الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
العهود والمواثيق
*احترامُ العهود:
إنَّ احترامَ العهودِ والمواثيق واجبٌ إسلاميّ؛ لما له مِن أثرٍ طيِّب، ودورٍ كبير في المحافظة على السلام، وأهميةٍ كبرى في فضِّ المشكلات، وحَلِّ المنازعات، وتسوية العلاقات.
والله -سبحانه- يأمُر بالوفاء بالعهود، سواءٌ أكانت مع الله، أم مع النّاس، فيقول:{يا أيُّهُا الذين آمَنُوَا أَوفُوا بالعُقُودِ} (1).
وأيّ تقصيرٍ في الوفاء بهذا الأمر يُعَدُّ إثماً كبيراً؛ يستوجِب المقت والغضَب: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ} (2).
وكل ما يقطعه الإنسان على نفسه مِن عهدٍ، فهو مسؤول عنه، ومحاسَبٌ عليه:{وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا} (3).
[وحقُّ العهد مُقدَّم على حقِّ نَصْرِ مَن استنصَر في الدين لقوله -تعالى-: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُمْ مِنْ وَلَايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُوا وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلَّا عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} (4)].
(1) المائدة: 1.
(2)
الصف: 2 - 3.
(3)
الإسراء: 34.
(4)
الأنفال: 72.
قال الحافظ ابن كثير رحمه الله: "وقوله: {وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلَّا عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} يقول -تعالى-: وإن استنصروكم هؤلاء الأعراب، الذين لم يُهاجروا في قتالٍ دينيّ، على عدوٍّ لهم فانصُروهم، فإنّه واجبٌ عليكم نَصْرهم؛ لأنهم إخوانكم في الدّين، إلَاّ أن يستنصروكم على قومٍ مِن الكُفَّار {بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ} أي: مُهادنة إلى مُدّة، فلا تخفِروا ذمَّتكم، ولا تنقضوا أيمانكم مع الذين عاهدتم. وهذا مرويٌّ عن ابن عباس رضي الله عنهما" انتهى.
والوفاء جُزءٌ من الإيمان، عن عائشة رضي الله عنها أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم قال:"إنّ حُسنَ العهد مِن الإيمان"(1).
وليس للوفاء جزاءٌ إلَاّ الجنَّة: {وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ * أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ * الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} (2).
ولقد كان الوفاء خُلُقَ الأنبياء والرسل -عليهم الصلاة والسلام-: {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولًا نَبِيًّا} (3).
وقد عاهدَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بعد الهجرة اليهود عهداً، [أَمَّنَهم على دمائهم، وأموالهم]، بشرط ألا يُعينوا عليه المشركين، فنقَضُوا العهد، ثمّ اعتذروا، ثمّ
(1) أخرجه الحاكم وغيره وانظر "صحيح الجامع"(2052) و"الصحيحة" -لزاماً- تحت رقم (216).
(2)
المؤمنون: 8 - 11.
(3)
مريم: 54.
رجَعوا فنقضوه مرّةً أخرى، فأنزَل الله- عز وجل:{إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الَّذِينَ كَفَرُوا فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ عَاهَدْتَ مِنْهُمْ ثُمَّ يَنْقُضُونَ عَهْدَهُمْ فِي كُلِّ مَرَّةٍ وَهُمْ لَا يَتَّقُونَ * فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْبِ فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ (1)} (2).
وفي التشنيع على الناقضين للعهود، يقول الله عز وجل:{وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلَا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلًا إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ * وَلَا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكَاثًا تَتَّخِذُونَ أَيْمَانَكُمْ دَخَلًا بَيْنَكُمْ أَنْ تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبَى مِنْ أُمَّةٍ إِنَّمَا يَبْلُوكُمُ اللَّهُ بِهِ وَلَيُبَيِّنَنَّ لَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ} (3).
وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: "آيةُ المنافق ثلاث: إذا حدَّث كذَب، وإذا وعَد أخلَف، وإذا أؤتمُن خان"(4).
وعن أبي بكرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَن قَتَل
(1) قال ابن كثير رحمه الله: "أخبَر -تعالى- أنّ شرَّ ما دبّ على وجه الأرض؛ همُ الذين كفَروا فهم لا يؤمنون، الذين كلّما عاهدوا عهداً نَقضوه، وكلّما أكّدوه بالأيمان نَكثوه، {وَهُمْ لَا يَتَّقُونَ} أي: لا يخافون مِن الله في شيءٍ ارتكبوه مِن الآثام.
{فإما تثقفنهم في الحرب} أي: تَغْلبهم وتظفر بهم في حرب، {فَشَرِّدْ بِهِم مَنْ خلفَهُم} أي: نكِّل بهم، [قاله: ابن عباس رضي الله عنهما وغيره] ومعناه: غَلِّظ عقوبَتَهم، وأثخِنْهم قَتْلاً، ليخاف مَن سواهم مِن الأعداء -مِن العرب وغيرهم- ويصيروا لهم عِبرة".
(2)
الأنفال: 55 - 57.
(3)
النحل: 91 - 92.
(4)
أخرجه البخاري: 33، ومسلم:59.