المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌السمع والطاعة للإمام ما لم يأمر بمعصية وما جاء في عدم منازعة الأمر أهله - الموسوعة الفقهية الميسرة في فقه الكتاب والسنة المطهرة - جـ ٧

[حسين العوايشة]

فهرس الكتاب

- ‌الجهاد

- ‌إيحابه:

- ‌الجهاد فرضُ كفاية إذا قام به قومٌ سقط عن الباقين

- ‌متى يتعيّن الجهاد

- ‌ماذا يُشترَط لوجوب الجهاد

- ‌متى تُشرع الحرب

- ‌مراتب الجهاد

- ‌الإخلاص في الجهاد

- ‌عذاب من يرائي في جهاده

- ‌الترهيب من أن يموت الإنسان ولم يغزُ

- ‌الجهاد في سبيل الله تجارة مُنجية

- ‌الجهاد من أفضل الأعمال عند الله -تعالى- وأَحبِّها إليه

- ‌الجنة تحت ظلال السيوف

- ‌لا يجتمع غُبارٌ في سبيل الله ودخان جهنّم

- ‌يُنجّي الله -تعالى- بالجهاد من الهمّ والغمّ

- ‌المجاهد أفضل النّاس

- ‌ذِكر التسويةِ بين طالب العلم ومعلِّمهِ وبين المجاهدِ في سبيل الله

- ‌أي القتل أشرف

- ‌مقام الرجل في سبيل الله أفضل من صلاته في بيته سبعين عاماً

- ‌للمجاهد في الجنّة مائة درجة

- ‌ما يعدِل الجهاد في سبيل الله عز وجل

- ‌فضل الشهادة في سبيل الله -سبحانه

- ‌فضل الرباط في سبيل الله -تعالى

- ‌فضل الرمي بنيّة الجهاد والتحريض عليه

- ‌اللهو بأدوات الحرب

- ‌إثم مَن تعلّم الرمي ثمّ تَركه

- ‌فضل احتباس الخيل للجهاد في سبيل الله

- ‌فضل النفقة في سبيل الله وتجهيز الغزاة

- ‌أجر الشهادة بالنيّة لمن لم يستطع الجهاد

- ‌من صفات القائد

- ‌من وصايا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى قُوّاده

- ‌ما يجب على أمير الجيش أو قائده

- ‌ذكر ما يُستحَبّ للإمام أن يستعين بالله -جلّ وعلا- على قتال الأعداء إذا عزَم على ذلك

- ‌الاستنصار بالضعفاء: بدعوتهم وصلاتهم وإخلاصهم

- ‌جواز تخلّفِ الإمام عن السرية لمصلحة

- ‌إذا طلَب الإمام قَتْلَ رجل

- ‌البيان بأن صاحبَ السرية إذا خالَف الإمام فيما أمَره به كان على القوم أنْ يَعْزِلوه وُيولُّوا غيره

- ‌من تَأمَّر في الحرب مِن غير إمرةٍ إذا خاف العدو

- ‌توليةُ الإمِام أمراءَ جماعة واحداً بعد الآخر عند قَتْل الأول

- ‌متى تجب طاعة الجنود الأمير أو القائد

- ‌عقوبة مَن عصى الأمير أو القائد

- ‌مبادرة الإمام عند الفزع

- ‌تشييع المجاهدين ووداعُهم والدعاءُ لهم

- ‌من هديه صلى الله عليه وسلم في الجهاد، واقتداء الصحابة به في المعارك واستبسالهم فيها

- ‌عدد غزوات النبيّ صلى الله عليه وسلم

- ‌الطليعة واستطلاع الأخبار وابتعاث العيون

- ‌التورية في الغزو

- ‌الكَذِب والخداع في الحرب

- ‌التسبيح إذا هَبط وادياً والتكبير إذا عَلا شَرَفاً

- ‌إباحة تعاقب الجماعة الركُوبَ الواحد في الغزو عند عدم القدرة على غيره

- ‌مَن أَحبَّ الخروج للغزو يومَ الخميس

- ‌ما يُؤمَر من انضمام العسكر

- ‌في المياسرة والمرافقة في الغزو

- ‌حرمة نساء المجاهدين ومن خان غازياً في أهله

- ‌خروج النساء للتمريض ونحوه

- ‌حَمل الرجل امرأتَه في الغزو دون بعض نسائه

- ‌غزوة النساء مع الرجال

- ‌تحريم إسناد القتال إلى النّساء

- ‌فضل الخدمة في الغزو

- ‌إذن الوالدين في جهاد التطوع

- ‌هل يُستأذَن الدائن

- ‌حكم الاستعانة بالمشركين في الجهاد

- ‌النهي عن السفر بالمصحف إلى أَرض الحرب

- ‌ما يُنهى عنه في الحرب

- ‌هل تُرمى حصون العدوّ بالمنجنيق ونحوه من المهلكات وفيهم النساء والذرية

- ‌الدعوة قبل القتال

- ‌الدعاء عند القتال

- ‌الإلحاح على الله -تعالى- في طلب النصر

- ‌كراهةُ تمنّي لقاءَ العدْوّ، والأمرُ بالصبر عند اللقاء

- ‌وجوب الثبات عند لقاء العدوّ ومتى يجوز الفرار

- ‌المبايعة على الموت أو عدم الفرار

- ‌ التحنّط عند القتال:

- ‌مَا يُتَعَوَّذُ مِنْ الْجُبْنِ

- ‌ما جاء في المبارزة

- ‌ما يجوز للرجل مِنَ الحَمْل وحده على جيش العدوِّ وتأويل قول الله -تعالى-: {وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ}

- ‌الخُيَلاء في الحرب

- ‌التكبيرُ عند الحرب

- ‌الغارة على الأعداء ليلاً

- ‌القتال أول النهار أو الانتظار حتى تهُبّ الريح

- ‌إذا ارتدّ على المقاتل سلاحه فقتله فله أجرُه مرّتين

- ‌من لهم ثواب الشهداء

- ‌ماذا يجد الشهيد من مسّ القتل

- ‌فضل الحرب في البحر

- ‌هل يسلم المجاهد نفسه للأسر

- ‌من ركع ركعتين عند القتل

- ‌استقبال الغزاة

- ‌مراسلة المجاهدين والديهم وأهليهم

- ‌انتهاء الحرب

- ‌لا يجوزُ نزْعُ ثيابِ الشهيد التي قُتل فيها

- ‌استحبابُ تكفين الشهيد بثوبٍ واحدٍ أو أكثر فوق ثيابهِ (2)

- ‌لا يُشْرَعُ غَسْلُ الشهيد قتيلِ المعركة ولو كان جُنُباً

- ‌أين يُدفن الشهيد

- ‌دفنْ أكثر من شهيد في قبر واحد إذا كَثُر القتلى

- ‌ما يقول إذا رجع من الغزو

- ‌إذا قَدِمَ الإمام أو القائد مِن الغزو يبدأ بالمسجد فيركع فيه ركعتين

- ‌مراجعة الإمام أو القائد مَن تخلّف من الغزو والقتال

- ‌قتال الإمام مانعي الزكاة

- ‌قتل الجاسوس

- ‌في حُكم قتل الجاسوس إذا كان مُسلماً

- ‌من قفز من عسكر المسلمين إلى عسكر الكُفّار

- ‌الهدنة

- ‌عقد الذمّة

- ‌موجب هذا العقد:

- ‌الأحكامُ التي تجري على أهل الذِّمَّة:

- ‌الجزية

- ‌مشروعيتها:

- ‌ممن تُقبَل

- ‌مقدار الجزية

- ‌ما يجوز للإمام اشتراطه

- ‌الزيادة من غير إجهاد ولا مشقّة

- ‌تحريم أخْذ ما يَشُقُّ على أهل الجزية

- ‌إعفاء من لم يقدر على أدائها

- ‌لا تُؤخَذ الجزية مِن النساء والصبيان

- ‌لا تؤخذ الجزية ممن أسلم ولو كان إسلامه فراراً من دفع الجزية

- ‌خَتْم رقابِ أهل الجزية في أعناقهم

- ‌بمَ يُنقض العهد

- ‌الغنائم

- ‌تعريفها:

- ‌إحلالها لهذه الأمّة دون غيرها

- ‌وجوب المجيء بالغنائم إذا نادى المُنادي في الناس بذلك

- ‌كيفية تقسيم الغنائم

- ‌يستوي في الغنائم مِن أفراد الجيش القوي والضعيف ومَن قاتَل ومن لم يُقاتِل

- ‌السَّلَب للقاتل

- ‌تخميس السَّلَب إذا بلغ مالاً كثيراً

- ‌جواز تنفيل بعض الجيش مِن الغنيمة

- ‌ردّ أموال وسبايا التائبين

- ‌إذا غنم المشركون مال المسلم ثمّ وجده المسلم

- ‌حُكم الأرض المغنومة

- ‌الغُلول

- ‌تعريفه:

- ‌تحريم الغُلول:

- ‌ما يجوز الانتفاع به قبل قسمة الغنائم

- ‌أسرى الحرب

- ‌جوازُ استرقاقِ الكُفّار مِنْ عربٍ أو عَجَم

- ‌إذا أسلم الأسير حَرُمَ قتْلُه

- ‌ما وَرَد في الإحسان إلى الأسرى

- ‌ما ورَد في الإحسان إلى الرقيق

- ‌ربط الأسير وحبْسُه

- ‌نفيُ جوازِ قتْلِ الحربيّ إذا أتى ببعضِ أَمارات الإسلام

- ‌تحرير الرقاب

- ‌الفيء

- ‌إنفاق رسول الله صلى الله عليه وسلم على أهله نفقةَ سَنتِهِم مِن الفيء، وجعْل الباقي في مَجْعَل مال الله

- ‌يُراعى في قَسْم الفيء قِدَمُ الرجل في الإسلام وبلاؤُه، وعِيالُه وحاجتُه

- ‌إعطاء المتزوج حظّين والعزب حظاً واحداً

- ‌استيعاب الفيء عامّة المسلمين

- ‌عطاء المحرَّرين

- ‌كيفية تجزئة النبيّ صلى الله عليه وسلم الفيء

- ‌مصادر الفيء

- ‌مصارف الفيء

- ‌عقد الأمان

- ‌مَن أَمّنه أحد المسلمين صارَ آمناً

- ‌تحريم قتل المؤمَّن

- ‌حُكم الرسول كالمؤَمّن

- ‌المستأمَن

- ‌حقوقه

- ‌الواجب عليه

- ‌تطبيق حكم الإسلام عليه

- ‌مُصادرة ماله

- ‌ميراثه

- ‌العهود والمواثيق

- ‌شروط العهود:

- ‌نقض العهود:

- ‌الإعلام بالنقض تحرُّزاً عن الغدر

- ‌إقرار القوانين الدّولية في تحريم قتل الرسل

- ‌قتال البغاة

- ‌لا يُجهز على الجريح منهم ولا يُسلب القاتل ولا يُطلب المولّي

- ‌أقسام البغاة وما جاء في تأويلهم

- ‌هل البغاة والخوارج لفظان مترادفان أم لا

- ‌إذا بغت طائفة ولم تَقْبَل الصلح كانت بمنزلة الصائل

- ‌العدل بين الطائفتين وما يترتّب على ذلك مِن ضمان وقِصاص وحَمالة

- ‌ثواب صبر مَنْ يظُنّ أنّه مظلوم مبغيٌّ عليه

- ‌ما يفعله ولاة الأمور مع أقوام لم يصلّوا ولم يصوموا

- ‌لا يجوز لإحدى الطائفتين أن تقول: نأخذ حقّنا بأيدينا

- ‌مَن قَتَل أحداً بعد إصلاح

- ‌بيان طُرُق الإصلاح المذكور في قوله تعالى: {فأصلِحوا بين أخويكم}

- ‌متى يُقاتَل الخوارج والمتمرّدون على الإمام

- ‌ما جاء مِن نصوص تبيّن بعض أمارات الخوارج ومثيري الفتن

- ‌السمع والطاعة للإمام ما لم يَأْمُر بمعصية وما جاء في عدم منازعة الأمر أهله

- ‌السلام في الإسلام

- ‌أسباب النصر والتمكين

- ‌1 - التوحيد

- ‌2 - اتباع منهج النبيّ صلى الله عليه وسلم

- ‌3 - اتباع مَنْهج السلف الصالح

- ‌4 - العلم

- ‌5 - تزكية النفوس والائتمار بما أمر الله -تعالى- والانتهاء عما نهى -سبحانه

- ‌6 - ترْك الذنوب والمعاصي والأهواء

- ‌7 - ترك التحايل

- ‌8 - ترْك البِدَع

- ‌9 - الإعداد العسكري

- ‌10 - الإعداد المعنوي

- ‌11 - التآلف واجتماع الكلمة، وعدم التفرق والاختلاف

- ‌لماذا هُزِم المسلمون

- ‌عوامل الهزيمة وأسباب الدَّمار

- ‌عجباً من التخبُّط والعشوائية في طلب النَّصر

- ‌البشرى بانتصار المسلمين وانتشار الإسلام

الفصل: ‌السمع والطاعة للإمام ما لم يأمر بمعصية وما جاء في عدم منازعة الأمر أهله

يوقنون بالمعَاد، ولا يؤمنون بالبعث بعد الممات، بل عليه بالثبات على الحقّ، وعدم العدول عنه.

فذِكر ذلك الخارجي الآية: {لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ} هو حُكمٌ على عليّ رضي الله عنه بأنه مُبطل، كما هو شأن الكفّار في اتهام النبيّ صلى الله عليه وسلم ولمّا أمَرَ الله -تعالى- نبيه بالصبر وأنّ وعده -سبحانه- حقّ، فإنّ علياً أراد أن يقول لهذا الخارجي: إنّ الله -تعالى- يأمرني أن أصبر على مخالفتك وعنادك وأذاك، وهو ناصري ومُعيني، وهو -سبحانه- يأمرني بالصبر والثبات؛ على ما أنا عليه مِن الحقّ، وعدم العدول عنه.

‌السمع والطاعة للإمام ما لم يَأْمُر بمعصية وما جاء في عدم منازعة الأمر أهله

قال الله -تعالى-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا} (1).

جاء في تفسير ابن كثير رحمه الله: "قال علي بن أبي طلحة، عن ابن عبّاس:{وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} يعني: أهلَ الفقه والدين، وكذا قال مجاهد، وعطاء، والحسن البصري، وأبو العالية:{وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} يعني: العلماء.

والظاهر -والله أعلم- أنّ الآية عامّة في جميع أولي الأمر مِن الأمراء والعلماء، -كما تقدّم-، وقد قال تعالى: {لَوْلَا يَنْهَاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ عَنْ قَوْلِهِمُ الْإِثْمَ

(1) النساء: 59.

ص: 309

وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَصْنَعُونَ} (1)، وقال تعالى:{فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} (2).

وفي الحديث الصحيح المتفق عليه، عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنّه قال:"مَن أطاعني فقد أطاع الله، ومَن عصاني فقد عصى الله، ومَن أطاع أميري فقد أطاعني، ومَن عصى أميري فقد عصاني"(3).

فهذه أوامر بطاعة العلماء والأمراء، ولهذا قال -تعالى-:{أطِيعُوا الله} أي: اتبعوا كتابه {وَأَطِيعُوا اَلرسولَ} أي: خذوا بسنَّته {وأولي الأمر منكم} أي: فيما أمروكم به من طاعة الله، لا في معصية الله؛ فإنّه لا طاعة لمخلوق في معصية الله، كما تقدم في الحديث الصحيح:"إنما الطاعة في المعروف"(4).

وعن عمرانَ بن حصين، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال:"لا طاعة في معصية الله"(5).

وقوله: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ} قال مجاهد وغيرُ واحدٍ مِن السلف: أي: إلى كتاب الله وسُنّة رسوله.

وهذا أمْرٌ من الله عز وجل، بأنّ كلَّ شيء تنازَع الناس فيه من أصول الدين وفروعه، أن يُرَدّ التنازع في ذلك إلى الكتاب والسُّنّة، كما قال تعالى: {وَمَا

(1) المائدة: 63.

(2)

النحل: 43.

(3)

أخرجه البخاري: 7137، ومسلم:1835.

(4)

أخرجه البخاري: 4340، 7145، ومسلم:1840.

(5)

أخرجه أحمد والطيالسي، والطبراني في "الكبير" وصححه شيخنا رحمه الله في "الصحيحة"(180).

ص: 310

اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ} (1) فما حَكَم به كتابُ الله وسُنّةُ رسولِه وشهدا له بالصّحّة فهو الحق، وماذا بعد الحقّ إلَاّ الضلال.

ولهذا قال -تعالى-: {إن كنتم تُؤمِنُونَ بِاَللهِ وَاَليومِ الآخِرِ} أي: رُدّوُا الخصومات والجهالاتِ إلى كتاب الله وسُنّة رسوله، فتحاكموا إليهما فيما شجَر بينكم {إن كنتم تُؤمِنُونَ بِاَللهِ وَاَليومِ الآخِرِ} .

فدلَّ على أنَّ مَن لم يتحاكم في مجال النزاع إلى الكتابِ والسنة ولا يرجع إليهما في ذلك؛ فليس مُؤمِناً بالله ولا باليوم الآخر.

وقوله: {ذلك خيرٌ} أي: التحاكُم إلى كتاب الله وسُنة رسوله. والرجوع في فصل النزاع إليهما خير {وَأَحْسَنُ تَأوِيلاً} أي: وأحسنُ عاقبةً ومآلاً؛ كما قاله السدي وغير واحد. وقال مجاهد: وأحسن جزاءً. وهو قريب".

عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبيّ صلى الله عليه وسلم. قال: "السمع والطاعة حقّ؛ ما لم يُؤمَر بمعصية، فإذا أُمِرَ بمعصية، فلا سمْعَ ولا طاعة"(2).

وعن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: من رأى مِن أميره شيئاً يكرهه؛ فليصبِر عليه؛ فإنه مَن فارق الجماعة شبراً فمات؛ إلاّ مات ميتة جاهلية" (3).

وعن جُنادةَ بن أَبي أميّة قال: "دخَلْنا على عُبادة بنِ الصامت وهو مريض، قُلنا أصلحَك الله، حدِّث بحديثٍ ينفعك الله به، سمعْتَه من النبيّ صلى الله عليه وسلم، قال: دعانا

(1) الشورى: 10.

(2)

أخرجه البخاري: 2955، ومسلم:1839.

(3)

أخرجه البخاري: 7054، ومسلم:1849.

ص: 311

النبيّ صلى الله عليه وسلم فبايعناه، فقال فيما أخذَ علينا؛ أن بايَعَنا على السمع والطاعة، في مَنْشَطنا (1) ومَكْرَهنا (2) وعُسرنا ويُسرنا، وأثَرَةٍ (3) علينا، وأن لا نُنازع الأمرَ أهلَه (4) إلَاّ أن تروا كُفراً بَواحاً (5)؛ عندكم من الله فيه بُرهان (6) " (7).

وعن عبد الرحمن بن عبد ربِّ الكعبة، قال: "دخلتُ المسجد، فإذا عبد الله بن عمرو بن العاص جالسٌ في ظِلِّ الكعبة، والناس مجتمِعون عليه، فأتيتُهم

(1) مَنشطنا: أي في حالة نشاطنا.

(2)

مَكرهنا: في الحالة التي نكون فيها عاجزين عن العمل بما نُؤمَر به.

(3)

الأثَرَة -بفتح الهمزة والثاء-: الاسمُ من آثَر يُؤثرُ إيثَاراً: إذا أعْطى، أراد أنَّه يُستأثر عليكم، فيُفضَّل غيرُكم في نَصيبه مِنَ الفَيْء. والاسْتِئْثَار: الانْفِرَادُ بالشيء. "النّهاية". وقال الحافظ رحمه الله: "والمُراد أنّ طواعيتهم لمن يتولّى عليهم؛ لا تتوقف على إيصالهم حقوقَهم بل عليهم الطاعة ولو منعهم حقّهم".

(4)

وأن لا ننازع الأمر أهله: أي الملك والحكم.

(5)

بَواحاً: ظاهراً بيّناً.

(6)

عندكم من الله فيه برهان: [قال الحافظ رحمه الله في "الفتح" (13/ 8): "أي: نصُّ آيةٍ أو خبرٌ صحيح لا يَحْتَمل التأويل، ومُقتضاه أنّه لا يجوز الخروج عليهم ما دام فِعْلهم يَحتمل التأويل، قال النّووي: المراد بالكفر هنا المعصية، ومعنى الحديث: "لا تُنازِعوا ولاة الأمور في ولايتهم ولا تَعترِضوا عليهم إلاّ أن تروا منهم مُنكَراً محُقَّقاً تعلمونه مِن قواعد الإسلام؛ فإذا رأيتم ذلك فأنكِروا عليهم وقولوا بالحقّ حيثما كنتم انتهى. وقال غيره: المراد بالإثم هنا المعصية والكفر، فلا يُعتَرض على السلطان إلَاّ إذا وَقَع في الكفر الظاهر، والذي يظهر حَمْلُ روايةِ الكُفر على ما إذا كانت المنازعة في الولاية؛ فلا ينازِعه بما يقدَح في الولاية إلَاّ إذا ارتكَب الكُفر، وحَمْل رواية المعصية على ما إذا كانت المنازعة فيما عدا الولاية، فإذا لم يُقدَح في الولاية؛ نازَعه في المعصية بأن يُنكِر عليه برفقٍ ويتوصل إلى تثبيت الحق له بغير عُنف، ومحلّ ذلك إذا كان قادراً، والله أعلم".]

(7)

أخرجه البخاري: 7056، ومسلم:1709.

ص: 312

فجلسْتُ إليه، فقال: كنّا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفَر فنزلنا منزلاً، فمنّا من يُصلح خِباءَه ومنا من يَنتضِلُ (1) ومنّا من هو في جَشَرِه (2) إذ نادى منادي رسولِ الله صلى الله عليه وسلم: الصلاةَ جامعةً، فاجتمعْنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إنه لم يكن نبيٌّ قبلي، إلَاّ كان حقّاً عليه أن يدُلّ أمّته على خيرِ ما يعلمُه لهم، ويُنذرَهم شرَّ ما يعلمه لهم، وإنَّ أمّتكم هذه جُعِل عافيتُها في أولها، وسيصيب آخرَها بلاءٌ وأمورٌ تنكرونها، وتجيء فتنة، فيُرقِّق (3) بعضها بعضاً، وتجيء الفتنة فيقول المؤمن هذه مُهلِكتي، ثمّ تنكشف وتجيء الفتنة، فيقول المؤمن: هذه هذه، فمن أحَبَّ أن يُزَحزَحَ عن النار وَيُدْخَل الجنة؛ فلتأته منيّته وهو يؤمن بالله واليوم الآخر، وليأت إلى الناس الذي يُحبّ أن يُؤتَى إليه (4)، ومن بايع إماماً فأعطاه صفْقَة يدِه وثمرةَ قلبه (5) فليطعه إن استطاع، فإنْ جاء آخرُ ينازعه؛ فاضربوا عُنُق الآخر.

فدنوت منه فقلت له: أنشدك الله آنت سمعْتَ هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم،

(1) ينتضِل: هو من المناضلة، وهي المراماة بالنُّشَّاب. "شرح النّووي".

(2)

جَشَره- بفتح الجيم والشين-: وهي الدوابُّ التي تَرعى وتَبيت مكانها.

(3)

يُرقق -بضم الياء وفتحِ الراء-: قال النّووي رحمه الله (12/ 233): "أي: يصير بعضها رقيقاً، أي: خفيفا لعِظَم ما بعده، فالثاني يجعل الأول رقيقا، وقيل: معناه يشبه بعضها بعضا، وقيل: يدور بعضُها في بعض، ويذهب ويجيء، وقيل: معناه يسوق بعضها إلى بعض بتحسينها وتسويئها". انتهى.

قلت: والأوّل أرجح، والله -تعالى- أعلم.

(4)

وليأت إلى الناس الذي يحبُّ أن يُؤتى إليه: قال النّووي رحمه الله: "هذا من جوامع كَلِمِه صلى الله عليه وسلم، وبديع حكمه، وهذه قاعدة مهمّة فينبغي الاعتناء بها، وأن الإنسان يلزم ألا يفعل مع الناس، إلَاّ ما يُحبّ أن يفعلوه معه".

(5)

صفقة يده، وثمرة قلبه: أي خالص عهده. "النّهاية".

ص: 313

فأهوى إلى أذنيه وقلبِه بيديه وقال: سَمِعَتْه أذناي ووعَاه قلبي.

فقلت له: هذا ابن عَمِّك معاوية يأمُرنا أن نأكلَ أموالَنا بيننا بالباطل، ونقتُلَ أنفسنا، والله يقول:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ (1) إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا} قال: فسكَت ساعة ثمّ قال: أطِعه في طاعة الله (2)، واعصه في معصية الله" (3).

وعن عوف بن مالك رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "خِيارُ أئمّتكم الذين تحبّونهم ويُحبّونكم، ويُصلّون عليكم (4)، وتصلّون عليهم، وشرار أئمّتكم الذين تبغضونهم ويبغضونكم، وتلعنونهم ويلعنونكم، قيل: يا رسول الله أفلا ننابذُهُم بالسيف؟ فقال: لا؛ ما أقاموا فيكم الصلاة (5)، وإذا رأيتم مِن ولاتكم شيئاً تكرهونه، فاكرهوا عَمَله، ولا تنزِعوا يَداً مِن طاعة"(6).

قال شيخ الإسلام رحمه الله في "مجموع الفتاوى"(28/ 170):

(1) المقصود بهذا الكلام: أنّ هذا القائل لمّا سمِع كلام عبدِ الله بن عمرو بن العاص، وذكر الحديث في تحريم منازعة الخليفة الأول، وأن الثاني يقتل، فاعتقد هذا القائل هذا الوصف في معاوية؛ لمنازعته عليّاً رضي الله عنه، وكانت قد سَبَقت بيعةُ عليّ، فرأى هذا أنّ نفقة معاوية على أجناده وأتباعه في حرب عليِّ ومنازعته ومقاتلته إياه، مِن أكْل المالِ بالباطل، ومِنْ قَتْلِ النفس؛ لأنه قتالٌ بغيرِ حقّ، فلا يستحقّ أحدٌ مالاً في مقاتلته".

(2)

قال الإمام النّووي رحمه الله: "هذا فيه دليلٌ لوجوب طاعة المتولّين للإمامة بالقهر، مِن غير إجماع ولا عهد".

(3)

أخرجه مسلم: 1844.

(4)

يُصلّون عليكم: أي يَدْعون لكم.

(5)

قال النّووي رحمه الله (12/ 243): "فيه معنى ما سَبَق أنّه لا يجوز الخروج على الخلفاء بمجرد الظلم أو الفسق، ما لم يُغيِّروا شيئاً مِن قواعد الإسلام".

(6)

أخرجه مسلم: 1855.

ص: 314