الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والشَّعَرَ، ونعبد الشَّجر والحجرَ، فبينا نحن كذلك؛ إذ بعَث ربُّ السماوات وربُّ الأرَضِينَ -تعالى ذكره وجَلّت عَظَمَتُه- إلينا نبيّاً من أنفسِنا، نعرفُ أباه وأمّهُ، فأمرَنا نبيُّنا رسولُ ربِّنا صلى الله عليه وسلم أن نقاتِلَكُمْ حتّى تعبُدوا اللهَ وحدهُ، أو تؤدّوا الجزيَة" (1).
ممن تُقبَل
؟
تُقبل الجزية من كل المِلَل والنّحل والأمم، عربهم وعجمهم.
قال الإمام البخاري رحمه الله: (باب الجزية والموادعة
…
وما جاء في أخْذِ الجزية مِن اليهود والنصارى والمجوس والعَجَم).
ثمّ ذكَر رحمه الله حديث بجَالة المتقدّم، وفيه أنّ رسول الله أخذ الجزية مِن مجوس هجر (2).
وقال العلاّمة ابن القَيِّم رحمه الله في حكمه صلى الله عليه وسلم في الجزية: "قد تقدَّم أنَّ أول ما بَعَث -الله عز وجل به نبيّه صلى الله عليه وسلم الدعوة إليه بغير قتالٍ ولا جزية، فأقام على ذلك بضع عشرة سنةً بمكّة ثمّ أذِنَ له في القتال؛ لمّا هاجر مِن غير فرضٍ له، ثمّ أمَرَه بقتال مَن قاتلَه، والكفِّ عمّن لم يقاتله، ثمّ لمّا نزلت (براءة) سنة ثمان، أمَرَه بقتال جميع مَن لم يُسلِم من العرب؛ مَن قاتله أو كفَّ عن قتاله إلَاّ مَن عاهدَه ولم يَنْقُصْه مِن عهده شيئاً فأمَرَه أن يفيَ له بعهده، ولم يأمره بأخذ الجزيةِ مِن المشركين، وحارَب اليهود مراراً، ولم يُؤمَر بأخذ الجزية منهم.
(1) أخرجه البخاري: 3159، وتقدّم.
(2)
انظر "صحيح البخاري"(كتاب الجزية والموادعة)(باب - 1)، وتقدّم.
ثمّ أَمَره بقتال أهل الكتاب كلِّهم حتى يُسلِموا، أو يُعطوا الجزية، فامتَثَل أمْر ربِّه فقاتَلهم، فأسلَم بعضُهم، وأعطى بعضُهم الجزية، واستمرَّ بعضُهم على محاربته ....
ولم يأخذها مِن مشركي العرب، فقال أحمد والشافعي: لا تُؤخَذ إلَاّ مِن الطوائف الثلاث التي أخذَها رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم، وهم اليهود والنصارى والمجوس (1).
ومَن عداهم فلا يُقبل مِنهم إلاّ الإسلام أو القتل.
وقالت طائفة: في الأمم كلِّها إذا بذَلُوا الجزية؛ قُبلت منهم: أهل الكتابين بالقرآن، والمجوس بالسُّنَّة، ومَن عَداهم مُلحقٌ بهم؛ لأن المجوس أهلُ شركٍ لا كتاب لهم، فأخذُها منهم دليل على أخْذِهِا من جميع المشركين؛ وإنمّا لم يأخذها صلى الله عليه وسلم من عَبَدة الأوثانِ مِن العرب؛ لأنّهم أسلموا كلُّهم قبل نزول آية الجزية، فإنها نزلت بعد تبوك، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد فرَغ مِن قتال العرب، واستوثَقَت كُلّها له بالإسلام، ولهذا لم يأخُذْها مِن اليهود الذين حاربوه، لأنّها لم تكن نزَلَت بعد، فلما نزَلت، أخَذَها مِن نصارى العرب، ومِن المجوس، ولو بقي حينئذ أحدٌ مِن عَبَدَة الأوثان بذَلهَا؛ لقَبِلها منه، كما قَبِلها من عَبَدَة الصُّلبان والنِّيران، ولا فرق ولا تأثير، لتغليظ كُفرِ بعض الطوائف على بعض.
(1) وجاء في "الروضة الندية"(2/ 763): "وقال الشافعي: إن الجزية تُقبَل مِن أهل الكتاب؛ عرباً كانوا أو عَجَماً، ويُلحَق بهم المجوس في ذلك".
وقال رحمه الله كذلك (2/ 764): "الجزية على الأديان، لا على الأنساب، فتُؤخَذ مِن أهل الكتاب، عرباً كانوا أو عَجَماً، ولا تؤخذ مِن أهل الأوثان، والمجوس لهم شبهة كتاب".
ثمّ إن كُفر عَبَدَة الأوثان ليس أغلظَ مِن كُفر المجوس، وأيُّ فرقٍ بين عَبَدة الأوثانِ والنّيران، بل كُفرُ المجوس أغلظ، وعُبّادُ الأوثان كانوا يُقرّون بتوحيد الربوبية، وأنّه لا خالق إلَاّ الله، وأنّهم إنّما يعبدُون اَلهتم لتُقرِّبهم إلى الله سبحانه وتعالى ولم يكونوا يُقِرّون بصانِعَيْن للعالم، أحدهما: خالقٌ للخير، والآخر للشر - كما تقوله المجوس- ولم يكونوا يستحلّون نكاح الأمّهات والبنات والأخوات، وكانوا على بقايا مِن دين إبراهيم -صلوات الله وسلامه عليه-.
وأمّا المجوس فلم يكونوا على كتاب أصلاً، ولا دانوا بدين أحدٍ مِن الأنبياء - لا في عقائدهم ولا في شرائِعهم-، والأثر الذي فيه أنّه كان لهم كتابٌ فرُفِع، ورُفِعت شريعتهم لما وقع مَلِكُهم على ابنته لا يَصحُّ البتة، ولو صحّ لم يكونوا بذلك مِن أهل الكتاب، فإنّ كتابهم رُفِع، وشريعتهم بطلت، فلم يبقوا على شيء منها.
ومعلومٌ أنّ العرب كانوا على دين إبراهيم عليه السلام وكان له صُحُف وشريعة، وليس تغيير عَبَدَة الأوثان لدين إبراهيم عليه السلام وشريعته بأعظم مِن تغيير المجوس لدين نبيهم وكتابهم -لو صحّ-، فإنّه لا يُعرف عنهم التّمسك بشيء مِن شرائع الأنبياء -عليهم الصلوات والسلام- بخِلاف العرب، فكيف يُجعَل المجوس الذين دينهُم أقبحُ الأديان، أحسنَ حالاً مِن مشركي العرب، وهذا القول أصحُّ في الدليل كما ترى (1).
(1)"زاد المعاد"(5/ 90) بحذف. قلت: وحديث أبي داود عن أنس رضي الله عنه "أن النبيّ صلى الله عليه وسلم بعَث خالداً إلى [أكيدردومة]، فأخذوه فأتَوا بِه، فحقَن دمه، وصالحَه على الجزية". ضعيف لإرساله انظر التعليقات الرضية (3/ 488).