وسلم يبايعه على الهجرة، وترك أبويه يبكيان، فقال: ارجع إليهما فأضحِكهما كما أبكيتَهما"(3).
وعن جاهمة السُّلمي رضي الله عنه قال: "أنّه جاء رجل إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، أردتُ أن أغزو، وقد جئت أستشيرك؟ فقال: هل لك من أمّ، قال: نعم، قال: فالزمها؛ فإنّ الجنّة تحت رجليها"(4).
(1) أخرجه البخاري: 527، ومسلم:85.
(2)
أخرجه البخاري: 3004، ومسلم:2549.
(3)
أخرجه أحمد وأبو داود وابن ماجه، وصححه شيخنا رحمه الله في "صحيح الأدب المفرد" برقم 10.
(4)
أخرجه أحمد والنسائي "صحيح سنن النسائي"(2908) وابن ماجه وغيرهم، وانظر تعليق شيخنا رحمه الله في "التعليقات الرضيّة على الروضة النديّة"(3/ 439).
وقال في "الروضة النديّة"(2/ 718):
"وقد ذَهَب الجمهور؛ إلى أنَّه يَجب استئذان الأبوين في الجهاد، ويَحرُم إذا لم يأذنا أو أحدهما، لأنّ بِرّهما فَرْضُ عين، والجهاد فرضُ كفاية، قالوا: وإذا تعيَّن الجهاد فلا إِذْن
…
".
وقال العلّامة أحمد شاكر رحمه الله: "ولعل الأحسن في التوفيق بين الحديثين، أن يُجْعَل ذلك إلى رأي الإمام أو المكلِّف، فإنْ كانت المصلحة تقتضي بأحدهما وجب تقديمه، وقد كان المهاجرون والأنصار يجاهدون، ولم نر في شيء من الروايات، أنهم كانوا يلتزمون استئذان الوالدين في كل غزو".
وجاء في "المغني"(10/ 383):
" (وإذا خوطب في الجهاد فلا إذْن لهما، وكذلك كلّ الفرائض لا طاعة لهما في تركها) يعني إذا وجَب عليه الجهاد لم يُعتَبَرْ إذن والديه، لأنه صار فرْضَ عين، وترْكه معصية، ولا طاعة لأحد في معصية الله، وكذلك كلّ ما وجب، مثل: الحجّ، والصلاة في الجماعة والجمع، والسفر للعِلم الواجب.
قال الأوزاعي: لا طاعة للوالدين في تَرْك الفرائض والجُمَع والحجّ والقتال، لأنها عبادة تعيّنت عليه، فلم يُعتَبر إذن الأبوين فيها كالصلاة، ولأنّ الله -تعالى- قال:{وَللهِ عَلَى اَلنَّاسِ حِجُّ اَلبَيتِ مَنِ اَسْتَطَاعَ إليَهِ سبيلاً} ، ولم يَشتَرِط إذن الوالدين".
وجاء في كتاب "الإنجاد في أبواب الجهاد"(1)(1/ 52): "وأمَّا مَن له
(1) تصنيف الإمام أبي عبد الله محمد بن عيسى بن محمد بن أصبغ الأزدي القرطبي المعروف بابن المُناصف رحمه الله، علّق عليه وخرّج أحاديثه مشهور بن حسن آل سلمان ومحمد بن زكريا أبو غازي -حفظهما الله-.
أبوان؛ فإنْ كانا يَضيعان بخروجه إلى الجهاد؛ فهو إجماعٌ على أنّ فرضَ الجهاد ساقِطٌ عنه، ذكَره أبو محمد بنُ حزمٍ في "مراتب الإجماع". وإنْ كانا ممّن لا يَضيع، فذهب الجمهور إلى أنّ عليه أن يستأذنهما، فإنْ أذِنا له خرَج، وإنْ أبَيَا عليه لم يجُزْ له أن يخرج.
رُوي ذلك عن مالكِ، والأوزاعي، وسفيان الثوري، والشافعيّ، وأحمد بن حنبل، وغيرهم من أهل العلم، قال أبو عمر بن عبد البَرِّ:"لا خلاف أعلمه أنّ الرجل لا يجوز له الغزو ووالداه كارهان، أو أحدهما".
قلت [والكلام لصاحب "الإنجاد"]: ذلك إذا لم يتعيَّن الفرض، مِثْل أنْ يفْجأ العدوُّ (1)، فيُحتاج إليه في الدفع، ونحوِ ذلك ممّا يتعيّن فيه، لأنه ما لم يتعيَّن، يعصي والديه ويعقُّهما في غير شيء أوجَبَه الشرع، فذلك حرامٌ عليه، وأمّا إذا تعيَّن الفرض، فلا يستأذنهما في تَرْك الفرائض".
ثمّ ذكَر الأدلة على ذلك، ثمّ قال:"وقال الحسن البصري رحمه الله: "إذا أذِنَت له أمُّه في الجهاد، وعلِمَ أنّ هواها أن يجلس؛ فليجلس".
وقال في "المغني"(10/ 383) أيضاً:
(1) وجاء في "التعليق": "هل حضور الولد الصّف بعد الإذن، يُؤثّر فيه رجوع الأبوين عن الإذن؟ خلافٌ بين أهل العلم، بخلاف رجوعهما قبل حضورِ الصفّ، فالواجب على الولد الرجوع، ما لم يتعيَّن عليه الجهاد، انظر بسط المسألة في: "روضة الطالبين" (10/ 212)، "أسنى المطالب" (4/ 177 - 178)، "مغني المحتاج" (4/ 218)، "كشاف القناع" (3/ 40)، "أحكام إذْن الإنسان" (2/ 624 - 625)، "رسالة الإرشاد إلى بيان الحقّ في حُكم الجهاد" (ص 74 - وما بعدها) ".