الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والحاصل: أنّ أصلَ دم المسلم وماله؛ العِصمَة، ولم يأذن الله عز وجل سوى بقتال الطائفة الباغية حتى تفيء، فيجب الاقتصار على هذا (1).
وعن عرفجة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يُقول: "إنّه ستكون هَنات وهَنات، فمن أراد أن يُفرّق اْمر هذه الأُمّة وهي جميع، فاضربوه بالسيف كائناً مَن كان"(2).
وفي لفظ: "مَن أتاكم وأمرُكم جميع، على رجل واحد، يُريد أن يَشُقّ عصاكم؛ أو يُفرّق جماعتكم؛ فاقتلوه"(3).
لا يُجهز على الجريح منهم ولا يُسلب القاتل ولا يُطلب المولّي
عن أبي أمامة رضي الله عنه قال: "شهدت صفّين فكانوا لا يجيزون على جريح (4)، ولا يطلبون مُوَليّاً، ولا يسلِبون قتيلاً"(5).
(1) قال الإمام النّووي رحمه الله، (7/ 169)، عقب قوله صلى الله عليه وسلم:"فَإذَا لَقِيتُمُوهُمْ فَاقْتُلُوهُم فَإنَ فِي قَتْلِهِم أجْراً"[سيأتي تخريجه إن شاء الله]: "هَذَا تَصْرِيح بِوُجُوبِ قِتَال الْخوَارِج وَالْبُغَاة، وَهُوَ إِجْمَاع الْعُلَمَاء، قَالَ الْقَاضِي: أجْمَعَ الْعُلَمَاء، عَلَى أنَ الْخوَارِج، وَأشْبَاهَهُمْ مِنْ أهل الْبِدَع وَالْبَغْي؛ مَتَى خَرَجُوا عَلَى الْإِمَام وَخَالَفُوا رَأْي الجماعَة وَشَقُّوا الْعَصَا؛ وَجَبَ قِتَالهمْ بَعْد إِنذَارهمْ، وَالاعْتِذَار إِلَيْهم. قَالَ الله - تَعَالَى-:{فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ}
…
، وَهَذَا كُلّه مَا لم يَكْفُرُوا بِبِدْعَتِهِمْ، فَإِنْ كَانَتْ بِدْعَة مما يَكْفُرُونَ بِهِ جَرَتْ عَلَيْهِمْ أحْكَام المرتدِّينَ".
(2)
أخرجه مسلم: 1852.
(3)
أخرجه مسلم: 1852.
(4)
لا يجيزون على جريح: أي: مَن صُرع منهم وكُفِي قِتالُه، لا يُقْتَل؛ لأنهم مسْلِمون، والقصْد مِن قتالهِم دَفْعُ شَرِّهِم، فإذا لم يُمْكِن ذلك إلَاّ بقَتْلهم قُتِلوا. "النّهاية".
(5)
أخرجه الحاكم، وعنه البيهقي، وصححه شيخنا رحمه الله في "الإرواء"(2463).
وعن الزهري قال: "قد هاجَت الفتنة الأولى، وأدركَت -يعني الفتنة- رجالاً ذوي عددٍ مِن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ممن شهد معه بدراً، وبلَغَنا أنهم كانوا يرون أن يُهدَر أمر الفتنة، ولا يُقام فيها على رجلِ قاتِلٍ في تأويلِ القرآن قِصاصٌ فيمن قتل (1)، ولا حدٌّ (2) في سباءِ امرأةٍ سُبيَت (3)، ولا يُرى عليها حدٌّ (4)، ولا بينها وبين زوجها ملاعنة (5)، ولا يُرى أن يَقْفُوها أحدٌ إلَاّ جُلد (6)، ويُرى أنْ تُردَّ إلى زوجها الأول؛ بعد أنْ تعتدّ فتقضى عدّتَها مِن زوجها الآخر (7)، ويُرى أنْ يَرِثَها زوجُها الأوّل (8) "(9).
وفي لفظ: "ولا مالٌ استحلَّه بتأويلِ القرآن إلاّ أنْ يوجَدَ شيء بعينه (10) "(11).
والزهري لم يدرك الفتنة المشار إليها، وهي وقعة صفّين.
(1) أي: لا يُقتَل قِصاصاً بقتله، لأنّه مُتَأوّلٌ بالقرآن.
(2)
ولا حد: تقدير الجملة: لا يُقام حدّ.
(3)
أي: فمَن سباها بتأويلِ فلا يُقام عليه الحدّ.
(4)
وكذلك هي لا تُنزّل منزلة الزانية، فلا حدّ عليها.
(5)
يعني: لا يَرَون أن تكون ملاعنةٌ بينها وبين زوجها، وما يَتْبع ذلك مِن أمور؛ كالتفريق مَثلاً.
(6)
أي: إذا اتَّهمَها أحد أو قذَفها بالزنا؛ أُقيم عليه حدّ الجلد.
(7)
وذلك عودةً إلى الأصل واستبراءً للأرحام.
(8)
يعني: إذا تُوفيت وَرِثها زوجها الأول، ولا يرثها الثاني.
(9)
أخرجه البيهقي وصحَّحه شيخنا رحمه الله في "الإرواء"(2465).
(10)
يعني: مَن عَرَف شيئاً مِن ماله مع أحد فليأخذه، ولا يجوز له تملُّك المال الذي ساقه بتأويلِ القرآن.
(11)
أخرجه البيهقي بإسناد صحيح، انظر "المصدر السابق".
وليس مِن البغي إظهارُ كونِ الإمام سلَك في اجتهاده في مسألة، أو مسائل؛ طريقَ مخالفةٍ لا يقتضيه الدليل؛ فإنّه ما زال المجتهدون هكذا، ولكنه ينبغي لمن ظهَر له غلط الإمام أن يُناصحه، ولا يُظهر الشناعة عليه على رؤوس الأشهاد؛ بل كما ورَد في الحديث:"أنّه يأخذ بيده، ويخلو به، ويَبذُل له النصيحة، ولا يُذِلّ سلطان الله (1) "(2).
ولا يجوز الخروج على الأئمّة -وإن بلَغُوا في الظلم أيَّ مبلغ- ما أقاموا الصلاة، ولم يَظهر منهم الكفر البَوَاح، والأحاديث الواردة بهذا المعنى متواترة، ولكن على المأموم أن يطيع الإمام في طاعة الله، ويعصيَه في معصية الله؛ فإنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق (3).
(1) وقد ثبت في السنّة التعبير بسلطان الله، فعن زياد بن كُسيبٍ العدوي قال:"كنت مع أبي بكرة تحت منبر ابن عامر وهو يخطُب، وعليه ثياب رِقاق فقال أبو بلال: انظروا إلى أميرنا يلبس ثياب الفُسّاق، فقال أبو بكرة: اسكت، سَمعْتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: مَن أهان سلطان الله في الأرض أهانه الله". أخرجه الترمذي، "صحيح سنن الترمذي"(1812)، وانظر "الصحيحة"(2296).
(2)
وفي هامش "التعليقات الرضية"(3/ 504) إشارة إلى كتاب "السُّنَّة"(1096) لابن أبي عاصم.
قلت: ولا بد مِن ذِكْر هذا الحديث لتحقيق الفائدة، فقد ساق المصنف رحمه الله بإسناده إلى شريح بن عبيد قال: قال عياض بن غُنم لهشام بن حكيم: ألم تسمع بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَن أراد أن ينصح لذي سلطان، فلا يُبدِه علانية، ولكن يأخذ بيده فيخلو به، فإنْا قَبِل منه فذاك، وإلا كان قد أدّى الذي عليه" وصححه شيخنا رحمه الله بمجموع طُرُقه، وانظر تفصيل تخريجه في الكتاب المذكور.
(3)
انظر "الروضة الندية"(3/ 774).